كنوز برشلونة .. بتصميم جاودي
تصبغ الأعمال المعمارية لأنتونيو جاودي (Gaudi)، مدينة برشلونة بنكهة خاصة، تجعلها مختلفة، وفريدة، إذا ما قورنت بباقي المدن التي تحيط بها.
وقد احتفلت هذه المدينة مؤخراً بمرور قرن ونصف على ميلاد جاودي المهندس المعماري الفذ الذي كان يصمم الأبنية من وحي خياله، وينفذها كما لو أنه ينحت في الحجر.
إن العديد من المباني التي صممها أنتونيو جاودي غير مخصصة للعامة في العادة، لكنها فتحت أبوابها مؤخراً لإحياء ذكرى ميلاده. ورداً على الذين يعتقدون أن المباني يجب أن تبنى بخطوط مستقيمة وزوايا حادة، أظهرت رؤية جاودي للبناء المعماري الحديث عكس ذلك تماماً، فأعماله مليئة بالأقواس، والبروج، والأشكال المحدبة والمفلطحة، وتداخلات الألوان الصارخة التي تحاكي أغرب إبداعات عالم الطبيعة.
إن المنازل والكنائس التي صممها جاودي تنطلق من تقدير خاص للفن الحديث. وما زالت حتى الآن تتلألأ فيها الحجارة التي تعتبر من كنوز برشلونة.
أما منزل باتلو، الذي سُكن لفترة قرن من الزمان تقريباً، فما زال يدهش الزوار ببروجه المفلطحة وشبابيكه الكستنائية اللون، وأقواسه وأعمدته مع واجهة خضراء محرشفة الشكل، ومداخن لولبية.
ونادراً ما تجد طريقاً مستقيماً في هذا المنزل، فكل شيء فيه قائم على التعرجات والالتواءات، والأقواس. إنه فعلاً أعجوبة منحوتة في الصخر. وعلى مقربة من هذا المنزل نجد منزل "ميلا" والمعروف ب "البيدريرا" بشرفته الجذابة وواجهته التي يتهيأ لك أنها منحوتة.
وعلى مقربة من البلدة يجد الزوار حديقة غويل الخضراء، التي صممت بطريقة تبدو فيها خيالية. وهي الآن تمثل مساحة خضراء مناسبة للنزهات القصيرة التي يقوم بها الرومانسيون والحالمون.
وتتمثل إشراقة هذه الحديقة في جدرانها المتماوجة التي تنسجم مع مقاعدها المنحنية ذات الطابع الفسيفسائي الخزفي الملون بألوان صارخة. إلا أن أبرز ما تركه جاودي، هو كنيسة عائلة ساغرادا، التي تقف أبراجها كقلعة رملية ضخمة على الشاطىء.
وبعد 120 سنة، فإن أربعة أبراج فقط قد وصلت إلى ارتفاع كبير (115م / 380 قدم) إلا أن أعلى برج قد يصل ارتفاعه إلى (170م / 560 قدم) فوق موقع بناء جاودي الخالد. وخلال الأربعين عاماً الأخيرة من حياته - حيث توفى عام 1926- تولى جاودي إدارة المشروع بنفسه، وقد احتاج هذا المشروع نصف قرن آخر قبل إنهاء أعمال البناء الذي تم تمويله من قبل المتبرعين.
لقد حولت الألعاب الأولمبية (1992) برشلونة إلى حاضرة مدينية حقيقية تتسم بكبرياء القدم، وروح الحداثة. فقد جُددت البنية التحتية، وأُزيلت الأعمال المعمارية غير المتناسقة التي تعود لفترة الفرانكو. أما الإرث التاريخي الذي يعود للرومان والقرون الوسطى فقد أعيد تجديده، وتم تحويل الميناء القديم إلى واحة، وبُني ميناء حديث، وتم إضافة ست شواطىء وإنشاء مواقع حضارية ورياضية مختلفة. إنه لمن الصعب أن نجد مدينة أخرى في أوروبا مرت بكل تلك التغييرات السريعة الكاملة.