تركيا المسافرون العرب

أكتشف العالم بين يديك المسافرون العرب أكبر موقع سياحي في الخليج و الوطن العربي ، يحتوى على أكبر محتوى سياحي 350 ألف استفسار و نصائح عن السفر و السياحة, 50 ألف تقرير سياحي للمسافرون العرب حول العالم و أكثر من 50 ألف من الاماكن السياحية و انشطة وفعاليات سياحية ومراكز تسوق وفنادق، المسافرون العرب هو دليل المسافر العربي قبل السفر و اثناء الرحلة. artravelers.com ..
عبدالعزيزالماجد
18-03-2022 - 10:46 pm
  1. * * * * * * * *

  2. أم هو سيذيقه العذاب ألواناً، وحاول أن يتذكر ما سمع عن الغرقى،

  3. وأخبروه بموتها

  4. جفا عالم الناس وراحت روحه تسبح في عالمه هو،

  5. عالم ذكرياته وماضيه الذي أحبه وافتقده ولم يجد منه بديلاً،

  6. ونهض من بين الموتى،

  7. وسار على رجليه وقد تبلد ذهنه من عظم الفاجعة

  8. وعاودته فكرة الموت التي كانت مرت بذهنه منذ ثمان وعشرين سنة،

  9. وأنها صفحة قد سقطت من سفر حياته، فاتصل ما قبلها بما بعدها.

  10. ورأى الناس من حوله،

  11. فيا ويح الزمان كيف صنع ذلك كله!

  12. ولكنها لا تزال حزينة لم تمسح آلامها الأيام، ولم ترقأ دمعها.

  13. أنا أبوك!

  14. ونظر الشاب شاكاً، وقال له: اتبعني.


وديعة الله
كان
فتى من أبناء التجار، واسع الغنى، قد جمعت له اللذائذ،
وسيقت إليه المنى، دكانه البحر تنصب فيه جداول الذهب،
وداره الجنه تجري من تحتها الأنهار، وفيها الحور العين،
ولكنه لم يشعر بنعيم الحياة، ومتعة العيش،
حتى اشترى هذه الجارية بخمسمئة دينار وكان قد رآها في سوق الرقيق
فرأى جمالا أحلا من أحلام الحب، وأجمل من بلوغ الأماني، وأطهر من زنبقة الجبل،
فهام بها هياماً، وزاد فيها حتى بلغ هذا الثمن، وانصرف بها إلى داره،
وهو يحسب أنه قد حيزت له الدنيا،
ولم يعد يخرج إلى الدكان إلا ساعة كل يوم ثم لا يستطيع أن يصبر عنها؛
ويزلزله الشوق إليها، وتدركه هواجس الحب فيغار عليها،
لا من الناس فما يصل الناس إليها،
بل من الشمس أن تلمحها عين الشمس،
ومن النسيم أن تلمسها يد النسيم،
لقد صار هذا الحب مصدر لذته، وسر حياته، وما كان يدري من قبله ما اللذة وما الحياة،
وما كان يحس أنه يعيش حقاً، وأن له قلباً،
وما كان يدرك من قبله بهاء النهار، ولا فتنة الليل، ولا سحر القمر،
كان ذلك عنده كالألفاظ بلا معنى،
يفهم منه ما يفهمه الأعجمي إذا تلوت عليه غزل العرب؛
فلما عرف الحب أدرك أن وراء هذه الألفاظ معاني تهز الفؤاد، وتستهوي القلب.
وكان يمشي في طريق الحياة كما يمشي الرجل في المتحف المظلم،
فطلع عليه هذا الحب نوراً مشرقاً أراه هذه التحف الفاتنات وهذه الروائع.
وتتالت الأيام، وزاد إقبالا عليها وزاد إعراضاً عن الدكان.
وكان يبصر دنياه تدبر عنه، وتجارته تذوب في نار هذا الغرام كما يذوب الثلج،
وتتبدد كما يتبدد الندى في وهج الشمس، ولكنه لا يكره هذا الحب ولا ينفر منه،
ولا يزداد إلا تعلقاً وتمسكاً بأهدابه...
وكانت كلما نصحته وأرادته على العود إلى تجارته، قال لها: مالي وللمال؟
أنت مالي وتجارتي ومكسبي،
وأصبح الرجل ذات يوم فإذا التجارة قد بارت،
وباد المال، وذهب الأثاث، وبيع كل شيء،
ولم يبق في يده شيء يباع؛
فأقبل ينقض الدار ويبيع أنقاضها، ولم يأسِ على ذاهب، ولم يحس بمفقد مفقود،
فقد كان يلقى الحبيبة، ويجد في حبها غذاءه إذا جاع، وريّّه إذا عطش، ودفئه إذا برد،
ويرى الدار الخالية معها قصراً عامراً، والصحراء روضة مزهرة، والليل المظلم معها نهاراً مضيئاً...
وأثمر الزرع وجاء الحصاد، ولكنه قد خالف موعده،
فلم يجيء في الربيع الطلق، ولا في الصحو الجميل،
بل قدم في الشتاء الكالح، والأيام القاتمة الدكناء، أيام الفقر والعوز،
وأخذها المخاض فجعلت تتلوى من الألم على أرض الحجرة،
وما تحتها إلا حصير تقطعت منه الخيوط، وفراش بلي وجهه،
وتناثر قطنه حتى اختلط بالتراب...
وطال عليها الوجع وهو واقف أمامها يحس ألمها في ضلوعه،
وأن كل صرخة منها سكين محمّى يحزّ في قلبه، ولكنه لا يملك لها شيئاً،
وقالت له بعد أن عجزت عن الاحتمال: إني أموت...
فاذهب وابحث عن مال تشتري به عسلاً ودقيقاً وشيرجاً (دهن السمسم)،
اذهب وعجل، فإنك إذا أبطأت لم تجدني.

* * * * * * * *

وخرج... وصار كالمجنون، أين يذهب والليل قد مالت نجومه؟ والناس نيام في دورهم، ولا يجد من يلجأ إليه، فقد فصله الحب عن الدنيا وصيّره غريباً فيها، ليست منه ولا هو منها، وكذلك يصنع الحب!
وجعل يهيم على وجهه حتى بلغ الجسر، جسر بغداد، وكان الليل خاشعاً ساكناً، والناس قد أمّوا بيوتهم، وأنسوا بأهليهم، وهو الوحيد الشارد، لا أهل له إلا التي خلفها تعاني سكرات الموت، وعجز عن إسعادها؛ ولا دار له إلا هذه الخرب التي فرّ منها.
لقد كانت هذه المرأة حظه من دنياه، وها هي ذي تموت فلا يبقى له دنياه حظ، وكانت هي نورها فلن يبقى له بعدها من نور.
وتصور الوحشة المخيفة، والوحدة المرعبة، التي سيقدم عليها إن ولت عنه هذه المرأة التي كان يعيش بها ولها، زنظر إلى ماء دجلة يجري أسود ملتفاً ببرد الليل، فأحب أن تواريه أحشاؤه، وتراءى له الموت حلواً فيه متعة اللقاء، وأنسة الاجتماع...
وعاد فذكر آلام الحبيبة وانتظارها، وعجزه عن معونتها وإسعادها، فتوجه إلى الله ودعاه من قلبه صادقاً مخلصاً وقال: ((يا رب، إني أستودعك هذه المرأة وما في بطنها..))،
وهمّ بإلقاء نفسه بالماء، وفكر في الموت فوارت صورته أحلام الحب ورؤاه،
ولم يعد يرى إلا هذه الهوة التي سيتردى فيها، وتسلق درابزين الجسر
فأدركته حلاوة الروح فراح يتصور برودة الماء، ويفكر في الموت هل يأتيه سهلاً هيناً،

أم هو سيذيقه العذاب ألواناً، وحاول أن يتذكر ما سمع عن الغرقى،

وهل يختنقون عاجلاً أم يبطئ عليهم الموت، وذكّره هذا العذاب بعذاب الله يوم القيامة، أليس الله قد حرّم الانتحار؟
أليست هذه النفس ملكاً لله وحده أودعها جسده أمانة ليستردها متى شاء، ليست له هو ولا يملكها، وليس هو الذي خلقها وأبدعها، وذكر أنه توجه إلى الله واستودعه حبيبته فكيف يلقى الله آثماً ويسأله عونه وحفظه. وتنبه إيمانه فتردد، ووقف...
ثم عاوده التفكير في حياته بعد اليوم، وكيف تكون إن ذهبت منها متعة الحب، فرجع إليه يأسه وقنوطه وعزم عزماً مبرماً على الموت وأغمض عينيه، وخفق قلبه من هول ما يقدم عليه، وكاد يقفز ولكن... ولكن قوة لم يطق لها دفعاً، ولم يملك معها حراكاً أمسكت به...
تلك هي الصيحة التي أحس بها من بعيد، ثم رآها امتدت حتى بلغت الأفق الذي أطل منه الفجر، والأفق الذي انغمس فيه الليل، ثم غمرت النهر والشاطئين والمدينة... فأحس بها تشرق على نفسه كهذا الفجر فتبدد ليلها، ذلك هو صوت المؤذن: ينادي في صفاء الليل وإصغاء الدنيا، أجلّ وأجمل فداء اهتز به هذا الفضاء ومشى فيه: ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله)).
وسمع: ((حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح)) فرأى فيها مجد الآخرة بالعبادة، ومجد الدنيا بالنجاح، وصبّت القوة والعزم في أعصابه فعدل عن الموت،
ورجع إلى الدار فرأى فيها نساء من نساء الجيران سمعن صوتها، فجئن إليها، فسألهن عنها، وكانت مغمى عليها فحسبوها ماتت

وأخبروه بموتها

فلطم وجهه وشق ثوبه، وانطلق ماشياً على غير هدى تقذفه قرية فتتلقاه قرية، يضيفه الناس، وقد كان في الناس سلائق العرب وآداب الإسلام، يضيفون الغريب لا يسألونه من هو ولا يبتغون منه أجراً ولا شكراً، وجعل يطوي الأرض، والأرض تطوي صحائف عمره، حتى حطت به النوى في خراسان.
ولقي من عرفه فيها ومد إليه يده مسنداً معيناً فعاد إلى تجارته... وجعل يفكر لما استقر به المنزل في داره في بغداد، ويكتب الكتب ويسأل ويستنجد ويلح ويتوسل حتى كتب ستة وستين كتاباً (كذا في الأصل التاريخي)، ولم يرجع إليه جواب.
وأثرى وامتلأت يده بالذهب ولكن قلبه ظل خالياً من الحب.
وما كان يوسع فيه الأسى مكاناً لحب جديد، فكان كلما احتواه العشية منزله،
وأغلق عليه بابه

جفا عالم الناس وراحت روحه تسبح في عالمه هو،

عالم ذكرياته وماضيه الذي أحبه وافتقده ولم يجد منه بديلاً،

ويستروح نسيم تلك الدار التي كانت جنة وارفة الظلال، فيها الروح والريحان وفيها من كل فاكهة زوجان، فصيّرها الحب قاعاً صفصفاً... ولكن تلك الخربة كانت أحب إليه من هذا القصر الذي يعيش فيه اليوم وحيداً لا يؤنسه فيه إلا الذهب.
وتصرمت السنون، وتتابعت خالية فارغة،
حتى أقامت بينه وبين ليلة المخاض حاجزاً من الأيام سمكه ثمان وعشرون سنة،
وهبّت على عمره رياح الخريف، فذوى غصنه، وكاد يدركه الجفاف،
فأفزعه أن يموت بعيداً عن بغداد وعن داره التي ثوت فيها الحبيبة؛
فباع كل ما يملك بعشرين ألف دينار من الذهب،
واشترى قماشاً وبضاعة حملها إلى بغداد، وسار في قافلة له ضخمة يؤم أرض الوطن...
ولم يكن له من أمل إلا أن يقيم بهذا المال قبراً ضخماً للحبيبة ويجعل له فيه مكاناً، ولكن الدهر لم يبلغه حتى هذا الأمل، فقد خرج على القافلة اللصوص. فنهبوها، وقتلوا من فيها، ولم يتركوا منهم أحداً.

ونهض من بين الموتى،

وسار على رجليه وقد تبلد ذهنه من عظم الفاجعة

حتى ما يقدر على الحزن، ومشى حتى حاذى النهر، وجعل يمر على مغارس النخيل، ومشارع المياه، ومنابت الورد والفل، وهو سادر ساهم، كأنما يمشي في حلم، قد ماتت في نفسه كل رغبة إلا رغبة الموت... وماذا بقي له في الحياة بعدما فقد الحب، وفقد المال؟
ولكنه لم يشأ أن يموت إلا في داره ولم يرد أن يضم عظامه إلا الثرى الذي ضم أعظم الحبيبة كي يجاورها في الموت كما جاورها في الحياة. وتحامل على نفسه وقام يجر رجليه جراً، وكلما دنا من بغداد وأحس ريحها انتعش واشتد، وعاش بذكريات الحب الذي ذهب ولم يبق إلى عودته سبيل، وآنسه أن يرى مرة ثانية الديار التي شهدت صور هذا الحب، ولكنه أعيا أخيراً وسقط على الشاطئ ولم يعد يستطيع الحراك...
وجعل يفكر تفكيراً مبهماً ملتاثاً، يقطعه الجوع الذي يفري أمعاءه، والتعب الذي يهد عظامه، فيرى أنه كان في حلم وصحا منه...
الدنيا كلها حلم كاذب: الحب، المال، والصحة والسعادة والمجد... لا يخلد شيء من ذلك ولا يبقى.
لا يبقى منه إلا ذكرى تبعث ألماً، وتثير حسرة، وتحرق القلب.
وتمنى أن لو كان خلق فقيراً منفرداً، ما عرف لذة الألفة، ولا متعة الغنى،

وعاودته فكرة الموت التي كانت مرت بذهنه منذ ثمان وعشرين سنة،

ولكن دينه منعه أن يختم حياته بهذه الخاتمة البغيضة، وأن يجمع على نفسه شقاء الدنيا وعذاب الآخرة، وهبت عليه نفحة من نفحات الإيمان فاستراح إليها، وذكر أنه استودع فتاته الله، ولا تضيع عند الله الودائع، وأن وراء هذه الأحداث حكمة بالغة، وقدراً حكيماً. فاطمأن إلى حكمة الله وسلم أمره إليه ووجد بهذا الاطمئنان راحة وشبعاً...
وسمع صوت بوق يرعد على حاشية الأفق فنظر فإذا زلال (كلمة عباسية مولدة، معناها: السفينة الحربية) ضخم قد أقبل عليه، فلما حاذاه أشار ونادى، وسأل صاحبه أن يحمله إلى بغداد، وكان فيه أمير كبير، ولكن (الديموقراطية) كانت شعار العرب، وكانت سليقة فيهم، لا يمنع الأمير مجده أن يقف لفقير سائل ويحمله معه – فأدخله الزلال وأطعمه ولم يسأله عن خبره لأن النوم قد غلب عليه فهجع كالقتيل قبل أن يسأل وقبل أن يجيب.
ولما أفاق كان المساء قد حل،
وأنزله الزلال على الجسر، حيث قام تلك الليلة،
فأعاده الجسر إلى ماضيه، فأحس بأن هذه السنين كلها لحظة واحدة،

وأنها صفحة قد سقطت من سفر حياته، فاتصل ما قبلها بما بعدها.

ورأى الناس من حوله،

فهمّّ بأن يسألهم درهما ً يشتري به عدساً ودقيقاً وشيرجاً لامرأته التي أخذها المخاض، وأسرع يريد أن يدركها قبل أن يشتد بها الألم ثم انتبه فرأى هذا الحجاب الصفيق من الزمان يقوم بينه وبينها، ثمان وعشرون سنة ليست يوماً ولا يومين...
دهر طويل ولد فيه ناس ومات ناس، عمر كامل...، وتهافت وخمدت هذه الشرارة من الأمل التي أضاءت في نفسه، وسار محطماً مكدوداً يبصر الوجوه من حوله فيراها غريبة عنه لا يعرفها، ويرى المسالك والدروب فيفتش عن ذكرياته فيها فلا يجدها... حتى بلغ الدار ونظر فإذا الخربة التي خلف فيها الحبيبة قد صارت داراً فخمة على بابها (الجند )
فوقف ينظر إليها من بعيد... هذه داره التي رجع إليها ليتخذ لنفسه من ثراها قبراً. لقد عاد غريباً في بيته منكراً في بلده. إنه ميت يمشي بين الأحياء. لقد بحث عن أثر واحد من دنياه التي كان يألفها، فإذا كل شئ قد تبدل، فلا الوجوه بالوجوه، ولا الأمكنة هي الأمكنة!

فيا ويح الزمان كيف صنع ذلك كله!

هذا الجبار المخيف الذي يفعل الأفاعيل، ولا يحس به أحد ولا يبصره ولا يلمسه بيده... ثم استغفر الله أناب إليه، إنه هو الفاعل المدبر، فلا الزمان ولا الأحداث بقادرة على شئ إنه هو وحده الذي يصرف الأكوان.
وولى ليعود ويضرب في الأرض حتى يموت، فما يبالي الآن أين يدركه الموت بعد أن حرم آخر أمانيه، وهو أن يواريه الثرى الذي وارى جسد الحبيبة، ولم تسل من عينيه دمعة، ولم يتحرك لسانه بكلمة وداع، ولم يفكر في شئ فقد تواردت الآلام على قلبه حتى صار هو كتلة من الألم جامدة تسمى قلباً، وتتابعت عليه المصائب حتى صارت حياته كلها مصيبة... ويئس من السعادة حتى ما عاد يفكر فيها، أو يؤلمه فقدها، وتلفت ليودع المكان الذي اصطفاه من دون الأمكنة، وأودعه أعز شئ عليه: حبيبته وذكرياته، ويشمله بنظرة فإذا هو يرى دكان بقال (كان يعرفه) لا تزال قائمة على العهد بها، كما يقوم الطلل البالي في المدينة العامر، فأسرع إليها.
"وكان فيها شاب حدث علم منه أن أباه البقال مات من عشرين سنة،
وأن الدار لابن داية أمير المؤمنين المأمون وابنها هو صاحب بيت المال،"
وأن لهذا الإبن قصة عجباً، فقد كان أبوه من التجار،
فاشترى جارية أولع بها وعكف عليها حتى افتقر،
وجاءها المخاض فذهب يطلب لها شيئاً فلم يرجع، وأسعفها البقال أبو القتى،
وولد للرشيد مولود فطُلبت له المراضع فلم يقبل ثدي واحدة منهن
فدلوه على الجارية فقبل ثديها، وصارت مرضعة امير المؤمنين المأمون وولدها اخوه من الرضاع
ويسمع الرجل القصة فيحس أن الأرض تدور به، فيمر بآلاف الصور والألوان، والشكوك والأماني،
ثم يسأله: وأين أم الولد؟
ويحس أن هذه اللحظة التي أنتظر فيها الجواب،
قد طالت حتى غدت دهراً،
وأنه كالقائم ليسمع الحكم عليه بالبراءة أو القتل.
فيقول الفتى: إنها باقية تغدو إلى دار الخليفة أياماً، وتكون مع ابنها أياماً،

ولكنها لا تزال حزينة لم تمسح آلامها الأيام، ولم ترقأ دمعها.

ويدعه الرجل ويركض إلى الدار، يشعر أنه يمشي في الزمان، يعود أدراجه إلى عهوده الماضيات، إللى عهد الحب الضاحك، ولياليه..
لقد نسي في هذه الخطوات كل ما لقي من شقاء، وما حمل من ألم، وامتلأ قلبه شكراً لله الذي استودعه حبيبته وما في بطنها فما ضاعت عنده الوديعة، وهذه الحبيبه التي طالما بكاها يحسبها ميتة وجاء ليدفن جسده الواني بجانب رفاتها، قائمة تنتظره، لتمنحه عطرها وسحرها ونحرها، وهذا الجنين الذي خلفه على باب الموت قد غذا شاباً ممتلئاً قوة وأيداً ومالاً ومجداً.
ووصل إلى هذا الشاب صاحب البيت، فقال له: ما تبغي؟
فخفق قلبه، وتلاحقت أنفاسه، وهَمَت مقلتاه، ولم يجد ما يمهد به الحديث، قفال له:

أنا أبوك!

ونظر الشاب شاكاً، وقال له: اتبعني.

فاتبعه، فاجتاز به صحناً بعد صحن، حتى انتهى ألى مكان الحرم فأقامه أمام ستارة، وذهب ليسأل أمه، ودل الرجل قلبه على أن الحبيبة وراء الستارة فناداها، وإذا الستارة تهتك، والمرأة تثب إلى عنق الرجل، تبكي وتضحك، وتضحك وتبكي، وتقول ما لا تدريه...
ويدير الشاب وجهه فما يحسن به أن ينظر إلى أبوه وهما يجددان عهود الهوى والشباب.
هل اقول لكم انها
بقلم: علي الطنطاوي رحمه الله..من كتابه قصص من التاريخ..بتغييرات مني اعتذر عنها لكي لاتطول القصه.....
وهنا بعض درره رحمه الله..
https://artravelers.com/p/re/135669
أفادكم الله بها ونفع بكم..


التعليقات (5)
saudi_cool
saudi_cool
مشكور اخوي والله القصه مؤثره كثير
نسأل الله الهداية وحسن الخاتمة

zaqwsx
zaqwsx
نشكرك اخي كثيرا فعلا قصة مؤثره

عاشقة الاندلس
عاشقة الاندلس
قصة حب ووفاء مؤثرة وعجيبة في نفس الوقت
فيه احد يحب بوفاء واخلاص كذا الان ؟؟
ما اظن !
الله يرحم الشيخ علي الطنطاوي
اشكرك عبدالعزيز دائما تتحفنا بقصص رائعة ..

عاشق البلاد
عاشق البلاد
جزاك الله خير
وبصراحه اقولك الف مبروك اطلاعك الدائم على اعمال الشيخ الطنطاوي رحمه الله

عبدالعزيزالماجد
عبدالعزيزالماجد
saudi_cool
تشرّفني صراحتك وتعطّر موضوعي ..
الله يجزاك خير..
اما الطنطاوي وتعلقي به .. فماادري مااقول .. هل يوجد منا من لايحب الجمال ..ولو في تحفة فنيه صاغها بقلمه هذا الأديب الطيب القلب ..
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات


خصم يصل إلى 25%