- البداية
- في الداخل
لدى المرور على الطريق المؤدية الى بلدة خربة سلم (قضاء بنت جبيل) تصادف عدداً لا بأس به من البيوت الفخمة والقصور الحديثة المنتشرة على التلال المحيطة بالبلدة. غير أن اللاّفت من بينها بناء حجري ضخم يحمل معالم القلاع القديمة, بدأ اخيراً بجذب الانتباه , هو القابع على واحدة من أعلى تلك التلال . وإذا سألت عن ذلك المبنى المميز بعمارته وهندسته تفاجأ بأن الجواب هو "قلعة موسى" .
عند الوصول الى مدخل القصر, تتأكد ان المبنى الذي امامك يفوق حجماً قصر موسى الشهير، سيما وان اعمال البناء في قلعة موسى"الجنوبية" هي نتاج مجهود فردي لصاحب المشروع يوسف ياسين شعبان، الملقب ب"ابو موسى" .
يدفعك المشهد الجميل الى الاسراع بالتقاط الصور, قبل ان يصل رجل اربعيني معرّفاً عن نفسه انه صاحب القلعة.
الفكرة قديمة تعود الى ايام الطفولة، يروي أبو موسى، الذي ينتمي الى اسرة تعشق الفنّ, خصوصاً الرسم والنحت, فوالده كان مشهوراً باتقانه احد اشكال النحت المتعلقة ببيوت الوجهاء وعليّة القوم. اما شقيقه فهو المرحوم بهيج شعبان, النقيب السابق لخطاطي الصحف، الذي توفي عام 1984.
هدفي، يقول أبو موسى، ان اقوم بعمل مميز لخربة سلم خصوصاً والجنوب عموماً. ويضيف ان الجنوب يفتقد الى معالم تحفظ تراث وسيرة رجالات هذه المنطقة. ويؤكد ان في نيته اقامة متحف يجسّد هذا الهدف, ويشمل مختلف مراحل وحقبات تاريخ الجنوب اللبناني لجهة الاحداث المهمة والشخصيات المتميزة, التي لم تأخذ حقها في التعريف, خصوصاً لدى الأجيال الجديدة, امثال العالم رمّال رمّال او المرجع السيد محسن الأمين وغيرهما.
في هذا السياق سيكون للمقاومة جناح خاص في المتحف الذي ينوي شعبان اقامته سيضمّ مجسمات ولوحات تروي تاريخ العمل المقاوم. ومن الخطوات أيضا مطعم تراثي ونزل صغير بجناح خاص بالعائلات، للقادمين من أماكن بعيدة.
البداية
بدأ تنفيذ البناء في صيف العام 1993, حين كان الجنوب، وخربة سلم, هدفاً يومياً لاعتداءات المدفعية الاسرائيلية والطيران، ما ادّى الى تأخير عمليات البناء , سيما وأن عدداً من القذائف سقط داخل حرم القصر وأدى في حينه الى تضرّره بشكل واضح.
هنا يجدر القول ان أبا موسى كان يعمل في ظل هذه الأجواء باصرار وتصميم, ما حدا بالمقربين منه, خصوصاً قوات الطوارئ الدولية- التي يعمل لديها كموظف- الى نعته ب"السوبر مجنون"، وذلك في اشارة الى اصل الفكرة, عدا عن ظروف تجسيدها في ذلك الوقت.
بالاضافة الى تميّز البناء النابع من الجهد الفردي في تشييده, هناك ميزة اخرى تكمن في ان المواد المستخدمة في البناء هي نتاج تصنيع وتركيب شخصي ايضاً. فمثلاً الغلاف الخارجي الذي يغطي كامل المبنى هو عبارة عن خلطة من ابتكار شعبان, وهي مادة تتمتع بمواصفات تضاهي الاسمنت. فقد وضعت قيد التجربة مدة عام ونصف تحت تأثير عوامل مناخية مختلفة, وليس ذلك فحسب, إذ أن زجاج النوافذ الذي سيتم تركيبه هو من تصنيع ابي موسى نفسه، الى جانب عمليات الزخرفة والتلوين التي سيخضع لها ذلك الزجاج.
في الداخل
داخل المبنى, في الجناح المخصص لانشاء المتحف، ترى عشرات المنحوتات الصخرية التي تمثّل وجوه شخصيات لبنانية وعربية وعالمية, قديمة ومعاصرة، من سياسيين وفنانين وادباء, من بينها تمثال حجري ملون لفلاّح لبناني بالحجم الطبيعي.
تبلغ مساحة ارض المشروع نحو خمسة آلاف متر مربع, وتبلغ مساحة المبنى نحو250 مترا لكل من طوابقه الخمسة. وتتألف القلعة من مدخلين كبيرين قام يوسف شعبان باطلاق اسم والديه على احدهما واسم شقيقته على الآخر, الى جانب تسعة ابراج ضخمة يحمل كل منها اسم احد اشقائه التسعة.
وحول ما يشاع عن تأثره بقصر موسى المعماري في بيت الدين يقول: لم اتأثر به, وهذا واضح في نمط البناء المختلف الذي سرت عليه, فالخبير في هذا المضمار بامكانه ان يلاحظ الفرق الكبير بين القلعتين. ويلفت الى ان الفكرة قديمة كما ان هندسة وتصميم المشروع في الاصل صورة في مخيلته ولم يلجأ الى الخرائط او الرسوم الهندسية, بل كانت مراحل التنفيذ تتم بشكل "ارتجالي" مستندة الى ما يحمله من افكار
وتصورات, ما جعله يصبح لاحقاً صاحب رأي يعتدّ به في حقل البناء والتصميم في اوساط معارفه واصدقائه.
لجهة التكلفة المادية للقلعة يؤكد شعبان انه لا يستطيع وضع تصور لمجمل التكاليف التي انفقت حتى الآن, فالجانب المادي لا يعنيه, وهو لم يكن بوارد التوقف عنده, ويذكر هنا انه عرض عليه من قبل متمولين عرب شراء القلعة او مشاركته فيها لكنه رفض. الاّ انه في المقابل لا ينكر الحاجة الى الدعم المادي لما تبقّى من مراحل المشروع الكثيرة التي يحلم في انجازها.
رغم ان مشروع القلعة لم ينجز بعد, فان المكان اصبح مزاراً للعديد من الشخصيات والدبلوماسيين والسياح العرب والأجانب. ففي كثير من الأحيان يفاجأ ابو موسى بعدد منهم يتجول في طوابق القلعة, او بالحافلات السياحية تصطفّ في الباحة الخارجية, وفي الوقت الذي لا يبدي فيه شعبان أي انزعاج من ذلك, بل على العكس-يقوم باستضافتهم وابقائهم الى مائدته- الاّ انه يفضّل ان يرى الناس فكرته منجزة بشكل كامل, وهو ما سيحصل بعد عام من الآن كما يؤكد.
منقول للاطلاع على الابداع الذي يوجد في كل مكان من لبنان