data_travel/data/500/ADEL.JPGاردت ان تأتي اجازتي الصيفية في بلد لم ازره بعد، بلد يختلف عن المدن الاوروبية الكبرى ومدن العالم العربي، بلد يجمع ما بين اوروبا ونفحة الشرق والعالم الاسلامي. فكانت تركيا حيث زرت مدينتي اسطنبول وانطاليا. ولتبدأ جولتنا في رحاب مدينة اسطنبول الواقعة ما بين القارتين الاوروبية والآسيوية ويربط في ما بينهما جسر معلّق يعرف بجسر كمال اتاتورك وقد شيّد في عام 1971. ما زالت تحافظ اسطنبول التي تعتبر العاصمة الثانية لتركيا على طابعها الخاص الذي لم تقتحمه العولمة. فمواصفات المدينة الاوروبية من حيث التحديث والتنظيم تتجلى في اسطنبول. فمطار كمال اتاتورك (مطار اسطنبول الدولي)، حاله حال مطارات كبرى المدن الاوروبية كباريس ولندن. وكذلك طرقات العاصمة واسعة ونادراً ما تشهد زحمة سير. تكثر القصور والمعالم الاثرية الاسلامية في اسطنبول من جامع السلطان احمد المعروف ب«الجامع الازرق» الى جامع ايا صوفيا الذي حوّل من كنيسة الى جامع الى متحف الباب العالي المعروف بالتركي ب«top» (TOP KAPI يعني عالي وKAPI يعني باب) ويضمّ مقتنيات خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. وفضلاً عن ذلك فالامبراطورية العثمانية عرفت ببذخها وقصورها الفخمة، فمن لم يسمع بقصر «دولمابهشة» و«قصر يلدز».
ومن يزور اسطنبول لا بد ان يزور جزيرة «بيوك اضا» و«أضا» يعني جزيرة. اما «بيوك» فيعني «كبير»، وهي تتخذ هذا الاسم كونها الجزيرة الاكبر بين ثلاث جزر يجاورنها هي «كنيالة أضا» و«بورغاز أضا» و«هيبلي أضا». وتعرف هذه الجزيرة ايضاً باسم «جزيرة الأميرات» وتتم زيارة هذه الجزيرة عبر رحلة بالقارب في بحر مرمرة تستغرق حوالي 45 دقيقة. و«جزيرة الأميرات» جزيرة خالية كلياً من السيارات، ويقتصر وجود السيارات فيها على سيارة الاسعاف وسيارة الاطفائية. اما التنقل في رحباها فيتم عبر الحناطير. تطلّ الجزيرة على منظر خلاب يزاوج ما بين الماء والخضرة، اذ تكثر فيها الاشجار حتى تلامس المياه. «بيوك اضا» او «جزيرة الأميرات» هي حقاً واحة للراحة والهدوء، فكل من يزورها يقول هي المكان الامثل للخلود الى الراحة بعد التقاعد من العمل. ففي ارجائها تنتشر اجمل الفلل البيضاء المحاطة بالحدائق. والجزيرة مقسومة قسمين، قسم سكني وقسم تنتشر في ارجائه الدكاكين ومطاعم السمك الواقعة على حافة البحر، ويشبه احياء اثينا. وتجدر الاشارة الى ان اهالي هذه الجزيرة، تصلهم كافة احتياجاتهم من طعام وخضار وفاكهة عبر القوارب عينها التي تقلّ السياح من اسطنبول.
تركيا غزيرة بالمياه، فبحر مرمرة بحر مقفل خاص بتركيا فقط ووحدها تطلّ عليها. اما جنوب وغرب تركيا فيطلان على البحر الأبيض المتوسط كمدن انطاليا ومرمريس وفتحية وبودروم التي تشهد اليوم عمراناً سياحياً لافتاً. ومضيق البوسفور الذي يبلغ طوله 130 كلم يربط بحر مرمرة بالبحر الاسود. اما مضيق الدردنيل فيربط بحر ايجة مع بحر مرمرة. من يزور اسطنبول لا بد ان يقوم بجولة بحرية في رحاب بحر مرمرة ويعبر مضيق البوسفور وما بين اسطنبول الآسيوية واسطنبول الاوروبية. وخلال الجولة في رحاب بحر مرمرة الشديد الزرقة، ترى اسطنبول الآسيوية المعروفة كمدينة سكنية، ففيها تنتشر غالبية مساكن اهل العاصمة، وهي مساكن رائعة ذات سقوف من القرميد ومطلّة على مرمرة. اما اسطنبول الاوروبية، فهي مدينة عمل اكثر ومقرّ غالبية المصارف والشركات. وتجدر الاشارة الى ان مساكن اسطنبول الآسيوية ارقى للسكن من اسطنبول الاوروبية، فلذلك غالبية الشخصيات التركية تؤثر السكن فيها وتمتلك فيها مساكن. والرحلة في القارب في رحاب مرمرة رائعة لأنك ترى كافة المعالم التركية من الماء. في بداية المقال تحدثت عن عراقة المعالم العثمانية، فاسطنبول تشتهر بقصورها. سأبدأ بالحديث عن اروع قصور تركيا والعالم ربّما: دولمابهشة ومع انني زرت افخم قصور اوروبا كقصر فرساي وبكنغهام ووندسور وهمبتون كورت، الا ان هناك معالم بذخ تجلّت في هذا القصر لم ارها في سواه. ولنبدأ بتعريف الاسم اولاً، ف«دولما» تعني المحشوة، اما «بهشة» فتعني حديقة. و«دولمابهشة» يعني «الحديقة المحشوة» نظراً لكثافة خضرتها وزهورها. شيّد هذا القصر في عام 1856 بأمر من السلطان عبد المجيد وفيه توفي كمال اتاتورك في العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1938. ويعرف قصر «دولمابهشة» بقصر الثريات لكثرتها فيه ولكونه يضمّ اكبر ثريا في العالم. ففي قاعة الاستقبالات والحفلات الرسمية تدلى اكبر ثريا في العالم وهي من الكريستال وتزن اربعة اطنان. اما قاعة استقبال السفراء فتضمّ ثريا من الكريستال البوهيمي بوزن اثنين طن ونصف. ويعرف ايضاً قصر «دولمابهشة» ب«القصر ذي الوجهين»، كون الاثاث والمقتنيات من مصابيح برونزية وتحف مكررة على جانبي الاروقة. ويحتوي هذا القصر على 14 طناً من الذهب، فالسقوف تزدان بالنقوشات الذهبية، كما ان الاطارات الذهبية المحيطة باللوحات كثيرة. ولا بد من ذكر ان مساحة القصر تراوح 99000 متر مربع ويضم 285 غرفة و43 صالوناً (سيكون هناك مقال مفصل عن المعالم الهندسية في القصر في ص. عمارة) ولا بد من ذكر اقصى درجات الفخامة التي سيحوذ عليها القصر والتي لم ارها من قبل.
فالعواميد الصغيرة او «درابزين» السلالم الفاصلة بين الطوابق (اي تلك العواميد التي تأتي بين اخشاب حافة السلالم) من الكريستال... ما لم اره في اي من القصور. ولا بد من الاشادة بالأسلوب المتبع للمحافظة على القصر، اذ يترتب على الزائرين ارتداء اكياس من النيلون (شبيهة بالقفّ) فوق احذيتهم. ويقابل قصر «دولمابهشة» جامع «دولما بهشة» وقد بني بالتزامن مع القصر وقامت بتمويل عملية بنائه والدة السلطان عبد المجيد. ومن قصر «دولمابهشة» الى جامع السلطان احمد او الجامع الازرق، كما يعرف. يقع الجامع في ما كان يعرف بالماضي ب«ميدان سباق الخيل» في وسط اسطنبول، وتعرف اليوم هذه المنطقة بمنطقة جامع السلطان احمد.
ويقابلنا وسط هذه الساحة مسلة ذات طابع فرعوني، هدية من الوالي البيزنطي في الاسكندرية الى تيودوسوس البيزنطي (الذي كان موجوداً في تركيا) والى جانبها نجد عامودا بيزنطيا مبتورا.
يعرف جامع السلطان احمد بمآذنه الست، اما لماذا ست مآذن ولماذا يعرف بالجامع الازرق، فسنستعرض ذلك فيما يلي:
يقع هذا الجامع قبالة كنيسة ايا صوفيا (التي هي اليوم جامع) وقد اعجب السلطان احمد الذي تولى السلطة وهو يبلغ الرابعة عشرة من العمر بهذه الكنيسة العريقة ومن شدّة اعجابه بالكنيسة و«غيرته» منها، امر احد المهندسين بان يبني له مسجداً يحمل اسمه، حصل ذلك في عام 1609 وكان السلطان احمد حينها يبلغ 16 عاماً. وقد امره بأن تكتسي جدران المسجد بأكملها بالذهب. الذهب باللغة التركية يعني «Alten» ورقم ستة بالتركي «Alter». فخاف المهندس من ان تتبدد ميزانية الدولة بحال تم بناء مسجد، داخله بأكمله من الذهب، فتظاهر للسلطان بأنه سمع خطأ، وبأنه بدل من «Alten» (اي ذهب) سمع «Alter» (يعني رقم ستة) فبنى المسجد بست مآذن. وللمسجد 16 شرفة كون السلطان احمد يأتي ترتيبه السادس عشر بين السلاطين. وللمسجد 260 نافذة والقبة بارتفاع 43 متراً. اما لماذا يعرف هذا المسجد ب «الجامع الازرق» فلأن اللون الازرق يطغى على داخله فزجاج النوافذ ازرق والفسيفساء التي تكتسي بها الجدران والسقوف زرقاء. وتجدر الاشارة الى ان المخطوطات على السقوف مغربية الطابع، نظراً للخطاط الذي اوتي به من المغرب واسندت اليه هذه المهمة. ولقد خطت هذه الكتابات بماء الذهب.
وقبالة جامع السلطان احمد تقع كنيسة ايا صوفيا التي يطغى عليها اللون الزهري وقد حوّلت هذه الكنيسة الى مسجد، وهي اليوم مسجد ايا صوفيا. يخيّم طراز المسجد والكنيسة معاً على داخل هذا المكان، فالنقوشات التي تملأ الجدران وتذكّر بكنائس روما وباريس ما زالت موجودة اضافة الى الآيات القرآنية. ومن ايا صوفيا نتوجّه الى متحف «الباب العالي» او«TOP KAPI ».
غالبية فنادق اسطنبول تنتشر في منطقة التقسيم التي تعتبر وسط البلد من فندق هيلتون الى الانتركونتيننتال والحياة. لكن اذا اردت ان تأتي اقامتك ضمن اطار في غاية الفخامة والروعة وتظنّ نفسك احد سلاطين الامبراطورية العثمانية فما عليك الا باختيار فندق «شيرآن بالاس» (Ciragan Palace) الواقع في منطقة بشيكتاش. فهذا الفندق هو بالاساس قصر السلطان عبد العزيز وبني من الخشب في اواخر القرن السادس عشر ليعيد السلطان بناءه من الرخام عندما اختاره مقراً له في عام 1957 . واكتمل بناء القصر (الذي يعرف من حينه بقصر شيرآن) في عام 1874 عام وصول السلطان عبد العزيز الى العرش. ومن اسطنبول كانت الرحلة الى انطاليا الواقعة في جنوب تركيا والتي استغرقت جواً حوالي الساعة. انطاليا مطلّعة على البحر المتوسط وجبال طوروس، وهي بمثابة ساحل تركيا (كما كان ونيس بالنسبة لفرنسا). فلا بد ان تكون من محبي الشمس والبحر والسباحة لتستمتع فيها. انطاليا ذات طبيعة رائعة حاكتها زرقة المتوسط وخضرة الطبيعة، وهي القرية التي طلب القائد انطاليوس من جنوده ان يبحثوا له عن اجمل بقعة في بلاده، فكانت انطاليا التي حملت اسمه. وما زالت هذه المدينة محافظة على آثار المدينة القديمة فسورها ما زال موجوداً كما ان مسرحها الحجري ما زال قائماً.
واسواق انطاليا المليئة بالأعمال الحرفية «الانطالية» ما زالت ضيقة وتقتصر على المشاة وتنتشر على جانبيها بسطات اواني الزجاج الملوّن والبورسولين. ويعرف سوق انطاليا باسم «كليتشي». ومن السوق يمكن الولوج الى «المارينا» حيث النزهة على ضفاف الماء. وتجدر الاشارة الى ان شاطىء انطاليا شاطىء صخري تفترشه الحصاة. وعلى بعد حوالي 35 كيلومترا من وسط انطاليا تقع بلدة «كيمر» المعروفة بجمال شواطئها. ولا بد ان تختتم زيارتك الى انطاليا بزيارة شلالاتها «Kursunlu» (قورشونلو) و«uden» (أودن). تنبع هذه الشلالات من جبال طوروس وتصبّ في البحر المتوسط. ويتخذ الشلال اسم «قورشونلو» لان صوته يشبه صوت الرصاص ورصاص بالتركي يعني «قورشون». وتتم زيارة هذا الشلال عبر الدخول في مغارة وكهوف فترى الشلالات تنهمر الى جانبك. ويبعد «قورشونلو» حوالي 20 دقيقة بالسيارة عن «دودن» الذي تبلغه بالنزول الى مغارات صخرية في احضان الطبيعة. و«دودن» اقوى واجمل من الاول ويكفي ان تسير على جانبه لتغتسل برذاذه المنعش!