- فيينا : بثينة عبد الرحمن
فيينا تحتفل بالأعياد على أنغام الفالس
برد شديد وأسواق شعبية وموسيقى
فيينا : بثينة عبد الرحمن
تعتبر فيينا من أجمل المدن الاوروبية للاحتفال بفترة الاعياد نسبة لطبيعتها الخلابة وزينتها البراقة وجوها البارد والموسيقى في الشوارع والاحتفالات في الطرقات، ففي هذه الفترة يمكن القيام بالعديد من النشاطات، ولكن للحصول على أكبر قدر من المتعة خلال زيارتك أنصح بالتخلي عن السيارة والتجول مشيا على الاقدام خاصة أن المناطق السياحية الشهيرة قريبة من بعضها وتقع في قلب المدينة القديمة.
عندما تأتي إلى فيينا لا بد أن تعيش كما يعيش أهلها، فابدأ أولا باختيار الانيق والثقيل من ملابسك الشتوية وإياك ان تنسى القفازات والشال حتى لا يهزمك البرد، ونصيحتي الثانية هي أن تأخذ قسطا من الراحة في أحد المقاهي او الفنادق التي تمر عليها فى طريقك واستمتع بنوع من أنواع القهوة او الشاي العديدة، مع ضرورة ان تحدد بعض المناطق والاهتمامات التي تعد أولوية بالنسبة لك .
الجميل في فيينا في فترة الاعياد هو أن جميع المناطق السياحية تبقى مفتوحة مع تعديل بسيط في أوقات العمل، وإذا كنت من أنصار السفر المنظم أنصحك بزيارة الموقع التالي http://www.vienna.info الذي يطلعك على المواعيد واسهل طرق الوصول وامكانيات الحجز للمسارح والحفلات الموسيقية.
فيينا في هذه الفترة من العام تشبه فتاة جميلة تتزين لتزداد جمالا، إنها في الحقيقة تتلألأ بأبهى الاضواء والزينة، من دون تكلف وبهرجة محافظة على أناقتها المعهودة.
ولنبدأ من احتفالات اعياد الميلاد، والتي لا تختلف كثيرا عن كونها مناسبة دينية، عائلية، تستعد لها الاسر بكثير من الهدايا والخبائز واشهرها «الكعك بالقرفة» وتبدأ قبل شهر من ليلة العيد حيث تتجمع الاسرة كل يوم احد حول شمعة يغنون اغاني العيد ويحكون قصصه ويأكلون اطيب الحلويات، وتنتشر الاسواق الخاصة بالاعياد من الفترة الممتدة من 15 نوفمبر (تشرين الثاني) ولغاية 26 ديسمبر (كانون الاول) وتقام في ساحات واسعة، تشيد فيها أكشاك خشبية تعج بأنواع من الزينة للمنازل واشجار أعياد الميلاد والاطعمة والمشروبات. والتقليد النمساوي مختلف عن باقي البلدان، ففي السادس من ديسمبر يستعد الاطفال المهذبون لزيارة القديس نيكولاس الذي يقدم لهم الهدايا والحلويات، أما نصيب الاطفال الاشقياء فيكون زيارة من «كرامبس» القبيح وهو يحمل عصاة للتأديب، فعندما تتجول في الاسواق سوف ترى حتما «كرامبس» بمظهره المخيف ونيكولاس الوديع يتجولان كذلك فى الاحياء والاسواق لملاقاة الجميع .
يوم عيد الميلاد، تجتمع الاسرة حول مائدة عامرة مؤلفة من طبق سمك أو بطة، فيما يؤجلها البعض لليوم التالي لتكون في الموعد العادي لوجبة الغداء، اما الهديا فيفرح بها الجميع عصر يوم 24 .
بالنسبة للسائح فإن أقصى ما يمكن ان يستمتع به جولة هادئة في طرقات المدينة الجميلة الخالية بعد ضجة استمرت أكثر من شهر كامل وتكون أمامه فرصة للتمتع بمنظر واجهات المحلات المزينة التي تبقى مضاءة وان كانت المحلات مغلقة عدا محلات معينة بالمحطات الرئيسة للسكك الحديدية، بينما تظل المتاحف مفتوحة حتى الثالثة بعد الظهر .
وما ان ترتاح المدينة من أعياد الميلاد قليلا حتى تزاحمها الاحتفالات بالعام الجديد، خاصة ان فيينا تعرف كيف تستقبله بالصخب والمرح، وهنا تكمن فرصة السائح الكبرى لرؤية اهلها وهم في قمة السعادة يستعدون لاستقبال من يشاركهم المناسبة في كل شارع وجادة من جادات المدينة التي تنتشر فيها منذ الصباح جماعات تقرأ الطالع وتتنبأ برؤية احداث العام التالي، كما تتوفر أماكن لبيع أشكال معدنية يتم تذويبها في معالق تعرض لسخانة الشموع، ثم تدلق سريعا، بعد ان تذوب، في الماء، يفسر كل من أشكالها بشيء معين له علاقة بالحظ والطالع، فهذا يجلب المال والثروة وذاك الحب والاطفال وآخر الصحة.. وهكذا مما هو في حقيقته مجرد تسلية لا اكثر.
أما في المساء، فتقيم مدينة الملاهي «البراتا» للاطفال والشباب (يمكن الوصول اليها عن طريق قطار الانفاق 1) احتفالات بالالعاب النارية واستعراضات للتزحلق على الجليد على انغام الموسيقى الصاخبة وهناك فرصة للعب بالالعاب النارية التي يمكن الحصول عليها من اي «سوبر ماركت» واستخدامها في الفضاء الشاسع حول تلك المنطقة، وغالبا ما تنتهي احتفالاتها في ساعة مبكرة حتى تتمكن الاسر من العودة للعشاء في المنازل او بالخارج، وهنا من الاحسن القيام بحجز مسبق ان كانت لديك النية للعشاء في فندق او مطعم كبير، لتجنب عدم وجود مقعد خال او الانتظار الطويل .
قلب المدينة ونعني به «المنطقة المثلثة»، أي كيرتن اشتراسا واشتيفان بلاتز والقرابن، هي منطقة قديمة تحيط بها أفخم المحلات التجارية وتتوسطها أكبر الكناس ولا تبعد عنها أحسن الفنادق كما أنها على بعد خطوات من الاوبرا والمتاحف وقصر الهوفبورغ، الذي كان المقر الشتوي لاباطرة الهابسبرغ، فتتوفر فرق موسيقية عديدة على نظام الحفلات الموسيقية المفتوحة حيث يتم نصب شاشات ضخمة، ليرقص الجميع بينما تزين السماء العاب نارية، ويمكن الوصول لهذه المنطقة بقطار الانفاق رقم 1 لكن قبل منتصف الليل يتم حجزه من بعض المحطات خوفا من الازدحام الذي يزداد مع الاقتراب من نهاية العام وبما أن المنطقة مخصصة بالاصل للمشاة فلا وجود للعربات لكن لا بد من الاحتراز لشدة الازدحام رغم ان الغلبة عموما لاجواء فرح خاصة مع الاقتراب من منتصف الليل.
ما ان يبدأ العام الجديد حتى تتوجه جموع كبيرة نحو جادة «الرات هاوس» او المجلس البلدي، والتي تتحول لاكبر فسحة لرقص الفالس، بعد ان يكون البعض قد قضى مطلع الامسية داخل فندق او مقهى او مع اصدقاء في منزل خاص ليبدأوا عامهم بنكهة نمساوية ورقصة فالس حالمة رغم البرد الشديد ..... واحيانا شديد جدا .
ثم يعود اهل فيينا لساعات نوم قصيرة، لتبدأ فرقة الفيينهارمونيكا في تمام التاسعة العاشرة صباحا، حفلا موسيقيا خاصا بالعام الجديد، المحظوظون هم من ينالون تذاكره والتي تباع عن طريق القرعة، التي يتم إجراؤها قبل عام كامل، ويتم إبلاغ الفائز عن طريق التلفون أو البريد الالكتروني، كما أصبح يتم أخيرا، أما الاقل حظا فيتابعون الحفل عبر أجهزة الاعلام . وهكذا هي المدينة لا تطلب منك مالاً لتشاركها الاحتفالات، فقط ان تكون بصحة جيدة ومزاج هادئ، لتنتقل من منطقة لاخرى . وللمسلمين ممن يرغبون في صلاة العيد فهناك أكثر من مسجد، اكبرها المسجد الاسلامي على ضفاف الدانوب، حيث تقام الصلاة أكثر من مرة لاستيعاب الجميع وهناك مكان مخصص للسيدات والاطفال، ويمكن الوصول للجامع الكبير عن طريق قطار الانفاق 6 محطة Neue Donau . ويجاهد عدد من الاسر للتمسك بالسنة الكريمة وذبح الاضاحي ويتم ذلك في مزارع خاصة خارج فيينا، ثم العودة بها للمنازل لحما مجزأ، في حين يكتفى اخرون بإرسال قيمة الاضحية لبلادهم لتوزع «كرامة وسلامة» على الفقراء والمحتاجين، وكالعادة فإن المسلمين يتبادلون الزيارات والدعوات والحفلات، بينما تصبح الهدايا للاطفال، ايا كان نوعها ضرورة «قصوى » لربطهم بالعيد.
جريدة الشرق الأوسط 20 / 12 / 2006 م
