- بني على أطلال سوق حملة بونابرت .. ويجتذب الفنانين والأجانب
- الإسكندرية: داليا عاصم
هو ده شعبان بتاع السمك اللي بيقولو عليه
بني على أطلال سوق حملة بونابرت .. ويجتذب الفنانين والأجانب
الإسكندرية: داليا عاصم
بين أطلال السوق الفرنساوي بالمنشية الذي يعود إلى أيام الحملة الفرنسية، تتراص طاولات خشبية تتباهى بأشهى أطباق الأسماك يرمقها المارة وتتعلق أعينهم بلافتة أعلى المحل «هو ده شعبان بتاع السمك اللي بيقولوا عليه» موضوعة على واجهة من السيراميك، إنه مطعم شعبان للأسماك، البسيط في أجوائه والفريد في أطباقه. ويقع المحل خلف سينما ركس الشهيرة المتصدعة في حارة ضيقة تصدر عنها ضجة التهام الأطباق وتحدها لوكاندة قنال السويس العتيقة بشارع كريت ومن الناحية الأخرى جامعة سنجور الفرنسية، وفي وسط هذه الحارة الضيقة التي تظللها شجيرات خضراء تجد سايس ينادي «أهلاً يا باشا أهلاً يا هانم اتفضلوا» بينما يساعدك على حشر سيارتك وسط السيارات الفارهة التي تسد الحارة بعد معاناة اختناق المرور في المنشية العامرة بالأسواق التجارية. يعود تاريخ محل شعبان إلى أوائل القرن الماضي بحسب عم سيد شعبان (60 سنة) المسؤول عن إدارة المحل مع شقيقه محمد، الذي استجاب ل«الشرق الأوسط» بعد انتهائه من تلبية طلبات الزبائن بنفسه، وبدأ بالحديث قائلاً «المحل ده كان موجودا قبل كل محلات السمك في اسكندرية، أيوه، كان ده السوق الفرنساوي وفيه محلات الحدادين والسروجية وجزارين وسماكين ومنجدين، وكان المحل ده عبارة عن دكان صغير فيه أول قلاية في اسكندرية وكان ملك محمد مرسي عبد الرازق، وهو عم شعبان ولما مات تولى شعبان ادارة المحل، وكان محتارا يسمي المحل ايه، فاقترح عليه شيخ المنطقة الشيخ ابراهيم وكان رجلا مسنا روحه مرحة وقال تسموه «هو ده شعبان بتاع السمك اللي بيقوله عليه» وبعدين احنا ورثناه عنه وبدأنا نتوسع بشراء المحلات اللي جنبنا، لكن لسه في محلات تانية أصحابها شغالين فيها زي بتاع السفنج».
وعن ذكرياته في هذه الحارة يقول «كان في فوق المحل مصنع شاي وبعدين قفل، ولوكاندة قناة السويس ديه كانت بتاعه خواجه يوناني وأيام التأميم باعها ب500 جنيه عشان يسافر، اما السيما «ركس» كان صاحبها أجنبي برضه، وكانت التذكرة ب3 صاغ ونص، وكان في الزقاق ده يقف بياعين التذاكر ويبيعوها قبل بداية الفيلم بخمسة صاغ، وكان بتاع البطاطا وبتاع المكرونة وبتاع اللب والتسالي يقفوا طول ما السيما شغالة.. كان مولد، وكنا نفرش تحت السيما طاولات للزباين ولكنها دلوقتي آيلة للسقوط وحتتهدم قريب، اما جامعة سنجور فديه كانت المنطقة اللي وقع فيها الطوربيد أيام الحرب العالمية التانية».
الغريب أن معظم الاسكندرانية ليس لهم علم بمحل شعبان إلا القليل منهم الذين يترددون على المنشية لشراء احتياجتهم من أسواقها المتعددة، وعن سبب ذلك يقول عم سيد «صح، اكثر زباينا من القاهرة، واحد يقول لواحد علشان كده بيعرفوا المطعم، لكن قليل جدا من الاسكندرانية بيجوا وأكترهم بيطلب الوجبات الجاهزة ويعدوا ياخدوها ويمشوا، لكن بيجلنا مجموعات سياحية من دول العالم والحمد لله الأمور عال».
يضع محل شعبان الزبون على كفوف الراحة، فبعد الاستقبال الحافل من كل العاملين، عليك أن تختار طاولتك سواء اذا كانت في الهواء الطلق أو داخل المطعم، بعدها عليك أن تختار الأسماك التي ستلتهمها، لتأخذ بون برقم المائدة، ما هي إلا ثوان وتأتي أطباق السلطة البلدي «خضراوات» وسلطة الطحينة والخبز الطازج وذلك في انتظار الوليمة، بعدها شوربة السي فود المميزة ولا تكاد تنتهي منها واذا بطلبك من الجمبري أو السبيط أو الكابوريا أو المياس والبربون يأتي ساخناً مستسلماً لك.
يقول عم سيد «أكتر الزباين تطلب البربون المقلي والبوري السنجاري والمياس المشوي بالبطاطس والدينيس المشوي أو المقلي، ونقدم مع الوجبات سلطات وأرز ومشروبات غازية ومية معدنية». ولما سألناه عن أشهر زوار المطعم قال «أنا ما بخدش بالي منهم من كتر ضغط الشغل لكن الولاد في المحل عارفينهم، ومنهم أولاد عادل امام، ومعالي زايد وحنان ترك، وحسن كامي والراحل أحمد زكي وأحمد رزق وسهير المرشدي وحسن يوسف وأحمد رمزي وأحمد مظهر. تقدري تقولي أن كل الممثلين اللي بيجوا يصوروا في اسكندرية بيجيوا هنا، وأكترهم بياخدوا الاكل ويجلسوا في قهوة جنبنا، وبعضهم ما بيحبش السمك فنجبلوا لحمة من مطعم أبو غريب اللي جنبي علشان أبقى مطمن».
عم سيد يبدأ يومه من الساعة الرابعة فجراً وهي رحلة البحث عن أشهى الأسماك في الإسكندرية، فيذهب لحلقة السمك في الأنفوشي أو صيادو أبوقير أو يأتي بها من المعدية بإدكو، ثم يذهب للمحل ويستعد من الساعة السابعة صباحاً، بتنظيف المحل جيداً ليبدأ في استقبال الزبائن وغالباً ما يبدأ العمل من الساعة واحدة ظهرا وحتى الواحدة مساء.ويقول سيد «انا عندي 60 سنة واشتغل هنا من عمر 8 سنين، وبمجرد أن أرى السمكة أعرف هي طازة ولا لأ». أما في شهر رمضان لا تختلف مواعيد العمل عند شعبان، لكنه يعمل حتى مدفع الإفطار، ويكون المشروب المصاحب للوجبات هو الخروب، ويظل فاتحاً أبوابه حتى ينتهي المفطرون من أكلهم وينتهوا من جلسات السمر التي تعقب الإفطار ولا يستمر العمل حتى السحور. وتكون أكثر الطلبات على الوجبات الجاهزة التي يرسلها للمؤسسات والشركات والقرى السياحية والمنازل.
ويؤكد عم سيد بحدة «الاسماك عندي طازة يوم بيوم فاذا خلصت بنوقف الشغل ولا نشتري كميات جديدة علشان ما تستناش لتاني يوم، وشعارنا هو السعر أقل والجودة أعلى. واحنا بنعامل الجميع واحد الاجنبي زي المصري، والقريب زي الغريب ولو حد حب يزود عليه، نقوله لأ، ونطلب ان احنا اللي نحاسبوه، علشان الكل واحد، لما بيجيلي عربجي بسياح ويطلب انه يزود عليهم الحساب بديله قهوته وأراضيه، وأقوله لأ مش حنزودوا عليهم صاغ». وعن الزبائن الأجانب، يقول: فيه أجنبي على قد معدته يطلب 4 جمبريات أو4 ترانشات، لكن مثلاً اليابانيين بيحبوا الوجبة بالكيلو والاتنين»، ويضيف «في فرق بين الزباين زمان ودلوقتي طبعا، كنا زمان نجيب طاولتين سمك بريالين وكانت حوالي 40كيلو وكانوا بيخلصوا وبنشطب الساعة 2 أو 3 الضهر، لكن دلوقتي مع تغيير عادات الأكل عند الناس وأكلهم بره في المطاعم أصبحت الكميات مضاعفة علشان تلاحق على الطلبات». وعند جلوسك في هذا المطعم البسيط ستشعر بروح الود تجمع بين كل العاملين فيه، ويشير عم سيد قائلاً «كلنا بنشتغل ايد واحدة، مثلا اللي واقفين على القلاية عيالي (أولادي)، مافيش صنايعيه ياما، علشان كده السمك أرخص، احنا بنعمل كل حاجة، وكل ساعتين نغير الزيت، لأنه ما يفرقش عندي لكن المهم أن الزبون يقوم وهو مبسوط، عشان كده السمك المقلي بيطلع ابيض زي الفل، كمان احنا موظفين سايس علشان ياخد باله من العربيات، وكمان في 3 أفراد امن علشان يحافظوا على الممتلكات الشخصية للزباين». ويفكر عم سيد وأخوه في افتتاح فرع آخر في الإسكندرية ولكن عندما تكتمل الاموال فهو لا يحب الاقتراض من البنوك.
منقول من صحيفة الشرق الاوسط
دمت بود