الــيــuaeـــازي
18-04-2022 - 05:42 pm
مقاله جميله جدا للكاتب الكويتي ابراهيم الابراهيم يعبر فيها عن اعجابه بدبي وحبيت انى اضعها بينكم ففيها امور تمر علي للمره الاولى ومعلومات جمييله والمقاله من جزئين اعرض لكم الجزء الاول :
في ذاكرتي اسماء خليجية لا يمحوها الزمن، بعضها مضى وبقيت سيرته حية، وبعضها توارى خلف الزمن، لكن بصماته ظلت تتحدث عنه. ومن الطراز الاول سنحت لي الظروف بلقاء رجل في حجم جامعة، وفي وزن موسوعة، لم يتعلم في فصل لكنه خبر من الحياة ما يصعب ان تعلمه الفصول وتلقنه المدارس، ولولا ذلك لما حوّل دبي من خور الى ميناء، ومن مناخ للابل الى مرفأ، ومن استراحة للقوافل الى مدينة في قامة مركز مالي تتجمع فيها تقنيات العصر، وتتسابق فيها تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين.
وكان لقائي مع المرحوم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مصادفة، على غرار صدفة خير من ألف ميعاد، فهو من الرجال الذين اذا جلست في حضرتهم قصوا عليك احسن القصص في الحكمة، وأجمل الامثال في حسن التدبر، فتستشف منهم كيف ان الحياة قد تكون مليئة بالاذكياء، لكنها لا تعج بالذين يسبقون زمانهم ويتقدمون جيلهم ويقفزون على عصرهم، دون ان ينسلخوا من جلودهم او يتمردوا على واقعهم.
وفي لقاء المصادفة هذا، قص عليَّ المرحوم الشيخ راشد قصة بناء دبي وحكاية الخطوة الاولى في مشوار الألف ميل، وكان مبعث سعادتي ان الكويت كانت هي مقدمة القصة وتمهيد الحكاية. وقال لي الشيخ راشد ان البداية كانت في ربط بر دبي بالديرة، فقد كان الانتقال مرهقا عن طريق البحر، وكان لا بد من بناء جسر يربط الضفتين، فكان ان ارسل مبعوثا الى امير الكويت آنذاك المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح يطلب قرضا بحوالي نصف مليون جنيه استرليني، وبالفعل تم بناء الجسر خلال اقل من سنتين، فأوفد الشيخ راشد مبعوثا ومعه مبلغ القرض ورسالة شكر الى الشيخ عبدالله السالم، ورفض امير الكويت ان يستلم المبلغ، فقد اعتبره واجبا من موجبات الاخوة، الا ان مبعوث الشيخ راشد كانت لديه تعليمات بأن يرد الدّين ولا يقبل اي محاولة للاعفاء، فقد كان حدسه عارفا بأن أمير الكويت سيرفض اعادة المبلغ، ولهذا كانت تعليماته لمبعوثه: قل لسمو الامير نحن مصرّون على رد الدين، لأننا لو قبلناه منحة فلن نستطيع ان نقترض منك مرة اخرى.
وبالفعل، عاد بعد ذلك وطلب قرضا بمليوني استرليني لتمويل بناء اول ميناء، انطلقت بعدها دبي في رحلة الشتاء والصيف لتصبح جسرا للتجارة بين الشرق والغرب، وبين الخليج واوروبا. والناس عندنا يتساءلون احيانا: ما سر عبقرية الشيخ راشد؟ ونقول ان عبقريته كانت خلطة من حكمة وذكاء وقرار وشجاعة وقدرة على الإبصار الى ما وراء الأفق، وبعض هذه الصفات يهبها الله لمن يشاء من عباده، وبعضها يكتسبها الذين يريدون المعرفة والتعلم واكتساب الخبرات، والذين عرفوا الشيخ راشد عن قرب يعرفون عنه انه كان رجل قرار، اذا اقتنع فعل، واذا وعد أنجز، واذا عزم توكل على الله.
وعندما أقعده المرض، خشي محبوه على دبي من بعده، وظنوا ان غيابه سيفقدها عقلها وظلها، لكنه كان واثقا من ان بنيه سيواصلون المشوار من بعده، وسيستأنفون المسيرة من حيث توقف ابوهم. وبالفعل رأينا الشيخ مكتوم والشيخ محمد ابني راشد قد شابها اباهما، وتعلما سر المهنة وعرفا بيت القصيد، فصارت فلسفتهما قائمة على الرهان على المستقبل والتعاقد مع الفكر الخلاق والعقل المبدع، وتعلما منه ان التنمية قرار، والبناء ارادة، وان لكل خبز خبازيه، وهكذا ضربت دبي رقما قياسيا في جرأة القرار، وكانت كلما انجزت مشروعا صمّت اذنيها عن ضجيج المارة، وضوضاء الفاقة، وشرعت في انجاز المشروع التالي حتى صارت مدينة لا تنام، الناس فيها ينتجون ولا يتكلمون، وينجزون ولا يسفسطون، وحين تدخل دبي يسترعي انتباهك انها مدينة لا تعرف السياسة، وهذا من لطف الله عليها، فالسياسة عند اهلها هي بناء المنشآت والمؤسسات والمدن، فها هو مطارها مدينة، وها هي تبني للإعلام مدينة تحلق حولها الفضائىات، وتبني للتكنولوجيا مدينة ثم للطب مدينة. وها هي تحوز اعلى النسب الفندقية في الشرق الاوسط، حتى ان نمو الفنادق فيها يسابق معدلات السياحة العالمية، ونتج عن كل ذلك ان صارت مركزا ماليا وتجاريا يستقطب الشركات والمستثمرين والمستكشفين، وتنتزع ثقة كبريات المؤسسات المالية الدولية للاجتماع على اراضيها، فان اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في دبي اواخر الشهر الحالي، هي اقوى شهادة نجاح لمدينة عربية، واستفتاء على رجحان طراز آخر من العقول العربية لا تقل ابداعا عن كل الذين بنوا دولا عظيمة.
ان سر دبي، هو انها مدينة قدمت العقل على العاطفة، والفكر على الولاء الطائفي والقبلي، وانها جعلت من ارضها ساحة يتنافس فيها المتنافسون، وانها جعلت للقرار قناة واحدة وللانجاز مرجعية واحدة، وانها اعتبرت الروتين عدوها فهزمته، والبيروقراطية خصمها فقضت عليه، واعطت ما لله لله وما لقيصر لقيصر. وفصلت بين الدين والدنيا، فأخذت نصيبها من الدنيا دون تجاوز للدين، واستلهمت من الدين قيم العمل والانتاج والصدق والرعاية الصالحة والامامة العادلة والامن المنبسط، وفوق كل ذلك، وفقها الله في ابناء صالحين، اخذوا من ابيهم افضل جيناته، وهي القدرة على النظر الى ابعد مما يراه الآخرون.. على طريقة زرقاء اليمامة، وليس على طريقة السلحفاة الكويتية!
بانتظار تعليقاتكم على الجزء الاول وباذن الله ساضع بين ايديكم الجزء الثاني قريبا
اختكم بنت دبي