عاشق بيروت
25-05-2022 - 10:23 am
تتحول المدن في الذاكرة الفردية وفي الذاكرة الجماعية إلى جزء من حياة الناس وأدب الأدباء. وتتخذ في العطاء الأدبي أحياناً بعداً اضافياً رومانسياً لا وجود له، إلا في مشاعر الشعراء ومتخيلاتهم. وأعطت بيروت الشعراء سهولة الحياة ومتعة الحرية وبساطة المواطنة، فأحبوها.
سألت الأديبة ليلى عسيران أي مدينة أحب اليها في المدن؟ فقالت: روما. وسألتها لماذا روما؟ فقالت: لأنها أكثر مدن العالم كثافة بجماليات التاريخ. وسألتها، ما هي ثاني أجمل المدن؟ فقالت: كبنهاغن. قلت لماذا؟ قالت لأن أبي وأمي أحباها من قبل.
لماذا نحب المدن؟ لأسباب خاصة وحميمية أم بسبب قواعد متفق عليها؟ أعتقد أن باريس حظيت بأكبر وأوسع كمية من الشغف الأدبي: من الكاتب الأميركي ارنست همنغواي الى الشاعر السعودي عبد العزيز الخوجة. ومن المسرحي الروماني ايونسكو الى الكاتب الايرلندي صامويل بيكيت. ومع ذلك كرهها جورج اورويل، ولم يجد فيها سوى القتوم والبؤس، بسبب تجربته الشخصية فيها. وفي كتابه «مشرد في باريس»، لا صورة لشيء سوى الفنادق القذرة والناس الفاشلين والقلة والبخل. عنده باريس بؤس دائم وليست «مهرجاناً دائماً» كما هي عند همنغواي.
تحولت العواصم الآن من مدن لها تاريخ، إلى مدن بلا أي تاريخ. فقد بنى البرازيليون مدينة «برازيليا» في وسط قارتهم وجعلوها عاصمة لهم. وبنى النيجيريون مدينة «ابوجا» بعيداً عن اللاغوس. وجعل الكنديون «اوتاوا» الصغيرة عاصمة بين المنطقة الفرنسية والمنطقة الانكليزية الأصول. وجعلوا منها نقطة التقاء.
وذلك عكس التجارب التاريخية السابقة. فقد جعل الاسرائيليون من القدس نقطة دعوة، لقناعتهم بأن يهود العالم لن يلبوا الدعوة الى فلسطين. ما لم يخترع لهم شيء أكثر جاذبية. وقال اليونانيون الشيء نفسه عند توحيد البلاد. ذلك أن اثينا لم تكن العاصمة في أي مرحلة. ولدى إقامة المملكة كان 50% من سكانها ألبانا. وأقام الصرب حرب إبادة من أجل «كوسوفو» باعتبارها «عاصمة» تاريخية.
من أحمد الصافي النجفي إلى نزار قباني. ومن أدونيس إلى محمود درويش. وكنت أتمشى مساء أمس مع زميل مصري شاب في «وسط المدينة» فشعر بالذهول. ألوف العرب يتجمعون في مكان واحد اصبح «وسط العالم العربي»، ولم يعد وسط بيروت. لماذا يأتون، باثريائهم وبسطائهم؟ قال لي عربي كبير: «لأن بيروت صفقة. فيها شيء من كل شيء. فيها لندن وفيها باريس وفيها القاهرة وفيها السلوى وفيها العمل وفيها الاستثمار، وفيها شيء لا وجود له في أي مكان في العالم. جملة: تكرم عينك!».
فعلا تكرم عينك يا عاشق بيروت شكرا على النقل عطاالله من الكتاب المميزين على صفحات الشرق الاوسط