- .فى هذا العصر نشأت مدينة الاسكندرية وازدهرت وكانت عاصمة البلاد
- نشأة الإسكندرية - أحياؤها
- سكان الإسكندرية
يطلق اسم العصر اليونانى أو البطلمى على تلك الفترة من تاريخ مصر التى بدأت منذ غزا الاسكندر الأكبر البلاد فى عام 332 ق.م. وبعد وفاته فى عام 323 ق.م.تم تقسيم امبراطوريته بين قواده، فكانت مصر من نصيبر بطليموس الذى أسس أسرة البطالمة، وحكم ملوك هذه الأسرة البلاد قرابة ثلاثة قرون (من 323-30 ق.م) ثم أصبحت مصر بعد ذلك جزءاً من الأمبراطوية الرومانية إلى قسمين شرقى وغربى، فكانت مصر من نصيب القسطنطينية وبقيت كذلك حتى فتح عمرو بن العاص مصر فى عام 641-642م
.فى هذا العصر نشأت مدينة الاسكندرية وازدهرت وكانت عاصمة البلاد
نشأة الإسكندرية - أحياؤها
.لفت نظر الاسكندر وهو فى طريقه من منف (حيث تقع بلدة البرشين الآن) إلى واحة آمون سيوه) فى عام 332-331 ق.م. تلك البقعة المستطيلة من الأرض الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط وبحيرة مريوط حيث كانت توجد قرية قرية راقودة ويقع قبالتها فى البحر جزيرة تحميها من الأمواج أطلق عليها فيما بعد اسم فاروس ، مما جعله يفكر فى إنشاء مدينة فى تلك البقعة تحمل اسمه وتكون ميناءاً. لتبادل التجارة بين الشرق والغرب. وقد كلف الاسكندر المهندس دينوقراط بتخطيط المدينة الجديدة، فكان أول ما قام به هو ربط جزيرة فاروس بالشاطئ بسد من الأتربة نشأ عنه ميناءان أحدهما فى الشرق، وكان يطلق عليه اسم الميناء الكبير (الميناء الشرقى الآن) وكان أهمهما، والآخر فى الغرب أطلق عليه اسم (العود الحميد) ، وهو الميناء المستعمل حالياً
كان أهم ما يمتاز به تخطيط المدينة الجديدة امتداد شوارعها فى خطوط مستقيمة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، فكانت تتقاطع فى زوايا قائمة وأصبحت المدينة فى نهاية الأمر أشبه برقعة الشطرنج، وكان يتوسط هذه الشوارع شارعان رئيسيان أحدهما يخترق المدينة من الشرق إلى الغرب ويطلق عليه اسم طريق كانوب ، ويقع على امتداده الآن طريق الحرية، وكان عرضه لا يقل عن ثلاثين متراً، كما كانت أرضه مرصوفة بقطع الأحجار السوداء، أما الشارع الآخر فكان يخترق المدينة من الشمال إلى الجنوب، ويعتقد البعض أنه شارع النبى دانيال الحالى بينما يظن البعض الآخر أنه كان يقع إلى الشرق من ذلك، ويمتد من منطقة السلسلة شمالا حتى بحيرة مريوط جنوباً ماراً بمنطقة الشاطبى الحالى. وعند تقاطع هذين الشارعين الرئيسين كان يقع أكبر ميادين الاسكندرية
وقد ذكر بعض المؤرخين أن المدينة كانت مقسمة إلى خمسة أحياء تحمل اسماء الأحرف الخمسة الأولى من الحروف الهجائية اليونانية ، ومن العسير تحديد مواقع هذه الأحياء، وكل ما نعرفه إن الحى الملكى كان أمها وأكبرها، وكان يطل على الميناء الشرقى وبه فضلا عن القصور الملكية وحدائقها الغناء للحيوان ودار الحكمة والمكتبة، كما كان يحوى أيضاً مقابر الملوك
وقد وضعت القوانين لنظيم اقامة المبانى بالمدينة، كذلك وضع نظام دقيق لإمداد المبانى بمياه الشرب، فمدت تحت الأرض قنوات لتوصيل المياه العذبة إلى خزانات المبانى، ومازال لدينا واحد من هذه الخزانات فى حدائق الشلالات، بشارع الشهيد صلاح مصطفى السلطان حسين سابقا
وقد كانت الإسكندرية بحكم كونها العاصمة تزخر بوفود من شتى بلاد العالم المعروفة وقتئذ، وبذلك كان المتجول فى شوارع المدينة يستمع إلى كافة اللغات الافريقية والآسيوية إلى جانب اللغة اليونانية بلهجاتها المختلفة، وكانت بعض هذه العناصر تكون جاليات لها كيانها الذاتى وتظيماتها الخاصة، كذلك المينة ، فاليونانيون مثلا كانوا يقطنون فى جوار الحى الملكى، والمصريون فى حى راقودة، واليهود فى حى دلتا وهكذا
سكان الإسكندرية
يمكن أن نقسم سكان الاسكندرية بوجه عام إلى ثلاثة أقسام، فالعنصر اليونانى كان جانب منه يمثل طبقة المواطنين الكاملين أو الاسكندريين الذين يتمتعون بحقوق المواطن الكامل، سواء منها السياسية مثل الاشتراك فى المجالس التشريعية، أو الادارية مثل شغل وظائف المدينة أو الدولة، أو الاجتماعية كامتلاك الأراضى وغيرها، هذا فضلا عن تمتعهم بامتيازات أخرى كالاعفاء من أعمال السخرة ومن بعض الضرائب، غير انه هناك إلى جانب هذه الطبقة الممتازة من المواطنين الكاملين طبقة أخرى من اليونانيين يمكن اعتبارهم أنصاف مواطنين، فهم لا يتمتعون بجميع حقوق المواطن الكامل، ومن هؤلاء الفقراء الذين كانوا يتوافدون على المدينة من أرجاء العالم اليونانى سعياً وراء الرزق
أما العنصر الثانى فكان يضم هود الاسكندرية الذين كانوا يقيمون بها منذ بداية حكم الطالمة، وكان لهم دستورهم، كما كان لهم تنظيمهم المالى الخاص بهم، وان لم يتمتعوا بالحقوق التى كان يتمتع بها اليونانيون. وأخيراً يأتى العنصر الثالث وهو عنصر المصرين وكانوا مغلوبين على أمرهم يعملون بالحرف الصغيرة أو بالزراعة، وقد ظلوا محافظين على صبغتهم الوطنية رغم كونهم محرومين من كافة الحقوق السياسية والاجتماعية
وقد كان لمدينة الاسكندرية فى العصر البطلمى مجلس تشريعى أو مجلس شيوخ، يتكون من المواطنين المستوفين لشروط خاصة من ناحية السن والثروة والمكانة، وقد بقى قائما طوال العصر البطلمى حتى أصبحت مصر جزءاً من الامبراطورية الرومانية فرأى الامبراطور أغسطس، أول أباطرة الرومان، أن يلغى هذا المجالس وأمر أهل المدينة أن يديروا شئون مدينتهم بأنفسهم دون أن يكون لهم مجلس تشريعى
استمر وضع هذه الطبقات كما هو حتى العصر الرومانى إذ كان حق المواطن يورث، إلا أن الوراثة لم تكن كافية لأن يصبح الابن مواطناً للمدينة مثل والديه، وكان لزاماً على فرد استكمل شرط الزراثة أن يلتحق بالجمنازيوم الذى كان بمثابة المركز التعليمى والتربوى بالمدينة، ويوم يتخرج الفرد من الجمنازيوم كان يعتبر مواطناً كاملا للمدينة
وقد كان من سلطة الامبراطور فى العصر الرومانى أن يمنح أى شخص ليس من أبوين اسكندريين لقب مواطن اسكندرى، ولم يفقد المواطن الاسكندرى فى العصر الرومانى شيئاً من امتيازاته التى اختصه بها ملوك البطالمة بل أن الرومان أكدوا سمو مركز الاسكندريين بامتيازين جديدين: الأول يعلق باعفائهم من ضريبة الرأس والثانى هو جعل مواطنة الاسكندرية شرطاً أساسياً للمصرى قبل أن يحصل على لقب مواطن رومانى
وقد ظلت الاسكندرية دون مجلس تشريعى بعد أن ألغاه أغسطس، واستمرت على ذلك أكثر من 200 عام فبدأت الحالة الاقتصادية تتدهور وأصبح من العسير العثور على عدد كاف من المواطنين الصالحين لشغل مناصب المدينة، فأصحاب هذه المناصب كانوا يتحملون أعباء مادية جسيمة، ولما زار الامبراطور سبتميوس سفيروس مصر حوالى عام 200م. منح الاسكندرية وسائر عواصم الاقاليم حق تكوين مجلس شيوخ لكل منها، وكان أعضاء هذه المجالس من الأثرياء وكانوا ملزمين بتحمل مسئولية شغل مناصب مدينتهم، ودفع نفقاتها من مالهم الخاص، أى أن الوظيفة كانت تكليفاً وليست تشريفاً
أما السلطة التنفيذية، أى هيئة موظفى المدينة، فقد بقيت فى العصر الرومانى كما كانت فى العصر البطلمى، فقد كان هناك مايشبه محافظة المدينة الآن ويسمى ورئيس الجمنزيوم والمشرف على التموين والمشرف على العبادة وغير ذلك، ولم يكن شاغلو هذه المناصب يتقاضون أى أجر، بل ينفقون هم عليها، ولذلك كان يشترط فهم أن يكونوا من ذى الثراء حتى يكون فى مقدورهم القيام بمهام أعمالهم. من هؤلاء الموظفين كانت تتكون هيئة تشبه مجلس المحافظة الآن تحت رياسة المحافظة، وقد حرص الأباطرة الرومان على تعيين عدد من أتباعهم أعضاء فى مجلس المدينة ليكونوا عيوناً لهم على المواطنين الآخرين، وليعملوا على تنفيذ رغباتهم
أما الشرطة وحرس الليل وغير ذلك من المناصب التى تدخل فى نطاق الحكومة المركزية فكان رؤساؤها يعينون من قبل الحاكم مباشرة
وفيما يختص بالنظام القضائى فى العصر البطلمى كانت هناك محاكم خاصة بالوطنيين واخرى بالأجانب، وثالثة عندما يكون أحد الأطراف المتنازعة وطنياً والآخر أجنبياً. كما كانت هناك محكمة مركزها الاسكندرية ينتقل قضاتها لبعض المدن للحكم فى المنازعات فى أوقات معينة من السنة، وفيما عدا هذه الأوقات كان يحق للمتقاضين الذهاب إلى الإسكندرية لعرض قضاياهم هناك. ويبدو أن هذا النظام قد تعرض لتغيير كبير فى العصر الرومانى فقد أختفت معظم محاكم المدينة التى عرفق فى العصر البطلمى وأصبحت محاكم الحكومة المركزية هى التى تفصل فى قضايا المواطنين
اخوكم ابو مضاوى
اسكندريه كمان وكمان (2)
بعض معالم المدينه التاريخيه
ليس من السهل فى الوقت الحاضر تحديد معالم المدينة القديمة إذ أن الإسكندرية الحديثة قد بنيت على أطلال المدينة القديمة، كما أن قربها من البحر وارتفاع منسوب المياه الجوفية فى باطن الأرض قد أتلف الكثير من آثارها وعلى الأخص آثار العصر البطلمى ، ولهذا فعندما نتحدث عن معالم المدينة القديمة، فاننا نستعين فى تحديد مواقعها بما ذكره المؤرخون القدماء، وما قام به علماء الآثار من أبحاث وحفائر، ومن أهم هذه المعالممنارة الاسكندرية
شيدت منارة الاسكندرية، التى كانت تعتبر احدى عجائب العالم القديم فى عام 280/279 ق.م. فى عصر بطليموس الثانى، على يد المهندس سوستراتوس من جزيرة كنيدوس وكانت مكونة من أربعة طوابق، الأول منها مربع الشكل، ارتفاعه حوالى 60 متراً ، وبه مالا يقل عن أربعمائة حجرة كان يقيم بها العمال والحرس وتوشع بها الآلات والوقود وغيرها، والطابق الثانى مثمن الشكل ارتفاعه حوالى ثلاثين متراً، والثالث مستدير يعلوه مصباح أقيم على ثمانية أعمدة تحمل قبة ، فوقها تمثال كبير يرجح انه لإله البحار بوسيدون ، وكان البناء من الحجر الجيرى ، والأعمدة من الجرانيت، وحليت أجزاء من البناء بالرخام والبرونز، وبلغ الارتفاع الكلى للمنارة حوالى 120 متراً تقريباًوقد بقيت المنارة تؤدى وظيفتها فى إرشاد السفن حتى الفتح العربى عام 641-642م. ثم تواليت عليها الكوارث ففى عام 700 م سقط المصباح وتهدم الطابقان العلويان ثم قام أحمد بن طولون فى عام 880م بترميمها الا أنه فى حوالى عام 1100 م حلت بها كارثة وهى سقوط الجزء المثمن الأضلاع أثر زلزال عنيف، ولم يبق منها سوى الطابق الأول المربع الشكل الذى أصبح بمثابة نقطة مراقبة وشيد فوقه مسجد. ثم حدث زلزال آخر فى أواخر القرن الرابع عشر أتى على البقية الباقية من البناء وتبعثرت الأحجار المتخلفة عن سقوطه فى أنحاء الجزيرة، وفى عام 1480م أقام السلطان قايتباى على أنقاضها حصناً، وذلك بسبب تهديد الأتراك حينئذ بغزو مصر، ثم جدد محمد على هذا الحصن الذى هدمه الانجليز بقنابلهم عام 1882 عند احتلالهم أرض مصر. وأخيراً قامت مصلحة الآثار بترميم البناء وتقويته فى السنوات الأخيرة
دار الحكمة والمكتبة
كانت الاسكندرية منذ القرن الثالث قبل الميلاد تتمتع بمركز ثقافى ممتاز، ويرجع الفضل فى ذلك لدار الحكمة والمكتبة الملحقة بها. أنشئت دار الحكمة على نمط مدارس أثينا الفلسفية، ويحدثنا المؤرخ سترابون الذى زار مصر فى أوائل العصر الرومانى بأنها كانت تقع فى الحى الملكى وتشمل متنزهاً وبهواً للأعمدة وبناءاً كبيراً به قاعة للاجتماعات ، وكان لهذه الدار مواردها المالية الخاصة ويشرف عليها رئيس كان يعينه الملك طوال عصر البطالويمكن تشبيه نظام الار بنظم الجامعات فى عصرنا الحديث إلا أن علماء دار الحكمة كانوا غير مكلفين بإلقاء محاضرات بل كانوا متفرغين لدراستهم وأبحاثهم
تسابق ملوك البطالمة فىجميع نفائس الكتب من كل مكان وبكل الوسائل حتى أصبحت مكتبة الإسكندرية أكبر وأغنى المكتبات فى ذلك الوقت إذ كانت تحوى مالا يقل عن نصف مليون مجلد، ووفد إلى الإسكندرية ، بفضل تعضيد الملوك ، كثيرون من الفلاسفة وغيرهم من علماء الطبيعة والجغرافية والفلك والرياضة والطب وذلك بغية البحث والدراسة
وذاع صيت الإسكندرية حتى أصبحت قبلة أنظار العلماء من كل مكان وبقيت دالأ الحكمة والمكتبة كعبة للباحثين إلى أن أحرق الامبراطور عام 272م الحى الذى كانت فيه ، فدمر جانب كبير منهما، واضطر العلماء إلى الانتقال إلى الكتبة الصغرى بالسرابيوم، مركز عبادة سرابيس (منطقة عمود السوارى الآن) ورحل البعض الآخر عن البلاد. وكان للاضطرابات التى حدثت بالمدينة أثرها ففقدت المكتبة الكبرى أهميتها حتى اختفت من الوجود فى القرن الرابع الميلادى.وبذلك يكون القائد عمرو بن العاص بريئاً من التهة التى الصقها به المؤرخأبو الفرج الذى كتب بعد الفتح العربى لمصر بخمسة قرون يتهمه بأنه هو الذى أحرق مكتبة الإسكندرية
أما المكتبة الصغرى بالسرابيوم فقد كان ظهور السيحية وانتشارها فى القرن الرابع بمثابة الضربة القاضية لها، فقد دمر المعبد وأحرق بما فيه فى ذلك الوقت
المقابر الملكية
عندما توفى الإسكندر فى بابل عام 323 ق.م. اجتمع قادة جيشه حول فراش موته برئاسة برديكاس حامل أختام الملك وشرعوا فى تقسيم الامبراطورية فيما بينهم، كانت مصر من نصيب بطليموس مؤسس أسرة البطالمة التى حكمت مصر حوالى ثلاثة قرون، وكان طبيعياً أن يتجه التفكير بعد ذلك إلى اتخاذ الإِجراءات اللازمة لدفن الاسكندر، فحفظ جثمانه حسب رغبته قبل مماته ، وفى هذا الصدد تذكر إحدى الروايات أن الاسكندر عندما شعر بدنو أجله طلب أن يحنط جسده ون يدفن بمعبد آمون بواحة سيوه وهو المعبد الذى زاره بعد فتحه لمصر، وتوج فيه على نهج ملوك الفراعنةوبعد أن تم تحنيط الجثمان وضع فى تابوت من الذهب ثم صنعت له عربة خاصة لنقله ، إذ أن القواد اتفقوا على أن يتم دفنه فى موطنه ببلاد اليونان ، وقد ذكر المؤرخ ديودورم الصقلى أن العربة كانت تحمل محفة محلاة بالذهب والأحجار الكريمة ويجرها أربعة وستون بغلا برقبة كل منها طوق تحليه الأحجار الكريمة
سار موكب الجنازة من بابل حتى وصل بلاد الشام، غير أن بطلميوس الأول كان يحرص على أن يدفن الاسكندر فى مملكته إذ كانت هناك نبوءة تقول أن المملكة التى تحوى قبر الاسكندر تعيش قوية مزدهرة، وعندما علم بطلميوس باقتراب الموكب من حدود مملكته سارع على رأس جيشه لاستقبال الجثمان ونجح فى إحضاره لمصر، ولما وصل الموكب إلى منف قام بطليموس بدفن الجثمان هناك حسب الطقوس المقدونية
ثم رأى بطلميوس الثانى أن ينقل جثمان الاسكندر إلى المدينة التى أنشأها وتحمل اسمه فنقلت رفاته من منف للاسكندرية حيث بنى له قبر كان حسب قول المؤرخين يشتمل على سلم يؤدى إلى فناء مربع الشكل ثم ممر طويل يوصل إلى ضريح تحت سطح الأرض، والحق بالمقبرة معبد تقام فيه الطقوس الدينية
وبالقرب من قبر الاسكندر أقام بطليموس الثانى مقبرة لوالديه بطلميوس الأول وزوجته، وكذلك فعل بطلميوس الرابع الذى أراد أن يجمع رفات أسرته فى مكان واحد، وتبعه الملوك الذين أتوا من بعده فشأت الجبانة الملكية التى يطلق عليها اسم السيما بمعنى مقبرة أو السوما بمعنى جثمان
ومن الصعب أن نصدق رواية بعض المؤرخين الذين ذكروا أن هؤلاء الملوك قد آثروا حرق جثثهم كعادة اليونانين فى ذلك الوقت (القرن الثانى قبل الميلاد) فقد ذكر المؤرخ بوليبيوس أن رفات بطليموس الرابع وزوجته قد أحرقت ووضع رمادهما فى أوان من الفضة، ويعارضه مؤرخ آخر يروى أن كليوباترا آخر ملوك البطالمة قد حنطت جثتها، وربما يكون لهذه الرواية نصيب من الصحة لأن كليوباترا ماتت فى القرن الأول قبل الميلاد فى الوقت الذى أخذت فيه عادة حرق الجثث تتلاشى عند اليونانيين وحلت محلها عادة تحنيط الجثث ودفنها
أما عن قبر الاسكندر فقد ذكر أحد المؤرخين أن الملك بطليموس الحادى عشر (حوالى عام 80 ق.م) استبدل التابوت الذهبى الذى وضع فيه الاسكندر بآخر مصنوع من الزجاج، كما ذكر أن اللكة كليوباترا ، وكانت فى عسر مالى شديد، قد جمعت كل النفائس الموجودة بقبر الاسكندر بآخر مصنوع من الزجاج، كما ذكر أن الملكة كليوباترا، وكانت فى عسر مالى شديد، قد جمعت كل النفائس الموجودة بقبر الاسكندر واستولت عليها
وكانت مقبرة الاسكندر موضع احترام قياصرة الرومان الذين زاروا مصر، فزارها يوليوس قيصر ووقف أمام جثمان الاسكندر متأملا فترة من الزمن، وكذلك فعل أغسطس أول الأباطرة الرومان (30 ق.م-14م) فأنه بعد أن القى عليه نظرة أخذ يتحسس جسمه حتى أسقط أرنبه أنفه، ثم وضع على رأسه إكليلا من الذهب ونثر عليه الزهور، ولم يكن كراكالا (211-217م) أقل من سلفيه تكريماً للاسكندر فعندما شاهد جثمانه خلع رداءه وجميع ما كان يتحلى به ووضعها على الجثمان، ويحكى عن الامبراطور سبتيموس سيفروس (193-211م) أنه جمع الكتب الثمينة التى بقيت بمكتبة الاسكندرية ووضعها فى قبر الاسكندر حتى لا يكون فى متناول اليد وذلك لكى يمنع العلماء فى روما من الحضور إلى الاسكندرية للاطلاع على ما تحويه هذه الكتب من كنوز
فى نهاية القرن الثالث الميلادى اشتعلت نيران الثورات والحروب فى العالم الرومانى ولم تسلم منها مصر، مما أدى إلى دك أركان مدينة الاسكندرية ودمرت المدينة مرة أخرى أيام حكم الامبراطور دقلديانوس حوالى عام 296م
ولم نعد نسمع بعد ذلك عن قبر الاسكندر حتى القرن الخامس الميلادى إذ ذكر المؤرخ أخليوس تاتيوس وهو مؤرخ يونانى من مواليد الاسكندرية، فى وصفه للمدينة أن السوما تقع عند تقاطع طريق كانوب الممتد من شرق المدينة لغربها بالطريق الرئيسى الممتد من شمال المدينة لجنوبها. وذكر محمود الفلكى فى أواخر القرن التاسع عشر فى كتابه عن الاسكندرية القديمة أن الطريق الرئيسى الممتد من شمال المدينة لجنوبها يتفق وامتداد شارع النبى دانيال الحالى، وأن نقطة تقاطع الشارعين الرئيسين تقع عند مسجد النبى دانيال
ومما يؤكد هذا القول ما جاء فى نسخة قديمة عن سير القديسين (السنكسار) للذين استشهدوا فى أوائل عصر انتشار السيحية من أنهم عند إزالة الأنقاض فى المكان المسمى ديماس (كوم الديماس) ويطلق الآن على منطقة كوم الدكة، لبناء كنيسة هناك فى أواخر القرن الرابع الميلادى، عثروا على كنز كان بغطيه حجر كبير عليه نقش يرجع تاريخه إلى عصر الاسكندر
وذكر ابن عبد الحكم أنه زار الاسكندرية عام 871م وشاهد جامع ذى القرنين أى الاسكندر. كما ذكر المسعودى أنه رأى أثراً يسمى قبر الاسكندر حين زار المدينة عام 944م
وفى القرن السادس عشر الميلادى جاء ليون الافريقى إلى الإسكندرية وطاف بأرجائها فوجدها فى حالة يرثى لها، وليس بها سوى شارع واحد طويل ومبنى على شكل ضريح تحيط به الأكواخ والخرائب وفيه جثة الملك الاسكندر، ويذكر أن مسلمى المدينة كانوا يزورون قبر الاسكندر للتبرك به، وكان القبر فى وسط المدينة بالقرب من كنيسة القديس مرقص، وهذا يتفق والكان الموجود به مسجد البى دانيال
وليس هناك أى صلة تربط الإسكندرية بالنبى دانيال المعروف وهو أحد أنبياء بنى أسرائيل والذى عاش فيما بين القرنين السادس والخامس قبل الميلاد ومات فى بابل ودفن فيها، أى أنه عاش ومات قبل إنشاء الإسكندرية بما لا يقل عن ثلاثمائة سنة. أما دانيال المنسوب إليه المسجد المسمى باسمه فهو الشيخ محمد دانيال الموصلى أحد شيوخ المذهب الشافعى، الذى قدم إلى الإسكندرية فى نهاية القرن الثامن الهجرى واتخذ من (مسجد الإسكندرية)، كما كان يسمى حينئذ، مكاناً يدرس فيه الأصول وعلم الفرائض على نهج الشافعية حتى وفاته عام 810 هجرية فدفن فى المسجد ثم أصبح ضريحه مزاراً للناس وحرف الاسم من الشيخ دانيال إلى النبى دانيال
ساد الاعتقاد أن مقبرة الاسكندر تقع تحت مسجد النبى دانيال على أساس أن هذا المكان هو نقطة تلاقى الشارعين الرئيسين بالمدينة وقد روى أحد اليونانيين من سكان الإسكندرية فى عام 1850، وكان يعمل بالقنصلية الروسة أنه تمكن من أن ينزل إلى سرداب تحت جامع دانيال وهناك شاهد من خلال ثقب بباب خشبى قفصاً من زجاج فيه جثة آدمى موضوعه على منصة ويحيط برأسه أكوام من الكتب وملفات البردى، وظهر من رواية هذا الشخص أنه متأثر بما رواه المؤرخون، ومن الصعب أن نسلم بوجود قفص زجاجى يبقى سليما طوال هذه العصور، وقد ذكر محمود الفلكى أنه وجد السرداب المشار إليه مملؤاً بأكوام الحجارة وقطع الرخام
وقد ظهر حديثاً رأى يقول أن الشارع الرئيسى الذى كان يمتد من شمال المدينة إلى جنوبها لا يتفق وامتداد شارع النبى دانيال بل كان إلى الشرق منه، فى منطقة الشاطبى، وإذا سلمنا بهذا الرأى فلا بد أن نقطة تقاطع الشارعين الرئيسين كانت قريبة من منطقة باب شرقى، وهناك مقبرة كبيرة من المرمر، بجبانة اللاتين بالشاطبى، يظن البعض أنها كانت دزءاً من المقبرة الملكية
اخوكم ابو مضاوى