1. بوابة ضيوف الرحمن إلى مكة المكرمة


2. ميناء مزدهر


3. التأثير الأوروبي


4. مدينة المرجان


5. حينما كانت المياه أثمن من النفط


6. أوقات التغيير


7. الذهب الأسود


8. التحول في القرن العشرين


9. فورة الازدهار


10. التوسع الصناعي


11. الزراعة والغذاء


12. جدة التجارية


13. زيارة جدة

بوابة ضيوف الرحمن إلى مكة المكرمة

بعد بزوغ فجر الإسلام بست وعشرين سنة، تحولت جدة إلى ميناء رئيسي لوصول حجاج بيت الله الحرام عن طريق البحر لزيارة مكة المكرمة التي تقع على بعد سبعين كيلومتراً فقط من جدة، وقبل ذلك كانت الشعيبة التي تقع جنوب الخليج هي ميناء الوصول إلى مكة. وراقت جدة للخليفة عثمان بن عفان الذي كان يبحث عن ميناء آمن من القراصنة، فأقام فيها ميناء أصبح بوابة الحجاج إلى مكة المكرمة، واستمر الأمر كذلك حتى عصرنا الحاضر، حيث يستقبل ميناء ومطار جدة أكثر من مليون حاج كل عام من كافة بقاع العالم الإسلامي.

ميناء مزدهر

أخذت جدة في الازدهار مع استمرار وصول الحجاج الذين فضل بعضهم الاستقرار في جدة والعمل فيها. وفي عام م زار الشاعر الفارسي ناصر خسرو جدة، ووصفها بأنها "مدينة عظيمة محاطة بسور متين وعدد سكانها يصل إلى حوالي خمسة آلاف شخص." وعلى أية حال فقد شكل فاسكو دي جاما في القرن الخامس عشر تحدياً لما تشهده جدة من ازدهار حينما أبحر حول أفريقيا مفتتحاً طريقاً جديداً للبرتغاليين لاستكشاف آفاق مذهلة للتجارة مع الشرق. ومع ظهور تهديدات من القوى البحرية الأوروبية الناشئة في ذلك الحين، قام حسين الكردي الذي نصب نفسه حاكماً على جدة بإعادة بناء أسوار المدينة، والتي تمكنت من صد هجوم البرتغاليين وحصارهم لها. وبقيت جدة مستقلة بقية القرن الخامس عشر، ولكنها سقطت أمام الأتراك في بداية القرن السادس عشر وأصبحت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية تحت حكم شريف مكة الذي عينه الأتراك.

التأثير الأوروبي

وخلال القرنين التاليين احتكر البرتغاليون والهولنديون والإنجليز النشاط التجاري مع الشرق، واضمحلت مكانة جدة كمركز تجاري رئيسي لتصبح منطقة عبور فقط لجزء صغير من التجارة بين مصر والهند. وعلى الرغم من أن جدة قد حصلت على بعض الدخل كنقطة وصول للحجيج القادمين إلى مكة إلا أنها بصفة عامة شهدت فترة ركود وتعرضت مبانيها وأسوارها للإهمال.
وفي أوائل القرن التاسع عشر زال حكم الأتراك على أيدي آل سعود الذي هجموا على الجنوب انطلاقاً من معاقلهم الحصينة في المنطقة الجنوبية من الجزيرة العربية، وأعقب ذلك الغزو المصري، ثم استعاد الأتراك نفوذهم مرة أخرى عام م حينما تحالفوا مع شريف مكة. وشهدت جدة فترة ثراء مع ازدهار التجارة مع الهند وأقامت الإمبراطوريات الأوروبية قنصليات في جدة لتسهيل التجارة ومساعدة التجار والرحالة خلال فترات بقائهم في جدة.
وبحلول منتصف القرن التاسع عشر أدت الهيمنة الغربية الإمبريالية على الشعوب الإسلامية إلى شعور بالامتعاض في مختلف أرجاء العالم الإسلامي. وتجلى هذا الشعور في جدة حينما وقع هجوم على مجموعة من الدبلوماسيين والتجار البريطانيين أثناء سيرهم في بحيرة منقبة التي تقع شمال مدينة جدة. وكان ذلك العصر عصر دبلوماسية البندقية وردت بريطانيا العظمى بإرسال السفينة الحربية سيكلوبس التي قصفت جدة. وسقطت إحدى القذائف قرب مسجد الباشا متسببة في انحراف منارة المسجد. وظلت المنارة المائلة موجودة لأكثر من مئة عام وكانت معلماً من معالم جدة إلى أن أزيلت في العام م.

مدينة المرجان

بدأت النهضة التجارية الحقيقية في جدة عام م مع افتتاح قناة السويس، وبنهاية القرن أصبحت هناك صلات تجارية مع الموانئ الأخرى في العالم العربي في مصر وأفريقيا والهند والموانئ الأوروبية مثل ليفربول ومرسيليا. وظلت العديد من هذه الروابط قائمة إلى عصرنا الحاضر وكانت مصدراً لثراء العديد من العائلات المعروفة.
وفي ذلك العصر قام تجار معروفون أصول معظمهم من حضرموت والهند ويافا بتشييد مساكن فخمة لأسرهم مستخدمين مكعبات الحجر الكلسي المرجاني المأخوذة من الأسوار الشمالية لجدة، واستخدموا مادة مستخرجة من قلب أشجار النخيل كمادة أسمنتية. وترتفع تلك البيوت سامقة إلى السماء لينساب نسيم البحر البارد عبر نوافذها الخشبية الرائعة التي تسمى رواشين (مفردها روشان) والبلكونات, وما يزال بعض من هذه البيوت قائم في حي البلد الذي يقع في قلب جدة القديمة، حيث تتولى الجهات الحكومية المسئولة صيانتها باستمرار والمحافظة عليها. فإذا تمعن الزائر في هذه البيوت سيشاهد صخور مرجانية تحتوي على قواقع متحجرة وكائنات بحرية أخرى في جدران العديد من هذه المباني، وسيلاحظ الأبواب والنوافذ الخشبية المنحوتة التي تعد السمة المميزة لهذه البيوت التي تصنع أفخمها من خشب الساج الذي كان يستورده العسكر البحريين من يافا والهند خلال فترات رسو سفنهم في الموانئ.
ومن بيوت التجار القديمة المميزة هناك بيت عائلة نور والي المشهور بحمامه الجميل على الطابق العلوي والمدهون بألوان رائعة والمُضاء بمصابيح زجاجية كروية على سقفه الذي يأخذ شكل القبة. وهناك أيضاً بيت باناجة ذو المدخلين المصنوعين من الخشب المنحوت وبيت نصيف الذي يعتبر الأكثر شهرة والذي يحتوي على خمسين حجرة. يقع بيت آل نصيف على بداية شارع العلوي الذي يعتبر من أجمل أحياء جدة القديمة، بجوار متاجر بيع الأعشاب والبهارات والعطور. وكان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، رحمه الله، قد أقام في ذلك البيت خلال زياراته الأولى لمدينة جدة.
كان بيت نصيف يعرف باسم بيت الشجرة وذلك لأن الشجرة التي كانت أمامه كانت الوحيدة في جدة بأكملها حتى العشرينيات من القرن الماضي، وفي وقت من السنة كانت أغصان هذه الشجرة تصبح سوداء بسبب الطيور المهاجرة التي كانت تستريح عليها أثناء رحلتها جنوباً. وما تزال هذه الشجرة قائمة، ولكنها لم تعد الوحيدة بعد توفر موارد المياه من وحدة تحلية المياه التي أتاحت لجدة أن تصبح مدينة مخضرة بأشجار النخيل وجوز الهند وأشجار اللهب الأفريقية والجكرندة والدفلي والياسمين والخبيزة والبوغنفيلية.

حينما كانت المياه أثمن من النفط

كان شح المياه هو المعضلة الرئيسية لسكان مدينة جدة منذ نشأتها الأولى. وقبل حوالي سنة حينما كانت جدة خاضعة لحكام الفرس، تم حفر أكثر من ثلاثمائة بئر وحوض ماء لتوفير المياه للسكان الذين يتزايد عددهم، إلا أن هذه الموارد المائية نضبت في نهاية الأمر، وفي عام م ذكر الدنمركي كارستين نيبور الذي زار جدة أن "مدينة جدة تعاني من شح كبير في المياه وأن على السكان الاعتماد على ما يتم تجميعه في الخزانات بين التلال ونقله إليها بالجمال."
وفي بداية القرن العشرين قامت جدة بأولى محاولاتها لإنتاج مياهها المحلاة عن طريق استخدام مكثف لمياه البحر. ولم تحقق التجربة نجاحاً كبيراً بسبب أن الكنداسة، وهو الاسم الذي أطلقه سكانها على جهاز التكثيف، كان ينتج كميات ضئيلة من المياه والكثير من الضوضاء. يقول الشاعر محمد سيد عتيبي في احتفال التدشين، "أنقذونا من صخب الكنداسة".
وعلى النقيض للعدد المحدود من جالونات المياه التي كانت تنتجها الكنداسة كل يوم، تحسنت إمدادات المياه بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن ساهمت عائدات النفط في تمويل عملية ضخ ثلاثة ملايين جالون من المياه يومياً من آبار في وادي فاطمة التي تبعد خمسين ميلاً إلى الجنوب. ولكن مع تدفق الثروة النفطية تدفق المزيد والمزيد من البشر، وأصبحت المياه أثمن من النفط. وأخيراً تم التوصل إلى حل لهذه المشكلة في أواخر السبعينيات عن طريق تركيب أربعة وحدات تحلية على بحيرة ساحلية شمال جدة. وتمكنت هذه الوحدات العملاقة من تحلية ثمانية ملايين جالون من مياه البحر يومياً، وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب وفي الوقت نفسه إنتاج طاقة كهربائية منخفضة الثمن لتغذية مدينة جدة بأكملها.
ولإضفاء لمسة جمالية على المدينة، قامت بلدية جدة بجمع الأجزاء المتبقية من الكنداسة القديمة وكلفت أحد الفنانين بتجميعها في شكل تمثال، والذي يحتل حالياً أحد الميادين بجوار محطة التحلية الجديدة، ليحفظ في ذاكرة الأجيال القادمة تاريخ جدة المجيد.

أوقات التغيير

كانت أهم صادرات جدة في بداية القرن العشرين هي جلود الحيوانات، وفي عام م بلغت قيمة الواردات ضعف قيمة الصادرات، وكانت تتشكل في معظمها من الأرز والحبوب الضرورية لتلبية متطلبات الحجيج، وعلى أية حال فإن هذا الاختلال الهائل في الموازنة كان يتم تغطيته من إنفاق الحجيج. وفي ذلك الوقت كانت جدة ما تزال مدينة صغيرة محاطة بالأسوار، حيث يصفها لورنس العرب، الذي أقام فيها عام م خلال الانتداب البريطاني، بأنها "مثل مدينة ميتة، ذات أسقف نظيفة وهادئة للغاية." وما يزال بيت المفوض البريطاني قائماً، حيث يعرف باسم بيت لورنس، بعد أن تم ترميمه ليصبح مركز تراثي يستضيف متحف البلدية، ويقع حالياً بجوار مبنى البنك الأهلي التجاري الضخم الذي جعل بيت لورنس يبدو قزماً بجواره.
كانت السياسة الخارجية البريطانية وراء زيارة لورنس في ذلك العام، وهي التي جعلت من شريف مكة يتخلى عن الأتراك بعد أن دفع له مبلغ عشرة ملايين جنيه ذهبية. وعلى أية حال فإن حكم الشريف حسين لم يستمر لأكثر من تسع سنوات، بعد أن عاد آل سعود بقيادة عبد العزيز ليتولوا مقاليد السلطة في وسط الجزيرة العربية وامتد سلطانهم من قلعتهم الرياض ليحاصروا مدينة جدة. وبفضل المزارع وآبار المياه الموجودة في وادي فاطمة تمكن آل سعود من إحكام الحصار على جدة التي صمدت طويلاً، لتسلم مفاتيح أبوابها في ديسمبر م.

الذهب الأسود

والمدهش أن المدينة لم تشهد تغييراً كبيراً على الرغم من حركة الحجيج والتجار والمستعمرين المستمرة خلال فترة تقارب تسعمائة عام تمتد من زيارة نصر خسرو وحتى وصول عبد العزيز آل سعود.
وبخلاف ثكنات الأتراك إلى الشرق من البحيرة، لم يكن هناك الكثير خارج أسوار جدة. وسيدهش الذين يعرفون جدة اليوم حينما يعلمون أن حي الرويس الذي يعد حالياً من أحياء جدة القديمة كان حتى أواخر الأربعينيات قرية ساحلية صغيرة لصيد الأسماك تقع شمال أسوار مدينة جدة، وأن حي بني مالك المزدحم لم يكن غير مستوطنة صحراوية صغيرة.
ويوجد بأسوار جدة خمس أبواب رئيسية هي باب مكة وباب المدينة وباب البنط بجوار رصيف الميناء وباب شريف وباب المغاربة. وبجوار الأبواب كانت توجد فنادق تستضيف الحجيج وغيرهم من الزوار. واستقرت البعثات الدبلوماسية داخل باب المدينة محتلة منطقة أصبحت تعرف باسم بلاد القناصل، وذلك لأن هذه المنطقة كانت تتمتع بهواء عليل في وقت لم تكن فيه مكيفات الهواء معروفة.
وهبت رياح التغيير مع السعوديين، حيث شهدت الثلاثينيات فترة ركود اقتصادي شمل العالم بأسره، الأمر الذي تسبب في انخفاض عدد الحجيج وانخفاض حجم التجارة. وتعرض ازدهار جدة لمعاناة شملت اقتصاد الدولة السعودية الوليدة. وفي مايو من عام م وضع الملك عبد العزيز آل سعود شعبه في طريق الازدهار والثروة حينما منح أول امتياز نفطي لشركة ستاندارد أويل الأمريكية. ووقع وزير المالية السعودي عبد الله السليمان اتفاقية الامتياز في جدة مقابل خمسة وثلاثين ألف جنيه إنجليزي ذهبي تم إيداعها في بيت المال السعودي. وبدأ تدفق النفط بعد خمس سنوات، أي في عام م، إلا أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أدت إلى انخفاض وتيرة التطور الذي شهدته السنوات اللاحقة.

التحول في القرن العشرين

بدأت المملكة العربية السعودية في قطف ثمار الصادرات النفطية في العام م بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. وفي عام م تم هدم أسوار جدة لتهيئة المدينة لأول توسع تشهده بعد ما يقرب من ألف سنة. وبعيداً عن تدفق الحجيج الذي تشهده جدة كل عام، ظل عدد سكان جدة ثابتاً عند حوالي ثلاثين ألف نسمة.
ومع تدفق النفط من الآبار في المنطقة الشرقية، بدأ آل سعود في تحويل مملكتهم إلى دولة عصرية في القرن العشرين. وبدأت مواد البناء ومعدات التشييد والمحركات وكل ما هو ضروري لإقامة البنية التحتية في الوصول إلى ميناء جدة الإسلامي، إلى جانب المعدات والإمدادات الطبية والسيارات ومكيفات الهواء والثلاجات والمعدات المنزلية والمواد الغذائية لتغطية متطلبات الشعب السعودي النامي، وبدأ كذلك وصول العاملين الأجانب إلى الدولة لشغل الوظائف الجديدة التي أوجدها النمو البنائي والاقتصادي الذي شهدته المملكة. ولم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لجدة، فقد كانت هنالك ضرورة كبيرة لبناء شبكة طرق لربط أرجاء المملكة المترامية، والتي تم عبرها نقل الكثير إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكذلك إلى العاصمة الرياض وغيرها من مدن المملكة.
وفي الفترة من - م ارتفع عدد سكان جدة من إلى نسمة، ولم تعد منحصرة داخل أسوارها ولكن كانت تحدها من الجهة الجنوبية المستنقعات الملحية، وتوسعت شمالاً على امتداد الساحل وشرقاً حتى جبال الحجاز التي شكلت حاجزاً لها. وعلى طريق المدينة الذي أصبح شرياناً رئيسياً لجدة، امتدت جدة إلى البغدادية ثم الشرفية التي ما زال يمكن عندها مشاهدة بعض القصور القديمة للعائلة المالكة. ودخل إلى نطاق جدة حي بني مالك وحي الرويس الذي لم يعد قرية لصيادي الأسماك وإنما جزء من اليابسة بعد ردم أجزاء من البحر. وتوقف التوسع عند تقاطع طريق المدينة مع شارع فلسطين لفترة حتى عام م، حينما تضاعفت أسعار النفط وبدأت الفورة النفطية.

فورة الازدهار

يتذكر الكثيرون الفترة من إلى م بشغف باعتبارها العصر الذهبي للمملكة العربية السعودية، حيث كان لقرار مضاعفة أسعار النفط بأربعة أضعاف أثره الكبير في تمكين المملكة من تنفيذ خطط تنمية وتطوير طموحة في بنيتها التحتية وسلك الشعب السعودي نمط إنفاق بذخي اعتماداً على الثروة النفطية. كان البعض يصبح ثرياً بين ليلة وضحاها مع استمرار تشييد الطرق والمساكن والمدارس والمستشفيات والمتاجر ومراكز التسوق بتسارع فاق مرحلة ما قبل الحرب. وتدفق رجال الأعمال والعاملين إلى جدة من كل أنحاء العالم واستمرت المدينة في الاتساع شمالاً متجاوزة شارع فلسطين إلى حي مشرفة لتتوقف عند كبري البيبسي، ووصل عدد السكان إلى مليون نسمة بحلول العام م، وتوسعت المدينة شمالاً على الأرض وعلى امتداد الساحل. وبحلول عام م تضاعف عدد سكان جدة إلى مليوني نسمة، ويقدر عددهم حالياً بمليونين ونصف المليون، وما زال في زيادة مستمرة. ونتيجة لارتفاع معدل المواليد الذي كان سائداً في منتصف الثمانينيات فإن أكثر من من أفراد الشعب السعودي تقل أعمارهم عن عاماً.
وتصاعدت الواردات إلى أرقام فلكية مع ارتفاع الطلب على مواد البناء والسلع الاستهلاكية وانتشارها في كافة أنحاء المملكة. ونجح ميناء جدة بخبرته التي تمتد إلى قرون في التوافق على نحو رائع مع هذه الأرقام، وأحدث توسع وتطور في بنياته التحتية مع تزايد عدد سفن الحاويات القادمة إليه، والتي ترسو خارج الميناء انتظاراً لدورها لتفريغ حمولتها. وخلال اثنا عشر شهراً فقط تم تخفيض زمن عملية دخول الميناء وتفريغ الشحنات إلى ثلاثة أيام فقط. وبحلول العام م، وصلت الشحنات المتجهة إلى الداخل إلى أكثر من ثمانية ملايين طن، وهي زيادة هائلة مقارنة بحوالي طن دخلت ميناء جدة عام م، واستمرت هذه الأرقام في الارتفاع شهراً بعد شهر.
وفي عام م كان عدد السيارات في جدة يعادل عشرين ضعف عددها في عام م، وكانت شحنات السيارات الأمريكية التي كانت المفضلة في ذلك الوقت - على الرغم من أن السيارات اليابانية والأوروبية قد حلت محلها بعد ذلك - تصل يومياً إلى الميناء. ولم يكن بالمستغرب أنه قد تم شحن سيارة عن طريق الجو - بغض النظر عن التكلفة - بسبب أن مالكها يريد أن يكون أول من يمتلك هذا الموديل. وأثرت اليخوت والمجوهرات والثياب الحريرية ومختلف وسائل الفخامة على حياة أهل جدة من المليونيرات الجدد. وازدانت جدة بقصور جديدة رائعة يمتلكها الأمراء والتجار، وانتشرت الفلل والمنتجعات علي طول شواطئ البحر الأحمر بعد أن قامت البلدية بتحويل طريق الساحل إلى كورنيش تزينه أشجار النخيل والنوافير والأرصفة البحرية، الأمر نثر البهجة والمتعة بين سكان وزوار جدة.

التوسع الصناعي

ومع ذلك فإن هذه الأوقات لم تكن جميعها تحاكي أساطير ألف ليلة وليلة. كانت الحكومة السعودية حكيمة بما يكفي لكي تتطلع إلى مستقبل بعيد المدى وأن تبدأ برامج لخطط خمسية بهدف تنظيم نمو المملكة واستقرار اقتصادها. وكان من أهم أساسيات السياسة الاقتصادية تحقيق الاكتفاء الذاتي للمملكة في مختلف المجالات الممكنة، وتقليل الواردات وإيجاد الوظائف لأجيال المستقبل من السعوديين الشباب الذين أصبحوا يشكلون نسبة كبيرة من الشعب السعودي بعد تدفق الثروة النفطية.
وتم إقامة المدن الصناعية ومعاهد تدريب الشباب السعودي بالتعاون مع الغرفة التجارية الصناعية بجدة، والتي تم تأسيسها بموجب أمر ملكي في العام م، وبدأت عملية نقل التقنية. وبدعم من نظام مصرفي ونظام استثمار على مستوى عالمي، أنشأت المملكة صناعات الحديد والصلب وبدأت في تصنيع مواد البناء ومنتجات البلاستيك والسلع المنزلية ومختلف المنتجات مثل المشروبات الغازية والمنظفات وسوائل التنظيف، وذلك وفقاً لتراخيص من علامات تجارية عالمية مثل بيبسي ويونيليفر. وتم إنشاء الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) اعتماداً على أن النفط هو المورد الاقتصادي الرئيسي للمملكة بهدف إنتاج المنتجات الكيماوية، والتي أصبحت الآن واحدة من كبريات الشركات في المملكة.
وساهمت مثل هذه المشاريع في تحويل المملكة العربية السعودية من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة. وفي المجال الصناعي أصبحت شركة أميانتيت العربية السعودية أكبر شركة تصنيع أنابيب الفيبرجلاس المستخدمة في مشاريع البنية التحتية في صناعة المياه على مستوى العالم. ولا تكتفي هذه الشركة، التي يوجد العديد من مصانعها داخل المملكة، بتصدير منتجاتها إلى مختلف دول العالم وحسب ولكنها تمنح تراخيص باستخدام تقنياتها التصنيعية إلى شركات في الخارج، محققة إنجازاً كبيراً نجحت فيه في عكس اتجاه عملية نقل التقنية.
وتمتلك المملكة العربية السعودية موارد أخرى غير النفط، حيث تشير المسوحات الجيولوجية إلى وجود احتياطيات اقتصادية من الذهب والفضة والنحاس والزنك والماغنسيت والكاولين والفوسفات والبوكسايت. وتساهم عمليات استخراج هذه الخامات في تقليل واردات المملكة وزيادة صادراتها.

الزراعة والغذاء

تضع الحكومة السعودية أولوية قصوى لإنتاج الغذاء، حيث قامت بتطوير القطاع الزراعي والذي يقدر حجم نشاطه حالياً بعدة ملايين من الدولارات ويساهم بحوالي من إجمالي الناتج القومي، كما يحقق نمواً سنوياً مقداره منذ عام م. وتمكنت المملكة العربية السعودية اليوم من تحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية وتحولت من دولة مستوردة إلى دولة تصدر القمح والتمر والخضروات والبيض والدواجن والأسماك. وتمتلك المملكة بعض من أكبر وأفضل مزارع تربية الماشية والألبان، حيث تمثل منتجات الألبان أحدى أهم صادراتها.
ويوجد في المملكة العديد من مصانع إنتاج الأغذية، والتي من بينها مجموعة صافولا العملاقة التي تعتبر حالياً أكبر منتج لزيت الذرة في الشرق الأوسط، والتي وسعت نشاطاتها في السنوات الأخيرة بعد أن أقامت في جدة أكبر معمل لتكرير السكر في العالم تحت اسم الشركة المتحدة للسكر. وتعتبر منتجات مجموعة صافولا في الوقت الحالي علامات تجارية رائدة ومعروفة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. ومن قاعدتها في جدة تقوم المجموعة بتوسيع عملياتها إلى دول أخرى في المنطقة.

جدة التجارية

بتراث تجاري يمتد إلى عشرات السنين وباعتبارها موطناً لأنجح التجار ورجال الأعمال في العالم، كان من الطبيعي أن تصبح جدة العاصمة التجارية للمملكة العربية السعودية. وإلى جانب ذلك فإن الموقع الجغرافي لجدة يضعها في قلب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث لا تبعد جميع عواصم المنطقة عن مدينة جدة أكثر من ساعتي طيران، الأمر الذي جعل من جدة مركز تجاري هام في الشرق الأوسط.
ومنذ البداية شجعت الحكومة السعودية قيام المشاريع والشركات الخاصة بهدف تنويع مصادر الاقتصاد الوطني لتفادي الاعتماد الكامل على العائدات النفطية، كما بادرت أخيراً بفتح الدولة أمام الاستثمارات الأجنبية مقدمة للمستثمرين حوافز ومزايا مغرية.
وأصبحت جدة مدينة ترحب بجميع ضيوفها بفضل ما تتمتع به من بنية تحتية متطورة ومطار دولي رئيسي ووسائل اتصالات عصرية ونظام مصرفي واستثماري قوي ومنشآت تجارية عريقة ومستوى رعاية صحي على مستوى عالمي وسلسلة فنادق راقية ومحال ومراكز تجارية حديثة، إلى جانب مينائها البحري الضخم.
وسيجد صغار وكبار رجال الأعمال والمستثمرين كل ما يحتاجونه للعمل بنجاح، وسيجدون كل تعاون ومساعدة من الغرفة التجارية الصناعية بجدة ومجلس جدة للتسويق التابع لها، والذي مهمته الرئيسية الترويج لمدينة جدة كمدينة تتمتع بفرص استثمارية لا حدود لها كوجهة سياحية للزوار المحافظين وذوي الاهتمامات الخاصة.

زيارة جدة

حينما تعتزم زيارة جدة، تذكر أن على الزوار من رجال الأعمال والعائلات والعابرين من غير دول مجلس التعاون الخليجي الحصول على خطاب زيارة من شركة سعودية أو كفيل سعودي آخر، والذي يقوم عندئذ بطلب تأشيرة زيارة للزائر ليتمكن من دخول المملكة العربية السعودية. وعند إصدار الخطاب يصبح من الممكن استلام التأشيرة من السفارة أو القنصلية السعودية في بلد الزائر. ويتم إصدار التأشيرات السياحية فقط للمجموعات السياحية المعتمدة وفقاً للإجراءات الرسمية المتبعة.
ويحتاج من يعتزمون السفر إلي المملكة لأداء