ودادي
06-07-2022 - 10:54 pm
من المألوف أن يستوقف السياح الأجانب بمدينة مراكش المغربية أحد المارة سائلين عن أقرب طريق يؤدي إلى قصر البديع أو مدرسة ابن يوسف التاريخية أو غيرهما من المواقع الأثرية التي أكسبت هذه المدينة شهرة عالمية جعلتها تستقطب مئات الآلاف من السياح الأجانب الذين يتوافدون عليها سنويا من أجل اكتشاف جزء من أسرار الحضارة الشرقية التي امتد إشعاعها إبان العصور الوسطى في ربوع واسعة من الكرة الأرضية.
وقد يفاجأ أحد المارة خارج أسوار مدينة مراكش العتيقة بسائح أجنبي يسأل عن الطريق المؤدية إلى حديقة ماجوريل التي ينسى الكثير من سكان هذه المدينة أن هذا الموقع أصبح منذ فترة زمنية مدرجا ضمن مختلف طبعات الدليل السياحي لمدينة مراكش كقبلة للزوار الوافدين على هذه المدينة ويستقطب سنويا ما لا يقل عن 200 ألف سائح أجنبي.
الكثير من المغاربة الذين يتدفقون على مدينة مراكش لقضاء عطلتهم السنوية أو عطلة نهاية الأسبوع يجهلون وجود هذه الحديقة التي يتوافد عليها منذ الصباح الباكر لكل يوم وحتى مغيب الشمس المئات من السياح الأجانب الذين تعرفوا على هذه الجنان الساحرة من خلال الملصقات الإشهارية للمكتب الوطني المغربي للسياحة أو المعارض الإشهارية للمنتوج السياحي المغربي.
والوافدون على حديقة ماجوريل يأتون في الغالب على شكل جماعات. تجدهم مصطفين بجانب شباك التذاكر لأداء واجب الدخول المحدد في 20 درهما مغربيا (حوالي دولارين). في المدخل يستقبلك موظفو الحديقة بلباسهم المميز وابتسامتهم العريضة وهم يتلفظون بعبارات الترحيب بمختلف اللغات.
أول ما يسترعي انتباه الزائر بعد اجتياز باب الحديقة هو مدخلها الدائري الذي انتصبت في وسطه نافورة قصيرة الطول يتدفق منها الماء الذي يتجمع في حوض واسع التفت حوله طيور برية وهي تتناوب على إطفاء ظمئها من جنباته. ما تلبث أن تفوز إحداها بجرعة ماء حتى ترفرف مع مقدم زائر جديد أو تحرك أحد موظفي الاستقبال لتعاود الكرة من جديد.
ويحار الزائر لأول وهلة من أين سيبدأ رحلة الاستمتاع بمناظر النباتات الأخاذة التي تم وضعها في تربة الحديقة بذوق وفنية متناهيين. وغالبا ما يبدأ الزوار جولتهم من الجانب الأيمن لبوابة الحديقة عبر الممرات الملساء المطلية بالإسمنت الأحمر اللون والتي رصت على جنباتها كراسي خشبية يستغلها البعض للاستراحة في حين يقتعدها آخرون للاستمتاع بمنظر الأشكال المختلفة للنباتات من فصيلة الصبريات المجلوبة من مختلف مناطق القارة الاميركية.
ويضطر زوار الحديقة في غالبيتهم الساحقة للاكتفاء بمتعة النظر في المغروسات والتعرف على موطنها الأصلي لكون أسماء النباتات المكتوبة على لوحات حديدية خضراء تم تخطيطها باللغة اللاتينية.
وتكاد النباتات الوردية تغيب عن فضاء الحديقة غير بعض الأغراس التي تنتج بعض الأزهار الصغيرة التي لا يبالي بها الناظر لكون النبتة التي تنتجها أكثر بهاء من الزهرة نفسها.
وبجوار القطعة المحادية لمدخل الحديقة على اليمين والتي خصصت لمختلف المغروسات من فصيلة الصبريات تنتصب بناية المرسم الذي أبدع بداخله جاك ماجوريل مؤسس الحديقة أروع ما جادت به قريحته الفنية إثر الجولات المتعددة التي قام بها في ربوع المغرب، واطلع خلالها على فنون العمارة العربية الإسلامية وعلى مختلف أشكال التعابير الفنية المتداولة عند قبائل جبال الأطلس والسهول المحاذية لها.
وقد أحيط المرسم الذي أصبح اليوم عبارة عن متحف للفن الإسلامي يعرض عددا من الإبداعات التي أنتجها الفنان الراحل ماجوريل ببرك وأحواض مائية تطفو على سطحها بعض النباتات المائية مثل نبات البردي والزنبق المائي و«الكلاديوم» وغيرها.
وبالنسبة للأشجار التي تحتل مساحة واسعة في عمق الحديقة فإن تنوعها يكاد يعجز الزائر عن فرز مميزاتها خاصة بالنسبة لأشجار النخيل والأشجار الأخرى من فصيلة الأغاف والمطاط والخنشار والفربيونيات ناهيك من الأشكال المختلفة من النباتات المعترشة وأصناف نبات القصب وشجر الموز.
وعند محاولة تعداد الأصول الجغرافية لهذه اللوحة الفسيفسائية من النباتات نجدها مجلوبة من مختلف بقاع المعمور حيث تتوزع مواطنها على سبيل المثال لا الحصر على كولومبيا وجبال الهيمالايا وجنوب افريقيا وجزر الكاريبي واليابان وأوروبا وشرق افريقيا وجنوبها وفيتنام والهند وكاليفورنيا واليمن وجزر الكناري وجزيرة مدغشقر وأستراليا وغيرها.
ويرجع تاريخ تأسيس حديقة ماجوريل التي تحمل اسم مؤسسها الرسام الفرنسي المستشرق جاك ماجوريل (1886 1962) إلى سنة 1917 حين قدم هذا الرسام إلى مدينة مراكش التي سحره جمالها وبساطة عيش أهلها إلى جانب كون مناخها يلائم صحته المعتلة حيث كان يعاني من مرض مزمن في جهازه التنفسي.
وابتداء من سنة 1923 بدأ الفنان ماجوريل في تشييد مسكنه على الطريقة المغربية الأندلسية وسط الحديقة، مستلهما شكله وهندسته من قصور أعيان جبال الأطلس المتميزة بالأقواس والقباب والأبراج حيث جاء تشييد المسكن متأثرا إلى حد كبير بالأنماط الهندسية لفنون العمارة الإسلامية الأصيلة.
وكانت الحديقة وقتئذ تنعت باسم «فيلا بوصفصاف» نسبة إلى شجر الصفصاص الباسق الذي كان يغطي المساحة التي تشغلها الحديقة والتي جلب إليها الفنان الراحل المئات من النباتات النادرة والأغراس الغريبة التي تقدرها الإدارة الحالية للحديقة بحوالي 1800 نوع.
وتفيد المعلومات المتوفرة حول الحديقة وصاحبها أن الفنان ماجوريل تعرض في آخر حياته إلى ضائقة مالية اضطرته إلى عزل جزء من الحديقة عن الباقي ليفتحه في وجه عموم الزائرين، وبعد ان توالت معاناته الصحية خاصة بعد تعرضه لحادثة سير وانفصاله عن زوجته بدأت الحديقة تتعرض للإهمال بشكل تدريجي خاصة بعد وفاته سنة 1962.
وتضاربت الروايات حول الجهات التي تناقلت ملكية الحديقة منذ وفاة مؤسسها، غير أن المعطيات الثابتة في الوقت الراهن تفيد بأن الوضعية المأساوية التي آل إليها مصير الحديقة وصلت إلى علم مصمم الأزياء الفرنسي الشهير إيف سان لوران الذي اشتراها رفقة رجل الأعمال الفرنسي بيير بيرجيه وأعاد إليها الحياة من جديد، كما أسسا صندوقا لضمان استمرار الحديقة وصيانتها مستقبلا، وحولا المرسم إلى متحف يضم بعضا من التحف التي أبدعها الراحل جاك ماجوريل.
والحقيقه مهما وصفنا ستظل المشاهده افضل بكثير
اريد ان اضيف وجود اشجار الخيزران العملاقه التي تمر المسارات خلالها .. وركن الهدايا الموجود في الركن الايمن