رحال عاشق
29-09-2022 - 10:30 am
بسم الله
السلام عليكم
أبغى أتكلم شويه عن الماضي القريب ، يعني قبل أربعين سنة تقريباً ، وعن حارة عزيزة على قلبي ، حارة في مدينة جدة في السعودية ، هي حارة الهنداوية
كنا في سن الصبا غير اللعب واللهو ما عندنا ، حياة بسيطة ما فيها كلفة ولا مشقة ، متسهلة من عند ربنا ، ناس قلوبها طاهرة ، بارك ربنا في حياتهم وبكل شئ لديهم ، فاللقمة تأكِّل عشرة ، صدقوني ما أبالغ
العصرية كانت فلكور منوّع : ساعة يِعَدُّي بياع المنفوش وصوته اللي يلعلع : " منفوش هيا منفوش " ، وأيش من منفوش ! شيئ تأكل أصابعك وراه ، المنفوش يا أحبابي هو دقيق من القمح أو الذرة تنحط على صاج بعد عجنها على شكل قرص كبير ورقيق مرة ، يعني مقاس قطر القرص ما كان يقل عن 60 سم ، ويتكسر من رقته ، وكنا نشتريه بقرشين ، واللي ما عنده إلا قرش يقوم راعي المنفوش يقطع له نصف المنفوش بسكينة ( قطعة من غطاء علبة صلصلة )
وبعد المنفوش .. يِعدِّي صاحب الغُرَيبة وحلاوة السمسم والنارجين ، ووراه بياع الفول والترمس ، وما أحلى صوته وهو يقول : " فول على ترمس والنافع الله يا حلبة " ، وتلاقي كمان بياع اليَغمُش شايل قِدرُه فوق راسه وجالس يجول في الشوارع كل عصرية ، يعني بتلاقي البياعين أشكال وألوان .. شئ تراثي
أما الصَّنايعِيَّة .. فكانوا يتجولوا في الأحياء وهم المنجدين ومصلحي الدوافير ، طبعا زمان .. الناس بتنام على طراريح قُطُن ، وبعد فترة من الزمن القطن ينضغط ويصير قاسي ولا بد من نَفشُه ، فيجي المُنَجِّد ومعاه العصاية حقته ويجلس ينفُش في القطن إلين تصير متباعدة عن بعضها ويرجع يحشيها داخل الطرَّاحة من جديد ويقفلها بالخياط ، ويأخذ أجرته وكانت ما تتعدى ريالين
أما مصلِّح الدَّوافير فكانوا من الجنسية الفلسطينية ، وكان مصلح الدوافير فنان وكنا نحترمه ونشوفه مهندس لأنه بغير الدوافير ما نقدر نطبخ الأكل إلا بطباخات القاز المتعبة واللي تسوِّد القدور ، فكانت أغلب الدوافير يصير فيها تنسيم ، فيجي المهندس ويجلس يشوف مكان الخرم ويجلس يصنفر فيه ويحُط الكاوية حقته على النار ويحُط التيزاب واللحام على الكاوية إلين يِسيل ، فيقوم حاططه على مكان الخُرم ويتركه دقيقتين يبرد ، بعدها يقوم بضربه بالشاكوش كم ضربه إلين يِثبَت ويسُد الخُرم ، وبتلاقي الأولاد بيتفرجوا عليه وقت التصليح عاملين زي الحلقة
يا مسهل يا مسهل يا مسهل ، هذا نداء بياع الفحم ، كنا نعرفه من شكله ، ثوبه أسود من الفحم ، وتلاقي شماغه صار أسود واختفى الحَمَار منه ، فكان يصيح بأعلى صوته .. يامسهل
هناك كمان مركِّبِين الأسنان وكانوا من الفلسطينيين ، بيدورو في الشوارع ومعاهم شنطة فيها العُدَّة ، زرَّادِيَّة وكلبة وأسنان تركيبة وكانت حديد ، الله على شكلها ( أنياب ) ، فكان يمشي في الحواري ساكت طبعا شايف نفسه دكتور ، ما له نداء خاص فيه ، لكن الناس تعرفه ، فبمجرد تناديه يروح حاطط الشنطة ومنزِّل العدة ويبدأ بتركيب الأسنان للزبون ، وكان السن بخمسة ريالات ( يابلاش )
أما حدَّاد السكاكين ، فكان يحمل على ظهره آلة الحدادة ، وكانت زي جنط كَفَر البسكليتة ، ويجلس يدوِّرها برجوله والسكينه على طرفها إلين تصير حادة ، وكل سكينة يحدها بقرش
أما المطهِّرين أو اللي يختنوا الأولاد ، فكان هناك ناس معروفة وأكثرهم تكارنة ، ومهنتهم الحلاقة ومنها الختان ، وكان التعقيم اللي يستعمله الخاتن هو القاز ، ولا أحد كان يستنكر ذلك
مرة كنا في قوز تراب نلعب وكان الوقت صبحية ، وكان الكلام هادا في عهد الملك سعود وقبل ظهور التلفزيون ، ووقتها ما كان في الإذاعة إلا طلال مداح وعبدالله محمد وغازي علي وطارق عبدالحكيم ، وأثناء ما كنا نلعب إلا ونسمع " وردك يا زارع الورد " لطلال ، وهات يا جرِي على بيت أبو عمر ، وبدون دستور رفسنا الباب الخشب وانفك ، وبسرعة شغَّلنا الراديو الخشب الكبير أبو لمبات ، وطبعا كان الراديو ما يظهر صوته إلا لما تسخن اللمبات حقته ، فجلسنا نخبِّط فيه مستعجلين قبل تنتهي الأغنية ، فاشتغل الراديو وبدينا نسمع إلين خلصت الأغنية وقفلنا الراديو
هذي صورة مختصرة .. صورة ضبابية قدام عيني ، حبيت أسجلها قبل أوصل السن اللي عنده ما نقدر نتذكر شئ ، وشكري الكثير لأستاذي وقاموس القديم والمرجع الإعلامي السيد / أبو عمر اللي ذكرني اليوم بها أثناء زيارتي له في منزله ، فسردها لي كاملة وترك التعبير بأسلوبي وتعبيري الركيك ، فتقبلوه وسامحوني على كل كلمة فيها هفوة أو زلة أو غير مهزبة
أخوكم / أبو سلطان
منقول (باللهجة الجداوية الجميلة)
انا سكنت في الهنداوية (18) سنة من عام 1410ه الى عام 1428ه ..
وكانت اجمل ايام حياتي ...
بس انت شكلك من قبل 1400ه
بصراحة أيام ماتنسي الى الان خالدة في الذاكرة ..
الف شكر لك ع الموضوع...