آخر الفرسان
13-12-2022 - 06:21 pm
من أحضان البلاد النمساوية الى الايطالية ، حيث كانت البندقية نقطة التحول .. أيام سعيده وذكريات عزيزة لاتنسى في تلك البلاد ، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً .. كان مجرد التفكير في زيارة تلك البلاد النمساوية المرة تلو المرة يبث في نفسي السعادة والسرور ، استهوتني محاسنها .. الفت جبالها واوديتها وانهارها وبيوتاتها ، كم من ذكرى جميلة أتأملها في كل صورة التقطتها هناك ، أتسلل الى قلب الصورة وتسابقني افكاري فتتمازج مع روحي الحان عذبة سطرتها تلك النسمات العليلة ، وسكون البحيرات البديعة .. كنت أطمح في أن تكسبني شيئاً من شموخ جبالها العالية وبساطة أريافها .. ونشاطاً من مدائتها .. ليصيبني بعض البرود من قممها المتجلدة .. ذلك البرود الذي تسلل الى نفسي دون أدري ليجعلني أطرح هذا الموضوع متأخراً .
وأتابع تأملاتي .. لأقف برهة عند احدى الصور وما البث الا ان اتحول الى الأخرى .. متسمراً في مكاني من هذا الجمال الأخاذ .. كان الوداع مريراً رحلة هذا الصيف 2007 ، لم أكن اعهد أن اتخلى عن هذا العشق الجارف بتلك السهولة .. ولكن رياح التغيير قد لايمكن للمرء أن يتنبه بها حين تهب . اليك ايتها البلاد النمساوية ابعث اليك برسالة الوداع الأخير .. لقد أصبحتي ذكرى جميلة تركت في نفسي آثاراً لاتنسى على مر الزمان ، وسأعاهدك أن أزورك مرات ومرات ولكن .. عبر آلاف الصور التي احتفظ بها لك كي أعيشك فيها وأنا عنك بعيد .
رحلتي الى ايطاليا
بسم الله الرحمن الرحيم
يسمونها فينيسيا ، ويقول عنها الايطاليون فينيزيا Venezia ، أما الألمان فيسمونها فينيديغ Venedig ، في حين نقول عنها نحن العرب ( البندقية )
اختلفت التسميات وبقيت هي المدينة ذاتها .
مدينة نشطة تسبح في زخم الحياة والحركة الدائبة ، مدينة عاشت كأجمل المدائن الإيطالية كما يقول عنها الناس .. لم يغب طيفها عن بالي السنوات الماضية حيث كان لها الحضور الغيابي في رحلاتي السابقة ، حضورها الذهني وغيابها عن جدول سفرياتي ..قالوا فيها مدينة الرومانسية - المدينة التي تسبح فوق الماء – مدينة الاحتفال الدائم .. والكثير مما تفتقت عنه ذاكرة الرحالة والشعراء والأدباء والروائيين
نبذة عن المدينة :
البندقية أو Venice عاصمة إقليم فينيتو الواقع في شمال شرق إيطاليا. يقدر عدد سكانها 271 الف نسمة، وهي عاصمة مقاطعة فينيسيا المدينة عبارة عن عدة جزر متصلة ببعضها عن طريق جسور و تطل المدينة على البحر الأدرياتيكي. تعتبر المدينة من اهم المدن الايطالية ومن أكثر المدن جمالا في إيطاليا لما تتمتع به من مباني تاريخية يعود أغلبها إلى عصر النهضة في إيطاليا و قنواتها المائية المتعددة ما يجعلها فريدة من نوعها على مستوى العالم. كانت تتمتع البندقية بحكم ذاتي اثناء العصور الوسطى وما بعد ذلك و كانت تسمى جمهورية البندقية او Republic Of Venice و تعتبر من اهم مرافئ أوروبا تجاريا واثناء الحملات الصليبية و تتمتع بقوة بحرية هائلة. والبندقية عبارة عن أكثر من مئة جزيرة ملتصقة كانت وما زالت من أصعب أماكن التنقل عمليا وهندسيا. طرق التنقل في البندقية محصورة في القوارب الكلاسيكية المتوفرة بكثرة في المدينة والتي يطلق عليها ال Gondola أو الجناديل وبعض الشوارع خارج قلب المدينة وفي القرن التاسع تم توفير سكة حديد إلى البندقية وتقع خارج مركز المدينة أيضا. في القرن العشرين تم بناء شارع رئيسي يوصل إلى المدينة ومواقف عامة. تعتبر المدينة مثالية من ناحية عدم استخدام السيارات والشاحنات على مستوى أوروبا والعالم. يمكن الوصول إلى البندقية جواَ عن طريق مطارين أحدثهما تم بناءه مؤخرا وهو مطار ماركو بولو الدولي.شهرة البندقية في الأدب الروائي :
حينما نتحدث عن البندقية وربطها بالأدب الروائي او المسرحي ترد إلى الأذهان التحفة الأدبية للكاتب المسرحي شكسبير تاجر البندقية :تاجر البندقية ( The Merchant of Venice) إحدى المسرحيات الأشهر للكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير، و قد حظيت بدراسة مستمرة من النقاد العالميين، و معاداة من قبل التوجه الرسمي لليهود بسبب شخصية شايلوك اليهودي التاجر المرابي فيها.
تقوم عقدة هذه المسرحية حول تاجر شاب من إيطاليا يدعى أنطونيو، ينتظر مراكبه لتأتي إليه بمال، لكنه يحتاج للمال من أجل صديقه بسانيو الذي يحبه كثيراً لأن بسانيو يريد أن يتزوج من بورشيا بنت دوق (بالمونت)الذكيه، فيضطر للإقتراض من التاجر المرابي شايلوك الذي يشترط عليه أخذ رطل من لحمه إذا تأخر عن سداد الدين.
بورشيا كانت قد رأت بسانيو الذي زار أباها عندما كان حيا ويتأخر أنطونيو فيطالب شايلوك برطل من اللحم، و يجره إلى المحكمة، و يكاد ينجح في قطع رطل من لحمه لولا مرافعة بورشيا التي تنكرت في شكل محامٍ..
و في المسرحية خيوط أخرى تتحدث عن عداء المسيحيين لليهود، وعن الحب والثروة، والعزلة، والرغبة في الإنتقام.
أنتجت هذه المسرحية مرات كثيرة، و كان آخر إنتاج لها فيلم تاجر البندقية من بطولة آل باتشينو.
دوافع رحلتي الى البندقية :
أكثر ماشجعني على زيارة البندقية هو أنه تمت إضافتها كوجهة جديدة لطيران الامارات الصيف الماضي ضمن الوجهات الرائعه التي تفاجئنا بها هذه الشركة الرائدة على مستوى العالم من كل النواحي ، سعي دائم تجاه المثالية لايعرف الكلل ، تعودنا على رقي مستوى هذه الخطوط الرائعه وعلى خدماتها الفريدة وعلى مستويات الأمن والسلامة واسطولها العريق اضافة الى خدماتها الأرضية أو الجوية فتحية خاصة لشركة طيران الامارات .كانت نقطة العودة من رحلتي الصيف الماضي عبر مطار ماركوبولو في فينيسيا ، مطار حديث في قمة الروعة والجمال تم افتتاحه عام 2003 وهو المطار الثاني في هذه المدينة ، والذي كان من اختيار طيران الامارات في وجهتها الى البندقية
اثناء اقامتي في مدينة انسبروك النمساوية والتي كانت وجهتي قبل النهائية في الرحلة ،انطلقت بالقطار المباشر في رحلة ال 5 ساعات مخترقين الشمال الايطالي ومتجهين شرقا الى وجهتنا المقصودة
ياللروعة ! ما أن انقضت 25 دقيقة من انطلاقنا من انسبروك الا وتواجهنا اولى مدن الشمال الايطالي : بيرنو Berno ، لم تختلف التضاريس كثيراً عن انسبروك ، هذه المدينة الايطالية الصغيرة التي تتفرع منها مسارات القطار المباشرة الى مختلف شبة الجزيرة الايطالية حتى نابولي ، اعجبتني المناظر التي مررنا بها عبر هذه القرية الصغيرة ، وما ان سار بنا القطار الى جوارها حتى تبدت لي صورة الشمال الايطالي حيث بدأ تدرج اللون الأخضر في البهتان ، كان الإنطباع الأول عن الريف الايطالي انه ريف زراعي ، الكثير من البساتين والمزارع والحقول مررنا الى جوارها ، اضافة الى المدرجات الزراعية المنتشرة هنا وهناك .
كانت الرحلة بالقطار من انسبروك الى البندقية رحلة مباشرة بدون تغيير للقطار استمرت 5 ساعات ، وهي نفس مدة المسافة بالقطار من انسبروك الى فيينا ، تخللتها بعض الوقفات في بعض القرى والمدن كان من ابرزها مدينة بولزانو Bolzano ومدينة ترينتو Trento ومدينة فيرونا Verona (مدينة روميو وجولييت) والتي كانت ستكون من ضمن المخطط الأول للرحلة قبل تعديل الجدول
مر بنا القطار بجوار مدينة فيرونا Verona ، شاهدت ماحباها الله من عنفوان الجمال الأخاذ ، وتأملت اشجارها ونهرها وشوارعها وساحتها وأنا لم أبرح مقعدي من القطار ، حيث كنت متسمراً في مقعدي أتأمل جمال هذه المدينة .. حتى فارقتنا مودعة وكأنها حسناء تستعرض مفاتنها أمام الملأ ..
أستمر بنا القطار مخترقا الشمال الايطالي متجهاً شرقاً حتى شارفنا على الوصول الى محطة فينيسيا ميستري Mestre ( وهي محطة فينيسيا الأولى التي تقع داخل اليابسة ) قبل أن يستمر با القطار لمدة عشر دقائق لنصل الى وجهتنا المقصودة : فينيسيا التي تسبح في البحر ، ومحطتها التي تعرف بأسم فينيسيا سانت لوسيا Venicia Sant Lucia :