- قصور فلسطينية مسحورة بالحكايات تنقذ العاطلين عن العمل
- الحياة تدب من جديد في قلاع الاقطاعيين
قصور فلسطينية مسحورة بالحكايات تنقذ العاطلين عن العمل
الحياة تدب من جديد في قلاع الاقطاعيين
تضافرت جهود عدة جهات لإعادة الحياة، في قلاع عائلات فلسطينية إقطاعية، ارتبطت بالتاريخ السياسي والاجتماعي، ليس فقط في فلسطين ولكن بالمنطقة ككل وبالقوى العالمية المؤثرة في فترة من الفترات مثل الإمبراطورية العثمانية، أو القوة الإقليمية المتحدة في وقتها، مثل مصر بقيادة محمد علي باشا الكبير وابنه إبراهيم باشا الذي قاد مغامرة والده الفاشلة إلى بر الشام مدة عشر سنوات، وتصوره الحكايات الشعبية الفلسطينية المرتبطة بإحدى القلاع الاقطاعية كمهزوم وذليل، بعكس الصورة المتداولة له.
مكنت شراكة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي/ برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني ووزارة السياحة والآثار الفلسطينية وبلدية قرية (عرابة)، وبتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ضمن مشروع لإيجاد فرص عمل والحد من الفقر من ترميم قلاع وقصور من بينها قصور عبد القادر عبد الهادي وحسن عبد الهادي.
تقع قرية عرابة على الأطراف الشمالية لجبال نابلس على بعد خمسة كيلومترات من شرق ساحل البحر الأبيض المتوسط، وترتبط بكل من جنين ونابلس. يقول حمدان طه، مدير عام دائرة الآثار الفلسطينية ل«الشرق الأوسط»: «كانت هذه القرية موطئ قدم عشيرة عبد الهادي، وبالتالي كانت موقع قصور الأخوين عبد القادر وحسين عبد الهادي. وقد هيمن الحكام الإقطاعيون من هذه العائلة على المنطقة وأقاموا تحالفات استراتيجية مع المصريين والأوروبيين وسيطروا على مساحة شاسعة من الأراضي»، ويضيف «لقد سادت الصراعات على النفوذ بين الشيوخ في فلسطين في العهد العثماني، ولم تسلم عائلة عبد الهادي من هذه الصراعات، إذ دخلت في حروب مع الحكام المتنفذين من عائلتي جرار وطوقان».
وحظيت عرابة التي تبدو الان كموقع ثانوي، لا يكاد يرى على الخريطة، باهتمام المستشرقين والرحالة، لأهميتها التاريخية. وفي 8 ابريل (نيسان) 1827، زار الكونت الفرنسي ليون دي لابوردي عرابة، وتشير كتاباته إلى نفوذ عائلة عبد الهادي ومدى غناها، مع انه كان يحمل رأياً مسبقاً مخالفاً لذلك قبل وصوله إلى القرية.
وكتب لابوردي عن زيارته لعرابة «توقعنا أن نحظى بمأوى من فلاح ما يمنحنا غرفته الوحيدة وبقايا عشائه المتواضع. وكم كانت مفاجأتنا كبيرة عندما تمت مرافقتنا إلى بيت فسيح جدا. احتشد تحت قوس البوابة جمع من الخدم الذين تقدموا بنشاط لأخذ ألجمة مطياتنا. بإمكان المرء أن يتخيل انه في قصر مسحور. وقد علمنا اننا ننزل في ضيافة الشيخ عبد الهادي، صاحب اكبر نفوذ في المقاطعة بأكملها، وبعد أن ترك لنا مجالاً للاستمتاع بوجبة أولية، جاء الشيخ عبد الله لزيارتنا وتحدث كرجل ملم بشؤون الحكم، واستمرت عظمة هذا الاستقبال غير المتوقع حتى لحظة رحيلنا».
وفي أواخر فبراير (شباط) 1856، دخلت ماري اليزا روجرز، شقيقة نائب القنصل البريطاني في حيفا، جناح الحريم في قصر عبد الهادي. وكانت نساء العائلة في شغف لمعرفة كل شيء عن أول امرأة أوروبية يلتقين بها، فطرحن عليها الأسئلة، سألنها، مثلا، إذا ما كانت متزوجة، وبعد أن أبلغتهن أنها كانت عزباء، سألنها عن والدها. وفي إشارة إلى اهتمامهن في معرفة مدى ثرائها، كان أول سؤالين طرحنها عليها هما: «كم عدد الجمال التي يملكها والدك؟»، و«هل أشجار الزيتون التي يملكها والدك حديثة العهد ومثمرة؟».
ورغم أن النظرة الاستشراقية التقليدية، التي لا تخلو من تعال، تفوح مما كتبته روجرز، إلا انه يمكن مما كتبته الاستفادة لفهم ظروف تلك الفترة.
بعد قرون من الإهمال، وأخيرا تم ترميم قصر عبد القادر عبد الهادي وتحويله إلى مركز ثقافي بهدف صيانة الإرث الغني لقرية عرابة وإيجاد فرص عمل وتوفير متسع للأنشطة الثقافية والترفيهية.
ويقول حمدان «هذا المشروع، يتضمن مركز كومبيوتر ومكتبة وقاعدة سمعية بصرية ومركز معلومات ومتحفا ومقهى واستديو فني، وهو بمثابة منتدى للشبان».
ويضيف «كما تم ضمن المشروع ذاته ترميم قصر حسن عبد الهادي وتحويله إلى مركز للأطفال. ويكتسب ترميم قصر حسن عبد الهادي أهمية خاصة لسكان القرية، لأن جزءا من هذا المبنى كان يستخدم في السابق سجنا قبع فيه أجداد العديد من السكان، وعندما يصبح المبنى مركزا حيويا، تتولد روابط اكثر إيجابية مع القصر، يتم تناقلها من جيل إلى جيل».
قلعة أخرى جديرة بالاهتمام هي قلعة البرقاوي المهيبة التي شيدت عام 1600 ميلادي في بلدة شوفة، وتحمل القلعة اسم زعيم عائلة امتلكت النفوذ خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، هو الشيخ عيسى البرقاوي. وتعرضت القلعة للإهمال على مدى أعوام طوال فأصبحت مصدعة ومزعزعة. وكان السكان يستخدمونها حظيرة لمواشيهم، ونساء القرية اللواتي كن يخبزن على الطابون بجانب القلعة يتذكرن ذلك اليوم الذي استعمل فيه عمال البناء الديناميت لتفجير مرتفع من حجر الجير أثناء إنشائهم لطريق سريعة، مما أدى إلى انهيار المبنى.
ويقول طه «قلعة البرقاوي هي عنصر محوري في هوية البلدة وأسطورتها الشعبية»، ويضيف «الناس يفضلون التحدث عن القلعة على أن يخطوا داخلها، لأنها حسب قولهم تعج بالأفاعي، وعندما يواجه أهل البلدة بأسئلة عن القلعة، فإنهم يحيلونها إلى أي من المسنين المعروفين، مثل أبو زاهر».
يتذكر أبو زاهر أن القلعة كانت مركزا للنفوذ أثناء الحكم العثماني واعتبرت في بعض الفترات مركزا للمنطقة برمتها، ويضيف قائلا «كانوا أثناء الحرب يقصفون القلعة التي كان الناس يستخدمونها كمأوى حصين لهم، لقد حكم الشيوخ المتنفذون سكان المنطقة وتصارعوا الواحد ضد الآخر، ولكن العثمانيين فرضوا فيما بعد حكما مركزيا، فتمرد أهل شوفة ضدهم وشاركوا بحماسة في الثورة التي اشتعلت عام 1831».
ويؤكد أبو زاهر ما تتناقله الأسطورة الشعبية من أن العثمانيين وضعوا مدفعا في شجرة زيتون واستخدموه لقصف القلعة، والآن أصبحت هذه الشجرة تعرف باسم زيتونة المدفع.
لكن المدرس عوض عواضة (50 عاماً) يستذكر الإرث الشفوي لرجال القرية ويؤكد أن شجرة الزيتون سميت كذلك لأنها تبدو كالمدفع.
ويقول الدكتور طه «إن المكانة المركزية التي تحتلها القلعة في التاريخ الشفوي المحلي تكشف عن أهميتها بالنسبة للسكان، ومن هذا المنطلق، فان ترميم القلعة يساهم في صيانة تاريخ شوفة ويتيح للسكان الاستمتاع بالموقع وممارسة الأنشطة فيه». ويضيف «لقد حول المشروع القلعة إلى موقع مبهج يفتح أبوابه للسكان والزائرين، ويتضمن الموقع متحفا يحتوي على مجموعة من مقتنيات قلعة البرقاوي وقاعة لإقامة المعارض المؤقتة وقاعة محاضرات وورشة عمل فنية وحرفية ومكتبة ومقهى يوفر جلسة جميلة في الحديقة، بالإضافة إلى ذلك، تم تشييد مدرج في الهواء الطلق لاستضافة الاحتفالات الثقافية».
.. ..
.. .. .
..