- أفريقيا بدون أفارقة
{ تقرير منقول من جريدة الشرق الاوسط
الصادرة قي يوم الاربعاء 12 ربيع الثانى 1427 هجري 10 مايو 2006 العدد 10025 وذلك لتعم الفائدة على الجميع}
رحلة سفاري ممتعة.. ليس للاصطياد بل للتأمل
أفريقيا بدون أفارقة
ذلك الصباح تناولنا افطارنا في مطعم متواضع في مدينة مومباسا (شرق كينيا) قبل أن ننطلق في رحلة سفاري ممتعة داخل الغابة. لم يكن هناك ما يثير الشكوك حول مكان وجودنا.
تجمعنا مجموعة صغيرة من الصحافيين امام المطعم. كان الصحافيون من المانيا وفنلندا وهولندا والبرازيل وكلومبيا وتشيلي واستونيا ... وانا من «هناك». قلت للمرافقين طالما اننا في «مومباسا» فإن شعوراً يخالجني بانني داخل جلبابي. أي انني في قارتي.
شيد المطعم بالطين (اللبن)، امامه برج او قصبة، بناية شبه متداعية على شكل مخروطي. بنيت من الطوب وخليط اسمنتي. عليها لافتة على شكل فيل. شبابيك صغيرة ومصابيح كهربائية خافتة. يطل المطعم على ساحة. في الجهة المواجهة، مبنى بريد امامه صندوق حديدي يعلوه الصدأ، ثم بعض المنازل الواطئة، احدهما بسقف محدوب على شكل ظهر ثور. في سطح المنزل نشر غسيل، ثياب افريقية مزركشة. نباتات اللبلاب تتسلق جدران المنازل التي تشققت وبهت طلاؤها بسبب غزارة الأمطار.
أكبر مبنى يطل على الساحة، هو متجر لبيع الملابس وبعض الصناعات التقليدية الكينية. ثلاثة مصابيح تتدلى من سقف مدخل المتجر طليت باللون الأزرق. باب خشبي قديم. شباكان كبيران. جدران المتجر الذي كتب عليه (مومباسا ساحة السوق) طليت بالأزرق كذلك. وفوق المتجر يوجد «مكتب المقاطعة».
في وسط الساحة متجران صغيران، احدهما على شكل كوخ يبيع الفواكه والخضروات علقت في واجهته لافتة تقول «الفواكه المنعشة». والثاني على شكل عربة مجرورة بسقف، يبيع التوابل والاغراض المنزلية.
كان صباحاً رائقاً. دلفنا الى المطعم الى حيث القاعة الرئيسية. طاولات وكراس خشبية. على الجدران ديكور أفريقي، ملابس وأدوات منزلية وآلات موسيقية.
الفطور كان كذلك افريقياً. بيض وخبز أسمر ومربة وعسل وفواكه استوائية ومشروبات ساخنة.
بعد الافطار كان علينا ان نتوجه الى السيارة التي ستقلنا في رحلة «سفاري» لكن مع تنبيه اننا لن نصطاد حيوانات.. رحلة فقط للفرجة. السيارة عبارة عن شاحنة مفتوحة من الجانبين بسقف قماشي. في بداية الجولة شاهدنا بعض الريل تأكل حشائش، ثم بعض الطيور البيضاء التي تبني أعشاشها فوق الاشجار الباسقة. بين الفينة والاخرى كانت هناك قردة تتقافز بين أغصان الأشجار. كان سائق الشاحنة يلفت انتباهنا الى أمكنة وجود الحيوانات ويقود السيارة على مهل في طريق موحل، رملي تارة وطيني تارة اخرى. عند الوديان تسير الشاحنة فوق جسور شيدت بالأخشاب وثبتت بأعمدة حديدية، تئن أنيناً عندما تتمايل الشاحنة فوقها.
انتقلنا الى منطقة سافانا، وهي تشبه تماماً مناطق جنوب كردفان في السودان، ومناطق قبائل الماساي الكينية الشهيرة.
كانت هناك ثلاث زرافات تأكل من عشب الاشجار احداها تلاعب بنتها الصغيرة. منظر الزرافة وهي تتمايل في مشيتها وتقضم أوراق الأشجار الشوكية، أغرى زميلتنا البرازيلية يالا روشا دوكسترو كثيراً. كانت يالا تصور بنفسها لاحدى قنوات التلفزة البرازيلية. كادت ان تسقط من الشاحنة وهي تبحث عن زاوية لتصوير الزرافة. بيد انها لم تكترث.
ثم توالى ظهور الحيوانات. مجموعة أفيال بينها فيل صغير في اسبوعه الاول. يحبو واقفاً. حيوان وحيد القرن يأكل من العشب ولا يكترث لما حوله. اسد يرتاح فوق ربوة. فهود تجمعت قرب بركة ماء، تماسيح في فترة «قيلولة». حمار الوحش يرعى في منطقة خضراء. حين يتعب السائق من وصف كل حيوان وسلوكه ويقدم نبذة علمية عنه، كان يفسح المجال لأغان وأهازيج أفريقية. أغان تعتمد على ايقاع الطبول والربابة. على الرغم من ان الكلمات غير مفهومة لكن الايقاع كان رائعاً. في بعض الاحيان يتحدث السائق عبر اللاسلكي مع أحد الصيادين الذين يجوبون الغابات بحثاً عن حيوانات متوحشة لاصطيادها. جولة رائعة. أن يعود الناس الى الغابة يراقبون حياة برية ضيقت عليها المدنية كثيراً، متعة لا تضاهيها متعة. قرب نهاية الجولة وجدنا خيمة لبعض الصيادين من عشاق رحلات السفاري، طائرة صغيرة من النوع الذي يستطلع أماكن وجود الحيوانات. شاحنة كبيرة مغلقة لنقل الحيوانات الضخمة التي يتم اصطيادها مثل الفيلة.
انتهت الرحلة، ودعنا سائقنا اللطيف. بعد أن التقطنا مجموعة كبيرة من الصور.
كان الوقت عصراً، وشقشقة وغناء الطيور يطغي على الجو بهجة وحبوراً، ونسيم عليل يهب علينا ورائحة أشجار الغابة تملأ خياشيمنا. غادرنا المكان الى حيث توجد سيارات جديدة ستقلنا الى الفندق الذي نقيم فيه.
رحنا في الطريق نتحدث عن هذه الفكرة العبقرية التي نقلت غابات افريقيا، لكن بدون افارقة، الى ولاية فلوريدا وبالضبط الى مدينة «والت ديزني وورلد» في اورلاندو، وأطلقت عليها اسم «مملكة الحيوانات». فكرة جعلتنا نصدق فعلاً باننا كنا في ميناء مومباسا الكيني.
أكيد انتم أيضاَ صدقتم ذلك.