المعري
16-11-2022 - 04:00 am
يسأل الكثير من الأقارب والمعارف والأصدقاءمحدثكم عما إذا كانت إندونيسيا مناسبة للسفر العائلي
وأنا متأكد بأن الكثير منكم قد مر بنفس الموقف ونفس الأسئلة والإستفسارات
لا أبالغ عندما أقول أن كل مايعرفه السائل عن هذه الوجهة السياحية هو"إنها ديرة الشغالات والسواقين"
وقد يظيف البعض بأنها "رخيصة"...وكلا المعلومتين صحيحة إلى حد ما
لا أنكر بأن المتمرسين بالسفر العائلي إلى هناك أو حتى "الشبابي" إنما يستمتعون بسفرهم بحكم معرفتهم
للبلد ومتى وأين يخرجون
سأركز في مداخلتي هذه على المسافر لتلك الديار لأول مرة وقد يكون بصحبة عائلته أو أصدقائه..سيان
فالأمر واحد...الكثير يأتي لتلك الديار بتصور مسبق قد يكون تكون لديه إما من منتديات السفر والسياحة
أو من خلال سماعه الشفهي لتجارب الآخرين الإيجابية فقط
دعونا نتفق مبدئيا على نقطة واحدة أن البلد "كوجهة سياحية"جيدة لمن يعرف أن يتعامل معها...ومن وجهة نظري
أن هنالك الكثير من المسافرين لا يجيد هذه النقطة
دعنا نبتعد قليلا عن الطرح الإنشائي ونضرب بعض الأمثلة العملية والتي تخص القادم لأول مرة:
عند الوصول إلى المطار وأثناءإجراءات الحصول على تأشيرة الدخول "قد" يطلب منك الموظف "هدية قسرية"
قبل أن يمنحك التأشيرة التي دفعت قيمتها بالعملة الصعبة وقد يستجيب القادم الجديد لهذا الطلب
بعد الخروج من الصالة سيستقبلك الكثير من الناس وكل يعرض لك خدماته...من الشريحة مسبقة الدفع والتي
تباع عليك بخمسة أضعاف سعرها بالسوق
وستقابل من يسوق ويقدم عقود الزواج"المسفار" وأخيرا وليس آخرا "السواقين" النشبة والذين غالبا ما يطلبون
ثلاثة أضعاف السعر المتعارف عليه
إن صادف قدومك خروج الموظفين أو عطلة رسمية فسترى "زحمة" لم ترها بحياتك كلها خصوصا إن كانت وجهتك
أحد فنادق العاصمة أو إن السائق لم يسلك بك الطريق السريع(ليوفر على نفسه ضريبة الطرق)مستغلا عدم معرفتك
سترى التباين العجيب والصارخ بين الفقر المدقع والترف العجيب...ستمر بأحياء شعبية وفقيرة أهلها معدمون وبناطحات سحاب ومجمعات تجارية ليس لها مثيل في كثير من بلدان العالم
عند توجهك للمحطات السياحية في جاكرتا مثلا حتما ستلاحظ إنعدام "الحس التسويقي" لدى مظيفينك الجدد
فمعلم بحجم "دنيا فانتزي" وهو من أهم معالم جاكرتا السياحية في قلب الواجهة البحرية لا يفتح أبوابه إلا بعد الساعة الحادية عشرة ظهرا!!!يعني في عز الظهر والكل يعلم أن جو جاكرتا إستوائي حار ورطب...والأدهى أن "الملاهي"
تقفل أبوابها الساعة الخامسة مساءا أي عندما "يزين الجو"وقس عليه المحطات السياحية الأخرى في أنشول مثل
عالم البحار وجايا أنشول وأطلانطيس علما بأن الجو من بعد العصر في منطقة الأنشول وخاصة المساء جميل
جدا والحرارة معتدلة
سيخرج الظيف الجديد في "الوقت الخاطيء"ليرى معالم جاكرتا أو أسواقها أي من الخامسة مساءا وحتى التاسعة
عندها سيدرك أن وقته سيذهب هدرا وهو "محشور" مع عائلته في تاكسي لا يتحرك إلا أمتارا قليلة كل ربع ساعة
بجو يفوح بأنواع الملوثات البيئية من عوادم سيارات الديزل...ومعروف أن إندونيسيا من أشد دول العالم تلوثا في
الطرقات وهي عشرة أضعاف المعدل العالمي
طبعا جميع أنواع النشاطات التجارية والترفيهية تنتهي مبكرا كما أسلفنا حتى المجمعات التجارية أغلبها يقفل أبوابه
الساعة الثامنة مساءا وقد يخلو من الزبائن قبل هذا الوقت ...يعني أغلب وقتك سيذهب هدرا في زحام خانق خصوصا إن
كنت خرجت بعد الساعة الخامسة فلا إنت وصلت وجهتك ولا إنت كسبت القعدة في الفندق
ستقرر بعد كل هذه المآسي والزحمة بأنك لم تجشم عيالك عناء السفر وتدفع قيمة التذاكر"المرتفعة" لتقضي جل وقتك
حبيس تلك التكاسي الضيقة بين عوادم السيارات وإنه حان الوقت لتستمتعوا بالطبيعة الجميلة والجو اللطيف بالبشاك
فتقرر الذهاب إلى هناك ويصادف خروجك عطلة نهاية الأسبوع أو مناسبة وطنية وستعرف سريعا بانك قد إرتكبت
خطأ فادحا فسيتهيأ لك بأن جاكرتا بملايينها الخمس والعشرين معك على نفس الطريق
ستصل بعد أن يحل بكم الأعياء والطفش إلى البنشاك"الجبل" وستنصدم بأن كل شيء "فل" ومحجوز لأهل جاكرتا
ويبدأ مسلسل تقاذفك بين سماسرة الجبل وشريطيين الفلل وطلب مبالغ فلكية مستغلين حالة الإرهاق التي تمر بها عائلتك
وستوافق على مضض قبول عروضهم المبالغ فيها لتريح العائلة من هذا الكابوس المرعب في التنقل بين الفلل بعفشك وعيالك وقد تأخر الوقت عليك وإدلهم الظلام بكلاحة وجيه هؤلاء السماسرة
في الغالب ستحصل على "مكان للمبيت" ليس إلا ومن مبدأ "لو فيه خير ما عافه الطير" وأهل جاكرتا أدرى بفلل الجبل
وحتما سيبدأ مسلل من التقزز والتذمر من مرافقيك وذلك لأن المكان "يعج" بأنواع "البريعصيات-الضواطير-الوزغ"سمها ماشئت لكنها تأتي بأحجام وألوان مختلفة وتصر على إبقاء الجميع بحالة من التيقض والحذر بأصواتها
المزعجة طوال الليل
بعد إنبلاج النور ومحاولات فاشلة للنوم ستقرر "التموين للعيال" بالذهاب لما يسمى ب"البقالات السعودية" وسيصدمك
المنظر لا محالة فمن "الشحذة والإستجداء للهدية" من قبل أطفال يرومون تلك المناطق وستقرر بعد "إعطاء المقسوم"
لمحترفي الشحاذه هؤلاء أن تنهي المهمة التي خرجت من أجلها وستدخل أحد هذه البقالات لتنصدم بالغلاء الفاحش
والمبالغ فيه لأنواع السلع الموجودة داخله...ولا يهون راعي "تيس وخروف" والذي يقع على "حذفة عصا"من البقالة
سترى بأم عينك وقد أقول تلمس الجشع والطمع وسوء الأخلاق والأدب لهؤلاء القوم وخاصة من "كنتاكي إلى مدخل سي سروه" ففر من هذه المنطقة فرارك من الأسد
ستحتاج أن "تمشي العيال" في الجبل وحتما ستحتاج إلى سيارة وعندها سيبدأ فصل جديد من تقاذفك بين "عصابة السواقين" في الجبل وسترضخ بالأخير لأسعارهم العالية وستحس بعجزك التام عن المقاومة
قررت العائلة الذهاب إلى "حديقة الزهور" وقضاء اليوم هناك وهي بالمناسبة لا تبعد بأكثر من عشرة كيلومترات عن البنشاك سيأخذكم السائق إلى هناك وعند الخروج في نهاية اليوم سيرجعكم إلى الفلة وقد تمرون على مطعم على الطريق
ولن تستطيع بمنطقك أن تتفهم لماذا يصر السائق على طلب "خمسمية ألف"(220 ريال) لهذا المشوار الصغير
ولماذا لا توجد خدمات للتكاسي في منطقة تعج بالمزارات السياحية ومتنفسا لسكان العاصمة؟؟؟!!!
على العموم الموضوع يطول ويطول ومع ذلك نعود سنة بعد أخرى لتلك الديار ولكن بعد أن نتعلم بالطريقة القاسية فنون التعامل مع "بني أندوم" ونتعلم متى نخرج ومتى "نكن" وأين نسكن وكيف نتعامل مع هذه "المنغصات"
وفي الختام ما هي إلا محاولة لتنبيه المسافرين الجدد قبل أن "يدرعموا" بهذه المغامرة أن يخططوا جيدا لسفرهم
ويذهبوا بحس إيجابي وإن يتوقعوا "الغير متوقع"
تحياتي للجميع ونترك النقاش يبدأ ليدلي كل بدلوه ومرئياته حيال ما ذكر بعاليه
انت مبدع