data_travel/data/500/ADEL.JPGوسط صحراء موريتانيا وفضاءها الواسع ذي التضاريس الخاصة والمناخ الحار تعانق الجبال القليلة الارتفاع الواحات ذات العيون العذبة والخضرة الدائمة في أجمل صور الطبيعة، وكأن الجبال بارتفاعها تمنع عن المنطقة قسوة الصحراء المحيطة بها فيما تلطف الواحات الطقس بنسمات الهواء العليل. ووسط هذه البقعة الجملية من الجنوب الشرقي لموريتانيا تقع مدينة العيون وهي من اجمل مناطق البلاد سياحة خاصة في فصل الخريف حيث تهب الرياح الموسمية فتنخفض درجات الحرارة وتكسو الخضرة الجبال بفضل زخات المطر ورذاذها المنعش مما يزيد الطبيعة بهاء وروعة.
ان كل من زار هذه المدينة غادرها وهو معجب بها لأنها ببساطة جمعت بين جمال الطبيعة وسحر العمران حيث ترسخت فيها ابرز خصائص الفن المعماري للأمم التي حكمت البلاد، فالبيوت والمساجد مبنية من حجارة جافة متراصة على شكل هرم لا تزال صامدة لم ينل منها الزمن شيئا والى جانب البيوت القديمة ترتفع الأبنية الحديثة والتي تمزج عمارتها الأساليب الحديثة والتراثية. واذا زرت أزقتها القديمة يطالعك سكانها بحسن ضيافتهم وكرمهم الفياض أغلبهم من الأشراف ذوي الأصول القبلية المعروفة بنسبها لعرب «بني حسان» الذين استوطنوا المنطقة مع قبائل معقل. وقد عرفت العيون بعلمائها الذين جابوا أصقاع الأرض فكانت القلب النابض للبلاد ومركز الإشعاع الثقافي والمبادلات التجارية.
موسم الخريف بمدينة العيون وان كان غير ذائع الصيت كخريف صلالة العمانية فهو يستقطب الزوار من مختلف مناطق البلاد وخارجها، وبين خضرة السهول وزرقة السماء والغدران والشمس الساطعة على الرمل الناصعة البياض يتشكل منظر بديع تزينه أسراب الطيور المتنوعة وقطعان الغزلان التي تأوي إلى المنطقة بحثا عن الغداء.
ويعتمد السكان في معيشتهم على الزراعة وتربية الماشية وبعض الصناعات الحرفية مما ابدعته يد الصانع من رسوم تزين مختلف الاثاث المنزلي والملابس ومن تشكيلات فنية رائعة على الرواحل والهوادج والاواني، فضلا عما تضعه المرأة على رأسها وصدغيها من حلي وجواهر وما تزين به رجليها ويديها من زخارف بالحناء وما تضعه بهما من خلاخل واساور. دون ان نغفل الخيمة بأشكالها المتنوعة وما تحتويه من اواني وادوات.
وتشتهر أيضاً مدينة العيون بمكتبتها التي تضم مخطوطات نادرة من مختلف فروع العلم، كما تنتشر بضواحي المدينة المحظرات والتي تميز الطابع التعليمي الموريتاني وهي عبارة عن حلقات علمية يديرها شيخ عالم ويستفيد منها طلبة من جميع الأعمار والمستويات.
ولعل اهم ما يميز الحياة في منطقة الشرق الموريتاني تلك الثقافة البدوية والسلوكيات الفطرية لسكانها والتي ظلت سمة بارزة تشكلت منها لوحة متناسقة اندثرت رغم انها ما تزال محط اعجاب واستغراب في آن واحد. حيث كانت الخيام المنصوبة قرب الوديان تجمع الناس في حفلات وأمسيات مسامرة ومؤانسة تحت ضوء القمر وسط تمايل الراقصين ودوي الطبول وأصوات المغنيين وتنافس الشعراء في إنشاد الابيات المغناة.
كما يعشق أبناء هذه المنطقة والذين يحبذون تسمية انفسهم ب«أهل الشرق» رحلات الصيد وسباق الإبل والرماية بالسهام والرصاص غيرها من الألعاب الصحراوية ومن العادات والتقاليد التي قضت الحياة المدنية عليها واقتصر الأخذ بها على الترفيه عن النفس ايام العطل وفي المناسبات.
صحراء موريتانيا ليست كلها مساحة شاسعة يصعب السير فيها دون معرفة مسالكها ومنافذها يعمها السراب ولكنها أيضا واحات نخيل غناء ذات ظلال وافرة ومياه جارية ومدن أثرية، وقبل هذا وذاك هي ساكنة وقيم وعادات وتقاليد وتراث فني وحضاري.