- ويقول الصادق بوصلاح ان اللوحة سيقدمها الى زيدان أحد التونسيين هدية.
يواجه نجم الكرة الفرنسي زين الدين زيدان الجزائري الاصل احتمال أن يجرد من جائزة أحسن لاعب في العالم بعد أن تعرض للطرد في المباراة النهائية لكأس العالم في المانيا.. لكن هدية أخرى في أنتظاره .. لوحة ضخمة تجسم صورته من الفسيفساء. اللوحة التي أنجزت قبل أحداث المباراة التي طرد فيها زيدان جزء من صناعة تراثية مزدهرة تم احياؤها في مدينة الجم التونسية.
ويقول الصادق بوصلاح ان اللوحة سيقدمها الى زيدان أحد التونسيين هدية.
ولم يكن حال عائلة بوصلاح ميسورا قبل ان يعشق الابن الكبير الناصر فن صناعة الفسيفساء ويتجه لمهن تهذيب التراث ليلحق عائلته بسرعة بقائمة اثرياء مدينة الجم التي يستفيد اكثر سكانها من معالمها الاثرية المتميزة.
مئات العائلات الاخرى في مدينة الجم التي لا يتجاوز عدد سكانها العشرين الف نسمة اتجهت بدورها في السنوات الاخيرة لتوظيف معالم بلدتهم الاثرية.. لكن اشكال الاستفادة اختلفت من عائلة لاخرى.
ويمتلك الناصر بوصلاح الذي تعلم فن صناعة قطع الفسيفساء منذ اكثر من 15 عاما عديد الورشات داخل البلاد يشغل فيها اكثر من 250 حرفيا اختاروا ان يسلكوا نفس نهج مشغلهم لعل مستقبلهم يكون مشرقا مثله.
ويقول الصادق بوصلاح شقيق الناصر انهم ورثوا الاهتمام بتراث جهتهم عن والدهم المتوفى منذ ان عثر خلف منزلهم على قطع فسيفسائية نادرة ساعد في نقلها الى متحف الجم الشهير.
وتضم مدينة الجم الواقعة على بعد 180 كيلومترا جنوبي العاصمة مجموعة معالم اثرية جعلتها احد ابرز المواقع السياحية في تونس وحولتها لقبلة الالاف السياح من تونس وخارجها.
ويرى بوصلاح ان ولع العائلة بفن الفسيفساء وعشقهم تطوير التراث هو ما انعش تجارتهم بشكل ملحوظ واكسبهم شهرة في تونس وفي الخارج حيث يقيمون عديد المعارض باستمرار في عواصم اوروبية.
وتتميز (تيسدروس) وهو الاسم الروماني السابق للجم بقصرها الاثري ذي الشكل البيضوي والذي يعتبر احد اشهر المسارح في العالم ويتجاوز طوله 150 مترا فيما يبلغ محيطه نحو 500 مترا ويتسع الان لاربعة الاف مقعد.
وشيد القصر الاثري المصنف ضمن الاثار المعترف بها من قبل اليونسكو في بداية القرن الثالث القائد الروماني جورديان الثاني الذي قاد انتفاضة على امبراطور روما في ذلك العصر واقام قصرا خاصا به سعى الى ان يكون متميزا حتى على قصر روما.
ويقول مؤرخون ان جورديان الثاني الذي ولد في تيسدروس صمم قصر الجم بشكل تجاوز فيه كل الاخطاء الهندسية الموجودة في قصر روما على مستوى الشكل.
وتستقبل مدينة الجم قرابة 500 الف سائح سنويا من مجموع نحو ستة ملايين سائح يتوافدون على تونس وفقا لارقام رسمية.
لكن اضافة الى قصرها الاثري تضم الجم عديد القطع الاثرية النادرة في العالم نقل بعضها الى متحف الجم ومتاحف اخرى في تونس اضافة الى نحو 30 موقعا رومانيا اكتشفت في السنوات الاخيرة ابرزها (منزل افريقيا) التي يحتوي قطعا اثرية وفسيفسائية تصور اسلوب عيش الرومان خلال القرون المنقضية.
وكشف طاهر قدروة وهو حرفي فسيفساء بالجم لرويترز ان سعر متر واحد من لوحة فسيفساء قد يصل الى الفي يورو.
وسعى الحرفيون الى كسر جمود مهنتهم وعدم ربطها بالماضي فقط فراحوا يتفننون في انجاز لوحات معاصرة لشخصيات عامة معروفة وهي لوحات عادة ما تدر عليهم اموالا طائلة.
وقال بوصلاح انه انجز في الاونة الاخيرة لوحة ضخمة تجسم صورة للاعب المنتخب الفرنسي زين الدين زيدان ذو الاصل الجزائري سيقدمها له احد التونسيين هدية.
وتشير دراسة احصائية اعدت حديثا الى ان مئات العائلات في هذه المنطقة تنتفع بشكل مباشر او غير مباشر من تراث المدينة ومن معالمها الاثرية.
ويشغل قطاع الفيسفساء لوحده اكثر من الف عامل اضافة الى الاف اخرين يشتغلون في حرف نسج الزرابي (السجاد) وعديد المنتوجات التقليدية الاخرى مثل صناعة الملابس الجلدية.
وينتصب حول محيط القصر الاثري بالجم مئات من بائعي المنتوجات التقليدية ومعارض الفسيسفاء والمقاهي والمطاعم يتكلم اغلبهم بسلاسة عديد اللغات الاجنبية مثل الانجليزية والالمانية والاسبانية والايطالية والفرنسية.
كما أن عديد الشبان في الجم حققوا ايضا ما يحلم به اندادهم في باقي المناطق الاخرى بانشاء علاقات مع اوروبيات انتهت بالزواج والاقامة في اوروبا مثلما هو حال الشاب معز الذي استفاد من تعرفه على سائحة ايطالية جاءت منذ سنوات لزيارة المدينة لينتقل للعيش معها في باليرمو.
وتتطلع تونس التي يقول مسؤولوها انها تملك اكبر رصيد عالمي من الفسيفساء وعديد المواقع التاريخية الهامة لدعم السياحة الثقافية لتنويع ركائز صناعة السياحة التي تغطي نحو 70 بالمئة من العجز التجاري لتونس وتوفر ما لايقل عن 360 الف فرصة عمل اضافة لكونها اول مصدر لجلب العملة الاجنبية.
واضافة الى كونها مدينة يقتات اهاليها من السياحة فان الجم ايضا تتميز بحركية تجارية نشيطة.
ذلك أن استفادة ابناء الجم من تراكم كل هذه الاثار القيمة لم تقتصر على الجوانب المادية فقط بل تجاوزتها لتشمل ابعادا ثقافية وحضارية ايضا.
فمنذ عام 1986 ازدادت شهرة مدينة الجم عندما قرر محمد الناصر وهو دبلوماسي سابق انشاء اول مهرجان للموسيقى السيمفونية في تونس يقام سنويا في هذا القصر ليمتزج عبق التاريخ بروائع الفن الكلاسيكي في فضاء سحري.
وفي كل صيف تضاء شموع القصر الاثري ايذانا بانطلاق دورة جديدة من المهرجان السيمفوني الذي استضاف عديد النجوم من بينهم المغنية الامريكية الملقبة بالديفا باربرا اندريكس والموسيقي الايطالي الشهير ريكاردو موتي.
وقال مبروك العيوني مدير المهرجان وعضو البرلمان التونسي لرويترز ان هذا المهرجان هو مناسبة متجددة لاحياء التراث ودعم السياحة الثقافية في البلاد حيث يتدفق الاف السياح من اوروبا على الجم للاستمتاع خصيصا بموسيقى موتسارت وتشومسكي وباتش وكورلي وغيرهم كل صيف.
لكن علي العكروت منسق العلاقات الدولية بمدينة الجم يرى ان حظ شبان الجم بفضل تراث مدينتهم اصبح خلال السنوات العشر الاخيرة اوفر بكثير.
ويتابع العكروت وهو ايضا مدير فني لمهرجان اكتشافات تونس 21 الدولي قائلا " ساهمت هذه المعالم المضيئة في الجم في دفع علاقات تعاون دولية لامركزية مع بلدان اوروبية وعربية مثل مدينتي رومنس وفينا الفرنسيتين ومدينة تارودنت المغربية".
واضاف انه اصبح بامكان مئات شبان المنطقة حتى المعوزين منهم زيارة بلدان اوروبية وعربية مثل فرنسا والمغرب وايطاليا في اطار علاقات التعاون اللامركزي.
وربما لم يكن بمقدور هؤلاء الشبان السفر والتعرف على حضارات وثقافات اخرى سوى عبر الشاشات لو لم يخلف اجدادهم مثل هذه الاثار القيمة.
كعادتك... تطل علينا دائما بتقاريرك الجميله والمفيده
اشكرك ... ومزيدا من الابداع