مراكش المسافرون العرب
أكتشف العالم بين يديك
المسافرون العرب أكبر موقع سياحي في الخليج و الوطن العربي ، يحتوى على أكبر محتوى سياحي 350 ألف استفسار و نصائح عن السفر و السياحة, 50 ألف تقرير سياحي للمسافرون العرب حول العالم و أكثر من 50 ألف من الاماكن السياحية و انشطة وفعاليات سياحية ومراكز تسوق وفنادق، المسافرون العرب هو دليل المسافر العربي قبل السفر و اثناء الرحلة.
artravelers.com ..
-
- الدول العربية
- المغرب
- مراكش
- ساحة جامع الفنا موائد طعام وحلقات حكي وغناء
bualaa
20-08-2022 - 02:45 am
ساحة جامع الفنا.. موائد طعام وحلقات حكي وغناء
تتسع للجميع وتمنح الفرجة مجانا
هل يمكن أن نتخيل وجود سائح سبق له أن زار مدينة مراكش المغربية، من دون أن يستمتع بسحر ساحة جامع الفنا؟
لن نستبعد أن يكون هذا السائح (في حالة وجوده، طبعا) محط استغراب أصدقائه وأقربائه، إذ يحكي لهم عن تفاصيل وعناوين رحلته المراكشية.
يصعب وصف ساحة «جامع الفنا» أو تعريفها أو تقديمها لمن لم يسبق له أن تجول عبر تفاصيلها.
ساحة جامع الفنا قبل أن تكون فضاء للفرجة والأكل والتسوق، هي رمز وعنوان يقدم لتاريخ من المشاعر والأحداث والأسماء. لذلك تتمنَّع وتستعصي على الوصف. فليس من رأى الساحة كمن سمع عنها.
فهي فضاء يستحيل استنساخه أو التفكير في إقامة مثال له، في هذه المدينة أو تلك. هي فريدة من نوعها، لأنها تلونت بعطر التاريخ واختلطت بمشاعر الناس، في الماضي كما في الحاضر.
أن تزور مراكش يعني أن تهيئ نفسك للقيام بجولة تقودك عبر المواقع الأثرية للمدينة ومختلف فضاءات السمر والسهر. أن توزع برنامجك بين النهار والليل. أن تسأل الدليل السياحي والأصدقاء، الذين زاروا المدينة قبلك. أن تأخذ بنصائحهم وتنصت إلى اقتراحاتهم. سيكون عليك أن ترتب برنامجك، أولا. أسبوع واحد لا يكفي لزيارة مدينة امبراطورية مثل مراكش. احرص على معرفة أحوال الطقس. تأكد أن الشمس ستكون في الموعد، وهي قلما تخذل نهارات المدينة. سيكون عليك، وأنت ترتب للبرنامج، أن تحرص على زيارة ساحة جامع الفنا، المكان الذي يتفق على زيارته سياح وزوار المدينة بكل لغاتهم وجغرافياتهم وطبقاتهم وأعمارهم. الساحة هي ملح مراكش.
الطريق إلى جامع الفنا على امتداد اليوم، تمتلئ الساحة بزوارها. تضيق بهم. تختنق بهم. البعض يأتيها راجلا. البعض الآخر يأتيها راكبا.
من بين الراجلين، هناك من يفضل المشي لإراحة الجيب والبدن، أو للاستمتاع بما يرافق الطريق إلى الساحة. البعض يأتي الساحة راكبا سيارة أجرة. في هذه الحالة، إذا لم يكن سائق سيارة الأجرة جشعا فسيطلب منك، إذا ما أقلك من الجهة المقابلة لمقهى التجار بشارع «جليز» مثلا، أقل من عشرة دراهم (دولار واحد). بعض سائقي سيارات الأجرة يتعاملون مع السائح كما لو أنه بنك متحرك. كثير من السياح فهموا اللعبة فصاروا يطالبون باستخدام العداد. الطريق إلى الساحة، ربما انطلقت بك من شارع جليز. ربما من جهة أخرى. عبر شارع جليز، غالبا ما تكون الحركة في أوجها. من عادة هذا الشارع أن يبقى وفيا لمساءاته وطقوسه وعاداته. سيارات ودراجات نارية وهوائية وراجلون لا يقلون هوائية تتقاذفهم الأرصفة والطرقات.
الماكدونالدز غاص بشباب مغربي منفتح على العصر، وعلى بعضه البعض. ساحة 16نوفمبر تحتفي بماء نافورتها. أما الكتبية ففي امتداد النظر. يمكن زيارة ساحة جامع الفنا والاستمتاع بعالمها في أي وقت. بالنهار كما بالليل. يبدو المساء أحسن توقيت لزيارة الساحة. الزحام والأضواء ودخان المشويات وحلقات الحكي والغناء تزيد الساحة هالة من السحر، خصوصا إذا كنت جالسا في الطابق العلوي من مقهى فرنسا، حيث تنتصب أمامك صومعة الكتبية، كما لو أنها حارسة المكان، فيما يمتد نظرك على الساحة بروادها وحلقاتها ومطاعمها.
الفرجة بدون مقابل: تتوقف بك سيارة الأجرة عند الجهة المقابلة لصومعة الكتبية أو بجوار فندق التازي. ستتمشى قليلا عبر ممر البرانس، حيث المحلات مفتوحة على ساندويتشات الأكل والملابس الشبابية وآخر صرعات الهواتف المحمولة.
مع الأكل والتسوق والفرجة، يستحسن أن يكون الجيب دافئا. ساحة جامع الفنا لا تتطلب مالا كثيرا. إذا قنعت بالفرجة يمكن لجيبك أن يبقى في الحفظ والصون.
يهيئك اختناق ممر البرانس بالزوار لتقبل بامتلاء الساحة بروادها. ستبدو أمامك الساحة كامتداد البحر ذات صيف لافح وأنت على شاطئ رملي. ستبدو، وأنت تغوص في الساحة، كمن يهرب من الرمال الساخنة وحرارة الشمس إلى ماء البحر المنعش، صيفا.
على يمين الساحة، صف طويل من بائعي عصير البرتقال. كأس العصير بثلاثة دراهم. العصير منعش وجيد المذاق. في مقابل عربات بائعي العصير مباشرة ستثيرك عربات بائعي الفواكه الجافة. تمر ولوز وتين مجفف. هناك، أيضا بائعو الحلزون، الذي تم طهيه على نار هادئة، طبعا بعد إضافة مختلف التوابل التي يستوجبها الحصول على مذاق يحرك جيوب الزوار. مغاربة وأجانب. تبدو العربات كما لو أنها خرجت من خيال القرن السادس عشر الأوروبي. فكرتها جميلة. وانتظامها بديع.
في وسط الساحة تنتصب المطاعم الشعبية. لا حاجة للمكيفات الكورية أو الصينية، هنا. تقدم هذه المطاعم مختلف أصناف المأكولات. مشويات من لحم و نقانق وكسكس، بسطيلة، سمك، دجاج، طاجين، قطاني، شوربة مغربية (حريرة) مصحوبة بالتمر والحلويات المغربية (الشباكية). يمكن لمعدتك أن تمتلئ عن آخرها بثمن يتراوح بين عشرة دراهم ( دولار واحد) وخمسين درهما (خمسة دولارات). ذلك يعتمد على جيبك وشهيتك. الأكلات متنوعة، وأرباب المطاعم يستعملون كل الوسائل لتحريك جيبك وإغراء معدتك، ابتداءً من ترتيب المأكولات وانتهاءً بدعوتك بابتسامة تم التعود على رسمها بتلقائية وروح دعابة تحبب الأكل فيما تقترح لائحة الطعام والأثمان. الدعوات قد تكون محرجة أحيانا. كذلك إلحاح بعض مروضي الأفاعي ومروضي القردة والبهلوانيين وبعض الشبان المعتمرين لباس كناوة (فرق فلكلورية)، استجداء لدراهم الزوار.
في هذه المرحلة من التجول والفرجة يستحسن ألا يعتبر الاستجداء عادة سيئة. الوضع، هنا، أشبه بتواطؤ ضمني بين الجميع، بحيث يتم صرف مقابل التنشيط والفرجة من جيب المتفرج وزائر الساحة. لكن، الأداء يعتمد على أريحية الزائر، قبل أي شيء آخر.
ساحة تتسع للجميع: في الليل، تتجمل ساحة جامع الفنا بأضوائها. المطاعم الشعبية تخلت عن الفوانيس التقليدية. دخل الكهرباء ولم تتأثر الساحة جراء غزو التقنيات الحديثة لفضاءاتها. لساحة جامع الفنا قدرة عجيبة على التأقلم مع تحولات الحداثة والتطور. على يسار الساحة، وفي أماكن أخرى متفرقة، يشكل الحكواتيون حلقاتهم. المجموعات الغنائية تستعيد أغاني المجموعات الغنائية المغربية الشهيرة التي تألقت خلال الربع الأخير من القرن الماضي. ناس الغيوان وجيل جيلالة وإزنزارن وأودادن ولمشاهب. الحكواتيون يعيدون سرد ملاحم سيف بن ذي يزن، وحكايات ألف ليلة وليلة، وبطولات عنترة بن شداد، وشجاعة سيدنا علي في مواجهة راس الغول.
هناك، أيضا، المهرجون وهناك الآخرون، ممن لا تستطيع لهم تصنيفا أو وصفا. هم هنا يشكلون حلقاتهم. فقط لأنهم في ساحة جامع الفنا. الساحة تقبل بالجميع، وتسع وتتسع للجميع.
عروض أولاد سيدي احماد وموسى (فرق بهلوانية). مباريات الملاكمة. عالم غريب من الثرثرات والأعراق والمشاهد والمشاعر. أهواء مختلفة ومتعددة تحمل أصحابها لدخول عالم سحري.
يشترك الجميع في اختيار الوقت المناسب لتوقيف العرض والانتقال إلى تجميع الدراهم من المتحلقين، قبل العودة إلى حكايات وأغاني وفكاهة تنقل رواد الساحة إلى الساعات المتأخرة من الليل.
يتجول السياح عبر الساحة في بهجة لافتة. الكل هنا للمتعة والتجول أو الأكل والتسوق والفرجة بدون مقابل. الساحة مفتوحة أمام الرواد والزوار وكل من رأى في نفسه قدرة على الحكي والغناء وشد انتباه الزوار.
من بين كل الحكواتيين، يبدو محمد باريز مثل أي مغربي أنهكه الصراع مع الحياة وأيامها.
شيخ حلقة بنظارات طبية. أسمر اللون، بلهجة مراكشية وتعطش متواصل إلى الحكي. لمحمد باريز سيرة ذاتية غريبة.
ما بين جوطية (سوق خردة واثاث قديمة) الفقيه بن صالح وأضواء الحكي بباريس، صار لمحمد باريز اسم رمزي وكثير من الدفء والأصدقاء.
يشكل باريز حلقته. يطلب من الصغار الجلوس، فيما يشد انتباه الكبار إلى حكي تؤثثه حكايات ألف ليلة وليلة وسيف بن ذي يزن وأيام بغداد وفاس والقاهرة، وأسماء ملوك وأمراء وأميرات وقادة حروب وسحرة وكهان وعفاريت وجواري، لا يمكنك أن تلتقيهم وتسمع عنهم دفعة واحدة إلا وأنت في حضرة الكتب التراثية وحلقات الحكي العجيبة.
إلى الوسط من الساحة، سيؤكد لك منظر قارئات الكف (ولهجتهن المراكشية) أن قراءة المستقبل هي آخر ما جاء بهن إلى الساحة، وأنه سيكون عليك، وأنت جالس إلى إحداهن، أن تغير الموضوع صوب فكاهة تعادل الدراهم التي ستمدها بعد أن تنقل لك صاحبة الخمار أمامك أن شقراء تنتظرك في أحلامها بعد غد.
أسواق شعبية تاريخية: توجد بالساحة أسواق شعبية تاريخية حافلة بمختلف البضائع من الصناعات التقليدية المغربية مثل المنحوتات والمنتوجات الجلدية واللباس التقليدي من القفطان والجلباب والزرابي والمصنوعات الخزفية، وخصوصا منها المصنوعة من الفخار والفضة، حيث يتوسط الطاجين باقي المصنوعات الخزفية.
يعطيك سوق السمارين شعورا بأن هذا الممر، الغارق في المصنوعات التقليدية الفاتنة، لا ينتهي في المكان. تحيط بالساحة مقاه ومطاعم. من بين المقاهي تتميز مقهى «فرنسا» ببساطتها. في مقابلها توجد مقهى «العمبرة»، الاسم المراكشي لقصر الحمراء الشهير في غرناطة. في مقهى فرنسا يمكنك الجلوس إلى جانب الاديب الاسباني خوان غويتصولو.
من عادة غويتصولو أن يضبط جلوسه بمقهى فرنسا على الساعة السابعة مساء، يتكلم خوان، لمن لا يعرفه، إسباني يقيم بمراكش منذ أزيد من ربع قرن. كاتب معروف بمواقف إنسانية جميلة. تتلخص في هذا الإسباني «الغريب» أو «الإسباني على مضض» كثير من المزايا الدافئة. خوان الذي منحته اليونسكو شرف كتابة نص إعلان اعتبار ساحة جامع الفنا ضمن التراث الشفوي الإنساني، اعترافا منها بجهوده في الدفاع عن حق الساحة في إعمال الخيال والتحلي بكثير من الحس الجمالي عند كل محاولة لتوسيعها أو التغيير في ملامحها.
يرى خوان أن الساحة مفتوحة على مستقبلها، تستمد قوتها من رمزيتها وصيتها الإنساني.
جريدة الشرق الاوسط
كحوله