- مونار الهندية " أرض الشلالات "
- كان الجو بارداً وممطرنا , الأمر الذي جعلني أستبشر خيراً ...
- والفيلة تظل أمراً محيّراً فحتى في المدينة تجدها معزّزة مكرّمة ..
بسم الله الرحمن الرحيم
مونار الهندية " أرض الشلالات "
نعم هكذا أسميتها ... وهي كذلك بالفعل ... العديد من المدن التي رأيتها لم تر عيني مدينة يوجد فيها هذا الحجم من الشلالات والمياه , حتى شعرت أنه لن توجد أي أزمة مياه في العالم .. فهذه المدينة باستطاعتها توفير الماء لكل المعمورة بلا مبالغة , فهي تكاد تغرق من المياه العذبة ... ولا عجب في ذلك فأنت في الهند " بلد العجائب " .. فهي عجيبة في شواطئها ... في أنهارها وجداولها ... في سمائها وجوّها ... وفي رجالها وعلمائها ... وفيها يقول الشاعر النحوي :
لله درّ الهند كم من عالم ... دفعت لساحتها وكم من منجد
بذلوا من العلم الزّكيّ ونوره ... مهجا إلى صدق العزيمة واليد
حجزنا على الخطوط السيريلانكية بعد أن رتّبنا أمور الفيزة ... ومدة استخراجها يوم واحد ..
وصلنا الى ولاية " كيرلا " والتي سمّاها المسلمون الأوائل " خير الله " فهي اسم على مسمّى , فاينما ذهبت وجدت الخير المتمثل بالأمطار والأشجار والطبيعة الخلابة ..
هبطنا في مطار " كوتشين " وللعلم فكيرلا وحدها تحتوى على ثلاثة مطارات دولية , وهذا المطار حديث البناء , ويعتبر أرقى مطارات الولاية من حيث التصميم والبناء .
أنهينا اجراءات الدخول , ثم نزلنا الى الشارع الرئيسي ، حيث كانت سيارات الأجرة بانتظارنا , ركبنا أحد التكاسي وطلبنا منه أن يوصلنا الى وسط المدينة ..
كان الجو بارداً وممطرنا , الأمر الذي جعلني أستبشر خيراً ...
نزلنا في فندق " هاربر فيو " وهو فندق جميل تصنيفه أظنه أربع نجوم , الليلة الواحدة 2000 روبية , ويقع على الشارع الحيوي المسمّى " ام جي رود " .. والذي يحوي على جنباته العديد من الأسواق والمحلات التجارية ..
تشعر في هذه المدينة بالحياة .. فالمحلات كثيرة .. والبشر أكثر ... ليست كسيريلانكا .. ففي سيريلانكا ... كل شي " يموت " بعد التاسعة ليلاً ..!!
كان الاستقبال في الفندق أكثر من رائع ... فهم على ما يبدو يعرفون كيف يتعاملون مع النزلاء .. الابتسامة ... والترحيب الحار ... والغرف النظيفة المرتبة .. أضف الى ذلك روعة البوفيه .. فموائدهم لذيذة ورائعة ... وتحوي من الأصناف الكثير .. الأمر الذي جعلنا نسأل عن أسماء بعض المأكولات التي لا نعرفها ... وبالمناسبة .. اذا طلبت شاي يحضرون لك شاي بالحليب .. واذا قلت " بلاك تي " .. شاي أسود .. يحضرون لك الشاي غير مضاف اليه شيء .. وهذا الأمر لاحظته أيضاً بسيلان ....
والذي لاحظته في أغلب الفنادق أنهم يجعلون شخص عند بوابة الاستقبال الخارجية الزجاجية لكي يفتح الباب للداخل والخارج , ويجب أن يكون هذا الشخص ذا بنية قوية , ومفتول " الشوارب " ..
استلقينا على أسرّتنا ... وأخذنا قسطاً قليلاً من الراحة , ثم انطلقنا كل الى جهة , فرفاق الرحلة ذهبوا على موعد مع بعض العمّال لكي يتعاقدوا معهم , بعد أن يجرون لهم بعض الإختبارات , وأنا ذهبت استكشف المدينة " كوتشين " .. شوارعها .. وأسواقها ... وطبيعة البشر هناك ..
السمة الغالبة على أهل هذه المدينة هي الطيبة .. فمنذ استقرّينا فيها الى أن ذهبنا .. لم يحصل مع أحدنا موقف أستطيع أن أصفه بأنه مزعج , فهم طيبون , وبسطاء .. حتى سائقنا في الرحلة على الرغم من أنه كبير في السن .. وعلى الرغم من أنه غشيم في القيادة ... وعلى الرغم من أنه أزعجنا في كثرة استخدام بوق التنبيه ... الا أنه يبقى طيب وبسيط ..!!
والفيلة تظل أمراً محيّراً فحتى في المدينة تجدها معزّزة مكرّمة ..
كانت الصورة عن الهند والهنود في نظري هي الفقر , وكنت أقول الله يستر منهم اذا عرفوا أننا من الخليج ... ولكن الواقع يحكي شيئاً آخر .. فالبلد متوجه الى التطور .. والشوارع منظّمة ... والفقراء الذين يسألون الناس يعدّون على الأصابع ... وقيل لي أن الحال يختلف عما هم عليه في " بومباي " فحمدت الله على الاختيار الموفق .
الذي لاحظته في الرجال في هذه المدينة أنهم يحرصون على عدم حلق شواربهم , على العكس من باقي دول آسيا , فهم يعتزون بها , ونادراً ما تجد من يحلق شاربه , فهم بذلك يشتركون معنا في هذه الصفة الغالبة .
أما نساء الهنود من غير المسلمات يضعن نقطة حمراء اللون على ملتقى الحاجبين من الرأس .. والمتزوجات يضعن النقطة الحمراء عند مفرق الشعر من الرأس ... ولله في خلقه شؤون ..
المدينة لابأس بها ... فهي مدينة يغلب عليها الطابع التجاري .. وذلك لأنها تقع على الساحل الغربي لشبه القارة الهندية .. ومرافئها تزخر بالبواخر الكبيرة ... وكذلك تغلب عليها السمة السياحية وذلك لقربها من المدن ذات الطبيعة الرائعة والمناظر الخلابة ..
تنتشر في كوتشين الكثير من محلات المساج , فهي مشهورة بهذا النوع من العلاج منذ القدم , ويستخدمون الزيت المصنوع من النباتات الطبية , وقد جربنا هذا الشئ ومدة المساج ساعة ويأخذون مقابله 500 روبية وهناك نوع من المساج يضعون الزيت في الأنف والأذن ولكني لم أجربه ...الله يستر منه ..!!
لاتوجد تكاسي رسمية تحمل لوناً معيناً , فسياراتهم أما شخصية , أو تكون عائدة لمكاتب السياحة , أو " التك تك " كما اصطلحوا عليه , فهو عربة صغيرة من ثلاثة اطارات , مخصصة لثلاثة أشخاص , وهي صناعة محليّة , ويصدّرون العديد منها للدول المجاورة ..
والإسلام بحمد الله منتشر بها بصورة طيبة تبشّر بالخير , ففيها المساجد بكثرة , وصلينا بها صلاة الجمعة .. فأحسسنا أننا ببلادنا , فالمسلمون يجمعهم رابط ايماني روحاني فلا تحس أبداً بالغربة بينهم , فأنت تنتمي إليهم وهم ينتمون إليك ..
أقمنا في " كوتشين " ثلاثة أيام , تجوّلنا خلالها , وأنهينا بعض الأعمال المعلّقة , ثم استأجرنا سيّارة بسائقها كي تحملنا إلى مونار " مدينة الشلالات " ..
انطلقنا الى " مونار " وكانت تبعد عن كوتشين مسافة 145 كيلو تقريباً , قطعناها بأربع ساعات , وكانت المناظر اليها جميلة خلابة , فالأشجار على جانبي الطريق تحجب الروية من شدّة كثافتها , والجو أصبح يميل الى البرودة , وتسمع هدير الشلالات من بعيد , ولا أبالغ ان قلت أنه عند كل جبل ينابيع من المياه تنحدر من عاليه لتصنع شلالاً هو في منتهى الروعة , وكأن هذه الجبال تقيم تحدى فيما بينها ليظهر كل جبل ما بداخله ...
يمر الطريق الملتوي في طريقه لمونار بعدّة قرى ... فهذه قرية تجد فيها المساجد ... وتلك قرية تكثر فيها الكنائس ... وهذه القرية تكثر فيها الأصنام والتماثيل .. فهذه المعالم تبيّن لك من هم غالبية سكان هذه القرية أمسلمون هم أم مسيحيون أم بوذيون ...
وصلنا في مونار ليلاً ... ووجدنا العاملون في المنتجع ينتظروننا ... فلديهم معرفة سابقة بأننا في الطريق إليهم ... وكانوا قد حفظوا لنا طعام العشاء في حافظات صغيرة ... وذلك لأن موعد طعام العشاء قد انتهى ...
حمدنا الله على السلامة .... ودخلنا المنتجع واسمه " بلاك بري " ...
وهو منتجع رائع يقع على سفح جبل .. يطل على مجموعة من الوديان وأشجار الشاي القصيرة ... ويضم عدداً لا بأس به من الأكواخ أو الشاليهات المتفرقة على سفح ذلك الجبل .
وهذه صور لأشجار الشاي ...
نزلنا الى غرفتنا عبر طريق منظم منحدر , أرضيته من الصخور المقصوصة المتلاصقة ... الى أن وصلنا الى شاليهنا , وهو عبارة عن غرفة وبلكونة وحمام أجلّكم الله ...
وبعد أن تعشينا ألقينا أجسامنا على تلك الأسرة وكأنها جثث هامدة , لا تسمع فيها الا " سمفونيات " من " الشخير " المتقطع , وبتنا في سبات عميق ...!!
استيقظنا في الصباح وأخذنا جولة في المدينة وقد لا تصح تسميتها بالمدينة فهي أشبه بالقرية الكبيرة .. ذهبنا الى " ناشونال بارك " ويبعد حوالي 25 دقيقة .. وقيمة الدخول 220 روبية ... ركنّا سيارتنا .. وركبنا الباصات الجماعية ..
في الطريق الى المنتزه أخذنا هذه الصور العجيبة ... ثم انظر كيف يجففون ملابسهم بعد الغسيل ... على الأرض ... ونحن نغسل ملابسنا اذا لمست الأرض ... !!
وهذه صور لوسط مونار ...
وهذا المنتزه يعتبر جنة من جنان الأرض .. يحوي مجموعة من الحيوانات .. لم نر منها الا الماعز الجبلي ... وفي هذه المنطقة بالذات تكثر الشلالات الرائعة ...
تعرّفنا في المنتزه على سائح وزوجته وهما من الجنسية البريطانية .. ويعملون في مطعم في بلادهم هي جرسونه وهو طباخ , وقد امضوا ما يقارب الستة أشهر في اجازة متنقلين من ماليزيا الى نيبال ثم تايوان مروراً بفيتنام .. ثم سيلان وأخيراً الهند .. فقلت في نفسي هؤلاء هم الرحالة الحقيقيون ...
جلسنا عدة ساعات في هذا المنتزه العجيب ... استمتعنا بالنظر الى الطبيعة الربّانية ... الأشجار الجميلة ... والأعشاب والزهور البرّية ... والأرض الخضراء وشربنا من شلالاتها ... فسبحان الخالق ..
ودخلت علينا الغيوم فكست النباتات حللاً من الندى الرطب البارد .. وتذكرت قول ابن سعد الأشبيلي .. وهو يصف الأندلس ... الا أن وصفه يصدق على هذه البقعة من الأرض :
الأرض قد لبست رداء أخضرا ... والطلّ ينثر في رباها جوهرا
هاجت فخلت الزهر كافورا بها ... وحسبت فيها الترب مسكا أذفرا
وكأنّ سوسنها يصافح وردها ... ثغر يقبّل منه خداً أحمرا
حقيقة لقد استمتعنا بهذا المنتزه .. وانصح بزيارته ... ثم عدنا أدراجنا الى المنتجع حيث الراحة والهدوء ... وقبل مغيب الشمس نزلت الغيوم علينا ... ينعشنا نسيمها البارد ... ونتذكر أهلنا في الخليج حيث تلفحهم سموم الحر .. ونقول ليتهم معنا .. فشتان بين الجوّين ..!!
قضينا ثلاثة أيام في مونار هي الأجمل ثم عدنا الى كوتشين .. الى نفس الفندق ... ولكن هذه المرة استمتعنا في المناظر أكثر ... لأننا في أول النهار ...
هناك مطعم في منتصف الطريق .. استرحنا فيه وشربنا الشاي .. والعجيب في هذا المطعم .. أنه بنى استراحة من الأخشاب فوق شجرة كبيرة ... فذكرني بمسلسل الكارتون " فلونه " .. وهذه صورته ..
وصلنا " كوتشين " والسماء ملبّدة بالغيوم .. وما هي لحظات الا والمطر ينهمر بغزارة حتى اننا لم نتمكن من الخروج من الفندق ...
بعد أن هدأت الأمطار .. وفي اليوم التالي أخذنا جوله في المدينة .. ثم الأسواق .. ثم حزمنا أمتعتنا ... والى المطار ... ونحن نحمل أشواقنا الى أهلنا و الى من نحبهم ...
أخوتي الأعضاء والزوار ... اقبلوا مني هذا التقرير البسيط ... واعذروني على التقصير ...
أخوكم المحب ... دهميد