- هدوء لذيذ يجعل النفس تسترخي والصدر يعلو ويهبط بتنفس هادئ ومنتظم.
- إعجاب ..؟؟ استغراب..؟؟ فضول..؟؟
- الحقيقة كان مزيج مركب من كل هذا.
ذكرياتي عن دراسة اللغة الانجليزية في بريطانيا
في البداية أحب أن أوضح معلومة بسيطة وهي أنه ليس الهدف من سرد هذه الذكريات مساعدة دارسي اللغة وتعريفهم بالأماكن السياحية أو المعاهد المختلفة هناك لعدة أسباب:-
أولا : لأن هذه الذكريات قديمة تعود إلى ما يقرب من عشرين عاما تقريبا.
وثانيا: لان الأمور هذه الأيام قد تغيرت عما كانت عليه من قبل.
ولكنني أحببت أن أشارك أخواني وأخواتي في هذا المنتدى الرائع بموضوع قد يرفه عن الذين لم تسعفهم الظروف من السفر في هذا الصيف.
وأعتقد جازما بأنه يوجد الكثير من ضيوف هذا المنتدى يمثل له منتدى العرب المسافرون نافذة للإطلالة على العالم والتعرف على تجارب الآخرين.
تعود هذه الأحداث إلى صيف عام 1405 للهجرة الموافق 1985م عندما التحقنا بالوالد يرحمه الله في بريطانيا و كان قد حصل على فرصة من عمله لدراسة اللغة الإنجليزية وخاصة فيما يتعلق بالمصطلحات المرتبطة بالإدارة والشؤون المالية.
كانت بالنسبة له فرصة العمر وتحدث عنها في مذكراته التي تركها بعد وفاته فيما بعد لأنه وباختصار بحكم حرصه على العمل وضعه كمسئول وخبرته التي تمتد لأكثر من خمسة وعشرين عاما في المؤسسة الحكومية التي يعمل بها منذ أن كانت عبارة عن قسم صغير يتبع لوزارة الزراعة والمياه إلى أن أصبحت مؤسسة مستقلة تبحث في توفير أحدى الضروريات التي يحتاجها كل كائن حي ( أعتقد أن الأمر لا يحتاج إلى ذكاء خارق لمعرفة اسم المؤسسة).
أقول كان يعتبرها فرصة العمر لأن الفرص كانت تتجاوزه إلى غيره بسبب أن العمل يحتاج إليه ولا يمكن الاستغناء عنه لفترة طويلة.
لذلك عندما جاءته الفرصة استغلها أفضل استغلال ليس لعمله ولنفسه فقط بل وحتى لأسرته مع ما يكلف ذلك من أعباء مالية إضافية.
لم يكن جمع المعلومات سهلا كما هو اليوم مع عصر الانترنت وسهولة الحصول على المعلومة بأسرع ما يمكن ولقد استغرق الأمر منه عدة أشهر من الترتيب والاستفسار والمراسلة وطلب النصح من الآخرين الذين سافروا أو درسوا في تلك البلاد رغم أن فترة ستة أشهر لا تعتبر فترة طويلة بالمقياس المعروف فهي مجرد فرصة للالتحاق بدورة لإتقان اللغة الانجليزية ومعرفة بعض المصطلحات (رغم أن لغته كانت أكثر من جيدة بمقاييس ذلك الزمن).
لحقنا به بعد ظهور نتائج الامتحانات مباشرة وكان هو قد سبقنا لترتيب بعض الأمور وتسجيلي في معهد يناسب سني لدراسة اللغة أيضا.
كانت الإجازة الصيفية في ذلك الوقت أطول إجازة مرت علينا إذ بلغت أربعة أشهر بالتمام والكمال.
تحركت طائرة الخطوط الجوية العربية السعودية في تلك الساعة المتأخرة من الليل متوجهة إلى عاصمة الضباب لندن ومطارها المزدحم والشهير ( مطار هيثرو الدولي).
أذكر في تلك الأيام أن الهدوء كان مخيما على الطائرة وأختي ذات العشر سنوات مستغرقة في نوم عميق فيما كان أخي الذي أتم السنة يداعب قنينة الحليب( الرضاعة) في هدوء عجيب على غير العادة.
تخيلوا معي الإضاءة الخافتة والبرودة التي تنساب من مكيفات الطائرة والعدد القليل الذي يتوزع بين المقاعد الكثيرة لطائرة( الجامبو 747 ) وهي تطير محلقة بسلاسة في ذلك الظلام الدامس على ارتفاع 40 ألف قدم فوق سطح البحر.
هدوء لذيذ يجعل النفس تسترخي والصدر يعلو ويهبط بتنفس هادئ ومنتظم.
لم يكن أحد من الموجودين على متن الطائرة يتابع الفيلم المعروض على الشاشة والذي أتذكر في هذه اللحظة أنه كان يدور حول فتى مشرد يحاول أن يجد له عملا يسد به رمقه في خضم مجتمع صناعي لا يرحم ويحكي الفيلم صور عديدة من تجبر وظلم أصحاب المصانع التي عمل بها وتكليفه بالأعمال القاسية التي لا يتحملها جسده الغض الذي أوهنه التعب ورسم الزمن فيه خطوطه على الجلد الذي يفتقر إلى التغذية الكافية والمغامرات التي تدور في بحثه المتواصل عن عائلته.
وصلت الطائرة إلى لندن في ظل جو ملبد بالغيوم تحمل داخلها أم وفتى قد دخل مرحلة المراهقة حديثا وطفلين كلهم يتحرقون شوقا لرؤية والدهم.
نظرت من نافذة الطائرة وهي تستعد للهبوط وعين الفتى المراهق تحاول أن تطبع كل منظر تقع عليه في ذهنه الغض الطري.
مساحات خضراء شاسعة وبيوت متراصة ذات طراز معماري متقارب مصبوغة باللون القرميدي الأحمر تتساقط عليها حبات المطر في صباح باكر وكأن المدينة بكاملها تغتسل من تعب الليلة الماضية شعور غريب انتابني .. خوف من المجهول ..؟؟ كلا
لهفة ..؟؟ أيضا كلا
إعجاب ..؟؟ استغراب..؟؟ فضول..؟؟
الحقيقة كان مزيج مركب من كل هذا.
استغرقت إجراءات الدخول لهذه العائلة الصغيرة بعض الوقت تلك العائلة التي لا تعرف حرفا من اللغة الانجليزية عدا ما تعلمته أنا أثناء الدراسة ولعل الجميع يعرف مقدار ما يحصله الطالب من اللغة الانجليزية في مدارسنا.
والحقيقة أن المشكلة انتهت عندما ساعدنا أحد الأخوة العرب جزاه الله خيرا في تعبئة بعض الأوراق وإنهاء إجراءات الدخول.
ذهبنا لإحضار الحقائب فيما أخي الصغير لا يكف عن الصياح والعويل
ولولا احترامي للوالدة لكنت عرفت كيف أجعله يخرس ويبلع لسانه وهل هذا وقت الصياح ؟؟ ( بدأ الفتي يحس هنا بأنه الرجل الذي يحل محل والده في هذه اللحظة وإظهار شنئ من الحزم الذي يقتضيه الموقف).
خرجنا من صالة القدوم لنجد الوالد يدور في الصالة كالأسد الحبيس ومعه كل الحق فعائلته تأخر خروجها من داخل المطار (أعتقد أنه جلس ينتظرنا في مطار هيثروا منذ اللحظة التي أقلعنا فيها من مطار الرياض).
له كل العذرفالذين يستقبلون أقاربهم وعائلاتهم لا يسمح لهم بدخول صالة القدوم مثل ما كان يحدث عندنا في مطار الرياض حيث تستطيع أن تدخل لاستقبال عائلتك واستلام الحقائب بعد استئذان رجل الأمن والتلويح ببطاقة الأحوال.
وكانت تكفي كلمة ( بأدخل أجيب أهلي ما معهم أحد) لكي تنفتح لك الأبواب ويتم الأذن بالدخول ( تغير الحال كثيرا بسبب الإرهاب والأحداث الأخيرة نسأل الله أن يكفي بلادنا شرها).
ضمنا الوالد إليه في شوق ولهفة وهو يكاد يطير من فرحة وصولنا بالسلامة وإنهاء فترة طويلة من القلق والانتظار.
في الحلقة القادمة سوف نتعرف على العائلة البنجلادشية ومدينة كامبريدج وما صاحبها من أحداث وذكريات
ولقد أستفدت كثيرا بكم عدم سفري إلى بريطانيا
صح أن المعلومات قديمة إلا أنها مفيدة ..
وننتظر منك الحلقة القادمة...