- تختزل في ذاكرة معاصر 74 موسما
- النار أولى مراسم استقبال رمضان لأهالي عسير
عادات وأشكال الفرح بشهر الصيام في الماضي
تختزل في ذاكرة معاصر 74 موسما
النار أولى مراسم استقبال رمضان لأهالي عسير
للنار.. لدى الأوائل من العرب معان عديدة، وعلامات، وإشارات، للمعرفة والتواصل، فهناك نار تشعل على تل مرتفع لطلب المساعدة، وأخرى ترتفع ألسنة اللهب من حطبها للإبلاغ عن مناسبة سعيدة، ولا تتوقف مسيرة دلالات النار إلا بتوقف الزمان، وتجمد المكان.
فالوقت المخصص لإشعال النار يعني بدء انطلاقة الأفراح لزواج أحد أفراد القبيلة أو القرية، وفي ساعات أخرى يتحدث عن استعدادات حرب، ويرتبط في أزمنة بحلول المناسبات الدينية.
وإحدى تلك المناسبات رؤية هلال رمضان، والذي كان أهالي منطقة عسير «جنوب غربي السعودية»، يتناقلون أنباء حلوله بإشعال النيران الكثيفة في أسطح منازلهم، وجبالهم، متزامنة مع سماع دوي أصوات الطلقات النارية المحتفلة.
تلك الطقوس الخاصة بأهالي منطقة عسير تواصلت في عصر التلفاز، الذي أصبح وسيلة الإعلان الأولى لكل الأحداث والمناسبات.
يقول المؤرخ والأديب محمد الحميد رئيس نادي أبها الأدبي «غياب وسائل الاعلام قديما، كان يجبر أهالي منطقة عسير بإشعال النيران فوق الجبال، لاعلام الناس بدخول الشهر».
ويضيف الحميد عن الخطوات التالية لإشعال النار «لكي يتعرف الناس على دخول الشهر وكان يشاهد النار من الأهالي يقوم باشعال النار أيضا، وتستمر رحلة الإشعال، حتى يعمم نبأ حلول الشهر الفضيل لكل الأهالي والسكان في القرية والقرى المجاورة».
ويؤكد الحميد استمرار إعادة اشعال النيران في الوقت الحالي على أسطح المباني والمنازل، بعد انقراض فكرة إشعالها على الجبال، بعد تطور وسائل الإعلام، وكذلك استمرار إطلاق الأعيرة النارية.
هكذا تمثلت النار لأهالي منطقة عسير، هي الخطوة الأولى، بسلسلة مراحل استعدادا لشهر رمضان للأهالي والسكان، وبعد تعميم الخبر تبدأ الاستعدادات المنزلية التي يتشارك بها الرجال والنساء لاستكمالها في الماضي.
ويعود ذلك لاختلاف البيوت في العصر الحديث، عن المنازل القديمة، والتي تتلخص أدوات صناعتها بالحجارة أو الطين، المتزينة بالزخارف الهندسية، وتحتاج إلى معاونة الرجل لزوجته في العمل على تزيينها للظهور بمنظر خلاب.
وعن الخطوات المصاحبة، يحكي الحميد «في الماضي تكثر الزيارات الأسرية بعد صلاة التراويح، وجلسات تحتوي على الذكر والإيمان والأدب والشعر، ويعتمد الأهالي عليها كوسائل تسلية، كما يحدث حاليا مع المسلسلات وبرامج المسابقات كأشكال ترفيه للناس».
ويظل حرص رب الأسرة في الحاضر متصلا بالماضي في تهيئة مستلزمات منزله، من ذرة، ورز، وقمح، ولحوم، والسكر، والسمن والعسل، رغم الظروف المادية العسيرة في تلك المرحلة الزمنية.
ويضيف الحميد «الأمر الأبرز في تلك الأيام اجتماع الأسرة الواحدة من أبناء متزوجين، في بيت العائلة المتكون من الأب والأم، للإفطار سويا».
ويتذكر رئيس نادي أبها الأدبي الاكلات الحاضرة بالموائد الرمضانية في السابق «بطبيعة الحال لم تكن هناك أكلات متعددة الأنواع والأشكال كاليوم، ففي النادر يكون عائل الأسرة قادرا على توفير اللحوم، و«الصفري» هو النوع الوحيد من أنواع التمر المتوفر، وكان يتم إحضارها من بيشة».
وأضاف: «كان القادر على شراء اللحم بالماضي، يتقاسمه مع جميع جيرانه القريبين منه، بكل إيثار ونفس تكتسي القناعة». بهذا الشكل كان يقضي الكبار شهر رمضان، عبادة، وتواصل، وحميمية، وبر بصلة رحم، والتعامل بمبدأ حسن الجوار، ولم يخالفهم الصغار في الأمر، بل ابتكروا وسائل مختلفة للقاء والتواصل.
ويتحدث المؤرخ والأديب محمد الحميد عن صور احتفال الأطفال بالشهر، قائلاً: «يطرق أطفال المدينة أو القرية أبواب المنازل، مع قرب موعد الإفطار، ويستقبلهم الآباء والأمهات بترحيب، ويقدمون لهم ما يريدون من أطعمة ومشروبات، لإسعادهم، وكسب بركة طعام إفطارهم».
البساطة في المأكل والمشرب صفة ليست لأهالي منطقة عسير في استقبال شهر رمضان فقط، بل هي شبيهة بمراسم مدن ومناطق وقرى أخرى تمتد على مسافة الجزيرة العربية، وبمعان تتصف بالحميمية والود بين الناس.
وظلت بعض تلك العلامات حية بين الناس حتى الوقت الحاضر، واندثرت طقوس أخرى في منطقة عسير كحال غيرها، ويظل راوي القصة المؤرخ والأديب محمد الحميد إحدى تلك الاشارات الرمضانية للماضي البعيد.
ويقول الحميد «عاصرت ما يقارب 74 موسما رمضانيا بمدينة أبها، ومنذ عهد الملك عبد العزيز، الزمان تغير، وظهرت عادات واندثرت أخرى، وما زلت أعيش مع أحلام ذلك الماضي الجميل المتضمن صفات الأخلاق والرحمة، على الرغم من صعوبتها، وسهولة الأيام الحالية».
منقول