- بسم الله الرحمن الرحيم
- كفى بمقام في سرنديب غربة ....نزعت بها عني ثياب العلائق
- ومن رام نيل العز فليصطبر على ....لقاء المنايا واقتحام المضايق
- لاتسقني كأس الحياة بذلة .... بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله عز وجل على أن جعل السفر للصالحين نعمة ، وهي لمن لايقوم بحقها خسارة ونقمة , والمسافر سفير لدينه أولاً , ولبلده وأمته ثانياً ، فالمسافر داعية الى شريعة الإسلام ، مرشداً الى هدي خير الأنام ، بالأقوال والأفعال , كريماً في شمائله ، سمحاً في تعامله , يستفيد من تجاربه ويفيد , هم أحفاد الصحابة الصادقين , الذين جابوا الأرض فاتحين , ولدين ربهم مرشدين وداعين ..
الكلام عن واجبات المسافر وعن السفر وفوائده يطول ... وقد سبقنا أحبابنا بالكلام عليه , كما سبقونا في تسجيل مشاهداتهم , فللّه درّهم ..
قبل الدخول في تفاصيل الرحلة .... ينبغي الإشارة الى أن ما أسجله يكون في نهاية الأمر نظرة خاصة , واجتهاد بشري , قابل للخطأ والنسيان ..
جزيرة سرنديب ، كما سمّوها قديماً , وسيلان كما أسموها حديثاً , هي جزيرة على المحيط الهندي , تحدّها الهند شمالاً وجزر المالديف جنوباً , طبيعتها ساحرة ، وجوّها بديع , وأهلها تغلب عليهم الطيبة والبساطة , وهم مزيج من المسلمين والهندوس , والبوذيين , وديانات شتى ...
وهي التي نفي اليها الشاعر الكبير محمود سامي البارودي من قبل الإنجليز بسبب اشتراكه في ثورة "عرابي" , وقال قصيدته ومنها :
كفى بمقام في سرنديب غربة ....نزعت بها عني ثياب العلائق
ومن رام نيل العز فليصطبر على ....لقاء المنايا واقتحام المضايق
وحاولت معرفة لماذا وصفها شاعرنا بهذا الوصف , خاصة وأنها جنة في أشجارها وطبيعتها , ولكن الشاعر هنا لايراها بنظرة السائح المتجول , وانما يعيش بها مرغم وعن وطنه منفي , وهو مفارق الأهل والخلان , وهي كقول الشاعر الجاهلي :
لاتسقني كأس الحياة بذلة .... بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
عملتهم الروبية السيلانية , ويوازي المائة دولار عشرة آلاف روبية تقربياً .
وصلت اليها على متن الخطوط السريلانكية , والتي تضم اسطولاً حديثاً من الطائرات ، كما أن الخدمة داخل الطائرة أمر مميز , تفتقر اليه الكثير من شركات النقل العالمية , والأكل داخل الطائرة نظيف , وأحسست أنهم يحاولون جاهدين التطوير من أنفسهم , والتحسين من خدماتهم ..
عندما وصلنا المطار , أخذنا تاكسي الى كولمبو العاصمة , ووصلنا الى العاصمة بعد حوالي 45 دقيقة قطعنا خلالها 33 كيلو متر .
في العاصمة كولمبو لفت انتباهي ذلك التشدد الأمني الرهيب , فقوات الأمن في كل مكان , ونقاط التفتيش تملأ الشوارع , ويوجد تفتيش ذاتي للمشاة في المنطقة التي بالقرب من فندق الشيراتون , وكل حوالي 2كيلو تجد متاريس ومدرعات , وكأن هناك عدو يريد الانقضاض عليهم , وزال تعجبي سريعاً عندما علمت أن هناك شبه حرب تجري بين القوات السريلانكية , ومقاتلي نمور التأميل الذين يريدون الاستقلال عن سيلان بالجزء الشمالي من الجزيرة ..!!
ومع ذلك تعامل قوات الأمن راقي جداً يحترمون السائح أياً كان جنسه ومذهبه , ويحترمون مواطنيهم , وعلمت حينها أنه لايوجد تعارض في الشدة والحزم في تطبيق النظام والأمن وبين السماحة والرقي في التعامل مع البشر ..!!
طبعاً لا ترى هناك سيارات الأجرة واللموزين ذات اللون الأصفر , انما ترى ما يطلق عليه " باجاج " أو " تك تك " وهو عبارة عن دراجة نارية ذات ثلاثة اطارات " مصندقة " ذات صندوق وله كرسي خلفي يتسع لثلاثة ركاب , وقيمته حوالي ألفي دولار يستوردونه من الهند , وهو رخيص ومفيد بالتنقل خاصة اذا كانت هناك زحمة .... وممتع أيضاً في التجوال داخل الشوارع والأسواق الضيقة .
أسكنا سائق المطار في فندق " كولمبو سيتي هوتيل " داخل كولمبو أعتقد أنه ثلاثة نجوم ..
وهو فندق جيد وله اطلالة عجيبة على فندق الشيراتون تبعث في النفس الحسرة وحب الأفضل وتدعو الى اللوم لأننا وافقنا السائق ولم نعترض على اختياره ..!!
عموماً الفندق جيد وعيبه الوحيد أننا عند دخولنا له نمر على حاجز تفتيش , فيتم سؤالنا الى أين نحن ذاهبون ... فنقول الى الفندق ... وهكذا على مدار يومين في كولمبو ..!!
بعد تبديل الملابس ذهبنا نتمشى الى فندق الهوليدي ان وأفطرنا فيه وكان فطوره عبارة عن بوفيه مفتوح .. يفتح النفس ..
طبعاً نحن ثلاثة أشخاص الأمير وهو الذي يدير الرحلة ويرتب الأمور , ونائبه الثاني , وهو المدافع عن آراء الأمير وتوجهاته , والعبد الفقير كاتب هذه السطور وأعطوني منصب النائب الخامس " ونحن ثلاثة أشخاص " ..!!!, علماً أن سائق التاكسي المرافق لنا في الرحلة أرفع درجة مني , ولأني عارف أنه لاصوت يعلو على صوت المدافع , آثرت الصمت , ورضيت بهذا المنصب وسررت به أيضاً , لأننا كعرب نعتمد دائماً ذلك المثل القائل " العوض ولا القطيعة " ..!!
وكعادتنا نقسم أموال الرحلة علينا نحن الثلاثة فيتحمل الأول دفع كافة المصاريف الى أن يتم نفاذ ما عنده ثم الثاني فالثالث , حتى تكون الأمور مرتبة , ولو سرق ما عند أحدنا يبقى الثلثين موجود ...
بعد الأفطار تمشينا الى الكورنيش فسررت بمنظر أمواج المحيط وهي تضرب الشاطئ بلا رحمة ...
فالأمواج القوية تهدد بالويل والثبور.. وعظائم الأمور لكل من يقترب من الشاطئ , فلم أر أحداً يجرؤ على السباحة , وتمشينا على الكورنيش وأكلنا من الأناناس الطازج الذي يقدمه بعض الباعة وأخرج صاحبنا كاميرا الفديو ليصور الشاطئ والمنظر البديع , وبينما نحن كذلك فلم ندر الا والجندي قادماً نحونا وهو يركض , ويتكلم بصوت عال محاولاً منعنا من التصوير , ففهمنا منه أن هذا المكان يحظر فيه التصوير , فأدخلنا الكاميرا وشكرناه على تعامله الراقي , وأخذنا الكورنيش بطوله حتى وصلنا الى فندقنا .. فألقينا أجسامنا المنهكة من السهر والتعب على أسرّتنا ونمنا بسرعة , فلا تسمع الا صوت الشخير ...والأنين ..
بعد أن نمنا سويعات قليلة قررنا الذهاب في جولة لاستكشاف كولمبو فاستأجرنا " التك تك " ساعة كاملة ليجول بنا داخل العاصمة , انتهاءاً بمطعم " ماكدونالدز " الذي " تغشينا " به , وهذه الكلمة اختصار للغداء والعشاء ..!!
وفي صباح اليوم الثاني اتفقنا مع سائق واسمه "سامبد " على أن نطوف داخل سيلان بدءاً من "كولمبو" ثم " كاندي " ثم " سيقيريا" مروراً ب " نورإليا " ثم " يالا " ثم العودة الى كولمبو...واشترطنا عليه عدم المعارضة او التذمر من أي طلب أو مكان نذهب اليه , وأن يلتزم بحسن السلوك , ويبعدنا عن أماكن الشبهات , وكذلك عليه أن يتكفل بمحل نومه ، وأن يترجم لنا , على أن نعطيه في اليوم الواحد مبلغ " أربعة آلاف ونصف روبية " بالاضافة الى ثمن الديزل , فالتزم بالعرض وكذلك التزمنا ..
و كلمه حق تقال في خطوط السيلانيه افضل من معظم خطوطنا....و سعة بال العاملين عليها حتى مع الاطفال....