- لمؤلفه الشيخ أبو الحسن علي الندوي رحمه الله وغفر له..
- العثمانيون على مسرح التاريخ :
- انحطاط الأتراك في الأخلاق وجمودهم في العلم وصناعة الحرب :
- الجمود العلمي في تركيا :
من كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟
لمؤلفه الشيخ أبو الحسن علي الندوي رحمه الله وغفر له..
العثمانيون على مسرح التاريخ :
في ذلك الحين ظهر الترك العثمانيون على مسرح التاريخ ، وفتح محمد الثاني بن مراد ، وهو ابن أربع وعشرين سنة القسطنطينية العظمى عاصمة الدول البيزنطية المنيعة سنة 753ه (1453 م) فتجدد رجاء الإسلام وانبعث الأمل في نفوس المسلمين ، وكان الترك وعلى رأسهم آل عثمان موضعاً للثقة في قيادة الأمم الإسلامية وفي استرداد قوة المسلمين ومكانتهم في العالم ، وكان فتحهم للقسطنطينية التي استعصت على المسلمين ثمانية قرون(193) دليلاً على كفاءتهم وقوتهم ، وبلوغهم درجة الاجتهاد في صناعة الحرب ، وحسن قيادتهم العسكرية وتفوقهم على الأمم المعاصرة في آلات الحرب واستخدامهم لمهمتهم قوة العلم والعمل . وكل ذلك ما لا غنى للأمة عنه .
تفوق محمد الفاتح في فن الحرب :
وقد كان محمد الفاتح- كما يقول درابر- يعرف العلوم الرياضية ويحسن تطبيقها على الفن الحربي ، وكان قد أعد لهذا الفتح عدته ، واستفاد كل ما في عصره من معدات حربية
قال البارون " كارادفور " (Barron Carra de vaux) في كتابه " مفكرو الإسلام " في الجزء الأول منه عند ترجمة محمد الفاتح :
(( إن هذا الفتح لم يُقيَّض لمحمد الفاتح اتفاقاً ، ولا تيسير لمجرد ضعف دولة بيزنطية ، بل كان هذا السلطان يدبر التدابير اللازمة له من قبل ، ويستخدم له كل ما كان في عصره من قوة العلم ، فقد كانت المدافع حينئذ حديثة العهد بالإيجاد ، فأعمل في تركيب أضخم المدافع التي يمكن تركيبها يومئذ وانتدب مهندساً مجرياً ركب مدفعاً كان وزن الكرة التي يرمي بها 300 كيلو جرام ، وكان مدى مرماه أكثر من ميل ، وقيل : إنه كان يلزم لهذا المدفع 700 رجل ليتمكنوا من سحبه ، وكان يلزم له نحو ساعتين من الزمن لحشوه ، ولما زحف محمد الفاتح لفتح القسطنطينية كان تحت قيادته ثلاثمائة ألف مقاتل ، ومعه مدفعية هائلة ، وكان أسطوله المحاصر للبلدة من البحر (120) سفينة حربية ، وهو الذي- من قريحته- تصور سحب جانب من الأسطول من البر إلى الخليج وأزلق على الأخشاب المطلية بالشحم (70) سفينة أنزلها في البحر من جهة قاسم باشا(194) )).
مزايا الشعب التركي :وقد تفرد الشعب التركي المسلم تحت قيادة آل عثمان بمزايا اختص بها من بين الشعوب الإسلامية يومئذ واستحق بها زعامة المسلمين :
أولاً- أنه كان شعباً ناهضاً متحمساً طموحاً فيه روح الجهاد ، وكان سليماً- بحكم نشأته وقرب عهده بالفطرة والبساطة في الحياة- من الأدواء الخلقية والاجتماعية التي أصابت الأمم الإسلامية في الشرق في مقتلها .
ثانياً- أنه كان متوفراً لديه القوة الحربية التي يقدر بها على بسط سيطرة الإسلام المادية والروحية ، ويرد بها غاشية الأمم المناوئة وعاديتها ، ويتبوأ بها قيادة العالم ، فقد بادر العثمانيون في صدر دولتهم لاستعمال المعدات الحربية وخصوصاً النارية منها واهتموا بالمدافع وأخذوا بالحديث الأحدث من آلات الحرب ، عُنوا بفن الحرب وتنظيم الجيوش وتعبئتها حتى صاروا في صناعة الحرب أئمة بغير نزاع ، والمثل الكامل والقدوة لأوربا
وكانوا يحكمون في ثلاث قارات : أوربا ، وآسيا ، وإفريقية ، ملكوا الشرق الإسلامي من فارس حتى مراكش ، ودوخوا آسيا الصغرى وتوغلوا في أوربا ، حتى بلغوا أسوار " فيينا " وكانوا سادة البحر المتوسط من غير نزاع ...... قد جعلوه بحيرة عثمانية لا أثر للأجنبي حوله وقد كتب معتمد القيصر بطرس الأكبر لدى الباب العالي أن السلطان يعتبر البحر الأسود كداره الخاصة فلا يباح دخوله لأجنبي ، وأنشأوا أسطولاً عظيماً لا قبل لأوربا به حتى اجتمعت لسحقه كل من عمارات البابا والبندقية وإسبانيا والبرتغال ومالطة عام 945ه -1547م – ولكن لم تغن عنهم كثرتهم شيئاً .
وقد جمعت الإمبراطورية العثمانية في عهد سليمان القانوني الكبير بين السيادتين البرية والبحرية وبين السلطتين السياسية والروحية .
وكان الأسطول العثماني مؤلفاً مما يزيد على 2000 مركب حربي ، وكان القسم الشرقي من بحر سفيد وبحر الأدرياتيك ومرمرة وأزاق والأسود والأحمر وفارس في حوزته وتحت سيطرته .
ودخلت كل مدينة شهيرة في العالم القديم ما عدا رومة في ضمن حدود الدولة العثمانية(195) ، وكانت أوربا كلها ترتعد منهم فرقاً ، ويدخل ملوكها الكبار في ذمة ملوكهم ، ويمسك أهل الديار عن قرع أجراس كنائسهم احتراماً للترك إذا نزلوا بها
وأمر البابا أن يحتفل بالعيد ، وأن تقام صلوات الشكر مدة ثلاثة أيام لما أتاه نعي محمد الفاتح .
ثالثاً- كانوا في أحسن مركز للقيادة العالمية . كانوا في شبه جزيرة البلقان بحيث يشرفون منها على آسيا وأوربا ، وكانت عاصمتهم واقعة بين البحرين الأسود والأبيض ، وواصلة بين البرين آسيا وأوربا ، فكانت خير عاصمة لأكبر دولة تحكم على آسيا وأوربا وأفريقية ، حتى قال نابليون : (( لو كانت هناك دولة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها )).
وكانت أوربا لها الخطر الكبير والشأن العظيم في المستقبل القريب ، تزخر فيها القوى الحيوية وتجيش فيها صدورها عوامل الر قي ، فكان في استطاعة الترك- لو وفق الله- أن يتقدموا في ميدان العلم والعقل ويسبقوا أمم أوربا النصرانية ويصبحوا أئمة العالم يقودونه إلى الحق والهدى قبل أن تملك أوربا زمام العالم وتقوده إلى النار والدمار .
انحطاط الأتراك في الأخلاق وجمودهم في العلم وصناعة الحرب :
ولكن من سوء حظ المسلمين- فضلاً عن سوء حظ الأتراك- أخذ الترك في الانحطاط والتدلي ودب إليهم داء الأمم من قبلهم : الحسد والبغضاء واستبداد الملوك وجورهم وسوء تربيتهم وفساد أخلاقهم وخيانة الأمراء وغشهم للأمة وإخلاد الشعب إلى الدعة والراحة ، إلى غير ذلك من أخلاق الأمم المنحطة مما هو مبين في كتب التاريخ التركي ، وليس هذا موضع تفصيله ، وكان شر ما أصيبوا به الجمود في العلم والجمود في صناعة الحرب وتنظيم الجيوش ، وقد نسوا قول الله تعالى : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ } الخ . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها )) ،
وكان خليقاً بهم- لحرج مركزهم السياسي والجغرافي، وقد أحاطت بهم الدول الأوربية إحاطة السور بالمعصم - أن يجعلوا وصية القائد الإسلامي الكبير عمرو بن العاص رضي الله عنه للمسلمين في مصر نصب أعينهم : ((واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة لكثرة الأعداء حولكم وتشوف قلوبهم إليكم وإلى داركم )) ولكن الترك وقفوا وتقدم الزمان ، وتخلفوا وسبقت الأمم الأوربية .
الجمود العلمي في تركيا :
وقد وصفت الكاتبة خالدة أديب هانم هذا الجمود العلمي في تركيا وصفاً يحسن بنا أن ننقله هنا قالت :
(( ما دامت فلسفة المتكلمين تهيمن على الدنيا ظل علماء الإسلام في تركيا يقومون بواجبهم ويحسنون القيام به ، وكانت المدرسة السليمانية ومدرسة الفاتح مركزين للعلوم والفنون السائدة في ذلك الزمان ، لكن لما نشط الغرب من عقال الفلسفة الإلهية والمباحث الدينية الكلامية ووضع أساس العلم الحديث والحكمة الجديدة فأحدث انقلاباً في العالم لم تعد جماعة العلماء تقدر على الاضطلاع بأعباء التعليم والقيام بواجبات المعلمين . كان يعتقد هؤلاء أن العلم لا يزال حيث كان في القرن الثالث عشر المسيحي لم يتجاوز ذلك المقام ولم يتقدم ، ولم تزل هذه الفكرة الخاطئة سائدة على نظامهم التعليمي إلى القرن التاسع عشر المسيحي )).
مكتبة صيد الفوائد الاسلامية http://www.saaid.net/book/open.php?cat=83&book=1911
رحم الله كاتبه
او تحميل نسخه الكترونيه رائعه جدا وضعها الاخ حامل المسك في منتدى الكتب المصورة وتحميلها عبر الرابط التالي
http://www.aldoah.com/upload/uploade...1182444858.rar