- اللغاتُ على اختلافها كلُّها حجة.
- ألا ترى أن:
- مررت بكِش.
- فالواجبُ في مثل ذلك:
- قيل:
بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال ابن فارس في فقه اللغة:اختلافُ لغات العرب من وجوه:أحدُها .....
الاختلافُ في الحركات.
نحو:نَستعين ، ونِستعين ، بفتح النون وكسرها.
قال الفرّاء:هي مفتوحةٌ في لغة قريش ، وأسد وغيرهم يكسرها.
والوجه الآخر .....
الاختلافُ في الحركة والسكون.
نحو:مَعَكم ومَعْكم.
ووجهٌ آخر .....
وهو الاختلاف في إبْدال الحروف.
نحو:أولئك ، وأُولاَلِك.
ومنها قولهم:أن زيداً وعنّ زيداً.
ومن ذلك .....
الاختلافُ في الهَمز والتَّلْيين.
نحو:مُسْتهزئون ، ومُسْتهزُوْن.
ومنها .....
الاختلافُ في التقديم والتأخير.
نحو:صاعِقة ، وصاقِعةٌ.
ومنها .....
الاختلاف في الحَذْفِ والإثبات.
نحو:اسْتَحْيَيْتُ واستَحْيتُ ، وصَدَدْتُ وأصْدَدْتُ.
ومنها .....
الاختلاف في الحرف الصحيح يُبْدَلُ حَرْفاً مُعْتلاً.
نحو:أمَّا زيد ، وأَيْما زيد.
ومنها .....
الاختلافُ في الإمَالَةِ والتفخيم.
مثل:قَضَى ، ورمى.
فبعضهم يفخّم ، وبعضهم يميل.
ومنها .....
الاختلافُ في الحَرْفِ الساكن يستقبله مثله.
فمنهم:من يكسر الأول.
ومنهم:من يضم.
نحو:اشْتَرَوا الضّلالة.
ومنها .....
الاختلافُ في التذكير والتأنيث.
فإن من العرب من يقول:هذه البقَر ، وهذه النخل.
ومنهم من يقول:هذا البقر ، وهذا النخل.
ومنها .....
الاختلافُ في الإدغام.
نحو:مهتدون ، ومُهَدّون.
ومنها .....
الاختلافُ في الإعراب.
نحو:ما زيدٌ قائماً ، وما زيدٌ قائم ، وإنّ هَذين ، وإنَّ هَذان.
ومنها .....
الاختلاف في صورة الجمع.
نحو:أسْرى ، وأُسارى.
ومنها .....
الاختلافُ في التحقيق والاختلاس.
نحو:يأمرُكم ويأمرْكم ، وعُفِيَ له وعُفْي له.
ومنها .....
الاختلاف في الوقف على هاء التأنيث.
مثل:هذه أُمَّهْ ، وهذه أمّتْ.
ومنها .....
الاختلافُ في الزيادة.
نحو:أَنْظُرُ ، وأنْظُورُ.
وكلُّ هذه اللغات .....
مسماةٌ منسوبةٌ إلى أصحابها ، وهي وإن كانت لقومٍ دون قومٍ فإنها لمّا انتشرت تَعَاوَرَها كلٌّ.
ومن الاختلاف .....
اختلافُ التضادّ.
وذلك كقول حِمْيَر للقائم:ثب ..... أي اقْعُد.
وفي الحديث:إن عامر بن الطفيل قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوثَّبَه وسادة ، أي أفرشه إياها.
والوِثاب:الفراش ..... بلغة حِمْير.
وروي أن زيد بن عبد اللَّه بن دارم وفدَ على بعض ملوك حِمْير ، فألفاه في مُتَصَيَّدٍ له على جبل مُشْرف ، فسلَّم عليه وانتسب له ، فقال له الملك:
ثِبْ ، أي اجلس.
وظنَّ الرجلُ أنه أمرَ بالوُثوبِ من الجبل.
فقال:ستجدني أيها الملك مِطْوَاعاً ثم وثب من الجبل فهلك.
فقال الملك:ما شأنه ؟
فخبروه بقصته وغلطه في الكلمة ، فقال:أما أنه ليست عندنا عَرِبيَّتْ ، من دخل ظَفَارِ حَمَّر ، أي فليتعلم الحميريّة.
وقال ابنُ جني في الخصائص:اللغاتُ على اختلافها كلُّها حجة.
ألا ترى أن:
لغةَ الحجاز في إعمال ما ، ولغةَ تميم في تَرْكِه ، كلٌّ منهما يَقْبلهُ القياس ، فليس لك أن تردّ إحدى اللغتين بصاحبتها ، لأنها ليست أحقَّ بذلك من الأخرى ، لكن غايةُ مَا لَك في ذلك أن تتخيَّر إحداهما فتقوِّيها على أختها ، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبلُ لها ، وأشدُّ نسباً بها ، فأما ردّ إحداهما بالأخرى فلا.
ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم:" نزل القرآنُ بسبع لغاتٍ كلُّها شافٍ كافٍ ".
هذا إذا كانت اللغتان في القياس سواء ، أو متقاربتين.
فإن قلّت إحداهما جدّاً ، وكثرت الأخرى جداً أخذتَ بأوسعها رواية وأقواهما قياساً.
ألا ترى أنك لا تقول:المال لِك ولا مررت بَك.
قياساً على قول قُضاعة:المال لِه ومررت بَه ولا أكرَمْتُكِش.
قياساً على قول من قال:مررت بكِش.
فالواجبُ في مثل ذلك:
استعمالُ ما هو أقوى وأشيع ، ومع ذلك لو استعمله إنسان لم يكن مُخْطِئاً لكلام العرب ، فإن الناطق على قياس لغةٍ من لغات العرب مصيب غير مخطئ ، لكنه مخطئ لأجود اللغتين ، فإن احتاج لذلك في شعر أو سجع فإنه غير ملوم ولا منكَر عليه.
وقال أبو حيان في شرح التسهيل:كلُّ ما كان لغةً لقبيلة قِيسَ عليه.
وقال أيضاً:إنما يسوغ التأويل إذا كانت الجادّة على شيء ، ثم جاء شيء يخالف الجادّة فيتأوَّل ، أما إذا كان لغة طائفة من العرب لم يتكلَّم إلا بها فلا تأويل.
ومن ثم رُدَّ تأويل أبي على قولهم:ليس الطيبُ إلا المسكُ.
على أن فيها ضمير الشأن ، لأن أبا عمرو نقل أنّ ذلك لغة بني تميم.
وقال ابن فارس:لغةُ العرب يُحْتَجَّ بها فيما اختُلِف فيه ، إذا كان التنازع في اسم أو صفة أو شيء مما تستعملُه العرب من سُنَنها في حقيقةٍ أو مجاز ، أو ما أشبه ذلك.
فأما الذي سبيلُه سبيلُ الاستنباط:وما فيه لِدلائل العقل مَجال ، أو من التوحيد وأصول الفقه وفروعه ، فلا يحتجُّ فيه بشيءٍ من اللغة ، لأن موضوع ذلك على غير اللغات.
فأما الذي يختلف فيه الفقهاء من قوله تعالى:( أوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ ).
وقوله تعالي:( وَالمُطَلَّقَات يَتَرَبَّصْنَ بأنْفُسِهِنَّ ثَلاَثةَ قُرُوء ).
وقوله تعالى:( فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعَمِ ).
وقوله تعالى:( ثمَّ يَعُودُونَ لمَا قَالُوا ).
فمنه ما يصلُح الاحتجاجُ فيه بلغة العرب ، ومنه ما يُوكَل إلى غير ذلك.
وفي العربي الفصيح ينتقل لسانه .....
قال ابن جنّي:العمل في ذلك أن تنظر حالَ ما انتقل إليه لسانه ، فإن كان فصيحاً مثل لغته أُخِذَ بها كما يؤخذ بما انتقل منها ، أو فاسداً فلا ، ويؤخد بالأولى.
فإن قيل:فما يُؤْمنك أن يكون كما وجدتَ في لغته فساداً بعد أن لم يكن فيها فيما علمت ، أن يكون فيها فسادٌ آخر فيما لم تعلمه ؟
قيل:
لو أخذ بهذا لأدَّى إلى ألاّ تطيب نفسٌ بلغة ، وأن تتوقَّف عن الأخذ عن كلّ أحدٍ مخافةَ أن يكون في لغته زَيْغ حادث لا نعلمه الآن ، ويجوزُ أن يعلَم بعد زمان ، وفي هذا من الخَطَل ما لا يخفى ، فالصوابُ الأخذُ بما عُرف صحته ولم يظهر فساده ، ولا يلتفت إلى احتمال الخلَل فيه ما لم يبيّن.
وقال ابن فارس في فقه اللغة: باب انتهاءِ الخلاف في اللغات.
يقع في الكلمة الواحدة لغتان.
كقولهم:الصِّرَام والصَّرام ، والحِصاد والحَصاد.
ويقع في الكلمات ثلاثُ لغات.
نحو:الزُّجاج والزَّجاج والزِّجاج ، ووَشْكانَ ذَا ، ووُشْكانَ ذا ، ووِشْكانَ ذا.
ويقعُ في الكلمة أربعُ لغات.
نحو:الصِّداق ، والصَّداق ، والصَّدَقة ، والصُّدُقة.
ويكون فيها خمسُ لغات.