المغترب
30-06-2022 - 06:47 am
اقترن موعد حلول فصل الصيف لدى العديد من العائلات المراكشية بالتفكير في مكان قضاء العطلة الصيفية، وغالبا ما يهتدي اختيار الكثير من الأسر إلى التوجه صوب المدن الشاطئية قصد الاستمتاع بجوها المعتدل، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه مدينة مراكش ارتفاعا كبيرا في درجة الحرارة قد يتجاوز أربعين درجة مئوية وهذا شيء طبيعي خلال هذه الفترة من السنة بالنسبة لهذه المدينة.
غير أن الأجواء الحميمية والإنسانية التي تميز مراكش، والتي لا تقل حرارة عن قيظ صيفها، تجعل هذه المدينة قبلة مفضلة لعشرات الآلاف من الأفراد والأسر الذين يتوافدون طيلة فصل الصيف على فنادقها السياحية المصنفة التي تمتلئ عن آخرها، فلا يجد الزوار بدا من التوجه صوب الفنادق الشعبية التي لا تستطيع في بعض الأوقات استيعاب جميع الزبائن الذين يضطرون أحيانا إلى ايجار المساكن والغرف المفروشة لدى بعض الأسر التي تتعاطى في هذه الخدمة خلال فصل الصيف.
وعلاوة عن الأجواء الحميمية التي تميز طابع الحياة اليومية في مراكش، فالعديد من زوار هذه المدينة من المغاربة يقصدونها خلال فصل الصيف اعتبارا لمناخها الجاف الذي يعتبر صحيا في نظرهم خاصة بالنسبة لساكني المدن الشاطئية.
كما يلعب الموقع الاستراتيجي لمراكش دورا هاما في استقطاب صنف معين من السياح الذين يتوافدون على المدينة في فصل الصيف وهم أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج المتحدرين من الأقاليم (المحافظات) الواقعة جنوب المملكة والذين يعدون بعشرات الآلاف حيث يصبح مشهد عبور السيارات المرقمة في مختلف الدول الأوروبية لشوارع المدينة أمرا لافتا للانتباه خاصة خلال شهري يوليو (تموز) واغسطس (آب).
فخلال فترات الصباح، يتوافد زوار مدينة مراكش على ساحة «جامع الفنا» الشهيرة التي تدب بالحركة على امتداد ساعات اليوم. البعض يتلذذ بشرب أكواب من عصير الليمون لدى باعة هذه الفاكهة الذين اصطفت عرباتهم على شكل مثلث يحتل جزءا كبيرا من مساحة الساحة، البعض الآخر يتسلى بأخذ صور تذكارية مع مروضي الثعابين مقابل خمسة دراهم (نصف دولار) لكل لقطة، غالبا ما يتوجه أفراد الأسر الذين يصطحبون أطفالهم صوب مروضي القردة حيث يجرأ الصغار بسهولة على التقاط صور تذكارية.
أفراد مجموعات «كناوة» للغناء الشعبي بزيهم الأحمر والأخضر المميز يتحركون بخفة ورشاقة في رقعة جانبية من «جامع الفنا» وهم يحركون بين أيديهم «الصناجات» التي تحدث إيقاعا طروبا، حين يتجاوب أحد الزوار العابرين للساحة مع الإيقاع يبادر فرد من المجموعة بالتحرك صوبه حيث يضع على رأسه قبعته المطرزة بأصداف بحرية بيضاء، والمذيلة بظفيرة طالبا منه الاستعداد لأخذ صورة فردية أو رفقة المجموعة.
بمحاذاة ساحة «جامع الفنا» توجد مداخل سوق «السمارين» الشعبية الممتدة على مساحة كبيرة تعبرها أزقة ضيقة مسقوفة في جزء كبير منها بحصير مصنوع من نبات القصب. في هذه السوق «يهيم» المئات من الزوار الذين يحار البعض منهم في التذكار أو البضاعة التي سيشتريها. أصحاب الدكاكين بالمئات يعرضون كل ما يخطر على البال، وما لا يخطر من منتوجات الصناعة التقليدية المغربية الأصيلة. عشرات من العطارين يزينون مداخل دكاكينهم بمواد وأعشاب ذات روائح طيبة، وألوان متنوعة وضعت في أكياس مصنوعة من سعف النخيل بشكل متناغم لا يخلو من ذوق فني. بائعو الحلويات المغربية الأصيلة وهم بأعداد محدودة يفاجأون الزوار بتقديم قطعة من حلوى «كعب الغزال» أو «البريوة» أو«الغريبة» قائلين «باسم الله آسيدي، تفضل» إذا كان الأمر يتعلق برجل أو «باسم الله آلالة، تفضلي» في حال ما إذا كانت امرأة، وهي طريقة ذكية ومهذبة لاستدراج الزبون لاقتناء بعض الحلويات الشهية... في هذه الأجواء «يتيه» السياح الوافدون على مراكش غير آبهين بحرارة الصيف ولا حتى بموعد تناول وجبة الغداء إلا عندما يحين موعد آذان الظهر حيث يشرع أصحاب الدكاكين في إغلاق محلاتهم قصد أداء الصلاة.
عندما يحل المساء تتحول ساحة «جامع الفنا» إلى مهرجان فريد يستقطب الزوار من كل الفئات والأعمار حيث يجد الجميع ما يناسب ذوقه سواء تعلق الأمر بما لذ وطاب من المأكولات، أو فيما يخص أنواع الفرجة والتسلية.
فأصحاب المطاعم المتنقلة يتوافدون على الساحة ابتداء من الساعة الخامسة مساء عارضين أطباق مختلفة من اللحوم المشوية، والأسماك، والكباب، وأصناف السلاطة... وغيرها من المأكولات التي يسيل لها لعاب المارة.
بجانب المطاعم المتنقلة انتشرت حلقات الفرجة والتسلية التي يلتف حول منشطيها العديد من المتتبعين.
فهناك فرق الطرب الشعبي، والمجموعات الغنائية الأمازيغية، والحكواتيون الذين يسردون قصص ألف ليلة وليلة، وروايات «العنترية» و«الأزلية» و«السيرة الهلالية» وغيرها. ضمن منشطي الحلقات يوجد أيضا شباب موهوبون في الكوميديا الشعبية، وآخرون بارعون في الألعاب البهلوانية... لا يمكن للوافد على ساحة «جامع الفنا» خاصة إذا كان سائحا أن يشبع نهمه من هذه «الفرجة الفسيفسائية» التي لايقاوم إغراؤها سواء إبان حرارة الصيف القائظ، أو أثناء «لسعات» البرد القارس.
منقول
المغترب
أخوك
المسافر