- حتى بعد 4 ايام من الفيضانات ما زالت السيارات في العديد من
- مدن وقرى غرب انجلترا تغمرها المياه
أضغط على الصورة لمشاهدتها بحجم أكبر
المقاعد العمومية القريبة من نهر التايمز غمرتها المياه
لكن ذلك لم يمنع الناس من الجلوس عليها
المياه وصلت الى ركبتي أحد سكان منطقة غلوستر
وبدا فراشه عائما في غرفة الجلوس
حتى بعد 4 ايام من الفيضانات ما زالت السيارات في العديد من
مدن وقرى غرب انجلترا تغمرها المياه
في بلد عنده هوس بالحديث عن الطقس، جاءت الفيضانات التي اجتاحت مناطق مختلفة من جنوب بريطانيا، وخصوصا في منطقتي وسط وغرب انجلترا خلال الأيام الماضية، لتسد هذا الجانب من حياة البريطاني، لكنه جانب مؤلم على الصعيد الانساني. الفيضانات اعتبرت الأسوأ منذ اكثر من 60 عاما، إلا ان البعض اعتبرها الأسوأ على الاطلاق في تاريخ البلد، الذي يحتفظ بأطول سجلات في العالم ويرجع تاريخها الى القرن السابع عشر.
وفي غلوستر عندما عادت الطالبة صوفي بيتويه الى بيتها الذي غمرته المياه وجدت الثلاجة تعوم في المطبخ والكراسي تعوم في غرفة الجلوس، والحمام اختفى أثره بالكامل. «كان منظر البيت مرعبا.. لم أعرف ماذا يجب علي ان اعمله اولا». وهذا كان شعور آلاف العائلات من ضحايا الفيضانات، التي اصبح لا يسعها غير الانتظار حتى ينزل منسوب المياه على امل ان تجف بيوتها. «هذا اقذر ما في الأمر» قال عمر عليم، 36 عاما، في تصريح لوكالة رويترز، مضيفا «المشكلة هي عندما تختلط المجاري مع مياه الفيضانات وتصبح الرائحة مزعجة جدا». ويقوم عليم متطوعا بنقل العجزة بقاربه المطاطي الى شاطئ الأمان. رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، قام بزيارة لغرب انجلترا للاطلاع على الدمار الذي سببته هذه الفيضانات التي أعادت الى الأذهان ما تعرضت له اورلين في الولايات المتحدة الأميركية بعد ان ضربها اعصار كاترينا الذي تسبب بفيضانات مماثلة. ووعد رئيس الوزراء بدعم مالي لضحايا الفيضانات.
وفي لندن، عقدت لجنة إدارة الازمات بالحكومة اجتماعا قبل أن تعلن أن مياه نهري سيفرن وتايمز تجاوزت المعدلات التي كانت قد بلغتها خلال موجة الفيضانات المدمرة التي شهدتها البلاد عام 1947.
وقدرت بعض المصادر أن المجموع الكلي للضحايا قد يصل الى المليون شخص. 500 ألف شخص بدون ماء شرب وكهرباء او سقف فوق رؤوسهم.
إلا ان كل ذلك ليس بنهاية الأمر؛ إذ ما زال هناك اكثر من تسعة انذارات خطيرة في مناطق مختلفة والتوقعات حول ارتفاع مستوى النهر في منطقة «وادي التايمز» الى الغرب من العاصمة البريطانية لندن ما زال قائما. وفي ضواحي مدينة اوكسفورد، 96 كيلومترا الى الغرب من لندن، التي غمرتها المياه قامت قوى الطوارئ بإنقاذ 50 شخصا من بيوت العجزة ونقلهم الى استاد رياضي. وقالت سيلفيا وليام، 69 عاما «الناس ينظرون لي ويعتقدون انني في حالة جيدة. لكنني أتقطع من الداخل». وتيكسبري التي تقع شمال غلوستر كانت اكثر المناطق تأثرا، ودخلت المياه ولأول مرة الكتدرائية التي بنيت قبل 900 عام دخلتها المياه لأول مرة منذ 1760 «دمار وفوضى كاملة. السيارات والقمامة في كل أنواعها تعوم في الشوارع»، قال جون كينج، 68 عاما، المتقاعد والذي كان يعمل في قوات الاطفاء. «كيف يمكنك ان توقف تدفق المياه عندما تكون بهذه القوة»، لوكالة رويترز. وتسببت الحالات المزرية لآلاف العائلات الى مزيج من اعمال الاستغلال البشع واعمال اخرى غاية في التفاني والانسانية.
النقص في مياه الشرب تصدر العناوين الرئيسة في العديد من الصحف اليومية والتي جاءت على شكل «ماء ماء في كل مكان، ولا قطرة واحدة تشفي غليل العطشان». وأدى هذا النقص الى قيام بعض الانتهازيين للوقوف في أماكن عامة قريبا من بعض الدكاكين والمحلات لبيع المياه المعدنية بسعر وصل الى خمسة جنيهات للقنينة الواحدة التي تباع عادة ب85 بنسا. وطلبت منهم الشرطة التوقف عن ذلك ومراعاة شعور الناس.
ووصلت وحدات من الشرطة الى بعض الأماكن من اجل الحفاظ على الأمن بعد ان اجتاح آلاف من الناس المتاجر (سوبر ماركت) خوفا من النقص في المواد الغذائية، كما ذكرت بعض التقارير الإخبارية التي وصفت الاماكن ما بين الرفوف وكأنها ملاعب لكرة القدم، خصوصا في اقسام بيع الحليب والماء والخبز. وهذا الأمر تطلب من بعض المتاجر تحديد شراء المياه المعدنية لكل شخص بأربعة قناني ماء للشخص الواحد.
وتدفق الناس على متاجر «اسدا» في مدينة غلوستر بعد ان حذرت الشرطة من نقص في المياه وطلبت من الناس التأكد من حصولهم على كمية وفيرة منها. واتفقت «سلطة مياه سفيرن ترينت»، مع متاجر سينزبريز بإرسال 40 ناقلة لتوزيع مليون لتر من مياه الشرب في منطقة غلوسترشاير. وفي توكسبوري القريبة من مدينة غلوستر أغلقت شركة اعمال تشغيل المياه بعد ان اجتاحتها الفيضانات وغمرت الفيضانات البناية الخاصة بها.
وقال ديفيد ويكينز من شركة سيفيرن ووتر «في الوقت الراهن نواجه صعوبات في امداد توكسبوري .. معدات معالجة المياه تغمرها الفيضانات، ولذا فقدنا إمدادات هناك وما نحن بصدد تشغيله هو توفير امدادات بديلة. قمنا بتوجيه 250 صهريجا صغيرا للمياه للمناطق التي تنفد فيها امدادات المياه ووزعنا 150 الف لتر في زجاجات مياه عبر عدة منافذ توزيع في توكسبوري وغلوستر»، كما جاء في تقرير الوكالة الفرنسية. وبدأت دوريات الشرطة تجول العديد من المناطق لحماية الدكاكين التي اغلقت ابوابها بسبب الفيضانات، وذلك في خطوة احتياطية في حالة اندلاع احداث الشغب او محاولات لنهب هذه المحلات. ويساهم الجيش في اجلاء السكان الموجودين في مناطق خطرة، فيما اعلن وزير البيئة هيلاري بن عبر هيئة الاذاعة البريطانية «بي بي سي» ان حالة التأهب لمواجهة فيضانات اخرى محتملة لا تزال قائمة في تسع مناطق في غرب البلاد. وقال «لم ينته الامر بعد».
ولا يزال التيار الكهربائي مقطوعا عن اكثر من 48 الف منزل في منطقتي غلوستر وهيرفورد (غرب) الاكثر تضررا نتيجة الامطار الغزيرة، بعد فيضان في محطة لتوليد الكهرباء. وامضى حوالى 150 جنديا في سلاح الجو البريطاني الليل وهم يبنون تحصينات لتعزيز حماية محطة اخرى قرب غلوستر منعا لاجتياح المياه لها. واستقدم الجيش مياه الشفة الى السكان بواسطة الشاحنات.
وقطعت طرق عديدة وسكك حديد في الغرب. وحلقت المروحية التي أقلت براون فوق المناطق المنكوبة. ثم توقف رئيس الوزراء البريطاني في غلوستر لتفقد أعمال الإغاثة.
ولدى عودته الى لندن، حيى في مؤتمر صحافي عقده اعمال فرق الاغاثة، منددا بالاتهامات الموجهة الى الحكومة حول غياب الاستعدادات لمواجهة الكارثة، لاسيما بعد ان غطت المياه جزءا من البنى التحتية المعدة للحماية من الفيضانات.
وقال براون «في بعض المناطق، هطلت خلال ساعات كميات من المطر تعادل كمية الامطار التي تهطل خلال شهر... نبذل أقصى ما في وسعنا وأجهزة الطوارئ تعمل بشكل جيد». وأعلن زيادة الموازنة المخصصة للحماية من الفيضانات 200 مليون جنيه استرليني. وسبق ان ارتفعت هذه الموازنة من 300 الى 600 مليون (446 مليونا الى 893 مليون يورو)، وسترتفع الى 800 مليون جنيه (1190 مليون يورو)، من دون ان يحدد استحقاق هذه الزيادة.
وقال براون «ككل دولة صناعية، نواجه مشاكل مرتبطة بالتغيير المناخي. ومن الواضح انه لا بد من اعادة النظر في بعض البنى التحتية العائدة الى القرن التاسع عشر وفي مواقعها». وقال هيلاري بن «ان معدل الامطار لا سابق له ولم نر مثل هذه الفيضانات منذ ستين عاما». وتابع «المشكلة، عندما يهطل كل هذا المطر في هذا الوقت القصير، هو ان أفضل الدفاعات ضد الفيضانات لا تعود كافية. وفي بعض البلدات تخلى الناس عن سياراتهم وشاحناتهم بعد أن تحولت الشوارع الى مجاري للمياه. وعكفت فرق طوارئ في قوارب على تقديم مياه الشرب وإجلاء المسنين والشبان».
وأمضى أكثر من ألفي شخص ليل الاحد في مراكز إيواء، وتم استدعاء القوات الجوية الملكية وطائرات هليكوبتر تتبع خفر السواحل في مطلع الاسبوع لنقل المئات الى مناطق آمنة في واحدة من أكبر عمليات الانقاذ البريطانية في زمن السلم.
ولا تخلو كل هذه المآسي من الأعمال الانسانية الفردية؛ إذ قام ساعي بريد في المنطقة بواجبه رغم الصعوبات مصرا على ايصال نسخ من الجزء السابع من مغامرات سلسلة رواية هاري بوتر الى أصحابها.
وقام ريتشارد ييتس الذي يعمل في مكتب بريد ايفيشام في مقاطعة ويستارشاير بوسط انجلترا بإيصال النسخ الى اصحابها في قريته. وقام ييتس، الذي يعرف من خلال ابنته كم يعشق الأطفال الرواية، بوضع النسخ المطلوبة في سيارته ونقلها الى القرية رغم ان مكتب البريد المحلي أخبره بإلغاء التوزيع في تلك المنطقة بسبب الخطورة. «لقد شاهدنا سيارات البريد واقفة أمام مكتب البريد وعرفنا اننا لن نتسلم طلباتنا في ذلك اليوم من نسخ هاري بوتر». وقال كريس هينز الذي كان يقف أمام بيته في القرية «لكننا فوجئنا بوصول هذا الشخص وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه، وكله إصرار على القيام بواجبه».
تحياتي
المصدر
جريدة الشرق الأوسط
العدد 10466 تاريخ 25/7/2007