- في قلب اهل البيت
- أصالة شعب
- «لمة» العائلة
- شنو «تاتا»
ولا اكثر نقاء من الشعب التونسي، الذي ارى ان الله اصطفاهم بأن جعلهم آخر من استحموا بآخر وأنظف قطرات المطر، شيء ما يعيد لك رشدك وطبيعتك البكر التي ربما افسدها دهر عملنا ونفاقنا واكاذيبنا اليومية الصغيرة .
تونس كانت وجهة اصطيافي السياحي، ولاول مرة اقرر السفر وحدي دون اولادي الذين كبروا وبدأوا يشقون دروب الحياة لوحدهم، لاول مرة اشعر انني اريد تدليل الطفلة بي، وان اجعلني أعيش وأتنفس وأن أستحم في زرقة البحر المتوسط الذي أعشق لعبه الرجولي معي، وان أذهب للسوق العربي بأزقته الضيقة والملتوية والمفتوحة الاسقف والعالية، أردت ان اختلط بأصوات البشرالجالسين امام الحوانيت، وهم يلقون عليك حين المرور قربهم «صباحك حلّو»... او «يا مرحبا»... أو عدة كلمات ترحيب باللغة الفرنسية التي لا افقه بها شيئا، وهي دعوة لطيفة لتدخل الحانوت لرؤية بضاعته.
واردت ان أتلمس بيدي حجارة البناء الشعبي الاصيل، الواثقة الحضور في روح الشعب التونسي باختلاف أجياله، اردت الاستماع لفلكلور اغنياتهم وامثالهم التي تعطيك علامات الروح الشعبية، واردت ان نتضاحك على تعاكس لهجتينا بين الكويتي والتونسي اللتين تتداخل بهما كلمات بربرية واخرى فرنسية وثالثة عربية صرفة.
ولم يكن أمامي الا قبول عرض صديقتي التونسية لطيفة بنت فرج، والتي قررت أن اقيم في بيتها ووسط عائلتها، وهذا ما جعلني لا أدخل تونس سائحة غريبة، محيط رؤيتي لا يتعدى الفندق والاسواق وبعض المناطق السياحية التي سأنظر اليها من عل، بل دخلت في «نخاشيش» وعمق هذا الشعب الجميل... الجميل جمال بلا حد.
في قلب اهل البيت
متعة السفر ان تكتشف العالم الذاهب اليه، والأكثر متعة أن تعيش في قلب بيوت اهلها، هنا يمكنك أن تعرف الكثير من القوانين وظروف العمل والعلاقات والحراك الاجتماعي، كما انك تعرف ان المرأة بفضل قوانين الدولة هي البحر المعطاء بلا منة، وسط دفء وحميمية العائلة التونسية يمكنك أن تقرأ تونس دون كتاب... وهذا إغراء استسلم له بلا ادنى مقاومة.
تونس شابة... شابة جدا ترى فيها وفرة في الانتاج البيولوجي الشبابي، شباب مثل الورد جميل مفعم بالحيوية وحلو الخلق، لا يردك احد منهم ان شئت سؤاله عن مكان لا تدله، يتعامل معك بأصالة العائلة وكأنك احد افراد اسرته، الحكومة التونسية على قد ما تقدر تحاول تشغيل الشباب من الجنسين والذين يميلون للعمل في القطاع الحكومي لتوافر عوامل الاستقرار به والرواتب المعقولة، آلاف الشباب من الجنسين تجدهم في الخدمة الصيفية على الشواطئ وفي الكافيهات وفي المناطق السياحية يعملون في فترة اجازاتهم الصيفية، ليجمعوا بعض النقود لاستكمال دراستهم الجامعية وللاعتماد على انفسهم.
أصالة شعب
الاحترام . قيم العائلة المترابطة التى فكت جذورها عندنا البنات من دون مساحيق ولا عمليات تجميل ولا عندهم قتل الوقت بالجولات الفارغة في الشوارع والاسواق، الفتاة التونسية يحكمها الكثير جدا من القيم والاخلاق الشرقية، اذ لا خروج عن قوانين البيت والمجتمع، الفتاة اميل للحياة العملية ففي نهارها اما هي في العمل او في المدارس والجامعات ،وبعد الظهر تساعد والدتها في اعمال البيت او لمتابعة برامج التلفزيون، وفي العطلات تكون مع ذويها او صديقاتها في مناطق الاصطياف مثل قضاء العطلة على سواحل مدينتي «الحمامات» و«سوسة».
ان الصدق مع الذات ومع الاخرين - الحنان والتسامح - والمرح -والكرامة العالية مع الاعتزاز بالذات مهما كان الوضعان الاقتصادي والاجتماعي هي سمة اصيلة في الشعب التونسي وكلها ما زالت تشكل عصب بناء العائلة التونسية المترابطة عبر ثلاثة او اربعة اجيال متعاقبة، يلتقون في وداد خلال ايام الاسبوع، يتسامرون ويتكاشفون في سرد احوالهم لبعضهم .
«لمة» العائلة
وكخليجية سعدت انني لم أشاهد الا بالنذر اليسير مطاعم ال «فاست فود» هناك قيم تحكم، والوضع الاقتصادي يحكم لا احد في الغالب الاعم يأكل خارج بيته، ف «لمة» العائلة مقدسة حول موائد الطعام، ففي البيت يتناولون طعامهم الصحي واخبارهم اليومية . كما ان عدم توافر وسائل النقل الخاصة للكثير من العائلات جعلت رياضة المشي تمنح أجسادهم رشاقة طبيعية .
شنو «تاتا»
ما ان دخلت بيت الصديقة الغالية لطيفة في تونس العاصمة حتى لاحظت ان احفادها حين يقتربون مني يسبقون اسمي بكلمة «تاتا» ليلى ؟.. خجلت من اول لحظة السؤال عن هذه التاتا التي كنتها، واحببت موسيقى الكلمة، فانصعت لها، الا انه بعد ان كثرت «التاتات» من عائلة لطيفة الكبيرة، والجميع يناديني بها، وعرفت انهم عائلة تحب المرح، وقفت ذات مساء اجتمعت فيه جميع افراد العائلة الكبرى احتفاء بي، وقفت على احدى الكنبات في الصالون الكبير ورفعت جواز سفري وقلت لهم : هوب هوب هوب... ما لم اعرف ماذا تعني «تاتا» سأعود اليوم الى بلدي الكويت... فربما عنيتم صفة لا أحبها...!
الاسبوع المقبل سنعرف معنى «تاتا»
المصدر http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=85546