- من كتاب فضائل مصر المحروسة ليوسف بن يعقوب الكندي
- هي منف، مدينة فرعون.
- وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة.
- فعسلها إلى يومنا هذا خير عسل مصر.
- ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار
- وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة.
من كتاب فضائل مصر المحروسة ليوسف بن يعقوب الكندي
فضل الله مصر على سائر البلدان، كما فضل بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضل على ضربين: في دين أو دنيا، أو فيهما جميعا، وقد فضل الله مصر وشهد لها في كتابه بالكرم وعظم المنزلة وذكرها باسمها وخصها دون غيرها، وكرر ذكرها، وأبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، تنبئ عن مصر وأحوالها، وأحوال الأنبياء بها، والأمم الخالية والملوك الماضية، والآيات البينات، يشهد لها بذلك القرآن، وكفى به شهيداً، ومع ذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في مصر وفي عجمها خاصة وذكره لقرابته ورحمهم ومباركته عليهم وعلى بلدهم وحثه على برهم ما لم يرو عنه في قوم من العجم غيرهم،
وسنذكر ذلك إن شاء الله في موضعه مع ما خصها الله به من الخصب والفضل وما أنزل فيها من البركات وأخرج منها من الأنبياء والعلماء والحكماء والخواص والملوك والعجائب بما لم يخصص الله به بلداً غيرها، ولا أرضا سواها
أما ما ذكره الله عز وجل في كتابه مما اختصرناه من ذكر مصر. فقول الله تعالى: " وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً " يونس
وما ذكره الله عز وجل حكاية عن قول يوسف: " ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ "
وقال عز وجل: "اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ "
وقال تعالى: " وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ "
قال بعض المفسرين: هي مصر. وقال بعض علماء مصر: هي البهنسا. وقبط مصر مجمعون على أن المسيح عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام كانا بالبهنسا وانتقلا عنها إلى القدس.
وقال بعض المفسرين: الربوة دمشق، والله أعلم.
وقال تعالى: " وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ
وقال تعالى: " وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ "
والمدينة: منف، والعزيز ملك مصر حينئذ.
وقال تعالى: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا "
هي منف، مدينة فرعون.
وقال تعالى: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى " هي منف أيضاً.
وقال تعالى حكاية عن إخوة يوسف: " يأيها العزيز " وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: " وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ" فجعل الشام بدوا، وقال تعالى حكاية عن فرعون وافتخاره بمصر: " قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي "
وقال تعالى حين وصف مصر وما كان فيه آل فرعون من النعمة والملك بما لم يصف به مشرقا ولا مغربا، ولا سهلا ولا جبلا، ولا برا ولا بحرا: " كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ "
فهل يعلم أن بلداً من البلدان في جميع أقطار الأرض أثنى عليه الكتاب بمثل هذا الثناء، أو وصفه بمثل هذا الوصف، أو شهد له بالكرم غير مصر؟
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرا، فإن لكم منهم صهرا وذمة " .
وروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما " .
فأما الرحم، فإن هاجر أم إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام من القبط من قرية نحو الفرما يقال لها: أم العرب.
وأما الذمة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم، تسرى من القبط مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من قرية نحو الصعيد، يقال لها حفن من كورة أنصنا، فالعرب والمسلمون كافة لهم نسب بمصر من جهة أمهم مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، والقبط أخوالهم.
وصارت العرب كافة من مصر، بأمهم هاجر؛ لأنها أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم، وهو أبو العرب.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ستكونون أجنادا، وخير أجنادكم الجند الغربي، فاتقوا الله في القبط: لا تأكلوهم اكل الخضر "
وروى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض " قال أبو رضي الله عنه: ولم ذلك يا رسول؟ قال: " لأنهم في رباط إلى يوم القيامة " .
وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة.
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب مصر فأجابه عن كتابه جواباً جميلا، وأهدى إليه ثياباً وكراعاً وجارتين من القبط؛ مارية وأختها وأهدى إليه عسلا فقبل هديته، وتسرى مارية، فأولدها ابنة إبراهيم، وأهدى أختها لحسان ابن ثابت فأولدها عبد الرحمن بن حسان.
وسأل عليه الصلاة والسلام عن العسل الذي أهدى إليه، فقال من أين هذا؟ فقيل له من قرية بمصر يقال لها بنها، فقال: " اللهم بارك في بنها وفي عسلها "
فعسلها إلى يومنا هذا خير عسل مصر.
وروى عن عبد الله بن عباس أنه قال: دعا نوح عليه السلام ربه، لولده وولد ولده: مصر بن بيصر بن حام بن نوح، وبه سميت مصر، وهو أبو القيط فقال: اللهم بارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد، ونهرها أفضل أنهار الدنيا واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الروض، وذللها لهم، وقوهم عليها.
ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار
وأما ذكر مصر وفضلها على غيرها من الأمصار وما خصت به وأوثرت به على غيرها
، فروى أبو بصرة الغفاري قال: مصر خزانة الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام." قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " .ولم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث الله بمصر وخزائنها كل حاضر وباد من جميع الأرض
وجعلها الله تعالى متوسطة الدنيا، وهي في الإقليم الثالث والرابع، فسلمت من حر الإقليم الأول والثاني، ومن برد الإقليم الخامس والسادس والسابع، فطاب هواؤها، ونقي جوها وضعف حرها، وخف بردها، وسلم أهلها من مشاتي الجبال، ومصائف عمان، وصواعق تهامة، ودماميل الجزيرة، وجرب اليمن، وطواعين الشام، وغيلان العراق، وعقارب عسكر مكرم، وطلب البحرين، وحمى خيبر، وأمنوا من غارات الترك، وجيوش الروم وطوائف العرب، ومكائد الديلم، وسرايا القرامطة، وبثوق الأنهار، وقحط الأمطار، وقد اكتنفها معادن رزقها؛ وقرب تصرفها، فكثر خصبها، ورغد عيشها، ورخص سعرها.
وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة، تعدل الخلافة.
وقال سعيد بن أبي هلال: مصر أم البلاد، وغوث العباد. وذكر أن مصر مصورة في كتب الأوائل، وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها
قال خالد بن يزيد: كان كعب الأحبار يقول: لولا رغبتي في الشام لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟ قال: إني لأحب مصر وأهلها؛ لأنها بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها بسوء كبه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه وذكر أهل العلم أنه مكتوب في التوراة: بلد مصر خزانة الله، فمن أرادها بسوء قصمه الله.
وصعيدها أرض حجازية، حرها كحر الحجاز، تنبت النخل والأراك والقرط والدوم والعشر، وأسفل أرضها شامي تمطر مطر الشام، وتنبت نبات الشام من الكرم والتين والموز والجوز وسائر الفاكهة، والبقول والرياحين، ويقع به الثلج.
مناظر مصر وجمالها
وأما ما يعجب من رونق منظرها، فذكر عن كعب الأحبار أنه قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى مصر إذا أخرفت وغذا أزهرت، وإذا اطردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنت طيرها.
وعن عبد الله بن عمرو قال: من أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها وتغنى أطيارها.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أربعة أنهار من الجنة سيحان وجيحان والنيل والفرات " .
وليس في الدنيا نهر يزيد ويمد في أشد ما يكون من الحر حين تنقص أنهار الدنيا وعيونها غير نيل مصر، وكلما زاد الحر كان أقوى لزيادته
وذكر ابن عفير، أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص. سلام عليك؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو،
أما بعد، فإني فكرت في بلدك فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، قد أعطى الله أهلها عدداً وجلداً وقوة في بر وبحر، قد عالجتها الفراعنة، وعملوا فيها عملا محكماً، مع شدة عتوهم، فعجبت من ذلك، فأحب أن تكتب إلى بصفة مصر كأني أنظر إليها.
فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فقد بلغني كتابك وقرأته وفهمته، وأما ما ذكرت فيه من صفة مصر، فإن كتابي سيكشف عنك عمى الخبر، ويرمى على بالك بنافذ البصر، إن مصر وما أحببت أن تعلمه من صفتها، تربة سوداء، وشجرة خضراء بين جبل أغبر ورمل أعفر، قد اكتنفها معدن رفقها، ومحط رزقها، ما بين أسوان، إلى منشأ البحر، في سح النهر، مسيرة الراكب شهراً، كأن ما بين جبلها ورملها بطن أقب، وظهر أجب، يخط فيه نهر مبارك الغدوات، ميمون البركات، يسيل بالذهب، ويجري بالزيادة والنقصان كمجاري الشمس والقمر، له أيام تسيل إليه عيون الأرض وينابيعها مأمورة بذلك، حتى إذا ربا وطما، واصلخم لججه، واغلولب عبابه، كانت القرى بما أحاط بها كالربا لا يوصل من بعضها إلى بعض إلا في السفائن والمراكب، ولا يلبث إلا قليلا حتى يكون كأول ما بدأ من جريه وأول ما طما من شربه، وحتى تستبين فنونها ومتونها، ثم تنتشر فيه أمة محقورة، قد رزقوا على أرضهم جلداً وقوة، لغيرهم ما سعوا به من كدهم بلا حمد ينالهم من ذلك، يسقون سهل الأرض وخرابها وروابيها، ثم يلقون فيها من صنوف الحب ما يرجون به التمام من الرب، وما يلبث إلا قليلا حتى يشتد، ثم تسيل قنواته وتصفر، يسقيه من تحته الثرى ومن فوقه الندى، أو سحاب منهمر بالأرائك مستدر، ثم في هذا الزمان من زمانها يغنى ذبابها، ويبدأ في صرامها، فبينما هي مدرة سوداء إذا هي لجة زرقاء، ثم غوطة خضراء، ثم ديباجة رقشاء، ثم فضة بيضاء، فتبارك الله أحسن الخالقين، الفعال لما يشاء. وإن خير ما اعتمدت عليه في ذلك شكر الله عز وجل يا أمير المؤمنين، على ما أنعم عليك منها، فأدام الله لك النعمة والكرامة في أمورك كلها والسلام.
ومنهم: الإسكندر ذو القرنين، من أهل قرية نحو الإسكندرية يقال لها لوبية، ملك الأرض بأسرها، وذكره الله في كتابه العزيز باسمه، فقال تعالى: " وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا
وبنى سد يأجوج ومأجوج، قال الله تبارك وتعالى: " قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا"
وبها مجمع البحرين، وهو البرزخ الذي ذكره الله تعالى فقال: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ
فبها والعجائب والبركات والحكم، فجبلها المقدس، ونيلها المبارك، وبها الطور حيث كلم الله تعالى موسى، وبها الوادي المقدس، وبها ألقى موسى عصاه، وبها فلق البحر لموسى، وبها ولد موسى وهارون وعيسى عليهم السلام. وبها كان ملك يوسف وبها النخلة التي ولدت مريم عيسى تحتها بسدمنت من كورة أهناس، وبها اللبخة التي أرضعت عندها مريم عيسى بأشمون، فخرج من هذه اللبخة الزيت، وبها مسجد إبراهيم، ومسجد مارية أم إبراهيم سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفن، أوصت أن يبني بها مسجد فبنى.
ففضل الله مصر بما لم يخصص الله به بلداً غيرها، ولا أرضا سواها
منقول
وبارك لك فيما في توقيعك وضعت