مانيلا المسافرون العرب

أكتشف العالم بين يديك المسافرون العرب أكبر موقع سياحي في الخليج و الوطن العربي ، يحتوى على أكبر محتوى سياحي 350 ألف استفسار و نصائح عن السفر و السياحة, 50 ألف تقرير سياحي للمسافرون العرب حول العالم و أكثر من 50 ألف من الاماكن السياحية و انشطة وفعاليات سياحية ومراكز تسوق وفنادق، المسافرون العرب هو دليل المسافر العربي قبل السفر و اثناء الرحلة. artravelers.com ..
رحالة سعودي
17-08-2022 - 11:39 pm
الفلبين: معركة سينمائية ساخنة بين استرادا و روبو,;..السلام الصعب في الارخبيل الرخو.. - الصافي سعيد
ما يزال اقليم ميندانو المسلم الواقع جنوب الفلبين محل نزاعات دينية وسياسية مسلحة.. فعلي الرغم من التسوية السياسية التي قادها الرئيس السابق فيديل راموس مع زعيم جبهة تحرير المورو نور ميسواري في العام 96، برعاية منظمة المؤتمر الاسلامي، الا ان الجرح النازف منذ ما يزيد عن ثلاثين عاما لم يندمل بعد.. ففيما قبل معتدلو جبهة مورو باستقلال شبه ذاتي قابل للتوسع والتطور للجزر التي تقطنها اغلبية مسلمة في ارخبيل الفلبين رفض الجناح المتشدد ما من شأنه ان يقطع عنهم الطريق نحو هدفهم الكبير وهو انشاء دولة اسلامية في اقليم ميندانو .
ومنذ نهاية العام 96 انتقل الصراع الي مرحلة اخري شهدت ميلاد تنظيمات مسلحة جديدة علي هامش جبهة المورو . وبدا الوضع وكأنه يشبه الي حد بعيد ما كان يحدث في الجزائر. فما يعرف الان بجماعة التحرير او بجماعة ابو سياف انما هي جماعات اسلامية مسلحة تشبه الجماعات الجزائرية المتطرفة بالنسبة لجبهة الانقاذ (الأم). وتمتهن هذه الجماعات الصراعات الايديولوجية والخطب النارية بالاضافة الي تجارة المخدرات واختطاف المدنيين الاجانب.
ففي نهاية آب (اغسطس) من العام 96، اقترب النزاع الديني/الاقليمي في جنوب الفلبين من الواقعية لاول مرة، واذ جنحت مانيلا المسيحية الي الاعتراف بالامر الواقع وعقد تسوية تاريخية مع الجنوب المسلم، فقد ابدت جبهة مورو الاسلامية استعدادها لانهاء ربع قرن من الكفاح المسلح.
ذلك هو الانطباع الذي ساد عشية لقاء الرئيس الفلبيني فيديل راموس بزعيم جبهة تحرير مورو الاسلامية نور ميسواري للمرة الاولي. فالرجلان لم يسبق لهما ان التقيا او تحادثا او تعارفا، ولكن الحرارة التي طبعت اللقاء الاول الذي جمعهما قد جعلت الحوار سهلا، الي حد اغري البعض بالقول ان الصفقة كانت معدة سلفا..! وهذا البعض هم: المعارضون لاي اتفاق لا يضمن انشاء دولة مستقلة.
ولكن تلك الصفقة حتي وان عدت سلفا بالتعاون مع كل من ليبيا واندونيسيا وماليزيا، فقد كانت حدثا تاريخيا بامتياز لانهاء مجابهة عسكرية دامت عقدين ونصف العقد وحصدت اكثر من 145 الف مواطن فلبيني. وعند التوقيع علي اتفاق السلام بين حكومة مانيلا وجبهة مورو، بالاحرف الاولي في العاصمة الاندونيسية جاكرتا، (في الواحد والثلاثين من آب (اغسطس) عام 96)، برزت اكثر من مجموعة تطالب باستمرار الكفاح المسلح ضد مانيلا واهمها مجموعة ابو سياف .
كانت مجموعة ابو سياف قد اسسها المقاتل السابق في افغانستان عبد الرزاق الجنجلاني عام 92. وقد تحالف في البداية مع الزعيم الكاريزماتي ميسواري لكنه انفصل عنه بعد التسوية مع مانيلا متجها لمواصلة الجهاد. وفي العام 98 وقع الجنجلاني ضحية كمين نصبه الجيش الفلبيني فخلفه علي رأس المجموعة المقاتل غالب اندانغ الذي يعرف باسم روبو وهو رجل قوي البنية اختار لنفسه ذلك الاسم السينمائي من باب السخرية من الرئيس الفلبيني استرادا الذي عمل طوال حياته كممثل سينمائي.
وفيما تظهر الصور الدعائية المعلقة في شوارع مانيلا الرئيس استرادا وهو يمسك برشاشة منتظرا لحظة الانقضاض علي عدوه وهي صورة قد اخذت من احد افلامه السابقة، يظهر الرائد روبو في كل مرة علي شاشات التلفزيون وهو مدجج بجميع انواع الاسلحة في هيئة البطل السينمائي الامريكي الذي اخترعته هوليوود في عهد ريغان وعرف باسم رونغو ولان الرائد روبو قد تعلم الجهاد في افغانستان فقد ارتبط باكثر رموز الجهاد لمعانا في عالم اليوم كما برز كأكثر رجال الكفاح المسلح في اقليم ميندانو تشددا وجهادية.
وتقوم خلفية ذلك النزاع بين حكومة مانيلا وجبهة مورو الذي اندلع في 1972 علي تراكم مخلفات سياسات خاطئة تبنتها الفلبين غداة استقلالها في 1946. فقد عملت مانيلا علي تكثيف استيطان الشماليين وهم مسيحيون في الغالب في الجنوب ذي الكثافة السكانية المسلمة مع ما يعنيه من اهمال للسكان الاصليين مقابل منح الوافدين امتيازات متعددة الي جانب رفض الاعتراف لسكان الجنوب المسلمين بهوية قومية وثقافية خاصة بهم.
وكان الاسلام قد بدأ تمدده نحو ارخبيل الفلبين قادما من بروناوي واندونيسيا عبر التجار. وقد ادي هجوم التجار المسلمين الي انقلاب في الهياكل السياسية فبرزت مملكتان اسلاميتان في منتصف القرن السادس عشر، لكن قدوم الاسبان الي الجزر الفلبينية قد قضي علي التمدد الاسلامي ومحاصرته في الجنوب. فحين نزل البحار البرتغالي فرناو دي ماغالهيس في العام 1521 علي سواحل الفلبين علي رأس قوة تابعة للتاج الاسباني كان هدفه الاساسي وقف الهجرة الاسلامية.. وعلي الرغم من ان الاسبان لم يحالفهم النجاح في حملتي 1521 و1550، الا انهم استطاعوا في الحملة الثالثة في العام 1571 تأسيس مدينة مانيلا علي جزيرة لوسون. وفي نهاية القرن السادس عشر تمكن الاسبان من بسط نفوذهم علي معظم اراضي الشمال وكذلك علي شمال جزيرة مندانو، راسمين خطا احمر بين العالم المسيحي والعالم الاسلامي.
قضي الاسبان الكاثوليك عقودا طويلة في نشر الكاثوليكية وكذلك في بناء تحصينات ضد الفتح الاسلامي بجميع اشكاله. ومثلما حارب الاسبان الاسلام العثماني في اوروبا والابيض المتوسط بكثير من الجرأة والاندفاع كان عليهم ان يحاربوا الاسلام الماليزي والاندونيسي في المحيط الهندي وبالتحديد في حوض جنوب شرق آسيا.
كانت السيطرة الاسبانية علي الفلبين شبه مطلقة، ولكنها ستتعرض كثيرا لاحتجاجات قوي بحرية منافسة لها. وبعد ان فشل الهولنديون انطلاقا من اندونيسيا في افتكاك اجزاء من الفلبين تمكن البريطانيون من السيطرة علي بعض جزر البلاد في العام 1762. وهكذا رفعت جميع التحصينات لتدخل بلاد الفلبين في عصر آخر من التجارة الدولية بلغ اوجه مع افتتاح قناة السويس في العام 1869.
ظللت جزر الفلبين مجالا خصبا للصراع الاسباني البريطاني الي نهاية القرن التاسع عشر حين ظهرت اول حركة وطنية عرفت بحركة الكاتيبونان وهي الحركة التطهيرية التي قادها اندرياس بونيفاسيو بداية من العام 1896. وحين اندلعت الحرب الاسبانية /الامريكية ساندت امريكا ثورة بونيفاسيو فتلقت حركة الكاتيبونان وعدا بالاستقلال. وفي مؤتمر باريس في العام 1898 تخلت اسبانيا المنهزمة عن جزر الفلبين لصالح الولايات المتحدة لكن الشعب الذي لم يحصل علي وعد الاستقلال اصيب بخيبة مريرة حثته علي تطوير وسائله النضالية واعلان حرب عصابات طويلة المدي ضد المستعمر الجديد: امريكا.
استمرت تلك الحرب سنوات طويلة الي حين تكوين برلمان وطني في 1902 ادي الي استقلال ذاتي في العام 1934 وهو الذي سيصبح استقلالا تاما في العام 46 لكن اليابانيين سيقفزون الي الجزر لاخضاعها للتاج الامبراطوري بداية من العام 41 الي نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي العام 45 خرج اليابانيون تاركين السلطة بين يدي الامريكان (السادة القدماء والجدد) والذين سيمنحون للفلبين استقلالها في العام 46 محتفظين بحق التواجد العسكري عبر قواعد كثيرة لمدة 99 عاما.
وهكذا اندلعت مرة اخري حرب تحرير ضد التواجد العسكري الامريكي فخفضت مدة القواعد الي لربع قرن فقط. وسوف لن تعرف الفلبين ما يمكن ان يسمي بالسلم الاهلي، الا في العام 65 حين انتخب فرديناند ماركوس رئيسا للبلاد، ولكن ذلك المناضل القديم ما لبث ان تحول الي دكتاتور جلف، فيما تحول ذلك السلام الاهلي الي حرب اهلية اشتعلت علي جبهتين: الاولي بقيادة الشيوعيين المدعومين من بيكين وشيوعيي اندونيسيا، والثانية بقيادة جبهة مور الاسلامية والمدعومة كذلك من اندونيسيا ثم ماليزيا فبعض البلدان العربية لاحقا.
في العام 85 سيرتكب العجوز ماركوس بعد 20 سنة من الحكم خطأ فادحا حين يعمد الي اغتيال زعيم المعارضة المدعوم من واشنطن (بنينو اكينو) في مطار مانيلا وهو عائد من المنفي.. ذلك الخطأ سيثير غضبا شعبيا لن ينتهي الا بطرد ماركوس من الحكم ثم انتخاب ارملة الزعيم القتيل كوراسون رئيسة للبلاد. واذ توفي ماركوس في 89 في هاواي بعد ثلاث سنوات من التيه والمطاردات القضائية فان خليفته السيدة كوراسون اكينو سوف تستسلم لقانون اللعبة الانتخابية تحت ضغوط متعددة اهمها حرب عصابات جبهة مورو الاسلامية لتترك مكانها للرئيس الجنرال فيديل راموس الذي حكم البلاد الي عام 98.
وقد كانت رغبة الحكم المركزي المسيحي في مانيلا دائما تتمثل في اخضاع ال6 ملايين مسلم في الجنوب. وهو ما ادي الي قيام جبهة تحرير مورو للعمل من اجل استعادة حقوق سكان جنوب الفلبين ووقف عمليات استغلال ونهب ثروات المنطقة من طرف المسيحيين (83 في المائة من الكاثوليك و9 في المائة من البروتستانت). وهي الجبهة التي حظيت بدعم اندونيسيا وماليزيا في البداية ثم من الجزائر وليبيا منذ اواسط السبعينيات ثم وجدت دعما آخر في ايران وبعض بلدان الخليج العربية.
كانت الجبهة الاسلامية قد تبنت منذ البداية اسلوب حرب العصابات في صراعها مع الحكومة الفلبينية وهو ما ارهق الطرف الحكومي كثيرا وفاقم من خسائره البشرية والمادية. وقد تمكن الطرفان من ابرام اتفاق لوقف القتال في طرابلس سنة 1976 بمساعدة من العقيد القذافي نص علي منح منطقة جنوب الفلبين المسلمة الحكم الذاتي، غير ان حكومة الرئيس الفلبيني السابق ماركوس سرعان ما تملصت من التزاماتها وعادت لقمع جبهة تحرير مورو متخلية عن ترتيبات وآليات تطبيق هذا الاتفاق، بدعوي ان طرابلس لم تسدد القروض والمساعدات التي وعدت بها.
ومع اطاحة نظام ماركوس وتولي كوراسون اكينو السلطة بدأت الآمال تنتعش مرة اخري من اجل تسوية سلمية مقبولة من الجانبين، لكن ما حال من دون ذلك هو تشدد المؤسسة العسكرية وتصميم كبار جنرالات الجيش علي انتهاج الوسائل العسكرية واسلوب القوة كخيار وحيد لحل الازمة القائمة.
ولأن الحل العسكري قد أصيب بالاخفاق بعد ان تمكنت قوات جبهة تحرير مورو من السيطرة الفعلية علي مساحات شاسعة من تراب الجنوب الفلبيني فقد لاحت في الافق اجواء ملائمة للعودة الي البحث عن مخرج سلمي لمشكلة الجنوب وهو ما سمح للدول واطراف خارجية مثل اندونيسيا وليبيا بمعاودة جهود تقريب وجهات النظر بين الطرفين وصولا الي توقيع اتفاق سلام في نهاية شهر آب (اغسطس) من العام 96 بجاكرتا.
وينص هذا الاتفاق علي انشاء مجلس جنوب الفلبين للسلام والتنمية وان يكون نور ميسواري رئيس جبهة تحرير مورو رئيسه المباشر علي ان يكون لهذا المجلس دور مهم في الاشراف علي انجاز مشاريع تنموية لتحسين ظروف عيش السكان بالاضافة الي ادماج المقاتلين التابعين لجبهة تحرير مورو في الحياة العامة عقب توقف المعارك.
وعلي الرغم من ان الحكم الذاتي الذي نص عليه ذلك الاتفاق لن يعني في كل الاحوال استقلال اقليم ميندانو عن الفلبين، الا ان مجرد نقل صلاحيات الاشراف علي الشؤون المحلية من العاصمة الي الجنوب سيتيح لجبهة مورو الانتفاع بثروات اقليمهم من ذهب وحديد وفحم وغاز طبيعي وبترول وتقاسم ارباحها بين الجانبين مقابل احتفاظ سلطات مانيلا بالاشراف علي شؤون الدفاع والخارجية.
ومن دون شك فان اتفاق السلام الذي تم ابرامه قد واجه معارضة مزدوجة من زعماء المسيحيين في الجنوب الذين يعتبرونه مساً بالمكاسب والامتيازات التي تحققت لهم طيلة العقود الماضية ثم من التيار المنشق عن جبهة مورو الذين يرون فيه تسوية مشوهة و صفقة بين النذلاء ومن بينهم مجموعة ابو سياف .
وبقطع النظر عن وجود تلك المعارضة لهذا الاتفاق وهو امر طبيعي بالنظر الي تباين الرؤي والمصالح، فان هناك بعض الجوانب في الاتفاق تبقي بحاجة الي قدر من المرونة حتي يتحقق النجاح المطلوب ومن اهمها مسألة ادماج مقاتلي جبهة تحرير مورو في الجيش الفلبيني، وتقاسم ثروات البلاد علي نحو عادل، والحفاظ علي مستوي اللامركزية بين الشمال والجنوب.
وما من شك ان مثل هذه التسوية التاريخية كانت ستجلب الامن والازدهار لا للفلبيين كلها (شمالا وجنوبا) فقط بل الي دول منظمة آسيان للتعاون الاقتصادي خاصة بعد ان جنحت جاكرتا هي الاخري الي تسوية مماثلة مع مقاتلي جنوبها في تيمور الشرقية، الا ان الجماعات المعارضة لتلك التسوية لا تزال قادرة علي احباط اية استراتيجية لاعادة تعمير الاقليم ما لم تمنح حق الاعتراف وحق الانفصال.
فهل تستطيع الديمقراطية الفلبينية الجديدة امتصاص الصدمات ونسيان الماضي والدخول الي عصر جديد ام انها ستصاب بالنكوص والاستسلام للغة الحرب؟



خصم يصل إلى 25%