- 8جزيزة و 177 قناة و 400 جسر
- سقوط عكا
تتغني الكثير من المدن الجميلة الرائعة باسم (البندقية والتي اطلق عليها فيما بعد فينيسيا) فها هي العاصمة السويدية استكهولم تطلق على نفسها ( فينيسيا الشمال),
ومدينة سان بطرسبورج تسمى (فينيسيا روسيا) وفي لوس انجلوس الامريكية اطلقوا على احدى شواطئها اسم فينيسيا التي لا تشبهها اية مدينة اخرى وذلك لامكانياتها الخاصة التي لا توجد في غيرها او تكون بديلا عنها. واكثر من ذلك اعتبرت المدينة محطة هامة ونقطة تحول استراتيجية في شتى الميادين السياسية والتجارية والموسيقية والفنية, فمنها استوحى ويليام شكسبير حوارات مسرحيته الشهيرة تاجر البندقية, وقال عنها الروائي الفرنسي الشهير مارسيل بروست (عند وصولي فينيسيا, ادركت ان أحلامي تحققت واصبحت عنوان حياتي).
وتحتضن المدينة اثار اقدام الشاعر الانجليزي (اللورد بايرون) والمخرج الايطالي فيلليني. وقال عنها الروائي الفرنسي الشهير مارسيل بروست (عند وصولي مدينة فينيسيا, ادركت ان أحلامي تحققت واصبحت عنوان حياتي), وتعرض اعمال فيردي, روسيني, واجنر وسترافنسكي, والاكثر من ذلك فهي موطن الرحال الشهير ماركو بولو الذي اكتشف النظارات والايس كريم ومعكرونة الازباجيتي, وحاضنة الروائي الانجليزي شارلز ديكنز والفرنسيين بلزاك وبروست والموسيقار ديبوسي .
إلهام شكسبير :ولم يبدع ويليام شكسبير في مسرحيته الشهيرة (تاجر البندقية) من فراغ وانما لوجود ظروف معينة ساهمت في اخراج مثل تلك الاعمال المتميزة وذلك بايحاءات شوارع مدينة البندقية الشهيرة, وهي المسرحية التي تتكون من خمسة فصول كتبها خلال المرحلة الثانية من حياته 1595 - 1600 , ضمن 10 اعمال رائعة قبل ان يبدع مسرحية هاملت وبعد مسرحية روميو وجوليت , وبدت شخصية انطونيو هو تاجر البندقية حيث بدا كل من انطونيو وسالاريفو وسولانيو في حوارات شيقة.
يعيش اهالي المدينة وخاصة الزوار على انغام الموسيقى التي تنطلق من المقاهي وتترك صدى على حركات المياه التي تعكس كل ما يجري على الجانبين وخاصة بمقطوعات موسيقية ل (دومينكو ولفيفالدي وفرقة البلاتزر والغناء الاوبرالي لفيردي) ومن اشهر المقاهي (باكارو). وتروي بنايات وحارات الشوارع الضيقة للمدينة حكايات وروايات تاريخية منها: انهم كانوا يقومون بالاحتفالات الخاصة بزواج الحاكم الملقب بالدوق, من خلال استخدام حبل يلقوه اليه يوم الزواج ويعني لديهم حمايته وتحصينه من مخاطر المحيط والمياه وغدرها, وكانت اكثر الروايات والقصص الخيالية قد تزايدت وابتدعت بصورة كبيرة مقترنة بخيال واسع عند عودة الرحالة ماركو بولو ابن مدينة البندقية في عام 1295 قادما من منطقة الشرق التي عاش فيها نحو 25 عاما, وكان يروي لهم الاحداث التي مرت به خلال تلك الفترة والروايات العجيبة التي واجهته مع الملوك والاعيان وكبار الشخصيات في تلك البلدان الامبراطورية والملكية التي عاش بها طوال تلك الفترة, لذلك سماه اهل المدينة باسم (صاحب المليون حكاية) , واصبح منزل بولو الذي لا يزال قائما حتى الان محطة تاريخية وسياحية للزوار في ميدان المليون الثاني وسط المدينة. بل اكثر من ذلك فقد كانت المدينة مصدر الهام وايحاء العديد من الشعراء والموسيقيين والملهمين فقد قام الموسيقار الالماني المعروف (فاجنر) بوضع مؤلفه السيمفوني (تريستان وايزولد) فيما كتب الفرنسي (مارسي بروست) عصارة افكاره حول الوقت والحياة الضائعة والزمن الجديد من عمر الانسان. كما وضع الموسيقار (مونتفردي) بصماته الرائعة حيث كان يؤدي مقطوعاته الموسيقية عزفا على اوتار الارغن تحت اقواس كاتدرائية سان ماركو ذات الالوان الذهبية. وعندما قرر الكاتب الروائي الفيلسوف الايطالي ان يطلق اسما معينا على فينسيا لم يجد افضل من تسميتها (المدينة الخفية). ومن المحتمل ان يكون (امبرتو) محقا عندما وصف المدينة قبل مئة عام بانها غرقت في المياه 23 سنتمترا بل اكد بانها تغرق كل لحظة. ومن جانبه قال الكاتب والروائي الالماني الشهير (توما مان) عن الموت واصفا مياه المدينة لحظة ما تحمل القوارب المختلفة بانها توابيت تطفو على المياه.
ووصف الكثير من المفكرين والادباء المدينة انطلاقا مما شاهدوه وعايشوه فيها فتوجد حتى الان مكتبة (هاري) التي كتب عنها الكانت ارنست همنجواى وجذب اليها ملايين القراء لدرجة انها مع مرور الزمن اصبحت المقصد رقم واحد لدى الزوار والسياح على السواء. وكتب توماس مان رواية حول المدينة باسم (الموت في فينيسيا) فيما توجد في المدينة اثار اقدام الشاعر الانجليزي (اللورد بايرون) في اماكن كثيرة من المدينة التي عشقها حتى اخر لحظات حياته. حيث كان في الفندق يجسد مغامراته وجولاته وصولاته الغرامية شعرا رومانسيا وكتاباته داخل الفندق.
وعاش بها المخرج الايطالي فيلليني وابدع باعماله الرائعة. وقال عنها الروائي الفرنسي الشهير مارسيل بروست (عند وصولي مدينة فينيسيا, ادركت ان أحلامي تحققت واصبحت عنوان حياتي)
لا تزال القصور المطلة على المياه شاهدة على عراقة الماضي والتاريخ القديم للمدينة خلال العصور الماضية بل هي صفحات من كتاب تاريخي مفتوح على مصراعيه تروي مشاهد وتعيد احداث التاريخ الماضي وخاصة في اركان الحواري والطرقات التي تسمى: الكالي, الكورتيس , البيسينا الفياز, وفي الوقت نفسه تعاني المدينة من مشكلة القطط الضالة التي تحتل اكثر من ثلثيها, اضافة الى المياه المحيطة بها من كل جانب لدرجة ان الاقوال تكثر هذه الايام بتحقق توقعات الكاتب الفرنسي (بول موران) في روايته (البندقية تغرق هل يكون هذا اجمل الاشياء التي يمكن ان تحصل لها؟) والمفارقة الغريبة تقول: كم هي حزينة البندقية لانها على وشك ان تغرق في المياه, لذلك فبينها وبين البحر علاقة متميزة بحيث صار اسمها مقرونا به ولا ينفصلان.
وتعتبر ساحة الترمين المعروفة منذ القرون الوسطى وتحديدا القرن الرابع عشر واسمها (فوروم ادريس نون اوربيس) اي (ليس ساحة العالم وليس ساحة المدينة) فيما يبلغ عمر التماثيل والقصور التاريخية التي تنتشر في كل مكان من المدينة نحو 700 عام. وتمكنت خلال اكثر من الف عام ان تبرز الى العالم وتكون دولة ذات مواصفات مميزة من حيث الثروة وجمال الطبيعة عن بقية المناطق في تلك الفترة حيث هناك فندق (دانييلي) التاريخي والذي احتضن مشاهير الفن والادب منهم الروائي الانجليزي شارلز ديكنز والفرنسيين بلزاك وبروست والموسيقار ديبوسي .
8جزيزة و 177 قناة و 400 جسر
اما عن تاريخ المدينة التي تسمى ايضا (لؤلؤة ايطاليا وتتكون من 118 جزيرة, 177 قناة و400 جسر تعتبر بمثابة الغطاء الذي يكسو المدينة ولها اسماء عديدة منها: جسر التنهدات, جسر المشاكس, جسر الحلمات), فيمكن القول بانها عاصمة مقاطعة فينيسيا واقليم فينيتو في الشمال الشرقي لايطاليا وتقع على خليج فينيسيا في نهاية شمال بحر الادرياتيك. تمددت الحدود السياسية للمدينة في عام 1927 لتشمل منطقة اساسية حول بحيرة فينيسيا اضافة الى 118 جزيرة صغيرة تابعة للبحيرة والتي تكون فينيسيا التاريخية. ويبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة ويتجسد تاريخ المدينة في القناة الضخمة التي هي الشريان الرئيسي والحيوي لحركة المرور الهامة التي تحمل شكل إس باللغة الانجليزية S حيث تعتمد الأبنية على الطراز المعماري القوطي وفن العمارة الرومانسيكي الذي انتشر في اوائل القرون الوسطى بين عهدي الرومان والقوطي والفنون البيزنطية. رغم ذلك فان طريقا ضيقا يربط الارض الرئيسية مع المدينة التاريخية, طرق السيارات والمباني في شمال الجزيرة وتتمثل فنون المدينة في العديد من المتاحف ودور السينما والمسرح والمهرجانات السنوية اضافة الى عروض الاوبرا التي لا تزال تعرض على خشبة مسرح فينيسيا القومي وتعرض على وجه الخصوص اعمال (فيردي, روسيني, واجنر وسترافنسكي) وهم من اوائل الذين قدموا عمالهم في الجزيزة. وفي عام 697 شهدت البندقية اول قاض لجمهوريتي البندقية وجنوا, وفي عام 1275 وصل ماركو بولو الى الصين فاتحا الطريق التجاري بين اوروبا والشرق الاقصي, وفي عام 1380 هزمت جنوا المنافس الاوروبي الوحيد للسيطرة على المياه وذلك في معركة ليبانتو عام ,1571 وفي عام 1866 اصبحت جزءا من المملكة الايطالية.
وكانت المراكب تبحر من البندقية الى رومانيا بقوافل موسمية ولمدة واحدة وكانت القسطنطينية هي محط رحال هذه القوافل حيث تجلب سلع ومنتجات منطقة البحر المتوسط وهي نقطة كانت مراكب البندقية تأتي الى بيروت ثم الاسكندرية, حيث كانت هناك سوق البندقية الشهرية واشتهرت جنوا والبندقية باعتبارها اول المدن الايطالية التي كانت تتعامل بالرقيق وتجارة الاخشاب ويؤكد ذلك ما قاله دوق البندقية موسينجو وهو على فراش الموت عام 1423 (البندقية كانت تصدر الى الشرق حيث تتواجد شواطئها المزدهرة فحمل جنوا وثياب ميلانو المذهب واثواب فلورنسا الصوفية المشهورة وكانت تستفيد من صناعتهم وتجارتهم).
كما كانت جنوا والبندقية قد دخلتا في حرب طاحنة عقب عدة حوادث جرت في عكا عام 1257 فقد اقدم الاهالي على قتل عدد من سكان جنوا الذين هبوا ونهبوا الحي البندقي وانتقل القتال الى دير يفصل بين الحيين كما انقسم اهالي عكا فمنهم من أيدوا هذا الفريق او ذاك, فالبيارنة وفرسان الهيكل وتجار المقاطعات وقفوا مع البندقية فيما شارك العديد من البارونات الى جانب اهالي جنوا, ولكن سكان البندقية تغلبوا على خصومهم رغم تفوق اهالي جنوا واسطولهم البحري حيث خسروا نحو 1700 قتيل, وكانت هناك ايضا معركة في ستبوزي عام 1263 ومرة اخرى كان النصر من نصيب البندقية.
سقوط عكا
وفي الوقت نفسه فقد ادى سقوط عكا الى ازدهار منطقة (لاجازو) الواقعة في منطقة اسيا الوسطى وتحويلها الى مركز للصراع ما بين الجنويين والبنادقة فيما استمرت طرق التجارة بين البندقية وسوريا وعكا وطرابلس لنقل الحجاج والبضائع والقطن السوري من ميناء اللاذقية. وفي القرن الخامس عشر اعتبر النقد الذهبي البندقي نقدا دوليا حيث اعتمد من قبل الحكام المسلمين والمسيحيين شرق وغرب المتوسط اضافة الى تبادل السفارات بين البندقية والسلطان قانصو الغوري, وخاصة سفارة (الفير ساجادينو) في القاهرة وذلك بهدف تعزيز الوضع التجاري بين الاطراف كلها.
وفي عام 1395 وعند احتلال تيمور لينك منطقة (تانا) انتهى الرق, كما ان سقوط القسطنطينية بيد العثمانيين عام 453 شجع السلطان محمد الثاني علي منع اهالي البندقية من نقل الارقاء المسلمين في كافة السلطنة ولم يسمح لهم الا بنقل الارقاء النصارى.
ويؤكد مدى اهمية المدينة التاريخية ودور المسلمين في تنشيط الحركة التجارية فيها ما جاء في خطاب السلطان قايتباي الى دوق البندقية في 10 شعبان 877 - 1482 (اما القماش الذي يصل الى ابوابنا الشريفة من المخمل فاغلبه مغشوش كالناس اما الجوخ فجرت العادة ان يكون ذراع كل خرقة خمسة وعشرين ذراعا وقد صار الجوخ الان كل خرفة منه لا تبلغ ثلاثين ذراعا وفيه وهو مقطوع من الوسط وتضرر تجار المسلمين بواسطة ذلك) - هذه الوثيقة من ارشيف الوثائق بالبندقية باللغة العربية وهي من مجموعة الدكتور توفيق اسكندر.
ويشهد التاريخ ان البندقية كانت في الايام الماضية حانقة على سلاطين مصر بسبب مصادرة احد مراكبها في غزة وعليه حمولة ضخمة من المعادن الثمينة وايضا لاعتقال مواطنيها وسجنهم في مصر, وقامت المدينة بلعبة مزدوجة خلال الحرب بين المماليك والعثمانيين وخصاة في جبهة مرة دابق ومعركة الريدانية ولم تتدخل مع احد انتظارا للمنتصر من بين الخصمين لتعرف مع من تتعامل وكيف سيكون ذلك, كما شجعت البندقية ووقعت مع السلطان الغوري اتفاقية لقطع الاخشاب من خليج الاسكندرونة وبناء الاسطول وتجهيز حملة السويس لدرء خطر البرتغاليين في المحيط الهندي بهدف حماية طريق الفلفل والتجارة الشرقية للحفاظ على مركزها التجاري وكذلك باعتبارها محطة التجار من كافة دول العالم, فالحرير كان يأتي من الصين والتوابل والمجوهرات والاحجار الكريمة من بلاد الهند والشرق بصورة عامة.
ماشاءالله عليك واضح انك تعشق ايطاليا ......... مشكور على هذا المجهود ويعطيك العافية