رحال 2008
16-12-2022 - 09:41 pm
سعدت في فترة قريبة ماضية بزيارة المغرب الحبيب ، وسنحت لي الفرصة لزيارة مدينة الجديدة ولقاء صديق فاضل كان يزورني في مكة المكرمة في كل موسم حج وعمرة ، وصادف زيارتي للجديدة بوم الثلاثاء فتمنيت عليه أن نزور سوق الثلاث بسيدي بنور لكثرة ماسمعت عنه وهو ماحصل فكانت بعض اللقطات المصورة التي اخذتها بكاميرا الجوال على عجل فلم أكن مستعداً لتلك الزيارة ولكنني حرصت على أن أعوضكم عن ذلك ببعض المعلومات عن عمالة سيدي بنور وعن السوق لعلها تشفي غليلكم وإليكم إياها حتى أنتهي من رفع الصور.
في البدء أقليم سيدي بنور هو أقليم يتبع جهة دكالة عبدة ، وقد نشأت مدينة سيدي بنور إلى جانب القرية القديمة التي لم تتطور من حيث العمران ، وتعتبر مدينة سيدي بنور بنكاً للجهة ، من حيث المنتوجات الفلاحية والحيوانية ، نظراً لإمكانياتها الطبيعية الهائلة ، من حيث الزراعة وتربية المواشي من جهة ، ونظراً لتوفرها على أكبر سوق وطني يعرف بأسم سوق ثلاثاء سيدي بنور ، وكذلك توفرها على أكبر معمل سكر في المغرب (كوسومار).
وتجمع المدينة الحديثة ما بين الحداثة ، من حيث العمران والإرث التاريخي الذي ورثته عن أقوام مروا من هناك ، منهم البرتغاليون والفرنسيون على الخصوص ، حيث لا زالت العديد من الآثار قائمة وشاهدة على الفترة التي استوطنوها ، وترتبط مدينة سيدي بنور بدفينها أبو ينور عبد الله ابن وكريس الدكالي الذي تتلمذ على يديه أبو شعيب أيوب السارية دفين أزمور. وأبو ينور في قراءة أخرى هو إيلا إسكاون ، أي ذو القرون ، وهو شيخ ورع عرف عنه الورع والتقوى ، فقد ورد في كتاب "التشوف" للتادلي أنه تزوج زوجة أخيه بعد مماته ، فقدمت له طعاماً، فرغب عنه لعلمه أن به شيئاً من حق اليتامي وبات جائعاً ، وسيدي أبو النور ينحدر من قبيلة مشنزاية أو مشتراية ، وهي حاضرة بائدة ، اثنين الغربية حاليا .
ورغم غياب تاريخ موثق يسجل الفترات التاريخية بشكل دقيق فإن العديد من الكتب أفردت نتفاً خصت بالذكر القبائل والشعوب التي استوطنت المنطقة ، ومنها قبائل بني هلال وبني سليم خلال رحلتها من الشرق إلى الغرب بعد تعرضها للغزو من طرف الصليببين ، ومنها أيضاً قبائل بربرية.
وتتغير ملامح سيدي بنور كثيرا في مطلع فجر كل ثلاثاء. فينقلب هدوؤها صخبا وضجيجا ويتحول ركود تجارتها إلى رواج ، بعصا سحرية اسمها «الثُلاثْ»، وهي اختصار محلي لعبارة الثلاثاء ، ويقصد بها مدينة سيدي بنور ، التي تحمل اسم اليوم الذي يلتئم فيه السوق الأسبوعي.
في سيدي بنور.. هنا كل شيء قابل للبيع والشراء ، في خيام توزّعت على مساحة شاسعة في الجزء الجنوبي من هذه الحاضرة الدكالية ، وسيدي بنور يوم الثلاثاء لا تشبه سيدي بنور بقية الأيام في شيء ، عدا الاسم والموقع على الخريطة. ينقلب الهدوء الكبير الذي تمتاز به هذه الحاضرة الدكالية إلى صخب منذ الساعات الأولى من صباح كل ثلاثاء ولا تستعيد وداعتها إلا بعد غروب الشمس.
في كل ثلاثاء ، تضيق سيدي بنور الصغيرة ، بزوارها ، حتى إن عدد سكانها يكاد أن يتضاعف حين يصل الإقبال على السوق ذروته. كل ثلاثاء ، تصبح جميع الطرق سالكة نحو سيدي بنور ، وإن اختلفت وسائل النقل ، من حافلات وسيارات ، بمختلف الأحجام ، إلى العربات المجرورة والدواب في كل يوم ثلاثاء ، يتحول الجزء الجنوبي من المدينة إلى سوق كبيرة يصعب ترسيم حدودها لزائرها للمرة الأولى ، سوق يعرض فيها كل شيء قابل للبيع والشراء.
سوق سيدي بنور هو الأكبر من نوعه في جهة دكالة -عبدة ، ولا تنازعه في الكبر والأهمية سوى أسواق قليلة على الصعيد الوطني. ويكاد سكان المدينة والحواضر المجاورة ، بل ودواوير المنطقة كلها يصنفون الثلاثاء ضمن أعيادهم. يتحدثون عنه بشغف ويدافعون عنه بحماس ويتجاوزون في حديثهم عنه حد الإعجاب إلى إبداء الفخر والاعتزاز ، وتعُجّ المحطة الطرقية لسيدي بنور المحاذية للسوق ، بعربات النقل المزدوج وتتزاحم في الساحة الضيقة للمحطة مع الحافلات التي تربط سيدي بنور ببقية المدن ، لاسيما الدار البيضاء ومراكش والجديدة واليوسفية ، في حين تصطف سيارات الأجرة في المساحات الفارغة المحيطة بالسوق وتتخذ مكانها في الساحة ، حسب وجهتها.
غير أن كثيرا من رواد السوق ، خصوصا القاطنين غير بعيد عنه ، يتفادون زحمة عربات النقل المزدوج ويتنقلون إلى السوق عبر عرباتهم المجرورة. ويتسبب استنجاد فئات عريضة من السكان بالنوع الأخير من العربات في احتقان شديد في حركة السير في الطريق الرئيسية التي تربط سيدي بنور بمراكش والجديدة. وتزاحم الدواب أيضا السيارات والحافلات على موطئ قديم لها في تلك الطريق.
ثمة فرق بين العربات المجرورة والسيارت: وحدها العربة المجرورة ، ويطلق عليها اسم «الكرّوسة» في لغة أهل دكالة ، يمكنها أن تدلف إلى السوق بدون مشاكل وأن توصل ركابها إلى أبعد نقطة ممكنة في عمقه. ويلج كثير منها إلى السوق من مكان بين رحبة «البذور» والمحطة الطرقية ، وتجتاز بسرعة ملفتة عشرات الخيام قبل أن تتوقف وتعود أدراجها من حيث أتت. ، ولا توجد بنايات في هذا السوق عدا المحطة «كشك» صغير ، استبدل أصحابه تجارة الكتب والمجلات ببيع الملابس ، وآخر تخصص في بيع التبغ ، وتُعرَض البضائع بجميع أنواعها ، وبصرف النظر عن قيمتها في خيام ، تختلف أحجامها حسب أهمية النشاط التجاري الذي يزاوله صاحبها وحسب البضائع المعروضة فيها.
وتنتشر الخيام في كل مكان ، ووحده الفضاء الخاص بالمتلاشيات والخردة ظل خاليا من منها. كما كان لافتا تجمُّعُ باعة البضاعة الواحدة في مكان واحد. وتُحوّل المهن الأكثر تنظيما الفضاءات الخاصة بها إلى أشبه ب«قيساريات» من خيام ، وتفصل بين الأقل تنظيما منها مساحات فارغة.
وتشكل النساء أغلبية الباعة في هذا الرواق ويعتبرن ، أيضا ، أهمَّ زبنائه. يعرضن أصنافا عديدة من الصوف ، وهي بضاعة من نوع خاص تجعل هذه السوق أقرب إلى سوق قوية منها إلى حصرية تنعقد وسط مدينة صارت قبل أشهر قليلة عمالة ، وتعتبر من الحواضر الصاعدة في منطقة دكالة.
ثمة خيام لا تُعرَض سوى الصوف المُعَدّ على شكل أنسجة باختيارات عديدة في الألوان ، مع طغيان واضح للون الأبيض والأحمر والأخضر. وإلى جانب الصوف شبه المصنع والمنسوج ، وكذا المغزول ، و هناك أيضا خيام تبيع الصوف الخام فقط رغم زهد سعره ، ويتم تجميع أغلبية كميات الصوف الخامّ التي تباع في هذا السوق من أهالي المنطقة. فكثير من «كسابي» المناطق المجاورة لسيدي بنور يعمدون إلى بيع صوف شياههم هنا ، بالجملة في الساعة الأولى من صباح كل ثلاثاء.
والصوف ليس البضاعة التي يستغل سكان المنطقة فرصة انعقاد هذا السوق لبيعها بأسعار «مناسبة» وتفضل بقسط لا يستهان به في ميزانيات الفلاحين عن نظيرتها في بقية الأسواق الموجودة في المنطقة. المحظوظون منهم «كسّابون» يدر عليهم بيع أنعامهم في هذه السوق أموالا تُغطّي مصاريف الكسب وتُسعفهم في تلبية كثير من حاجياتهم.
ويصعب إحصاء الأشياء التي يمكن للقرويين شراؤها من هذه السوق. «فهنا كل شيء يباع» ، خضر، فواكه ، أوانٍ بما فيها الخزفية ، متلاشيات ، حبوب ، مواد تغذية عامة وغيرها كثير... لكنْ ثمة رواق من نوع خاص. يعُمّه هدوء مثير وتُعرَض فيه بضاعة يعتبر عرضها للبيع في محلات من خيام من «كتان» مغامرة محفوفة بالمخاطر. هنا يداوم نحو 40 تاجر ذهب وفضة على عرض بضائعهم كل أسبوع. بيد أن تجار الذهب كانوا بدورهم يستظلون بخيام من كتان مثبتة بحبال ، تماما مثل جميع باعة وتجار هذه السوق بل إن ثمة عشرات من هؤلاء لا يستظلون بشيء ويتركون أنفسهم وبضائعهم عرضة لأشعة شمس لافحة.
وكانت عشرات العربات المجرورة «الكرّوسة» أوفر حظا من الجميع ، باعةً وروادا ، لكونها أُودِعت بغير نظام ، في الفضاء الظليل الوحيد في هذه السوق ، وهو عبارة عن فضاء بعلو يفوق طابقَيْ عمارة مفتوح من ثلاث جهات.
سيدي بنور تبقى «تلات» رغم ارتقائها إلى عمالة ، وقد تغيرت مدينة سيدي بنور كثيرا في السنوات الماضية. لكنها بقيت «التلات» لدى فئات عريضة من سكان المناطق المجاورة لها ، وإنْ كان القرويون المترددون على السوق لا يخفون افتخارهم من تحولها إلى عمالة ، وقد ارتقت سيدي بنور في سلم الترتيب الترابي وانتقلت من مجرد بلدية إلى عمالة، وتشتهر سيدي بنور، وطنيا بتوفرها على أحد أكبر وأبرز مصانع السكّر لكنها تظل، في أعين قرويي المناطق المجاورة لها ، بل وفي نظر كثير من سكان بعض المدن المجاورة «تْلاتْ» وليس سيدي بنور.
هذه هي بعض المعلومات التي توافرت لديّ من بعض محركات البحث عن سيدي بنور المدينة والإقليم وسوقها الكبير ، وسوف أوافيكم فيما بعد بما التقطته كاميرا جوالي من داخل سوق التلات .. جولة ممتعة تستحقها نواظركم
مع عاطر التحايا .........
رحلتي الى المغرب
اهلا بك ومتابع لتقريرك عن تلات سيدي بنور ..