- قبل ان نصل اشار الى ان ذلك الكوخ هو بيتنا ...
لم تكن ماليزيا في ذلك الوقت مقصد للسواح وخاصة العرب ولأسباب كثيرة من اهمها عدم استعداد ماليزيا نفسها للسياحة ...
قررت مع زميل عزيز ان نسافر الى الشرق وكان عمري في ذلك الوقت لم يتجاوز الثمانية عشر عاما ولكن هواية السفر تسري بدمي ولي تجارب سابقة ... على القلف اير سافرنا من البحرين الى تايلند ومن تايلند على الخطوط التايلندية الى سنغافورة ومن سنغافورة عبر جسر الى جوهابرو في ماليزيا وتعتبر جنوب البلاد وهي التي سأستعرض ماتبقى في ذاكرتي عن تلك المنطقة وتلك الرحلة ...
على متن طائرة الجامبو اقلعنا صباحا من مطار بانكوك ..واثناء الرحلة سألتني المضيفة ان كنا مسلمين فالطعام المتاح لنا وخالي من المحرمات هو الرز بالجنبري ..ولم يكن لدي مانع بل رحبت بهذا الشعور من طاقم الطائرة واحترامه لنا واعتقد انه لم يكن على متن الطائرة الا عدد قليل من المسلمين وعدد قليل ايضا من الأسيويين والبقيةهم اوربيون واضحة سحنتهم وسلوكهم واغلبهم من كبار السن ..ترجمت لزميلي ولم يكن يعرف من الانجليزي الا (يس و نو ) ترجمت له ماقالوه ن المتوفر من الأكل .. وابدى رضاه حول المتاح ... سبقت رائحة الجمبري وصوله الينا وقد سال لعابي فالجوع أخذ مني وكذلك زميلي .. لم تكد تضعه المضيفه حتى أكلت نصفه ثم نصفه الآخر ولولا الخجل لطلبت وجبة اخرى ولو كانت متاحة للبيع لما ترددت .. زميلي لم يكن كعادته بل ظل يأكل ببطء وهو الذي يسابق الريح عندما نكون في مطعم وهو المشهور بالأكل ...
انتهينا من الأكل الا انني لاحظت زميلي وقد تورم حلقه ولم يستطع التنفس ...وقد بدأعليه الاعياء الشديد ولاحظت وقد رفع اصبعة ويتشهد مما هالني الموقف وداعني للفزع واستدعاء المضيفة والاستنجاد بالله اولا ثم بمن يسمع صوتي وقد هرع الطاقم والاعلان ان كان على الرحلة طبيب وسرعان ماحضرت عجوز انجليزية عرفت بنفسها وقد كانت طبيبة تولت امره بعد الله ليكتب لزميلي الحياة بعد ان كاد يفارقها ....
نزلنا بمطار سنغافورة وفي الفندق سألته عن صحته الآن قال احسن ثم سألته عن السبب الذي اصابك قال :انني ممنوع من الجمبري لأنه يصيبني بحساسية بالحلق .... وخفت ان تأكل نصيبي وتشبع وانا اتفرج؟
ذهبنا الى طبيب في صباح وتم الكشف الكامل على ابي مشعل وكانت النتائج جيدة ونصحوه بالابتعاد عن كل المأكولات البحرية ... ونحن في ارخبيل الملايو وكل شيء من البحر ... قلت له لاعليك ان الله معنا وسنأكل الرز والدجاج واي شيء اخر ؟
في اليوم التالي وعن طريق جسر يوصل بين سنغافورة ومقاطعة جوهابارو الما ليزية (جنوب ماليزيا ) وطأت اقدامنا لأول مرة ارض ماليزيا ... انها غابة من الأشجار تتخللها الأنهار من كل مكان .. وكان السائق واسمه عبدالله فرح بنا عندما عرف اننا من ارض الحرمين الشريفين من المملكة العربية السعودية ... وقد كنا شباب في اوائل سنوات الدراسة الجامعية وكل شيء به اطلاع ومعرفة هو من اهتمامنا .. كنت اتحدث معه باللغة الانجليزية وكان يجيدها مما سهل لنا المعرفة والتخاطب وقد اتفقنا معه ان يكون ملازم لنا بهذه الرحلة وقد وافق على شرط ان يذهب بنا اولا الى بيته لكي ترانا امه (كان يريدها ان تستمتع برؤية شباب من ارض الحرمين الشريفين ) وكان يقول انها فرصة لكم كي تشاهدون الغابات من الداخل ووافقنا ... وكان بيتهم في منطقة داخلية بعيدة نوع ما و الطريق يمر بالكثير من القرى الصغيرة داخل تلك الغابات الكثيفة من المطاط وقد كنا نشاهد ناقلات الأخشاب الطويلة الى درجة ان بعضها لاتحمل الا خشبة واحدة من سماكتها وطولها وكان المنظر مدهش لنا بل كان خيال ... لم ينقطع حديث عبدالله واسئلته عن طبيعة الحياة لدينا وعن الحرم والكعبة ...
قبل ان نصل اشار الى ان ذلك الكوخ هو بيتنا ...
البيت بديع محاط بالخضرة والزرع ونهر صغير يجري والبيئة المحيطة نظيفة جدا حتى لاتعتقد ان في هذا الموقع سكان ...
رحب بنا عبدالله وجلسنا في صالون بمدخل المنزل وقد زين بلوحات جميعها عن المشاعر المقدسة ...دخل عبدالله .. ثم عاد وقد حضرت معه أمه و رحبت بنا ترحيبا حارا وكأننا فاتحين و اخذت مقعدها على الأرض نوعا من الاحترام المرتبط بدون شك بموطننا العزيز ارض الحرمين ...تتحدث معنا بلغه العيون والاشارة وكانت مفهومة جدا هي كما ذكرت لغة الحب لغة الارتباط والأخوة في الدين ..عبدالله مزهوا امام امه وقد احضر معه هذه الهدية الغالية نعم هو يعرف امه وكم هي متعلقة بالاسلام كدين ونحن في نظرهم رمز يمثل ارض مقدسة ارض تظل امنية تراود المسلمين في الشرق والغرب ان تتحقق بزيارة الحرمين واداء العمرة والحج .. ام عبدالله فاقت لتضيفنا .. قال لي عبدالله ان لديهانوع من مشروب الكاكاو لايشربه من يديها الا اغلى الحبايب وليس في كل الأوقات بل بالمناسبات النادرة والمهمه ..نعم انه مشروب لذيذ ممزوج بأريحية تلك السيدة الفاضلة ممزوج بروح الاسلام الذي جاء ليأخي بين الناس على اساس الدين فقط دون النظر الى العرق ...
لم نكد نتخلص منهم لنكمل برنامجنا في زيارة ماليزيا ولو كان الخيار لهم فقط لأبقونا معهم لأيام ... استأذنا وانطلق عبدالله بسيارته الكراون الى منطقة سياحية جبلية مناظرها خلابه شلالات ومنتجع بسيط يقدم المشروبات والمأكولات الخفيفة ...
وفي اليوم التالي وبعد ان بتنا في فندق متوسط واطلعنا على الأسواق والناس .. ذهبنا الى قصر جميل يقع على رابية جميلة ذات حدائق بديعة يقول عبدالله انه قصر الملك ....
الى اللقاء لاستكمال الموضوع..