أبن زيدون
11-04-2022 - 04:43 am
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد, فهذه رسالة لامام ابن حزم في فضل الأندلس..
وهي بحق ممتعه وشيقه وفيها الفائدة العظيمة..
وقد رأيت أن أذكر رسالة أبي محمد بن حزم الحافظ التي ذكر فيها بعض فضائل الأندلس لاشتمالها على الفائده العظيمة ولمعرفة امور يجهلها الكثير..
رسالة الأمام ابن حزم في فضائل الأندلس
وذلك أنه كتب أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن الربيب التميمي القيرواني إلى أبي المغيرة عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الرحمن بن حزم يذكر تقصير أهل الأندلس في تخليد أخبار علمائهم ومآثر فضائلهم وسير ملوكهم ما صورته كتبت يا سيدي وأجل عددي كتب الله تعالى لك السعادة وأدام لك العز والسيادة سائلا مسترشدا وباحثا مستخبرا وذلك أني فكرت في بلادكم إذ كانت قرارة كل فضل ومنهل كل خير ومقصد كل طرفة ومورد كل تحفة وغاية آمال الراغبين ونهاية أماني الطالبين إن بارت تجارة فإليها تجلب وإن كسدت بضاعة ففيها تنفق مع كثرة علمائها ووفور أدبائها وجلالة ملوكها ومحبتهم في العلم وأهله يعظمون من عظمه علمه ويرفعون من رفعه أدبه وكذلك سيرتهم في رجال الحرب يقدمون من قدمته شجاعته وعظمت في الحروب نكايته فشجع الجبان وأقدم الهيبان ونبه الخامل وعلم الجاهل ونطق العيي وشعر البكي واستنسر البغاث وتثعبن الحفاث فتنافس الناس في العلوم وكثر الحذاق في جميع الفنون ثم هم مع ذلك على غاية التقصير ونهاية التفريط من أجل أن علماء الأمصار دونوا فضائل أمصارهم وخلدوا في الكتب مآثر بلدانهم وأخبار الملوك والأمراء والكتاب والوزراء والقضاة والعلماء فأبقوا لهم ذكرا في الغابرين يتجدد على مر الليالي والأيام ولسان صدق في الآخرين يتأكد مع تصرف الأعوام وعلماؤكم مع استظهارهم على العلوم كل امرىء منهم قائم في ظله لا يبرح وراتب على كعبه لا يتزحزح يخاف إن صنف أن يعنف وإن ألف أن يخالف ولا يؤالف أو تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق لم يتعب أحد منهم نفسا في جمع فضائل أهل بلده ولم يستعمل خاطره في مفاخر ملوكه ولا بل قلما بمناقب كتابه ووزرائه ولا سود قرطاسا بمحاسن قضاته وعلمائه على أنه لو أطلق ما عقل الإغفال من لسانه وبسط ما قبض الإهمال من بيانه لوجد للقول مساغا ولم تضق عليه المسالك ولم تخرج به المذاهب ولا اشتبهت عليه المصادر والموارد ولكن هم أحدهم أن يطلب شأو من تقدمه من العلماء ليحوز قصبات السبق ويفوز بقدح ابن مقبل ويأخذ بكظم دغفل ويصير شجا في حلق أبي العميثل فإذا أدرك بغيته واخترمته منيته دفن معه أدبه وعلمه فمات ذكره وانقطع خبره ومن قدمنا ذكره من علماء الأمصار احتالوا لبقاء ذكرهم احتيال الأكياس فألفوا دواوين بقي لهم بها ذكر مجدد طول الأبد فإن قلت إنه كان مثل ذلك من علمائنا وألفوا كتبا لكنها لم تصل إلينا فهذه دعوى لم يصحبها تحقيق لأنه ليس بيننا وبينكم غير روحة راكب أو رحلة قارب لو نفث من بلدكم مصدور لأسمع من ببلدنا في القبور فضلا عمن في الدور والقصور وتلقوا قوله بالقبول كما تلقوا ديوان أحمد بن عبد ربه الذي سماه بالعقد على أنه يلحقه فيه بعض اللوم لا سيما إذ لم يجعل فضائل بلده واسطة عقده ومناقب ملوكه يتيمة سلكه أكثر الحز وأخطأ المفصل وأطال الهز لسيف غير مقصل وقعد به ما قعد بأصحابه من ترك ما يعنيهم وإغفال ما يهمهمفأرشد أخاك أرشدك الله واهده هداك الله إن كانت عندك في ذلك الجلية وبيدك فصل القضية والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
فكتب الوزير الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم عند وقوفه على هذه الرسالة ما نصه الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وعلى أصحابه الأكرمين وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته الفاضلين الطيبين
أما بعد يا أخي يا أبا بكر سلام عليك سلام أخ مشوق طالت بينه وبينك الأميال والفراسخ وكثرت الأيام والليالي ثم لقيك في حال سفر ونقلة ووادك في خلال جولة ورحلة فلم يقض من مجاورتك أربا ولا بلغ في محاورتك مطلبا وإني لما احتللت بك وجالت يدي في مكنون كتبك ومضمون دواوينك لمحت عيني في تضاعيفها درجا فتأملته فإذا فيه خطاب لبعض الكتاب من مصاقبينا في الدار أهل إفريقية ثم ممن ضمته حاضرة قيروانهم إلى رجل أندلسي لم يعينه باسمه ولا ذكره بنسبه يذكر له فيها أن علماء بلدنا بالأندلس - وإن كانوا على الذروة العليا من التمكن بأفانين العلوم وفي الغاية القصوى من التحكم على وجوه المعارف - فإن هممهم قد قصرت عن تخليد مآثر بلدهم ومكارم ملوكهم ومحاسن فقهائهم ومناقب قضاتهم ومفاخر كتابهم وفضائل علمائهم ثم تعدى ذلك إلى أن أخلى أرباب العلوم منا من أن يكون لهم تأليف يحيي ذكرهم ويبقي علمهم بل قطع على أن كل واحد منهم قد مات فدفن علمه معه وحقق ظنه في ذلك واستدل على صحته عند نفسه بأن شيئا من هذه التآليف لو كان منا موجودا لكان إليهم منقولا وعندهم ظاهرا لقرب المزار وكثرة السفار وترددهم إليهم وتكررهم علينا
ثم لما ضمنا المجلس الحافل بأصناف الآداب والمشهد الآهل بأنواع العلوم والقصر المعمور بأنواع الفضائل والمنزل المحفوف بكل لطيفة وسيعة من دقيق المعاني وجليل المعالي قرارة المجد ومحل السؤدد ومحط رحال الخائفين وملقى عصا التسيار عند الرئيس الأجل الشريف قديمه وحسبه الرفيع حديثه ومكتسبه الذي أجله عن كل خطة يشركه فيها من لا توازي قومته نومته ولا ينال حضره هويناه وأربأ به عن كل مرتبة يلحقه فيها من لا يسمو إلى المكارم سموه ولا يدنو من المعالي دنوه ولا يعلو في حميد الخلال علوه بل أكتفي من مدحه باسمه المشهور وأجتزي من الإطالة في تقريظه بمنتماه المذكور فحسبي بذينك العلمين دليلا على سعيه المشكور وفضله المشهور أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن قاسم صاحب البونت أطال الله بقاءه وأدام اعتلاءه ولا عطل الحامدين من تحليهم بحلاه ولا أخلى الأيام من تزينها بعلاه فرأيته أعزه الله تعالى حريصا على أن يجاوب هذا المخاطب وراغبا في أن يبين له ما لعله قد رآه فنسي أو بعد عنه فخفي فتناولت الجواب المذكور بعد أن بلغني أن ذلك المخاطب قد مات رحمنا الله تعالى وإياه فلم يكن لقصده بالجواب معنى وقد صارت المقابر له مغنى فلسنا بمسمعين من في القبور فصرفت عنان الخطاب إليك إذ من قبلك صرت إلى الكتاب المجاوب عنه ومن لدنك وصلت إلى الرسالة المعارضة وفي وصول كتابي على هذه الهيئة حيثما وصل كفاية لمن غاب عنه من أخبار تآليف أهل بلدنا مثل ما غاب عن هذا الباحث الأول ولله الأمر من قبل ومن بعد وإن كنت في إخباري إياك بما ارسمه في كتابي هذا كمهد إلى البركان نار الحباحب وباني صوى في مهيع القصد اللاحب فإنك وإن كنت المقصود والمواجه فإنما المراد من أهل تلك الناحية من نأى عنه علم ما استجلبه السائل الماضي وما توفيقي إلا بالله سبحانه
فأما مآثر بلدنا
فقد الف في ذلك أحمد بن محمد الرازي التاريخي كتبا جمة منها كتاب ضخم ذكر فيه مسالك الأندلس ومراسيها وأمهات مدنها وأجنادها الستة وخواص كل بلد منها وما فيه مما ليس في غيره وهو كتاب مريح مليح وأنا اقول لو لم يكن لأندلسنا إلا ما رسول الله بشر به ووصف أسلافنا المجاهدين فيه بصفات الملوك على الأسرة في الحديث الذي رويناه من طريق ابي حمزة أنس بن مالك أن خالته أم حرام بنت ملحان زوج أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين حدثته عن النبي أنه أخبرها بذلك لكفى شرفا بذلك يسر عاجله ويغبط آجلهفإن قال قائل فلعله صلوات الله تعالى عليه إنما عنى بذلك الحديث أهل صقلية وإقريطش وما الدليل على ما ادعيته من أنه عنى الأندلس حتما ومثل هذا من التأويل لا يتساهل فيه ذو ورع دون برهان واضح وبيان لائح لا يحتمل التوجيه ولا يقبل التجريح فالجواب - وبالله التوفيق - أنه قد أوتي جوامع الكلم وفصل الخطاب وأمر بالبيان لما أوحي إليه وقد أخبر في ذلك الحديث المتصل سنده بالعدول عن العدول بطائفتين من أمته يركبون ثبج هذا البحر غزاة واحدة بعد واحدة فسألته أم حرام أن يدعو ربه تعالى أن يجعلها منهم فأخبرها وخبره الحق بأنها من الأولين وهذا من أعلام نبوته وهو إخباره بالشيء قبل كونه وصح البرهان على رسالته بذلك وكانت من الغزاة إلى قبرس وخرت عن بغلتها هناك فتوفيت رحمها الله تعالى ! وهي أول غزاة ركب فيها المسلمون البحر فثبت يقينا أن الغزاة إلى قبرس هم الأولون الذين بشر بهم النبي وكانت أم حرام منهم كما أخبر صلوات الله تعالى وسلامه عليه ولا سبيل أن يظن به وقد أوتي ما أوتي من البلاغة والبيان أنه يذكر طائفتين قد سمى إحداهما أولى إلا والتالية لها ثانية فهذا من باب الإضافة وتركيب العدد وهذا يقتضي طبيعة صناعة المنطق إذ لا تكون الأولى أولى إلا لثانية ولا ثانية إلا لأولى فلا سبيل إلى ذكر ثالث إلا بعد ثان ضرورة وهو إنما ذكر طائفتين وبشر بفئتين وسمى إحداهما الأولين فاقتضى ذلك بالقضاء الصدق آخرين والآخر من الأول هو الثاني الذي أخبر أنه خير القرون بعد قرنه وأولى القرون بكل فضل بشهادة رسول الله بأنه خير من كل قرن بعده ثم ركب البحر بعد ذلك أيام سليمان بن عبد الملك إلى القسطنطينية وكان الأمير بها في تلك السفن هبيرة الفزاري وأما صقلية فإنها فتحت صدر أيام الأغالبة سنة 212 أيام قاد إليها السفن غازيا أسد بن الفرات القاضي صاحب أبي يوسف رحمه الله تعالى وبها مات وأما إقريطش فإنها فتحت بعد الثلاث والمائتين افتتحها أبو حفص عمر بن شعيب المعروف بابن الغليظ من أهل قرية بطروج من عمل فحص البلوط المجاور لقرطبة من بلاد الأندلس وكان من فل الربضيين وتداولها بنوه بعده إلى أن كان آخرهم عبد العزيز بن شعيب الذي غنمها في أيامه أرمانوس بن قسطنطين ملك الروم سنة 350 وكان أكثر المفتتحين لها أهل الأندلس وأما في قسم الأقاليم فإن قرطبة مسقط رؤوسنا ومعق تمائمنا مع سر من رأى في إقليم واحد فلنا من الفهم والذكاء ما اقتضاه إقليمنا وإن كانت الأنوار لا تأتينا إلا مغربة عن مطالعها على الجزء المعمور وذلك عند المحسنين للأحكام التي تدل عليها الكواكب ناقص من قوى دلائلها فلها من ذلك على كل حال حظ يفوق حظ أكثر البلاد بارتفاع أحد النيرين بها تسعين درجة وذلك من أدلة التمكن في العلوم والنفاذ فيها عند من ذكرنا وقد صدق ذلك الخبر وأبانته التجربة فكان أهلها من التمكن في علوم القراءات والروايات وحفظ كثير من الفقه والبصر بالنحو والشعر واللغة والخبر والطب والحساب والنجوم بمكان رحب الفناء واسع العطن متنائي الأقطار فسيح المجال والذي نعاه علينا الكاتب المذكور لو كان كما ذكر لكنا فيه شركاء لأكثر أمهات الحواضر وجلائل البلاد ومتسعات الأعمال فهذه القيروان بلد المخاطب لنا ما اذكر أني رأيت في أخبارها تأليفا غير المعرب عن أخبار المغرب وحاشا تواليف محمد بن يوسف الوراق فإنه ألف للمستنصر رحمه الله تعالى في مسالك إفريقية وممالكها ديوانا ضخما وفي أخبار ملوكها وحروبهم والقائمين عليهم كتبا جمة وكذلك ألف أيضا في أخبار تيهرت ووهران وتنس وسجلماسة ونكور والبصرة وغيرها تواليف حسانا ومحمد هذا اندلسي الأصل والفرع آباؤه من وادي الحجارة ومدفنه بقرطبة وهجرته إليها وإن كانت نشأته بالقيروان
ولا بد من إقامة الدليل على ما أشرت إليه ها هنا إذ مرادنا أن نأتي منه بالمطلب فيما يستأنف إن شاء الله تعالى وذلك أن جميع المؤرخين من ائمتنا السالفين والباقين دون محاشاة أحد بل قد تيقنا إجماعهم على ذلك متفقون على أن ينسبوا الرجل إلى مكان هجرته التي استقر بها ولم يرحل عنها رحيل ترك لسكناها إلى أن مات فإن ذكروا الكوفيين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم صدروا بعلي وابن مسعود وحذيفة رضي الله تعالى عنهم وإنما سكن علي الكوفة خمسة أعوام وأشهرا وقد بقي 58 عاما وأشهرا بمكة والمدينة شرفهما الله تعالى
وكذلك أيضا أكثر أعمار من ذكرنا وإن ذكروا البصريين بدأوا بعمران بن حصين وأنس بن مالك وهشام بن عامر وأبي بكرة وهؤلاء مواليدهم وعامة زمن أكثرهم وأكثر مقامهم بالحجاز وتهامة والطائف وجمهرة أعمارهم خلت هنالك وإن ذكروا الشاميين نوهوا بعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ ومعاوية والأمر في هؤلاء كالأمر فيمن قبلهم وكذلك في المصريين عمرو بن العاص وخارجة بن حذافة العدوي وفي المكيين عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير والحكم في هؤلاء كالحكم فيمن قصصنا فمن هاجر إلينا من سائر البلاد فنحن أحق به وهو منا بحكم جميع أولي الأمر منا الذين إجماعهم فرض اتباعه وخلافه محرم اقترافه ومن هاجر منا إلى غيرنا فلا حظ لنا فيه والمكان الذي اختاره أسعد به فكما لا ندع إسماعيل بن القاسم فكذلك لا ننازع في محمد بن هانئ سوانا والعدل أولى ما حرص عليه والنصف أفضل ما دعي إليه بعد التفصيل الذي ليس هذا موضعه وعلى ما ذكرنا من الأنصاف تراضى الكل وهذه بغداد حاضرة الدنيا ومعدن كل فضيلة والمحلة التي سبق أهلها إلى حمل ألوية المعارف والتدقيق في تصريف العلوم ورقة الأخلاق والنباهة والذكاء وحدة الأفكار ونفاد الخواطر وهذه البصرة وهي عين المعمور في كل ما ذكرنا وما أعلم في أخبار بغداد تأليفا غير كتاب أحمد بن أبي طاهر وأما سائر التواريخ التي ألفها أهلها فلم يخصوا بلدتهم بها دون سائر البلاد ولا أعلم في أخبار البصرة غير كتاب عمر بن شبة وكتاب لرجل من ولد الربيع ابن زياد المنسوب إلى أبي سفيان في خطط البصرة وقطائعها وكتابين لرجلين من أهلها يسمى أحدهما عبد القاهر كريزي النسب في صفاتها وذكر أسواقها ومحالها وشوارعها ولا أعلم في أخبار الكوفة غير كتاب عمر بن شبة وأما الجبال وخراسان وطبرستان وجرجان وكرمان وسجستان والري والسند وأرمينية وأذربيجان وتلك الممالك الكثيرة الضخمة فلا أعلم في شيء منها تأليفا قصد به أخبار ملوك تلك النواحي وعلمائها وشعرائها وأطبائها ولقد تاقت النفوس إلى أن يتصل بها تأليف في أخبار فقهاء بغداد وما علمناه علم على أنهم العلية الرؤساء والأكابر العظماء ولو كان في شيء من ذلك تأليف لكان الحكم في الأغلب أن يبلغنا كما بلغ سائر تأليفهم وكما بلغنا كتاب حمزة بن الحسن الأصبهاني في أخبار أصبهان وكتاب الموصلي وغيره في أخبار مصر وكما بلغنا سائر تواليفهم في أنحاء العلوم وقد بلغنا تأليف القاضي أبي العباس محمد بن عبدون القيرواني في الشروط واعتراضه على الشافعي رحمه الله تعالى وكذلك بلغنا رد القاضي أحمد بن طالب التميمي على أبي حنيفة وتشيعه على الشافعي وكتب ابن عبدوس ومحمد بن سحنون وغير ذلك من خوامل تآليفهم دون مشهورها
وأما جهتنا فالحكم في ذلك ما جرى به المثل السائر ( ( أزهد الناس في عالم أهله ) ) وقرأت في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قال ( ( لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده ) ) وقد تيقنا ذلك بما لقي النبي من قريش - وهم أوفر الناس أحلاما وأصحهم عقولا وأشدهم تثبتا مع ما خصوا به من سكناهم أفضل البقاع وتغذيتهم بأكرم المياه - حتى خص الله تعالى الأوس والخزرج بالفضيلة التي أبانهم بها عن جميع الناس والله يؤتي فضله من يشاء ولا سيما أندلسنا فإنها خصت من حسد أهلها للعالم الظاهر فيهم الماهر منهم واستقلالهم كثير ما يأتي به واستهجانهم حسناته وتتبعهم سقطاته وعثراته وأكثر ذلك مدة حياته بأضعاف ما في سائر البلاد إن أجاد قالوا سارق مغير ومنتحل مدع وإن توسط قالوا غث بارد وضعيف ساقط وإن باكر الحيازة لقصب السبق قالوا متى كان هذا ومتى تعلم وفي أي زمان قرأ ولأمه الهبل ! وبعد ذلك إن ولجت به الأقدار أحد طريقين إما شفوفا بائنا يعليه على نظرائه أو سلوكا في غير السبيل التي عهدوها فهنالك حمي الوطيس على البائس وصار غرضا للأقوال وهدفا للمطالب ونصبا للتسبب إليه ونهبا للألسنة وعرضة للتطرق إلى عرضه وربما نحل ما لم يقل وطوق ما لم يتقلد وألحق به ما لم يفه به ولا أعتقده قلبه وبالحرى وهو السابق المبرز إن لم يتعلق من السلطان بحظ أن يسلم من المتالف وينجو من المخالف فإن تعرض لتأليف غمز ولمز وتعرض وهمز واشتط عليه وعظم يسير خطبه واستشنع هين سقطه وذهبت محاسنه وسترت فضائله وهتف ونودي بما أغفل فتنكس لذلك همته وتكل نفسه وتبرد حميته وهكذا عندنا نصيب من ابتدأ يحوك شعرا أو يعمل بعمل رسالة فإنه لا يفلت من هذه الحبائل ولا يتخلص من هذه النصب إلا الناهض الفائت والمطفف المستولي على الأمد
وعلى ذلك فقد جمع ما ظنه الظان غير مجموع وألفت عندنا تآليف في غاية الحسن لنا خطر السبق في بعضها فمنها كتاب الهداية لعيسى بن دينار وهي أرفع كتب جمعت في معناها على مذهب مالك و ابن القاسم وأجمعها للمعاني الفقهية على المذهب فمنها كتاب الصلاة و كتاب البيوع وكتاب الجدار في الأقضية وكتاب النكاح والطلاق ومن الكتب المالكية التي ألفت بالأندلس كتاب القطني مالك بن علي وهو رجل قرشي من بني فهر لقي أصحاب مالك وأصحاب أصحابه وهو كتاب فيه غرائب ومستحسنات من الرسائل المولدات ومنها كتاب أبي إسحاق يحيى بن إبراهيم بن مزين في تفسير الموطأ والكتب المستقصية لمعاني الموطأ وتوصيل مقطوعاته من تآليف ابن مزين أيضا وكتابه في رجال الموطأ وما لمالك عن كل واحد منهم من الآثار في موطإه