- الدوحة- الراية:
- المتحف ورؤيته للفن الإسلامي
- نقلت بساطة جامع ابن طولون إلى شمس الدوحة
- أين عثرت في النهاية على البناء الذي اعتبرته روح العمارة الإسلامية؟
المتحف الإسلامي يجذب أنظار العالم.. السبت
افتتاح عالمي لمنارة الثقافة والفن في الدوحة
الدوحة- الراية:
تتجه انظار العالم الى الدوحة السبت المقبل لتشهد الافتتاح العالمي للمتحف الاسلامي الذي يعد منارة اشعاع حضاري وتراثي واسلامي تطل به الدوحة على العالم .
من المنتظر ان يشهد حفل الافتتاح وفود رفيعة المستوى يتقدمها عدد من رؤساء الدول وكبار الشخصيات والضيوف من جميع أنحاء العالم حيث سيتم رفع النقاب لأول مرة عن أكثر من 1000 قطعة فنية ثمينة تمثل 1300 عام من الابداع الاسلامي.
ويعتبر متحف الفن الإسلامي مشروعا رائدا يعزز مكانة قطر الثقافية اقليميا ودوليا ، حيث يمثل المشروع احدى اهم دعائم استراتيجية الثقافة التي تستهدف تعزيز مكانة قطر ودورها الرائد في مجال حماية التراث الاسلامي والعربي ودعم مجالات الثقافة التي تعكس حضارتنا .
ويعد المتحف الاسلامي أكبرالمتاحف التي تكرس وتوثق الفن الإسلامي،بطوابقه الخمسة ومساحته التي تبلغ 382000 قدم مربع. وسيشكل الافتتاح أحد أهم وأبرز الأحداث الثقافية في تاريخ قطر. وسيليه أسبوع من الاحتفالات قبل أن يفتح المتحف أبوابه أمام الجمهور والزوار للمرة الأولى يوم الاثنين 1 ديسمبر.
ويمثل المتحف تحفة معمارية رائعة على بعد 60 مترا من كورنيش الدوحة على جزيرة اصطناعية تم ردمها خصيصا. وكان قد عهد للمصمم أي إم باي الحائز جائرة بريتزكر بتصميم المتحف الذي يغطي مساحة تبلغ 35500 متر مربع الذي استلهم تصميمه من تصميم السبيل أو نافورة الوضوء التي أنشئت خلال القرن الثالث عشر في مسجد أحمد ابن طولون في القاهرة الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع الميلادي.
ويتكون المتحف المغطى بالأحجار من مبنى رئيسي خمسة أدوار وجناح تعليمي مؤلف من دورين وتربط المبنيان باحة مركزية. وتتراجع حجوم زوايا المبنى الرئيسي تدريجيا للخلف وهي ترتفع 45 مترا حول بهو مركزي ذي قبة. ويحجب منظر القبة من الخارج جدران برج مركزي، بينما تقع النافذة الوحيدة للمبنى على ارتفاع 45 مترا في الجانب الشمالي للمتحف وهي تطل على مشاهد تحبس الأنفاس للخليج ومنطقة الخليج الغربي للدوحة من جميع الأدوار الخمسة للبهو.
وقد تم جمع المقتنيات الفنية للمتحف من ثلاث قارات بما فيها بلدان من أنحاء الشرق الأوسط وبلاد بعيدة مثل إسبانيا والهند، يتراوح تاريخها بين القرن السابع ميلادي وصولا إلى القرن التاسع عشر. وتمثل مجموعة المقتنيات التنوع الموجود في الفن الإسلامي وهي في حالة من الجودة لا تضاهى، وتضم الكتب والمخطوطات والسيراميك والمعادن والزجاج والعاج والأنسجة والخشب والأحجار الكريمة، وهي بذلك تغطي جميع مجالات الفن الإسلامي.
مجموعة الدوحة
تلعب الظروف التاريخية والاتجاهات المعاصرة والصدف السعيدة دوراً حاسماً في جمع المقتنيات الفنية. وقد تولدت مجموعة الدوحة عن رؤية ثاقبة وبحث دؤوب عن اكثر التحف الفنية تميزاً.
تعريف التحفة الفنية هنا يشير الى تلك التي تمثل قمة ابداع حقبة ما أو فنان معين. ومع ذلك، يصعب تعريف مفهوم التحفة الفنية والابداع الفني، فما يبدو قمة الابداع لشخص، قد لا يبدو كذلك لآخر، وان كانت هناك قطع لا يختلف في امرها اثنان. يمكن ايضا اعتبار قطعة ما تحفة فنية مبدعة لتميزها واختلافها عن المعتاد. ومجموعة الدوحة لا تعني باقتناء كم كبير عن القطع انما تهتم بالقطع المبهرة - المبهرة بما لها من جوهر: فتلك القطع نادرة وفي الوقت نفسه عبارة عن توليفة تجمع بين مهارة الصنع وبلاغة التعبير. وعليه، فان مجموعة الدوحة تشمل قطعاً لا مثيل لها في ندرتها.
في الواقع ان كل قطعة فنية هي قطعة نادرة. فالفنان يشكل القطعة بيده والعمل الذي يقدمه يتأثر بالطريقة التي يتحرك ويتنفس بها وكذلك بتفرده. لكن هناك قطعاً نادرة بمعنى محدد، كونها تختلف عن كل ما سواها. مثل ذلك تميمة شاه جهان من اليشم الأبيض التي تعود الى سنة 1632 ميلادية الصفحة 93 . ترتبط تلك القطعة بحياة الأمير الخاصة اذ كانت باستمرار على مقربة من قلبه بعد وفاة زوجته المحبوبة ممتاز محل، فأصبحت رمزاً للحب والحياة والموت في آن واحد. ورغم مرور السنين، ما زالت تلك القطعة تسحر الناس بما تحمله من معان. والقطع من امثال السجادة المزينة برقعة الشطرنج - التي تعود الى القرن الرابع عشر او الخامس عشر الميلادي - لا مثيل لها الصفحة 177 . فلم نكن نعرف السجاجيد التيمورية الا من المنمنمات والمصادر الأدبية، ولولا هذه القطعة التي تعد أقدم واحدة باقية من هذا النوع لما توفر لنا دليل مادي على وجودها اصلاً، ومن المدهش انها ما زالت في حالة ممتازة. وهناك قطع اشتهرت بندرتها مثل زهرية كافور على اسم مالك سابق لها هو الكونت كافور وصلتنا بحالتها الأصلية، بلونها الأزرق الشديد غير المألوف وزخارفها الوافرة. وقد تشكك الباحثون في كونها قطعة اصلية نظراً لحالتها البديعة حتى تبين لهم بدون ادنى شك أنها بالفعل اصلية الصفحة 75 .
كانت القطع الثمينة تعد رمزاً للمكانة والنفوذ. ومعظم القطع المعروضة هنا جاءت في الأصل من بيوت الأثرياء. لكن على عكس الفن المعماري الذي يتعذر نقله من مكانه، فان هذه القطع سهلة النقل وهو ما ادى الى تغربها عن سياقها الأصلي. ومع مرور الزمن، تناثرت قطع الفن الاسلامي في ارجاء المعمورة، والصفحات التي كانت يوماً ما تشكل جزءاً من نفس المخطوطة مثلاً انقطع وصالها وتفرق شملها.
المتحف ورؤيته للفن الإسلامي
تم اختيار القطع الفنية المعروضة بعناية لتعبر عن روح مجموعة الدوحة التي تضم آلافاً من القطع، من القرن السابع الميلادي وحتى يومنا هذا. وبما أن المجموعة غير معروضة في الوقت الحالي، يتيح هذا المعرض للجمهور رؤية لمحة استباقية لمتحف الدوحة، يضم المعرض قطعاً من وسائط مختلفة يغطي تاريخها فترة زمنية طويلة، أقدمها يعود الى القرن التاسع الميلادي وأحدثها الى القرن السابع عشر الميلادي، وترجع جذور تلك المعروضات الى عدد من البلدان والمناطق المختلفة مثل اسبانيا ومصر وسوريا والعراق وتركيا وايران والهند وآسيا الصغرى، أي يغطي منطقة جغرافية شاسعة تمتد من قرطبة غرباً الى سمرقند شرقاً. والخامات المعروضة متنوعة فهي تشمل الخزف والمعادن والزجاج والورق والعاج والذهب والزمرد واليشم واليشب والحرير، كلها تختلف في الشكل لكن تتوحد في كيان جمالي واحد.
أصبح التحكم في الخامة المستخدمة طوع أيدي الفنانين في إثراء التصوير، فظهرت زخارف متماثلة في خامات متباينة لكن الصلة بينها ظلت مستمرة لتؤكد حضور لغة بصرية. من قرطبة الى سمرقند، ومن الفخار الى الحرير، نرى تلك المفردات المرئية تتحدث نفس اللغة بالخط والتصوير التشخيصي والأشكال الهندسية وزخارف الأرابيسك.
وما نعتبره اليوم فناً اسلامياً هو في الواقع مستلزمات يومية كانت مستخدمة في الحياة العادية أنذاك، أشياء ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة البشر وتلقي ضوءاً على الثقافات الاسلامية وأسلوب معيشتها ورؤيتها. وتتباين وظائف هذه القطع من تقديم الطعام الى الألعاب الذهنية كالشطرنج. وهي بمثابة ثقافة مادية لأناس عشقوا ولعبوا واصطادوا وأكلوا وشربوا.
قد يتساءل المرء عما تعنيه تلك القطع التي عمرها مئات السنين وربما لا يراها سوى زينة جميلة مناسبة لرف مدفأة مثلاً: فاستخدامها الأصلي قد تاه واندثر بمرور الزمن. يعبر جوليان سبولدنج في كتابه المتحف الشعري، إحياء المجموعات التاريخية عن هذه المشكلة بقوله: .... لو لم يعد لمعظم ما لدينا في المتاحف استخدام مفيد، فما فائدته؟ ما فائدة كوب لا تستطيع الشرب منه؟ إن فائدة مقتنيات المتاحف لا تقتصر بالضرورة على إثارة ذكرياتنا عن استخداماتها في حقبة ما بل تكمن فيما تقدمه لنا من إلهام. وكثيراً ما يغفل خبراء المتاحف عن الشعر الكامن في كل من تلك القطع في انتظار ما يسبر غوره .
إيوه مينغ باي مبدع التحفة المعمارية:نقلت بساطة جامع ابن طولون إلى شمس الدوحة
ولد أي.إم.باي في الصين، وغادرها في سنة 1935 الى الولايات المتحدة، حيث درس العمارة في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد، وفي عام 1955، أنشأ شركة خاصة به في نيويورك أسماها أي.إم.باي وشركاه وقد تأثر باي بمعماريين مشهورين مثل والتر غروبياس و مارسيل بروير إلى درجة جعلته يدرك منذ البداية أن تصميماته المعمارية ستتخذ طابعا حديثا، لكن رؤيته للحداثة كانت تحمل دائما احتراما للجذور التي قامت عليها، فالثقافة والإحساس بالمكان يتخللان جدران مبانيه، سواء كان ذلك في المبنى الشرقي لقاعة الفنون الوطنية في واشنطن، أو في إعادة صياغته المتمكنة لقلب فرنسا: متحف اللوفر، وربما يعود ذلك إلى أصوله ومسار حياته، إذ جاء باي من حضارة تمتد جذورها الى ساحق الزمن ليستقر في الولايات المتحدة حيث كل شيء جديد، فتخيل عمارة حديثة لا تنسى انها نتاج حضارة عريقة، واستطاع بحصافته ورهافة حسه ان يسد الفجوة بين الماضي والحاضر التي سلبت الكثير من العمائر الحديثة روحها.
ولقد نال أي.إم.باي جائزة بريتزكر في سنة 1983، وجائزة بريميام إمبريال في سنة 1989، واشتهر كأحد المعماريين الرواد في عصرنا، لكن لكي يقدر المرء أهمية مساهمته في مجال العمارة، عليه القيام بأكثر من مجرد تصفح كتاب يحمل صورا رائعة لقاعاته المقبية ومساحاته التي يملؤها الضوء، فبداية عليه الوقوف في مول واشنطن ليقترب من جوهر الهوية الأمريكية ويرى كيف ترك باي علامة لا تنمحي على المساحة هناك من خلال المبنى الشرقي لقاعة الفنون الوطنية، حيث جمع أفضل ما في العمارة والفن الحديث ووضعهما على مقربة من مقر السلطة، وعلى المرء أيضا الوقوف في فناء اللوفر عند هبوط الليل ليرى كيف يبعث الهرم الحياة في جوهر تاريخ فرنسا هذا، وكذلك عليه السفر إلى شيغاراكي في اليابان، ليزور متحف ميهو الرائع حيث تتوحد العمارة مع الأرض وروح المكان.
وعلى الرغم من الجدل الذي أثاره في البداية اقتراح أي.إم.باي ببناء هرم في فناء اللوفر، أصبح هذا الهرم منذ افتتاحه سنة 1989 رمزا لفرنسا من عدة نواح، وفي سنة 1993 وبمناسبة المئوية الثانية لمتحف اللوفر، أعيد افتتاح جناح ريشليو الذي كان مقر وزارة المالية لفترة طويلة بعد تحويله ليصبح جزءا من أعظم متاحف العالم، ويعتبر نجاح باي في نقل اللوفر الى القرن العشرين، بدعم من شخصيات قوية مثل إميل بياسيني و ميشيل لاكلوت ، مقياسا لقدرته على فهم جوهر المواقع الراقية المهمة التي كان له فخر تحمل مسؤولية بنائها، وكما ينوه خطاب جائزة بريتزكر في سنة 1983: وهب إيوه مينغ باي هذا القرن بعضا من أجمل مساحاته الداخلية وأشكاله الخارجية، ومع ذلك فإن أهمية أعماله تتخطى ذلك بكثير، فقد كان اهتمامه منصبا دائما على المحيط الذي ترتفع فيه مبانيه أما تصميمه لمتحف الفن الإسلامي الجديد في الدوحة، فلم يولد، على حد قوله، إلا من محاولته لفهم جوهر العمارة الإسلاميةٍ وضوء الصحراء التي بزغت منها تلك العمارة.
ما هي ظروف مشاركتك في تصميم وبناء متحف الفن الإسلامي الجديد في الدوحة؟
- كان الأغا خان قد نظم مسابقة سنة 1997 وقع فيها الاختيار على مهندسين، كان الاختيار الأول للجنة التحكيم هو تشارلز كوريا والثاني هو المعماري اللبناني راسم بدران فاختارت دولة قطر بدران ليبني المتحف على الكورنيش، لكن للأسف لم يتقدم مشروع بدران، واتصل بي لويس مونريال الذي كان عضوا في لجنة التحكيم الأصلية آنذاك وهو الآن المدير العام لصندوق أغا خان الثقافي، على الرغم من علمه أنني لا أشارك في المسابقات قط، وأقنع سمو الأمير أنني قد أكون الاختيار الصائب لتصميم المتحف الجديد، ولقد عرضت عليّ عدة مواقع على امتداد الكورنيش، بما فيها الموقع الذي كان مخططا ان يحتله المتحف أصلا، لكني لم أقبل بأي منها، إذ خشيت رغم عدم وجود العديد من المباني القريبة بعد، ان تظهر في المستقبل منشآت ضخمة تغطي على المتحف، وعلى هذا، طلبت الإذن بإنشاء موقعي الخاص، كان ذلك أنانية مني بالطبع، لكني كنت أعلم ان ردم جزء من البحر ليس بالأمر البالغ التعقيد في قطر، والآن يقع متحف الفن الإسلامي على الطرف الجنوبي من كورنيش الدوحة على جزيرة اصطناعية تبعد 60 مترا عن الشاطىء وتوفر شبه الجزيرة الجديدة الهلالية الشكل الحماية من الخليج العربي شمالا ومن المنشآت الصناعية القبيحة شرقا.
بعد تكليفك بتصميم متحف الدوحة، ما المراحل التي ساهمت في وصولك إلى تصميمك النهائي؟
كان الوصول الى تصميم مناسب للمتحف من أصعب الأعمال التي اضطلعت بها على الاطلاق إذ كان عليّ أولا ان أعكس جوهر العمارة الإسلامية، لكن صعوبة مهمتي تمثلت في ثراء الثقافة الإسلامية وتنوعها من أيبريا إلى الهند المغولية، وإلى أبواب الصين وما ورائها، كنت ملما من الناحية المعمارية بالجامع الكبير في قرطبة 784-786،961-966،987-990 ، وكنت أظنه يمثل قمة العمارة الإسلامية لكنني كنت مخطئاً فقد كان لجو اسبانيا وثقافتها تأثير جرد قرطبة من نقاء التعبير الذي أبحث عنه، وينطبق الأمر ذاته، ولكن لأسباب مختلفة، على عاصمة الهند المغولية فاتحبور سكري التي بني فيها مسجد جاما أضخم مساجد الهند، وقد تفسر رؤيتي الفكرية هذه بالذاتية المطلقة، لكن التأثير الهندي كان ملموسا، لذلك لم أجد مصدر إلهامي هناك، وحتى الجامع الأموي الكبير في دمشق 709-715 وهو أقدم جامع أثري باق حتى الآن، يحمل في جنباته عناصر تاريخ روما والمسيحية المبكرة، فقد تواجد في موقعه معبد روماني وكنيسة بيزنطية تركا أثرهما على بنائه، ثم ذهبت إلى تونس بغية دراسة مساجدها ولفت انتباهي نوع آخر من العمارة تمثل في رباط المنستير 796 وسوسة 821 وهناك شعرت أنني اقترب من روح العمارة الإسلامية، حيث تبعث الشمس الحياة في الأحجام الضخمة، وتلعب الهندسة دوراً محورياً.
أين عثرت في النهاية على البناء الذي اعتبرته روح العمارة الإسلامية؟
- بدأت أفهم سبب شعوري أن قرطبة لن تقدم لي الروح التي أبحث عنها، فهي مغرقة في الترف وغنية بالألوان، وبدأت أتساءل: ألا يجد المرء جوهر العمارة الإسلامية في الصحراء القاسية الملامح والبسيطة التصميم في آن واحد حيث تبعث الشمس الحياة في الأشكال على اختلافها؟ واقتربت أكثر من الحقيقة، وأخيراً عثرت على ما أبحث عنه في جامع أحمد بن طولون في القاهرة 876-879 الميضأة الصغيرة المحاطة بأروقة مزدوجة على ثلاثة جوانب - وهي اضافة صغيرة لاحقة على البنيان- تعكس تعبيراً شبه تكعيبي للتسلسل الهندسي من المثمن إلى المربع ومن المربع إلى الدائرة لذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن لوكوربوزييه تعلم الكثير من عمارة البحر الأبيض المتوسط والعمارة الإسلامية. فهذه العمارة البسيطة التصيم تنبض بالحياة في الشمس بما تلقيه من ظلال وأشعة متدرجة الألوان. لقد وجدت أخيراً ما اعتبرته الروح الحقيقية للعمارة الإسلامية وسط جامع ابن طولون.
يعكس تصميمك بدون شك رؤية تجريدية لنقاء فن عمارة ابن طولون، لكنك أدخلت عليه أيضا عددا من العناصر الزخرفية، أليس كذلك؟
لقد بقيت مخلصاً للإلهام الذي استقيته من بساطة جامع ابن طولون، هذا هو الجوهر الذي حاولت نقله إلى شمس صحراء الدوحة، فنورها يحث فن العمارة على استغلال الضوء والظلال وبناء عليه يضم تصميمي نافذة رئيسية واحدة فقط يبلغ ارتفاعها 54 متراً وتطل على الخليج العربي، اعترف أنني قد سمحت لنفسي باتخاذ قرار ذاتي آخر، اعتمد على احساسي بأن الحياة كثيرا ما تدب في العمارة الإسلامية من واقع ثراء عناصرها الزخرفية، كما هو الحال على سبيل المثال في صحن الجامع الأموي في دمشق وداخل قبة الصخرة في بيت المقدس 687-691 كما ان اعجابي الخاص بالقطع المعدنية المخرمة في مصر أثر على اختياري للتنانير المخرمة التي ستتدلى في المتحف على ارتفاع اثنين وثلاثين مترا ويمكن رؤيتها من مسافات بعيدة في الماء وعلى امتداد الكورنيش تتوج المساحة المركزية كوة في قبة متعددة الأوجه من الفولاذ الذي لا يصدأ تساعد على طرح أشكال مختلفة من الضوء ويتدرج شكل القبة نزولاً من دائرة إلى مثمن إلى مربع ثم إلى أربع قلبات مثلثة تختلف ارتفاعات زواياها لتشكل دعامات أعمدة البهو.
التصميم الداخلي للمتحف الإسلامي تحفة بداخل تحفة
ولد جان ميشيل ويلموت سنة ،1948 وتخرج من معهد كاموندو العالي في باريس سنة ،1973 ثم أنشاء شركته الخاصة جفرنر سنة 1975. ولقد برز اسمه لأول مرة سنة 1987 عندما فاز بالمسابقة التي نظمتها المؤسسة العامة لمتحف اللوفر لتصميم أماكن المعارض المؤقتة، ومكتبة لبيع الكتب ومطاعم في المساحات الجديدة أسفل هرم أي. إم باي في ساحة نابليون باللوفر. ويقول ويلموت عن هذه المساحات وعن تجربة عمله مع باي و ميشيل ماكاري : تم العمل في المرحلة الأولى لمشروع اللوفر وفق برنامج شديد الدقة والتفصيل سمح لي بإقامة حوارات شيقة جداً مع باي و ميشيل ماكاري . وقد أردت أن أسلك نفس اتجاههما واضعاً روح اللوفر في الاعتبار.وأعتقد أنه كان من الملائم في هذه الحالة أن أتوخى التحفظ في أسلوبي بمجرد أن استوعبت العمارة القائمة تماماً، بيد أن ذلك لا يعني أنني حاولت بأي شكل من الأشكال أن أغيّب شخصية عملي في شخصية زميلي .
في سنة ،1993 عاد ويلموت الى اللوفر ليتعاون مجدداً مع باي و ماكاري في مشروع صالات الفنون الزخرفية (مساحة تبلغ 4800م.م.) في جناح ريشليو الذي كان قد تم تجديده مؤخراً.
وكما هو الحال في متحف الفن الإسلامي بالدوحة، كان مسؤولاً آنذاك عن تصميم صناديق العرض والأثاث في الجناح بأكمله (مساحة تبلغ 21500م.م.). وكعادته، أظهر ويلموت حساً مرهفاً بالقطع المعروضة وكذلك بالبناء التاريخي بتصميمه الداخلي الجديد الذي وضعه باي .
بعد عمله في اللوفر، أصبح جان ميشيل ويلموت أحد أبرز المصممين الداخليين في مجال المتاحف في أوروبا. وابتداءً من عام ،1993 نشط في العمل المعماري المستقل ونفذ العديد من مشروعات التصميم الحضري مثل تجديد الشانزيليزيه في باريس سنة 1994. وقد قام بوصفه مصمماً داخلياً بتصميم بوتيكات وقاعات عرض لعملاء مهمين مثل شوميه و جون غاليانو و كارتييه . أما كمعماري، فقد اضطلع بعدة مشروعات من بينها مركز غانا للفنون (سيول، كوريا الجنوبية 1996-1998). ومركز إنسا للفنون في المدينة نفسها بعد ذلك بعامين. وله مشروع جار العمل به في مركز كوريا للفنون في مدينة بوسان. بالاضافة الى ذلك قام بتجديد المتحف الوطني في بيروت سنة ،1999 كما بنى في ساران بفرنسا سنة ،2000 متحف جاك شيراك المخصص للهدايا التي تلقاها الرئيس خلال فترة حكمه. ويشرف مكتبه حالياً على مشروع تصميم المعرض الجديد في متحف ديكس في أمستردام.
أنشطة جان ميشيل ويلموت وافرة في مجالات كثيرة متفاوتة في طبيعتها كالتصميم الداخلي للمتاحف والأثاث وتصميم القطع والتخطيط المدني والعمارة. ولكن أياً كان المشروع، فإن أسلوبه دائماً ينطق باحترام البيئة المحيطة وتطويعها في قالب عصري. ويعتبر الضوء والتجاور الماهر للمساحات الشفافة والمضببة والمصمتة من العناصر الأساسية التي تميز أسلوبه، مثلما تميزه الإنسانية والطابع الشخصي في التعامل مع العملاء وأصحاب القرار. ومن العلامات المميزة أيضاً لأعماله في شتى المجالات: قوة التصميم، فكل ما أنتجه ابتداء من الأثاث وانتهاء بالعمارة، يعطي إحساساً بالديمومة على خلاف المنشآت والقطع المعاصرة. وعلى الرغم من أن هناك نحو مائة موظف أو أكثر في مكتبه، لا يزال جان ميشيل هو محور جذب المشاريع الجديدة والعقل المفكر في الحلول المناسبة للمشاكل المعمارية والتصميمية الصعبة، حين تتقابل أحجار أوروبا القديمة مع الرغبة في استشعار روح معاصرة.
وبينما شهدت مسيرته تقدما ملحوظا منذ إعلانه إعجابه الشديد بأعمال أي. إم. باي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، احتفظ جان ميشيل بقدرته على العمل مع معماريين بارزين مثل باي والتأكيد على أسلوبه وشخصيته في نفس الوقت.
ولقد عاد جان ميشيل ويلموت الى اللوفر سنة 2000 ليتم العمل في المساحات الجديدة المخصصة للفنون البدائية، وكان تصرفه الذكي في الحدود التي فرضها الأسلوب المعماري لمتحف اللوفر نموذجاً يحتذي به الكثيرون. في الواقع إن صندوق العرض والإضاءة بوجه خاص التي نفذها هناك كانت نقطة الانطلاق للتصميمات التي وضعها لمتحف الفن الإسلامي في الدوحة.
كيف تم اختيارك للمشاركة في مشروع متحف الدوحة؟
هل طرأت أية تغييرات أساسية على المخطط المعماري أو برنامج التصميم الداخلي منذ وصولك؟ وما هي العناصر الأساسية التي أضفتها؟
لم يطرأ أي تغيير على التصميم المعماري أو البرنامج الذي وضعه أي. إم. باي أساسيا عملنا معا على اجمالي ثماني عشرة غرفة تحيط بساحة منفذة على مستويين ونصف من البناء. أما قاعات العرض فتغطي مساحة تبلغ خمسة آلاف متر مربع بالإضافة الى سبعمائة متر مربع للمعارض المؤقتة وقمنا ايضا بتصميم مكتبة لبيع الكتب والمكاتب الإدارية للمتحف وصممت أنا مجموعة كاملة من الأثاث المنيمالي وتجهيزات الإضاءة للمتحف كله كذلك صممنا العلامات المميزة للمتحف وكل ما يحدد هويته المرئية.
كيف ترى الاختلاف بين قاعات العرض التي صممتها أنت والمساحات العامة التي صممها أي. إم. باي؟
تفتقر قاعات العرض الى الاضاءة الطبيعية لذلك قررت ان اخلق فيها ما أسميه ب الجو المسرحي بكل ما يحمله هذا التعبير من معنى - جو يسمح برؤية القطع وتقديرها عن حق وبينما استخدم باي حجرا جيرياً فاتح اللون لارضيات المساحات التي صممها كما فعل في اللوفر وفي متحف ميهو باليابان ايضا اخترت انا الحجر السماقي الرمادي الداكن لكل قاعات العرض اما الجدران فقد استخدمنا لها خشبا غير مألوف يسمى لورو فايا له عرق طبيعي واضح أو مرقط الشكل ثم قمنا بمعالجة الخشب بمسحوق برونزي لامع منحه مظهرا معدنيا وجعله يبدو اغمق مما كان.
هل كانت مشروعاتك السابقة وخاصة تصميمك لقاعات الفنون البدائية في اللوفر سنة 2000 مصدر إلهام لك أو مصدرا للأفكار التي طبقتها في الدوحة؟
كان العمل في قاعات الفنون البدائية في اللوفر هو بالتحديد نقطة الانطلاق في تصميم أساليب العرض في الدوحة، لكننا أدخلنا عليه عددا من التحسينات التقنية والجمالية التي افتخر بها بصفة خاصة فنحن نستخدم هنا نظاماً الكترونيا معقدا يسمح لأمناء المتحف بفتح صناديق العرض دون لمس أبوابها الزجاجية الضخمة ونستخدم كذلك لأول مرة في المتاحف زجاجا مضادا للانعكاس داخل أطر يصل ارتفاعها الى اربعة امتار ونصف وعرضها الى ثلاث امتار. كما استطعنا ايضا ابعاد مصادر الطاقة عن أنظمة اضاءة المعروضات بالالياف البصرية مما ساعد على تقليص الحرارة التي تتعرض لها القطع الى حد كبير.
على الرغم من أنك ذكرت إنه لم يطرأ تغيير على المخطط المعماري منذ مشاركتك في المشروع لا ينطبق هذا على عدد القطع المعروضة كيف استطعت التكيف مع تزايد عدد الأعمال الفنية المطلوب عرضها؟
يظل عرض القطع في الدوحة أقل كثافة منه في متحف مثل اللوفر على سبيل المثال كنا نتعامل في البداية مع نحو مائتين وخمسين أو ثلاثمائة قطعة وارتفع الرقم الآن الى خمسمائة قطعة تقريبا ولكن في وجود مساحة عرض تبلغ خمسة الاف متر مازال هناك متسع لعرض المزيد من القطع. سيتوفر لكل قطعة المساحة التي تستحقها وقد استطعت ايضا توفير نظام شديد المرونة يسمح للمعارض في المستقبل ان تتغير كليا دون أدنى صعوبة اما أسلوب العرض فقد ساد التردد فيما لو كان من الأفضل تنفيذه على أساس تاريخي أم على أساس المواد في الحالتين تم تكييف تجهيزات العرض على نحو ممتاز يسمح بتوفير افضل بيئة لعرض القطعة الفنية فهناك مناضد ذات اسطح من الحجر السماقي الرمادي تبلغ أبعادها سبعة أمتار في متر ونصف تستطيع ان تحمل صناديق عرض مختلفة الأعداد والأحجام.