a2b2c2
08-09-2022 - 11:08 pm
ما زالت البيوت المغربية التقليدية او دور المدينة القديمة، كما يطلق عليها المغاربة، تثير الفضول والاعجاب بسبب هندستها المعمارية الفريدة، ونمط العيش فيها الذي يختلف كليا عن نمط العيش في البيوت العصرية. لذلك ليس غريبا ان تجد العديد من المغاربة يتشبثون ببيوتهم القديمة ويحرصون على اعادة ترميمها مع المحافظة على هندستها الداخلية التي توفر خصوصية كبيرة للاسرة القاطنة بها، الى جانب توفير مختلف المرافق الضرورية من اجل العيش في ظروف صحية وأجواء مريحة. وبسبب هذه الخاصيات يتهافت الاجانب حاليا على شرائها واعادة ترميمها وجعلها اقامات دائمة لهم، او تحويلها الى مطاعم ودور ضيافة.
اهم ما يثير الانتباه في الاحياء العتيقة في المدن المغربية مثل فاس ومكناس ومراكش والرباط، هو ان البيوت التي كانت تقطنها العائلات الكبيرة والمعروفة، لا تثير انتباه المارة لان شكلها الخارجي بسيط للغاية، ولا تكشف بتاتا عما يوجد بداخلها، خلافا للبيوت الحالية التي يعطي اصحابها اهمية كبيرة للهندسة الخارجية للتباهي وابراز المكانة الاجتماعية.
اما السر في كون البيوت المغربية التقليدية ليست لها واجهة خارجية، فيعود إلى الرغبة في الحفاظ على الخصوصية بالدرجة الاولى، وتجنب ابراز الفوارق الاجتماعية بين الاسر والعائلات التي تقطن نفس الحي، اذ انه بجانب البيوت الكبيرة، أخرى صغيرة مكونة من غرفة واحدة فقط كانت تعرف باسم «المصرية»، وتقطنها الاسر البسيطة، كما قال محمد عبد الاله بلغازي، محافظ متحف دار بلغازي، الذي عمل ايضا في مجال ترميم عدد من البيوت العتيقة، مشيرا الى ان الفوارق الاجتماعية التي كانت موجودة لم تكن تكرس أي صورة من صور القطيعة او التنافر بين سكان الحي، بل كانت الاسر الغنية لا تستغني عن جاراتها البسيطة، للقيام بعدد من المهام من بينها خياطة وتطريز الملابس الخاصة بالعروس، مقابل الحصول على مواد غذائية مثل الدقيق والزيت والسمن.
ويصف بلغازي اسرار الهندسة المعمارية لتلك البيوت بأنها عجيبة، فهي دافئة في الشتاء، وباردة في الصيف، والسبب هو ان جدرانها سميكة جدا، اذ يتراوح سمكها ما بين 60 و120 سنتيمترا، بينما يتراوح علو سقف الغرف ما بين 7 و10 امتار، تتخللها اعمدة من خشب الارز، التي تساعد بدورها في الحفاظ على الدفء، فضلا عن توفرها على باب كبير يسمى «الفصيل» وبداخله بويبة صغيرة تسمى «الخوخة»، وهي الاكثر استعمالا، خصوصا في فصل الشتاء. في اغلب البيوت توجد نافورة تتوسط فناء الدار، ومياه هذه النافورة كانت تأتي مباشرة من مجرى العيون المائية عبر شبكة معقدة لتوزيع المياه، بينما تزين الجدران الفسيفساء التي تتوفر على حوالي 200 شكل هندسي. ما تجدر الإشارة إليه ان جدار «الصالة»، او «البيت الرسمي» كما كان يسميه المغاربة، كان يزين ايضا ب«الحيطي» اذا لم يتوفر الزليج او الفسيفساء، وهو قماش من المخمل عليه رسوم هندسية يعلق على الحائط، ويستعمل بشكل خاص في المناسبات والاعياد وحفلات الزفاف، حتى لا يتعرض للتلف، مع العلم ان مدة حياكته كانت تستغرق من 6 اشهر الى عام. وتتوفر البيوت التقليدية في العادة على ثماني غرف: اربع في الطابق السفلي واخرى في الطابق العلوي بينهما مكان تخزن فيه المؤونة الغذائية التي تكفي لعام كامل ويسمى «بين وبين». وكانت الأم هي التي تتوفر على مفاتيح «خزين المؤونة»، بينما زوجة الابن مسؤولة فقط عن المؤونة الخاصة بالاستهلاك اليومي من دقيق وزيت وزيتون الموضوعة في المطبخ في الطابق السفلي.
اما غرف النوم، يقول بلغازي فكان يوجد داخل كل منها حمام بلدي في زاوية الغرفة، وهو عبارة عن حوض استحمام مزود بأنابيب تضخ مياها ساخنة واخرى باردة.
وبما ان النساء لم يكن يغادرن البيت الا نادرا، فكان من حقهن الاطلالة على العالم الخارجي، وذلك عبر نوافد صغيرة تسمى «الشناشل» مصنوعة من الخشب المخروط تستعمل للتهوية، وفي نفس الوقت تطل من خلفها النسوة من دون ان يراهن احد. الا ان «الشناشل» ليست هي الوسيلة الوحيدة للاطلالة على العالم الخارجي، فالسطح كان بمثابة فضاء للنزهة لذلك سمي «المنزه» وبفضل علو تلك المنازل فهي تطل على المدينة ككل.
ولا تكتمل جمالية البيوت التقليدية المغربية من دون «الرياض» وهي حديقة ذات شكل هندسي مدروس بها ممرات واحواض مائية واشجار مثمرة.
جريدة الشرق الأوسط العدد10184 في 24 رمضان 1427ه