najsep
09-11-2022 - 06:46 am
إنها جارتنا الشمالية تركيا مرة أخرى.. وهذه المرة بصفتها مثلا وقدوة.. دولة تدرج على دروب القوة والتقدم، بخلافنا نحن -العرب- أصحاب الدولة التي بحّت أصواتنا من فرط ما نتغنى بماضيها التليد، لكنها تتراجع إلى ماضي الجهل والجهالات.. وتنحدر بسرعة إلى مهاوي التخلف.
تركيا تعمل لنفسها.. هذا لا يلحظه من يزورها كثيرا أو لماما فقط.. بل المراقب البعيد أيضا، والمتابع عن قرب لأوضاعها ومتواليات أحداثها، وبسهولة كبيرة ويسر شديد. ففي غضون ثمانية عقود غدت تركيا دولة قوية مهابة ومؤثرة في ما حولها.. تقف على بوابة الاتحاد الأوروبي التي لن يطول بها الزمان لتنفتح لها على مصاريعها.
تركيا تعمل لنفسها.. عززت نظامها الديمقراطي، واعترفت، بعد طول إنكار، بالكرد قومية متميزة، وليسوا «أتراكا جبليين»، وها هي تقرّ تدريجا بحقوقهم وتمكّنهم من ممارستها، واضعة على طريق الحل أم معضلاتها.. قرّبت المسافات التي ظلت بعيدة بينها وبين كل من اليونان وسورية والعراق وأخيرا أرمينيا.. وفي هذا كله كانت تركيا هي الرابح الأكبر. ومثلها كانت الأطراف المقابلة رابحة أيضا، فالسلام والأمن والتعاون في مصلحة كل الأطراف المتسالمة والمتعاونة بعضها مع بعض، والآمنة بعضها إلى بعض كذلك.
تركيا تعمل لنفسها.. التاريخ بالنسبة إليها مضى ولن يعود.. الجغرافيا هي والمستقبل هو الآتي.. ونحن -العرب- نعمل ضد أنفسنا، لا نكترث للمستقبل.. نريد العودة إلى الماضي السحيق.. إلى ما قبل حروب الجمل وصفين وبيعة أبي بكر وعمر وعثمان، وإلى ما قبل إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين، التي بعنا بعضها وضيّعنا بعضها الآخر في حروب بائسة كارثية، ونضيّع الآن ما تبقى منها، وهو قليل، في صراعاتنا التافهة التي نصرّ على أن تأخذنا العزّة بإثمها.
ابو السعود الرحالة والسياسي المحنك