- القاهرة: محمد أبو زيد
مصر: لا أحد ينام في شارع جامعة الدول العربية
القاهرة: محمد أبو زيد
سورية، الحجاز، عدن، الرياض، العراق، المدينة المنورة، لبنان، وغيرها، هذه هي اسماء الشوارع المتفرعة من شارع جامعة الدول العربية بمنطقة المهندسين بالقاهرة وربما يوحي هذا بأن الوحدة العربية التي لم تتحقق فعليا، استطاع هذا الشارع الواسع الطويل تحقيقها، فأنت هنا تنتقل من شارع دمشق لتدخل الى شارع العراق لتطل منه على شارع الرياض لتجد نفسك في شارع لبنان من دون اية عوائق أو حدود.
الى جانب هذه الميزة يجمع شارع جامعة الدول العربية ميزات اخرى، فهو واحد من أهم واكثر شوارع القاهرة اتساعا ونظافة وخضرة، وازدحاما ايضا علاوة على انه يعتبر مقصد السياح العرب في موسمي الصيف والشتاء ايضا، وبعض هؤلاء السياح يختار الشارع الذي يحمل اسم دولته وآخر يفضل ان يسكن في شارع يحمل اسم دولة اخرى، فهنا لا فوارق ولا حدود ولا بطاقات هوية، ولا جوازات سفر تفصل بين الشوارع،
اضافة الى هذا يتميز شارع جامعة الدول العربية بأنه من اكبر الشوارع التجارية في القاهرة واكثرها امتلاء بالمطاعم التي تقدم الوجبات السريعة والمقاهي والسفارات ايضا. وربما يبدو هذا انعكاسا لطبيعة الشارع الذي يسكنه عادة اما سياح عرب أو سفراء دول عربية واجنبية أو بعض الوزراء.
شارع جامعة الدول العربية لا ينام ليلا ولا نهارا، لا صيفا ولا شتاء، ففي أي وقت تمر فجرا أو ظهرا سيكون اول ما يلفت انتباهك هو هذا الازدحام وهذا الخروج الجماعي الى الشوارع، وهذه الاضواء التي تتألق امام محلات الملابس والاحذية، والصرافة، والبنوك، والمطاعم وباعة الكتب والجرائد الذين يفترشون الارض، يرقبون السياح، والمصريين، الاولاد، والبنات، يمرون ليشكلوا احدى لوحات هذا الشارع.
«حسام ابراهيم»،27 عاما، يعمل في احد محلات الوجبات السريعة الممتدة في شارع جامعة الدول العربية، يقول لنا، انه يفضل العمل في وردية الليل، لافتا الى انه لا فرق بينهما، بل ان الليل اكثر ازدحاما ويقول ان اكثر زبائنه من العرب الذين يفضلون السكنى في هذا الشارع لتميزه ولبعده عن ضجيج وسط القاهرة وزحامها الشديد.
في الحديقة التي تتوسط الشارع وتمتد بطوله من آخر حي الزمالك الى اول بولاق الدكرور تجلس عشرات الاسر المصرية التي فضلت ان تهرب من حرارة الصيف الى شارع به خضرة تعوض عدم الذهاب الى المصيف، وعلى كراس خشبية ممتدة بطول الحديقة، تجلس الاسر تتحدث عن اشياء كثيرة، من بينها بالتأكيد تميز هذا الشارع.
ابراهيم الذي يعمل في إحدى المهن الشاقة بمصر القديمة كان يصطحب اسرته معه، ويفترش ارض الحديقة وقال لنا ان الجو هنا مختلف، وانه يسهر كل اسبوع الى قرابة الساعة الثالثة فجرا مع اسرته، ويعود الى بيته بينما يستمر الشارع في سهره مع آخرين، وكان هذا رأي زوجته ايضا التي قالت ان الشارع عوضهم عن المصيف، وانه مقصدها هي وزوجها منذ كانا مخطوبين حيث كانا يخرجان لتمضية وقت سعيد في هذا الشارع.
وتبدأ قصة شارع جامعة الدول العربية من فترة ليست بالطويلة حوالي خمسين عاما، كان قبلها بل كانت منطقة المهندسين بأكملها مساحات زراعية واسعة تنتمي الى الاماكن المتطرفة عن مدينة القاهرة، ولان صفوة القوم وكبار الاثرياء يبحثون دائما عن الهدوء فقد رأوا في هذا الشارع مقصدهم خاصة بعد ان وضعت الحكومة اسس احدا اهم شرايين الحياة الرئيسية بالمنطقة، وهو تأسيس ناديي الزمالك والترسانة بالمنطقة.
الطبقة التي هاجرت بعد ذلك هي الشريحة البرجوازية من الطبقة المتوسطة التي عادت من هجرتها خارج مصر، أو من عملها بالخليج، بنقود استطاعت ان تبني بها احدى العمارات أو الفيلات لتصبح مسكنا ومورد رزق ايضا عند الرغبة في تأجيرها.
وكانت بداية شارع جامعة الدول العربية ببناء بعض الفيلات والتجمعات السكنية الصغيرة توسعت بعد ذلك لتصبح سكنا لرجال الاعمال وكبار السياسيين والسفراء والوزراء الحاليين أو السابقين وقد اطلق في البداية على كل تجمع من الفيلات اسم بلد عربي نسبة الى ساكنيه من السفراء العرب، وهكذا اصبحت هناك منطقة تحمل اسم الرياض واخرى اتحمل اسم العراق وثالثة تحمل اسم «الحجاز» وهكذا اصبحت المنطقة تضم اليوم 54 سفارة وعددا كبيرا من بيوت السفراء او الوزراء ومكاتب الصحف والمجلات العربية والمصرية، ويبلغ ثمن اصغر شقة واقلها تواضعا ما لا يقل عن ربع مليون جنيه، ويتراوح سعر المتر لاي محل تجاري ما بين 30 الى 35 الف جنيه.
يبلغ طول شارع جامعة الدول العربية 3 كيلومترات وعرضه حوالي 80 مترا، وهو العرض الذي يسمح بأن تتحول المنطقة الى منطقة تجارية وسياحية وان كانت تختلف عن سياحة الاثار المعروفة في مصر، الا انها سياحة من نوع جديد، سياحة التجارة، ورجال الاعمال، واسواق الصرافة.
شارع جامعة الدول العربية لا يهدأ ليلا ولا نهارا لذا اذا اردت ان تزوره فيجب ان تهييء نفسك تماما لذلك، لانه لا احد ينام في شارع جامعة الدول العربية.
الشرق الاوسط عدد 15 / 9 / 2004
العربي نمت في الشارع ونمت احلى نومه..
ولو اني شايف هالتقرير كان مانمت وذلك تقديرا لرغبات الكاتب
وفعلا شارع الجامعة من اجمل الشوارع والحي بشكل عام
يتواجد فيها شتى الطبقات من الشعوب العربية
شكرا لك على الموضوع الجميل