erap
02-11-2022 - 07:32 pm
أكثر من سبعة آلاف ومائة من الجزر القلقة والمضطربة
لا يسكن البشر فيها إلا عددا لا يزيد على أصابع اليد
تمور في أحشائها البراكين وترجهاالزلازل الهادرة
ولا تكف الأعاصير عن مهاجمتها ورغم موقعها وسط
بحر الصين إلا أنها ليست آسيا الوقور الحكيمة فمن
كثرة الأقنعة التي توالت عليها فقدت ملامحها الأصلية.
أخذت من الأسبان الدين والتاريخ الدموي
وأعطتها أمريكا اللغة ومظاهر الحياة العصرية والسياسية
دون مضمون حقيقي وأثقلت كاهلها بوجود عسكري
طويل الأمدهكذا تبدو جزر الفلبين وهي متناثرة وسط البحر
الأزرق مثل كوكب مجهولخرج عن مداره وضل طريقه فتناثر
حطامه في هذا المكان جزرًا وصخورًا ونتوءات كوكب كان
حيا ورغم الحطام المتناثر فمازالت هذه الحياة تضج
في أعماقه منذ آماد بعيدة
نبش الذكريات
في السابق تحدثنا عن مانيلا بطريقة تقديم المعلومة
وقدمناها لكم في علب مقننة وأكواب بلورية مختومة
برحيق الورد بحيث لا يجد القاري صعوبة ولا لذة
باستخلاصها أما في هذا الجزء فسوف ندع الفرصة
لكم في انتزاعهامن وحي الرواية بطريقة غير مباشرة
مما يضيف جو من المتعة وأنت تسبر أغوارالوردة من
خلال ذكريات رحال قديم امتزجت في خلجات صدره
وأحاسيسه رائحتها وانتشر أريجها وعبق عطرها في
كل مكان يتواجد به وكل زمان يأتي إليه
وكل خيال يطوف به
خريطة توندو tondo
حي tondo الشعبي
من شارع الأدرياتيكي في أرميتا انطلقنا أنا وأصدقائي
الاثنين في مغامرة مثيرة لن ولم أنساها ما حييت
بدأت خطواتنا الأولى في مانيلا عند الظهيرة زحام
شديد أخذ بالتصاعد تدريجيا دون أن ندري قادتنا
الشوارع الواسعة إلى شبكة الحواري المتشابكة
على ضفاف نهر الباسيغ نهر بالغ التلوث مزدحم
بالأطفال العرايا تقطعت بنا السبل وتفرقت الشعاب
ولم نكن نعرف إلى أين نحن ذاهبون
نزلنا في حي مزدحم بالسكان ومكتظ بأكوام النفايات
ومساكن تشبه علب الصفيح علمنا فيما بعد أنه حي
توندو الشعبي حيث تتابعك الأعين الصغيرة وترمقك
أينما ذهبت لم نأبه بها وواصلنا مسيرتنا بين موجات
بشرية متلاطمة ورائحة الفقر تزكم أنوفنا داهمنا الجوع
والتعب فتوقفنا برهة من الزمن لاسترداد أنفاسنا
المقطوعة ودخلنا مطعما شعبيا يعج بالزبائن ورائحة
الطعام تجذب كل جائع أو ضائع طلبنا لائحة الطعام
فلم نجد بها ما يطفأ لهيب جوعنا ويسد رمقنا إلا
السمك المقلي تناولناه بعجالة شديدة رغم رائحته
الغريبة هربا من عيون الزبائن التي تلاحقنا كما لو كنا
نجوم سينما أو لاعبين مشهورين كانت أشكالنا مثيرة
للانتباه كغرباء يتجولون في حي شعبي يأنف منه حتى
الفلبينيين ولكن مظهرنا وثيابنا بسيطة لا تغري اللصوص
بملاحقتنا أو مطاردتنا فقد كنا نرتدي بنطلون جنز عادي
وقميصا أبيض وأحذية رياضية مهترئة وساعة كاسيو
رقمية رخيصة الثمن
يزداد النشاط التبشيري المسيحي في هذا الحي الفقير
أين الدعاة المسلمين
أكوام النفايات في هذا الحي الفقير
بيوت من الصفيح
داخل البيوت الفقر لا يؤثر على سعادة الإنسان
صراع الديوك
واصلنا مسيرتنا في حي توندو فرأينا مجموعة من الناس
وقد تجمهروا أمام حلبة صغيرة مخصصة لرياضة الفقراء
الشعبية ألا وهي صراع الديوك والكل يشجع والكل يهتف
والكل متحمس للديك الذي راهن عليه ودفععرق وغلة
يومه للمراهنة عليه اقترب منا رجل عجوز وطلب أن بسلفه
0بيسو وأنه سوف يردها علينا ومتأكد من قوةالديك
الذي يراهن عليه وافقنا وأعطيناه المبلغ وبدأت المعركة
خسر صاحبنا الرهان وتحطمت آماله وبدأ بالصياح والعويل
وتحول المشهد إلى عراك بين المقامرين خشينا أن يتطور
ذلك إلى ما لا يحمد عقباه فأطلقنا العنان لأرجلنا وقد
أصبحت تسابق الرياحوفضلنا الهرب لا نألو على ذلك جهدا
لم يكن الكلب وحده ينتظر وليمة جثة الديك المهزوم
بل هناك عشرات الجوعى بانتظار الوليمة
لا زلنا نواصل الجولة في هذا الحي الفقير
كل شخص قابلته في هذا الحي لديه أمنية واحدة فقط لاغير
وهي أن ينتقل لحي ماكاتي (الحلم الفلبيني)
وسأحكي لكم قصة واحدة فقط من مئات القصص
MAKATI الحلم الفلبيني
عجوز جاءت من جبال "باجيو" كي تستقر في العاصمة
المزدحمة لفت انتباهها وجودنا كغرباء في هذا الحي
الفقير كنا قد ضللنا طريقنا وأصابنا التعب والخوف حين
فتحت المرأة العجوز لنا باب كوخها المتهالك كانت امرأة
وربما كان إحساسها بالوحدة والتعاسة هو الذي دفعها
كي تجاذبنا أطراف الحديث قالت.. "سافر زوجي للعمل
في سنغافورة ولم يعد ولم يصلنا منه أي خطاب.."
كان الكوخ بائسا خليطا من الأخشاب الرطبة وألواح
الصفيح ثم قدمت لنا شراباً من شرائح جوز الهند
الممتزجة بالماء كانت ملامحها الآسيوية غامضة لا تشي
بعمر محدد حركتها الواهنة هي التي أعطتنا الانطباع
بأنها عجوز قالت: "كانت أحوالنا جيدة عندما كان ابني
يعمل حارسًا في أحد جراجات السيارات".. ولم تكمل.
زاغت عيناها وخيل إلينا أننا لمحنا دمعتين متحجرتين
سألناهاعن سبب فقده لعمله قالت ببطء: "تشاجر
وهو يراهن على صراع الديكة.. طعنه أحدهم بمطواة
( أي سكين ) وفر هاربا ومات ابني بعد نصف ساعة.."
وخيم على الكوخ صمت متوتر أحسسنابالمرارة في
حلوقنا فلم نجرؤ على رشف الشراب الحلو قالت شيئا ما..
تركت اللغة الإنجليزية ودخلت في غمغمات لغتها المحلية
أدركنا فجأة لماذا فتحت لنا باب كوخها وباب قلبها كانت
وطأة الأسى قد زادت عليها أكثر من قدرتها على
الاحتمال نظرت إلى أيدينا المتجمدة بأكواب العصير..
قالت: اشربوا.. الأمور تتحسن رغم كل شيء لقد وجدت
ابنتي عملا.. ودبت فيها الحياة من جديد نهضت على
أطراف أصابعها وهي تشير إلينا سارت ثم أزاحت ستارة
من القماش كانت في جانب من الكوخ فوجئنا بأنه يوجد
خلفها سرير صغير عليه فتاة نائمة تأملناها في دهشة
مازال على وجهها بقايا أصباغ التجميل انتقلت من وجهها
للوسادة التي تنام عليها كانت ترتدي ثوبا براقاً يكشف
عن نحرها وذراعيها نائمة نوما عميقا كأنها في عالم آخر
لا تسمع كلمات أمها ولا أنفاس الغرباء الذين يتطلعون إليها
فيها مزيج غريب من البراءة والابتذال أحسسنا بالخجل
الشديد لأننا نراهاهكذا دون إرادتها ولكننا لم نستطع أن
نرفع عيوننا ولم تكن العجوز تحس بأي حرج كانت جميلة
كأنها مهيأة هي أيضا لموت غامض أعادت العجوز الستارة
وهي تهمس لنا بأن " البنت تعمل في أحد الملاهي الليلية
لا تأتي إلى البيت كل يوم إلا مع أنفاس الصباح..
إنها تحلم بأن تكون "موديلا" ولو حدث هذا فسوف نغادر هذا
الكوخ ونقيم في حي مكاتي مع الأثرياء.."
نعم إنها الحلم
مدينة المال والأعمال
صورة من أعلى
من بعلم ماذا تخبي مانيلا للناس الذين يحلمون في أزقتها الضيقة؟
ودعونا السكان بمثل ما استقبلونا به من النظرات الحادة
التي تراقب كل شيء تقريباوتوقفنا في الشارع الرئيسي
نبحث عن الجبني jeepney وتوقف أمامنا مباشرة
بمجرد أن نطقنا بكلمة بارا para هذه اللفظة السحرية
تجعله يقف في أي مكان تريده وانطلقنا إلى حي أرميتا
وبعد عبورنا نهر الباسيغ تركنا البؤس والشقاء خلفنا في
شمال النهر واتجهنا إلى جنوبه حيث تزدهر الحياة
وترتسم الابتسامة على الشفاة فلا عزاء للبؤساء
نهر الباسيق
لنا عوده مرة أخرى إلى أحياء قديمة وتاريخية بإذن الله
موضوع شيق بارك الله فيك وبنظره انسانيه للفتاة الجميله التي انسكبت مساحيقها البائسة على مخدعها اليائس حيث لا امل من التحول لجنوب نهر الباسيق ..
ما اسواء الفقر والفاقه والعوز وقلة الحيله بوابة كل شر مستطير تفقد الاخلاق والدين وتفسخ اثواب الحياء والكرامه ..
اللهم انا نعوذ بك من الفقر .. وغلبة الدين .. وقهر الرجال .