- خالص جلبي - 13/03/1428ه
- ممنوع وضع الايميل - ملبورن
- "فما في أرض أندلس مقام وقد دخل البلا من كل باب".
- ويلخص لنا صاحب (الروض المعطار) أثر الهزيمة في الدولة الموحدية بقوله:
جريدة الاقتصادية
معركة العُقاب 1212م
خالص جلبي - 13/03/1428ه
ممنوع وضع الايميل - ملبورن
كنت أمر مع صديقي المقيم في إسبانيا بالسيارة بجنب مدينة (رويال ثيوداد) أي المدينة الملكية، فسألته عن المدينة متجاهلاً، هل تعرف عن تاريخها شيئاً؟ فأجاب بالنفي! فقلت في نفسي: إننا أمة أمية لا تعرف تاريخها؟!
في هذه البقعة انتهت الأندلس، في معركة أخذت اسم العقاب، وكانت بعد عقوبة الفيلسوف (ابن رشد) بسنوات قليلة، فابن رشد انتهى في نهاية القرن الثاني عشر للميلاد، ومعركة العقاب كانت في مستهل القرن الثالث عشر..
وأنا استفدت من المؤرخ (محمد عبد الله عنان) في موسوعته عن تاريخ المسلمين في الجزيرة، في مجلداته السبع فقرأتها في ستة أشهر.
ويذكر الرجل أنه جاء بنفسه، إلى هذا المكان، قرب هذه المدينة، ونبش في أرضها، واكتشف بقايا رؤوس رماح وأنصال، من آثار أخطر معركة تمت في هذا المكان، في عام 1212 م الموافق 609 ه.
وسبق ذلك التاريخ المشؤوم، قصة اضطهاد الفيلسوف (ابن رشد) الذي مات في عام 1198م. ولكن الأمة التي تفعل بمفكريها هذه الفعلة، هل تبقى بدون عقاب؟
بعد موت الفيلسوف العظيم بأربعة عشر عاماً، نكبت الأندلس بنكبة عسكرية، لم تقم لهم قائمة بعدها، وكان ذلك في معركة (العُقاب) في يوم الإثنين، الخامس عشر من صفر، سنة 609ه (ليلة 16يوليو سنة 1212م).
وكما كانت معركة (الزلاَّقة) على حافة البرتغال الحالية، هي الفرملة التاريخية، للسقوط الأندلسي المحتوم، عندما جاء الخليفة المرابطي (يوسف بن تاشفين) في عام 1086م (479 ه)، لينقذ الأندلس المنهار، بعد فترة حكم الطوائف التي دامت ثمانين عاماً (من عام 399ه حتى عام 479ه)، فإن معركة العقاب هذه كانت بداية النهاية للأندلس.
وحتى يمكن وعي الوضع التاريخي للمسلمين في ذلك الوقت، والآثار المأساوية لتلك المعركة، ولإلقاء الضوء على هذه الفترة، من الظلام الفكري، وضيق الأفق والتعصب، الذي انتهى في صورة مأساة ابن رشد، فإننا ننقل عن المؤرخ (محمد عبد الله عنان) ما يلي:
"وأما في التواريخ الإسلامية، فإنها تعرف بموقعة العُقاب، من مفردها عَقبة، وذلك فيما يرجح لوقوعها بين الربى والتلال المانعة، وليس بمعنى المعاقبة على الذنب.
وإن كان بعض الكتاب والشعراء قد نسبوا إليها مثل هذا المعنى، في معرض التلويح بغضب الله وعقابه للموحدين؛ لأنهم حادوا عن جادته، وبغوا وتجبروا واعتمدوا على كثرتهم، ولم يعتمدوا على عونه".
ومن المسلم أن خسائر المسلمين في معركة العقاب كانت فادحة جداً، والروايات الإسلامية تجمع كلها، على أن الجيش الموحدي قد هلك معظمه.
ويصف صاحب (الحلل الوشية) المعركة بالهزيمة العظمى، التي فني فيها أهل المغرب في الأندلس، وقد أسفرت هزيمة (العقاب) الساحقة عن أفدح وأروع الآثار، التي يمكن تصورها سواء بالنسبة للأندلس، أو المغرب، أو الدولة الموحدية.
ويصف عبد الله عنان الفرق بين هذه المعركة التي قبلها ما يذكر ببدر وأحد، فأما بالنسبة للأندلس فقد قضت هذه الهزيمة نهائياً على سمعة الموحدين العسكرية في شبه الجزيرة، وتحطم ذلك الدرع الذي كانت تسبغه الجيوش الموحدية القادمة من وراء البحر على الأندلس، وعلى دولة الإسلام فيها.
وتضعضع سلطان الحكم الموحدي في الأندلس، وأخذت الأندلس من ذلك الحين تنحدر إلى براثن الفوضى الطاحنة، وضمن ذلك النصر الباهر الذي أحرزته الجيوش النصرانية المتحالفة في هضاب تولوسا لإسبانيا النصرانية تفوقها السياسي والعسكري، في شبه الجزيرة، وفتح الباب واسعاً لغزو الاسترداد LA RECONQUISTA النصراني المنظم، الذي سوف يستمر من ذلك الحين في جني ثماره، بانتزاع القواعد الأندلسية، واقتطاع أشلاء الأندلس الكبرى بصورة متتابعة، وفي فترات قصيرة مذهلة (بالنسيا 1236 م وقرطبة 1238م وإشبيلية 1248م) وقارن ذلك بسقوط بغداد في الشرق 1258م.
وقد تردد صدى هذا الفزع، وسرى إلى كل الأندلس يومئذ، وارتسم شبح الفناء واضحاً بعد كارثة معركة العقاب، واضحاً في الأدب والشعر، فمن ذلك ما قاله (أبو إسحاق إبراهيم بن الدباغ الإشبيلي):
"فما في أرض أندلس مقام وقد دخل البلا من كل باب".
ويلخص لنا صاحب (الروض المعطار) أثر الهزيمة في الدولة الموحدية بقوله:
(وكانت هذه الوقيعة أول وهن دخل على الموحدين، فلم تقم بعد ذلك لأهل المغرب قائمة). وبين سقوط الأندلس وقيام إسرائيل 700 سنة. وتلك الأيام نداولها بين الناس. والعرب حاليا في ليل التيه والخوف. وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين.
رابط المقالة
ننتظر الجواب ولكم جزيل الشكر