- ذاكرة الماضي من أجل المستقبل
- لكي لا يضيع التراث
- للكاتب الحاج محمد عطالله دكروب
- المكان : بلدة تبنين في جنوب لبنان
- الزمان : أواخر الثلاينات من القرن العشرين.
- إويها وطولك طول الحور وإويها ورب السما إلك ناطور
- وإويها أهلاَ وسهلاَ باللي شرفوا على الدار وإويها وشعت منهم الأنوار
- وإويها وصارت بنتنا الهم
- وإويها وتم الفرح كللوا (أحياناَ يطلق الرصاص)
- يخلف عليكم كثًر الله خيركم انتوا الآوادم ما أوادم غيركم
- بنشيل بدر السما وبنحط (اسم العريس) مطرحوا
- أيضاَ : عريسنا زين الشباب زين الشباب عريسنا
- (المجيدي هي عملة تركية وهي من معدن الفضة)
- ثمً يصرفها بلون آخر وهذا تعبير لشعراء الزجل فيقول :
- شو بدنا بالورد نزرع بوجودك ما دامو نبت عاروس خدودك
- (مبعجرا تشبه البعجور الأصفر اللون وهو غير مرغوب فيه)
- بطل دقّاق المجوز بطّل مع السلا مة
تقاليد الأعراس في تبنين
ذاكرة الماضي من أجل المستقبل
بسم الله الرحمن الرحيم< ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاَ لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون >.
الزواج سنةُ من سنن الله الحكيمة في هذا الكون المتقن والمنظم حيث تكون غاية هذه السنًة في الاستقرار ونشوء الأجيال والتآلف والتراحم، لذلك وجدنا مصداقاَ لهذه السنًة في كافة المجتمعات البشرية ومنذ نعومة أظفارها وفي مطلق الفترات التاريخية...
ولا شك ان لهذه السنًة (الزواج) أعراف وتقاليد وعادات تختلف من مجتمع لآخر تغذيها القيم والمعايير والأديان...
وها نحن الآن أمام نموذج من نماذج هذه السنًة الالهية لنرى كيف كانت وكيف غدت حالياَ.
فالمقارنة ممتعة ومحفزة من أجل الأفضل دائماَ وطبعاَ إذا تم ذلك ضمن الأطر الشرعية التي سنًها الشرع الحكيم.
لكي لا يضيع التراث
للكاتب الحاج محمد عطالله دكروب
معلوم انه يتم الإتفاق مسبقاَ بين أهل العريسين على المهر وتاريخ عقد القران الذي ما يكون غالباَ بعد ظهر يوم الخميس من الأسبوع، وفي مساء الأربعاء تدعو العروس رفيقاتها للسهرة، أما سبب عقد القران ليلة الجمعة فهي بالإعتقاد بأنها ليلة فضيلة تجمع ولا تفرِق سيما وان إسمها الجمعة. كما أسلفت تدعو العروس رفيقاتها ليلة الخميس للحناء وتكون قد استحضرت قصعة كبيرة من الفخار مملوئة بالحناء فيتحنين، وفي تلك الأثناء تبدأ حادية بالحداء كما يحلو لها تتلاعب بالكلمات والألفاظ كما تشاء تذكِر المؤنث وتؤنِث المذكر وتستبدل إسم الأب بإسم الأم وتبتدع كلمات ما أنزل الله بها من سلطان ولا زلت أحفظ منذ أكثر من ستين سنة هذا الحداء الغريب الذي يعلق في ذهن الطفل كالنقش في الحجر، والأن أورده للذكرى فقط وهذا الحداء موجه لخال العروس وهو :
حيم بالبركة البركة يا خالي
هاك حواجب تحكي يا خالي
حسن بد يعة يا خالي (هنا حذف اسم الأب وأستبدل باسم الأم لئلا يختل الوزن)
بنت اختو السمرا يا خالي (أي العروس)
حنت أ يد يها يا خالي
وصابيع اجريها يا خالي ( أيضاَ أصابع الرجلين )وعلى هذا فقس ما سواها، أما إذا شئت أن تعرف معنى هذا الحداء فهو :
حيم بالبركة البركة - فمعناه أن العروس استحمت في بركة البركة.
أما هاك حواجب تحكي فمعناه أن الحواجب وتخطيطها كأنها حروف تنطق بالجمال.
أما حسن بديعة فهو خال العروس وللضرورة حذف اسم الأب وأستبدل بأسم الأم.
أما بنت اختو السمرا فهي العروس - وكل ذلك تكريماَ للخال- وأحياناَ تقول بنت اختو الشقرا أو البيضا حسب ما يكون لون بشرة العروس.
نبش التراث
فصول العرس التي كانت سائدة في الربع الأخير من الثلاثينات أي عندما أصبحت أعي الأحداث وترتسم في ذهني.
المكان : بلدة تبنين في جنوب لبنان
الزمان : أواخر الثلاينات من القرن العشرين.
قرأت ورفاقي ونحن في كُتًاب الشيخ سورة الجمعة من القرآن الكريم وذلك بعد ظهر يوم الخميس بناءاَ لطلب الشيخ، الشيخ يقرأ ونحن نردد جماعياَ ما يقرأ آية آية، والحضور يملأ الصدور باعتبار أن نهار غد الجمعة (عطلة) وما أن انتهينا وأذن الشيخ بالإنصراف حتى سمعنا قرع الطبل فاتجهنا بأجمعنا إلى مصدر الصوت وقد ازددنا سروراَ. وقفنا إزاء الجوقة، البيرق منصوب، وضارب الطبل يحمل بيديه مضربين يقرع بهما الطبل. شابان يافعان يعلق كل منهما في رقبته طبلة يقرعانها كل بمضربين دقيقين، حاملا صنوج يضربان بهما كل بكلتا يديه، لاعبا سيف وترس مستعدان للنزال. كل ذلك قرب منزل تزكمك منه رائحة الطيب والبخور من بعد عشرات الأمتار، تتصاعد من داخل المنزل أصوات النسوة بالزغاريد والحداء. اتجهت ورفاقي الى مصدر صوت النساء حاولنا الدخول أُنتهرنا وطُردنا ونحن أطفال لا نعي شيئاَ، استفسرت ممن هو أكبر مني سناَ فقال:
(عما يبرزوا العروس) ما يسمونه اليوم مكياج . فأدركت أن التجمع يعود لعرس ولكني لم أعِ معنى البرزة ولم تكن تعني لي شيئاَ. وقفت ورفاقي قرب المنزل، الحداء والزغاريد تتعالى، قرع الطبل والصنوج والحداء بدأ في الخارج، وتنازل اللاعبان في السيف والترس.
راقت لي فصول العرس وبصورة خاصة ما شاهدته من لاعبي السيف والترس وما أظهراه من المهارة ودأبت على حضور احتفالات الأعراس منذ ذلك الحين.
والآن أورد تفاصيل هذه التقاليد كما كانت تجري مبتدأ َبما كنت أسمعه من حداء إلى زغاريد من الغرفة التي كانت مخصصة للعروس ومزينتها ورفيقاتها وسأسردها بتراتبية.
أول ما تحديه الحادية :يا ممشطة مشطيها وي شو ية لا تو جعيها
وبي ماء الزهر عطريها وبالحنان والرفق جد ليها
و يا مزيني زينيها والحواجب لا تقرابيها
و العيون السود كحليها وبي ميل الألماز ذنبيها (الألماس)وتبني على هذا المنوال ما يروق لها حتى تهيىء ضرباَ من الحداء وأذكر انني كنت أحفظ الكثير من هذه الأراجيز وسأورد مقطعا آخر وهو :
يا شعر العروس يا نصب ويا قصب يا خيمة السلطان لا من نصب
رحنا على أسطنبول تا نجيب الزهاب ونمشط الحلوين بمشط الذهب( الذهاب : أمتعة العروس بما فيها الفراش واللحاف و المخدة وغيرها)
وتنسج الحادية على هذا المنوال ما طاب لها ورفيقات العروس يرددن قولها ويصفقن ابتهاجاَ ثم تنتقل الى مقطع مميز وكأنه لفت نظر الى العريس وأهله والحضور فتقول:
يا بو خد يد أحمر وطمرو حنا زوج الضراير ما يفوت الجنةيعني يا عريس إياك أن تتزوج عليها وتجلب لها ضرة وهي بكر وليس مطلقة ولا أرملة يُعرف ذلك من المقطعين اللذين يلين الضرب الزجلي فتقول :
عُمرك ما تاخذ أرملة نواحة كل الأرامل دبوهم بالساحة
خذلك بو نيا تشابه التفاحة بتقضي عمرك يأعزب متهاناايضاَ
عمرك ما تاخذ أرملة مهجورة كل ألارامل دبوهم بالجورة
خذلك بونيا تشابه البلورة ما بتشوف الضيم ولا تتعنىوفجأة ينقطع الحداء ويصعد صوت إحداهن بالزغردة فتقول :
إويها وطولك طول الحور وإويها ورب السما إلك ناطور
إويها إجت مريم بنت عمران وإويها تتزعقلك البخورفيعلم من في الخارج ان دور البرزة قد انتهى وجاء دور إلباس العروس ثوب العرس الحريري أبيض اللون الطويل المتدلي الأطراف ويتبادر إلى الأذهان ان العروس قد وقفت، ثم يأتي بعد ذلك ارجوزة التعويذة من العين سيما وأن الأرجوزة السابقة أن مريم العذراء عليها السلام جاءت وزعقت البخور لطرد الأرواح الشريرة وفقأ عيون الحاسدات. فترتجز تعويذة وأغلب ظني أنها من صنع المشعوذين لأن ألفاظها ما كانوا يحسبونه من لغة الجان. وذلك بعد إشعال البخور لتصل الرائحة الى خارج القاعة والأرجوزة هي (زغرودة) :
إويها وشنبق بنبق وإويها يخرس الجان ولا ينطق
إويها وعين المصلت عليكِ وإويها وتطق وبتنبوق
(شنبق وبنبق يحسبونها لغة الجان من صنع المشعوذين)
وتتبعها بالثانية فتقول :إويها البتبغضك الله يقصف عمرها وإويها ويغيضها ويزيد في قهرها
وإويها ويدب كيدها في نحرها وإويها والقرابينا في ظهرها (القرابينا هي آلة تشبه المسدس تحشى من فوهتها بالبارود والرصاص والخردق)
وإويها وإسم الله عليكِ وإويها وعينو بتحميكِ
وإويها وعين الحاسدة تعمى وإويها اللي ما صلًت عليكِوفجأة يُعلمون الحادية بقدوم أهل العريس، والحادية غالباَ ما تكون من الأقوياء ويطلب اليها أن تبيض الوجه فتزغرد مرحبة بالقادمين فتقول :
إويها أهلاَ وسهلاَ وطلوا ضيوفنا طلوا وإويها أهلاَ وسهلاَ باللي شرفوا وهللوأ
وإويها أهلاَ وسهلاَ بوسط ديارهم حلوا وإويها والدار صارت لهم بوسطها يظلوا
وإويها أهلاَ وسهلاَ باللي شرفوا على الدار وإويها وشعت منهم الأنوار
وإويها وصارت دارنا إلهم وإويها ونحنا عندهم زواروبعدئذ يحضر الشيخ الذي يجري عقد القران وهو رجل الدين من البلدة أو من الجوار وترتفع الأصوات بالتهليل والتكبير والصلاة على النبي وآله، وبعد استراحة قليلة يدخل الشيخ الى حيث
توجد العروس وتوكله كي يجري عقد قرانها على العريس ويسمع موافقتها بحضور الشهود كي لا يكون هناك اكراه لها من قبل أهلها وهذا أمر شرعي. ثم يعود إلى حيث يجلس الرجال ويفرغ
الوكالة للعريس. وعندما توكل العروس الشيخ كي يزوجها من العريس وتلفظ كلمة أنت وكيلي تصرخ الحادية المزغردة موجهة كلامها لأهل العريس فتقول:
وإويها بدور السما تجللوا
وإويها ولصدورنا بلطفهم بللوا
وإويها وصارت بنتنا الهم
وإويها وتم الفرح كللوا (أحياناَ يطلق الرصاص)
بعدها تقرع الضاربة على الدربكة وتنشد الحادية ما يتناسب للعرس وتفيض قريحتها بالكثير الكثير وبعد تفريغ الوكالة للعريس من قبل رجل الدين يجول العريس على الرفاق بعد شكر الشيخ أو تقبيل يده ويقبل يد والده ويقبله والده وتفرق الحلوى وأغلبها من المعمول أيضاَ يفرق الشراب من القدور على الجميع ثم يطاف بأواني الشراب في أحياء البلدة ويسقى كل من صادف مروره. وأحياناَ يكون العريس مستطيعاَ فتوزع الشوكولا والكراميل والملبس في صينية على الأطفال بالمناولة إلا ان الأطفال لا يمهلون الموزع فيلتقطون الصينية الأمر الذي يضطره الى ذري ما فيها مما يذكرك بنثر الحب الى الدجاج والسعيد السعيد من تنتفخ جيبته من هذه الخيرات.
وبعد تفريق الحلوى يُقرع الطبل ويستعد الموكب للمسير يخرج ذهاب العروس ويوضع قرب الجمل المناخ قرب المنزل ويوضع صندوق شامي ملون أو صندوق شامي مصدًف إزاء الجمل فيه أمتعة العروس وأغراضها أيضاَ رزمة كبيرة الحجم فيها فراش ولحاف وبسط مع بعض البقج (صرة من الثياب) وتحمل علىالجمل ومن ثم تخرج العروس مغطاة الوجه بملائة تزهو بثوب العرس الذي تطأ أذياله الأرض تحيط بها الرفيقات وبعضهن يرفعن أذيال الثوب والحداء ( ودق الدربكة) وضرب الكف والزغاريد، بعدها بثوان يأتي خيال على فرس مسرحة العرف المعروف لدى الخيالة بالمعرفية عليها بردعة (العدة) مزينة بخرج له شراريب مختلفة الألوان زاهية فاقعة من صنع الشام يوقف الخيال الفرس في مدخل الدار يترجل ويسير موكب العروس لتصل الى الفرس تلتفت مودعة ثم يصعدونها الى ظهر الفرس، وهنا تحدي الحادية بلسان أهل العريس فتقول:
يخلف عليكم كثًر الله خيركم انتوا الآوادم ما أوادم غيركم
كرمتم علينا والحمايم طيركم تبقوا لنا والرب يرعى سيركمفي المقابل يتحرك موكب الرجال ويتقدم موكب العروس يُرفع البرق يُقرع الطبل تُضرب الصنوج ويدق المزوج (أو مجوز وهو آلة موسيقية من القصب يُنفخ فيها فتحدث صوتاَ موسيقياَ) ويسير الموكب يتقدمه الحادي يحدي للعريس، أمامه لاعبا السيف والترس يتجاولا في مسيرهما الى ان يصلا الى فسحة فيشير احدهما الى الحادي ان يتوقف فيتوقف ويصرخ صحايف ويتطلع الى منافسه فيجيب منافسه قائلاَ صحايف العريس - يحيا العريس - يتجاولا أيضاَ ويعاد القول صحايف يجيب المنازل - صحايف العروس تحيا العروس - ويعاد القول صحايف يجيب ايضاَ صحايف الإمام علي (ع) باعتبار أن سيف الامام علي أول سيف في الاسلام تتعالى الأصوات ثم يعاد الكلام صحايف فيجيب المنافس (كل من سحب سيفه وضرب) وهذه العبارة هي إعلان المبارزة.
فيتجاولا ثم يقف كل قبالة صاحبه كالأسد ولا تسمع إلا قرع السيف على الترس والأبصار شاخصة ولا ينتصر أحدهما على الآخر وهذا بالعرف يسمى ( مطايبة) ويكرر هذا المشهد مرة أو مرتين أو ثلاثة قبل أن يصل الحفل إلى منزل العريس الذي يعود قبل الجميع لإستقبال العروس الى منزله أو منزل أهله وبعد كل فصل تعود الجوقة الى السير والحداء واليكم ما حفظته ولا يزال عالقاَ في ذاكرتي من هذا الحداء:
طير البطير منذبحوا من فوق راسك يا عريس
طير البطير منذبحوا قلب العدو منجرحوا
بنشيل بدر السما وبنحط (اسم العريس) مطرحوا
أيضاَ : عريسنا زين الشباب زين الشباب عريسنا
من طلتوا والبدر غاب ونورو حبك فوق روسناكذلك إذا كان في الموكب أحد الوجهاء راعي شاربين فيجعل له الحادي نصيباَ من الحداء خاصة إذا مر الموكب إزاء منزل فيه من ربات الخدور اللواتي لا يذهبن لحضور حفل الزفاف وتطل من على الشرفة وعلى وجهها النقاب ( قناع تغطي به المراة وجهها وأحياناَ تنظر به من عين واحدة) وتطل لترى الموكب وتشاهد ما يجري وهنا نرى الحادي يرتجل حداءاَ لا زلت أذكره فيقول مشيراَ الى الوجه راعي الشاربين:
عكف الشوارب هللت يا حلوي طلي وزلغطي
عين الحسود تبلى بالعمى وبذكر الله حوطي
يا بنيا يلي بالقصور طللي و شوفي فعالنا
انت غواك شعرك نحن غوانا رجالناايضاَ يتبع ويخصص الحداء للاعبي السيف والترس ويشبههما بالعسكر فيقول:
يا بني يللي با لخبا طللي وشوفي اسودنا
انت غواك شمبرك ونحن غوانا جنودنا
(الشمبر يعني لدى العامة النقاب التي تستر به المرأة وجهها) وبعد ذلك يوجه الحداء للعروس عندما يقترب الموكب من منزل العريس فيقول :
يا شمس يللي بالسما أنوارك بتحي النفوس
لا تشرقي فوق الحي بالأرض في عنا عروسويستمر الموكب على هذه الصورة الى أن يصل الى منزل العريس ويصبح الحداء للرجال والنساء واحداَ:
جينا و جينا وجينا جبنا العروس وجينا
جبنا العروس الحلوة يا بو (والد العريس)لا قينا
وبعد ذلك يوجه الحداء وكأنه بلسان أهل العريس :لما المغني غنى فرح قلبي وتهنا
وأنا على الباب باستنا جيبو ها بلا حنا تنزل العروس من على ظهر الفرس بمساعدة رفيقاتها ويتغير الحداء:
يا عما هذي العروس جبناها عا لبوابي
والله يهني العريس و عقبالا للعزابيوهنا يخرج العريس الى مدخل الدار لاستقبال عروسه وبيده قضيب من الخيزران (خيزرانة)
ويتقدم نحو الموكب ومعه الرفاق وهنا تجري تمثيلية بين أنصار العريس من أقربائه ورفاقه من
جهة وبين أقرباء العروس من جهة ثانية، يتقدم العريس رافعاَ القضيب (ليعلًم به) على رأس العروس ويعني هذا التقليد ان تبقى له السيطرة على مقاليد الأمور في البيت العائلي.
وهنا يتدخل أهل العروس ويحاولون منعه وبعد أخذ ورد تتم التمثيلية ويمرر الخيزرانة من فوق رأسها وينتهي. وتعود الحادية الى دورها التراتبي عندما تقترب العروس من مدخل المنزل فتقول:
هذي كبيرة بنت كبار بدها عبرة باب الدار
ما بتقبلش المجيدي بدها من ذهب الأصفر(العبرة تعني انه لا تعبر بيت العريس إلا بهدية من عمها أو امرأة عمها...)
(المجيدي هي عملة تركية وهي من معدن الفضة)
عندها يقترب والد العريس وحسب مقدرته فيعطيها نقداَ ما أمكنه من دراهم وكان السائد في أواخر الثلاثينات الليرات الذهبية فتتسلم المبلغ ويؤتى بالخميرة وتلصق من قبل العروس على العتبة،
وهذه العطية تعتبر مساعدة لبقة لشراء حاجيات البيت وغير ذلك، وبعد إلصاق الخميرة يتقدم العريس ويرفع الغطاء الشفاف عن وجهها ويقبًل جبهتها ولا شيء غير ذلك....؟ جبهتها فقط وذلك بمنتهى الإحتشام. ويأخذ بيدها الى حيث (يصمدان) وغالباَ ما يخرجان الى فسحة الدار ليبارك لهما (وتعمًر الدبكة). والدبكة التبنينية مشهورة فهي على الطبيعة لا يوجد فيها تصنع.
قاطر الحاشية عادة يكون شيخ الشباب بيده خيزرانة لطيفة يجيد تحريكها بخفة تتلائم مع صوت القيثارة أو المزوج وإذا كانت حلقة الدبكة كبيرة يكون ضمنها عازفان ويبدأ الغناء وعند انتهاء كل أغنية يتبعها هرج وسأورد بعضاَ من هذه الأغاني وأغلبها على ضرب (الدلعونا) منها من يتغزل بمحبوبته فيقول:
تفاح الشامي مش مثل خدودك ورمان الفاني مش مثل نهودك
وحية السودا مش مثل جعودك ومش مثل جعودك عتم كانونا
ثمً يصرفها بلون آخر وهذا تعبير لشعراء الزجل فيقول :
شو بدنا بالورد نزرع بوجودك ما دامو نبت عاروس خدودك
شوبدنا بالرمان بوجود نهودك ومش مثل جعودك سيف المسنون - هذا ضرب وفصل - ضرب زجلي وفصل من مراحل العرس واحيانا يتبارى اثنان في حلقة الدبكة ويتغير ضرب الزجل وينتقل الى (القرادي) وهذا ضرب مألوف ويقفى بالهوارأحياناَ.
والمباراة بين هاوي السمرا وهاوي البيضا - وإليك يقول هاوي البيضا منتقداَ السمرا ولا زلت أحفظ هذا المقطع منذ كنت طفلاَ:
والسمرا تحن الدلبي (شجرة) وما يزنرها حبل الليف
عالوقعى بتاكل علبي وبتقول ما أكلت ولا رغيف
والجرة إلها شربي و يا ستا ر ويا لطيف...؟
ويا تعتيري ويا غلبي ويا جرستنا بالحارة(علبي : العلبة لدى الفلاحين تعني ستة صوع زنة الصاع من القمح سبعة كيلوغرامات)
فيجيبه هاوي السمرا فيقول :السمرا يا جوخ الثابوت (الذي لا يتغير) وخصرا مثل عود الزين
لما بتنزل عا بيروت بيوقا فو لا عالصفين
البيضا يا كوسا مبتوت في آخر تشرين إثنين
لولا الحُمرا والخطوط كا نت صفرا مبعجرا(مبتوت يعني المرمي ارضاَ لا رغبة فيه)
(مبعجرا تشبه البعجور الأصفر اللون وهو غير مرغوب فيه)
أيضاَ هناك فصل آخر فإذا حوت الدبكة في حلقتها شبابا وصبايا يطلق عليها (فرخة وديك) من قبل العامة. وهنا يتبارى شاب من ناحية وصبية من ناحية ثانية في أي ضرب من ضروب الزجل، وقد ذكر عم لي أن أحد أقاربنا ويدعى أسعد دكروب (هو شاعر زجلي له كتاب البينات بالزجل) قد تبارى مع صبية تدعى رفقا حداد، فبادرته رفقا وهي في حلقة الدبكة بضرب من الزجل فقالت - الزجل هنا يسمى مخمس مردود عند شعراء الزجل - :
بقولولو يا دكروب مانو محبوب بدو ضربي عالكرعوب من شيخ الجان فأجابها أسعد:
بقولولا يا رفقة وما نا رفقة تضرب بهيك الخلقة مثل الشيطانوعندما تقترب الشمس من المغيب يقوم لاعبا السيف والترس بدور منازلة يأخذ بالعقول ولا زلت أذكر المرحوم طعان عثمان أبو كامل (كان والده من فرسان القلعة) ومحمد سعيد بري وهما من أشهر لاعبي السيف والترس وبعد انتهاء الجولة يقف الحادي ويرتجز الحداء التالي :
والشمس مالت للغياب وأصبح قريب زوالها
تنعاد عليكم يا شباب ويعيدكم أمثالهاوبعد هذا الحداء يتجه كل الى منزله ويؤخذ البيرق والطبل الى منزل شيخ الشباب في دقات متقاطعة
بعده يدخل العروسان وتوضع المائدة وهنا يترقب العريس اللقمة الاولى ويختطفها من يد العروس ويأكلها وهي بعرف العامة (لقمة السعادة).
وبعد ذلك بفترة تتوافد الصبايا والشباب للسهرة والدبكة وتكون السهرة متنوعة وأول فصل من السهرة يكون الدبكة وكما أسلفت فإن الدبكة التبنينية مميزة ولها وقعها في نفوس المشاهدين وأذكر انه في احدى المناسبات وفي العاصمة بيروت ذهب شباب بلدة تبنين المقيمون الى محلة يحتفل فيها بالمناسبات في رأس بيروت (تدعى أربعة أيوب) أما اليوم تسمى الرملة البيضا فأحيوا دبكة كان قاطر الحاشية فيها المرحوم أبو علي حمود شيخ شباب البلدة وصادف أن مر أحد مخرجي أفلام السينما وكان يقوم بتصوير فيلم (للشحرورة صباح) فأخذ مشهداَ للدبكة وأدخله في الفيلم.
وقبل أن أختتم أحببت أن اورد بعض التقاليد التي كانت تجري أثناء الدبكة.
يقف واحد من الشباب ويصرخ - يا هوو بأعلى صوته - وهنا يتوقف العازف ويسمر الشباب والصبايا في الحلقة ويكون هذا الشاب قد ألّف أرجوزة على ضرب غريب فيقول مثلاَ :
نحن بني قحطان يا هوو مش أعاجم
و عريسنا الز ين يا هوو للمكارم
و عروسة الخير يا هوو من الفواطم
و دلايل البشر يا هوو من العلا يم(الفواطم أي انها من الفواطم اللواتي هاجرن مع النبي صل لله عليه وسلم من مكة الى المدينة )
ثم تستأنف الدبكة لفترة وجيزة ويتغير العزف للرقص وتفرط بعدها ويتحلق الجمع واقفين وهنا
ينبري أحد الشباب المشهود له ويتوسط الحلقة ويرقص على نغم المجوز وتلتهب الأكف بالتصفيق كل ما قام بحركة مميزة، ثم يأتي غيره وأحياناَ أهل العريسين يرقصون وبعد الرقص يأتي دور الغناء ويغني الزجل بجميع ضروبه وأغلبه غزلي وتقارب السهرة على الإنتهاء إلا أن الشباب لا يزال في خاطرهم الدبكة فيوعز أحدهما لعازف المزوج أو لعازف القيثارة وتعمر الدبكة قليلاَ ويتعب العازف وينقطع عن العزف، وهنا تكال له العبارات الغير لائقة ويلام من الحفل وخاصة الصبايا وترتجز إحداهن فتقول:
بطل دقّاق المجوز بطّل مع السلا مة
لانو غاوي ولا بيحرز ولا تسلملوا هالقامةوإذا كان العازف عازف قيثارة المعروفة لدى العامة (بالشبابة) فتنبري إحداهن لتقول:
يا دقاق الشبابة مالك هيبة بحطك تحت الدبابي وبدوس عليكفيضحك هو ويقول (دوسوا يا حبيبات قلبي). ويسود الهرج ويرفض الجمع وما أن يبتعد عن الدار قليلاَ حتى تبدأ قروصة الكلام فتقول احداهن نعسة العروس وتجيب رفيقتها عاقبال ما تنعسي، وانت كمان كذلك بين الشباب.
ثم ينبري ضيعاوي بليد سمج ثرثار ليقول : العريس أخذ العروس والشباب رجعت مثل التيوس...
تبنين
وما فيش صور لاني ما كنتش معزوم على هذه الأعراس فاعذرونا
لكن لا اعتقد انها مازالت باقيه
لانه دخل عليها التحضر ورؤية الناس لها انها من الاشياء القديمه او لا تناسبنا كشباب
كما هي كثير من العادات الجميله التي بدأت بالاندثار
تحياتي