- احتفل بيوم الحب على أرض الرومانسية
جنون الكرنفال يصيب إيطاليا
احتفل بيوم الحب على أرض الرومانسية
المعروف عن الايطاليين حبهم للحياة والتمتع بأكبر قدر من الاجازات مغتنمين أول فرصة تتاح لهم. ويعتبر الشهر الحالي (شباط – فبراير) مثاليا لذلك فهو شهر الكرنفال وعيد العشاق (سان فالنتينو) وبدء ملامح فصل الربيع. كانت مدينة البندقية (فينيسيا) أشهر مكان لاحتفالات الكرنفال والتخفي وراء الاقنعة لكن جنون هذا التقليد القديم أصاب هذا العام كافة أرجاء ايطاليا من الشمال الى الجنوب خاصة بعد اكتشاف مزاياه السياحية وموارده المالية فالناس يحبون الاحتفالات العامة في الشوارع والسواح يتمتعون بالفضول لرؤية أهل البلد وهم يحتفلون ويتمازحون ويبتهجون لرؤية الاستعراضات والفرق الموسيقية.
يقولون إن الكرنفال كان احتفالا عتيقا من أيام الرومان لتمجيد زحل (أو ساتورن) إله الزراعة عندهم حين ينتهي الشتاء ويطل الربيع بافاق الحياة المتجددة لذا يخرج الناس في الشوارع ويسترسلون في القصف والعربدة وينفسون عن مشاعرهم المكبوتة ليوم واحد خلال العام حيث يمكن للعبيد الاستهزاء بأسيادهم فيرفعون الدمى المتحركة ثم يحرقونها. حين تحولت ايطاليا الى المسيحية بعد انهيار الامبراطورية الرومانية لم تحبذ الكنيسة الاسترسال في هذه الطقوس الوثنية لكن العادات القديمة عادت للظهور بعد قرون متلونة بأشكال جديدة فصارت أغلب المدن والقرى تقيم الاحتفالات الشعبية مبتهجة بانتهاء البرد وقدوم فصل الربيع. وتماشت أغلب البلاد التي تتبع الكنيسة الكاثوليكية في التمسك بهذا التقليد واخرها البرازيل، حيث تتبارى مدارس تعليم رقص السامبا في تأليف الرقصات الجديدة وارتداء الملابس الزاهية المبتكرة واستعراض عشرات الالوف في شوارع ريو دو جانيرو خلال الشهر الحالي مما يدعو الى تباطؤ العمل في دوائر الحكومة والمؤسسات والمتاجر. أما في ايطاليا فأشهرالاحتفالات والاستعراضات هذا العام ستشمل فينيسيا وتريستا في الشمال الشرقي ووادي سان برناردو وافريا في الشمال الغربي وفياريجو وفولانا ديلا كيانا في الوسط ورونشيليوني قرب روما واوريستانو في جزيرة سردينيا واكريريالي وشاشا في جزيرة صقلية. وسيحتار السائح في اختيار المكان المفضل لكنه اينما ذهب سيجد أن الاحتفال الشعبي ستواكبه احتفالات ثقافية متعددة في المسرح والرقص والغناء والاوبرا التهريجية وتخفيضات من الفنادق والنزل ودور السياحة الشعبية (اغرو توريزمو أو البيوت الريفية للاجرة).
بالذات فالضحك في الكرنفال بالنسبة له هو قوة انعتاق جماعية محررة من الخوف والرعب وغولدوني مؤسس الملهاة الحديثة في ايطاليا اذ حول ملهاة الاقنعة التقليدية الى ملهاة الشخصيات الواقعية وسيجري عرض العديد من مسرحياته المعروفة خلال الشهر الجاري.
- فينيسيا جاء ذكر الكرنفال لاول مرة في فينيسيا عام 1268، أيام رحلات ماركو بولو الى الصين، وهي مدينة لا مثيل لها في العالم بشوارعها المائية التي وصفها الكاتب الروسي تشيخوف بأنها فاتنة وساحرة ومتألقة وحافلة بحب الحياة لذا فاحتفالات الكرنفال فيها تجربة لا تنسى من التجمعات في ساحة سان ماركو والتخفي بالاقنعة يتبعها الانطلاق بالباصات أو البواخر التي تعبر القنوات المائية وتتهادى أمام قصور النبلاء تستعيد ذكريات زير النساء المحلي الشهير كازانوفا. يتميز كرنفال فينيسيا بارتداء مختلف أنواع الاقنعة. والكلمة تعني بالايطالية «ماسكيرا» لعلاقتها بعادة تلطيخ الوجه باللون الاسود في طقوس السحر البدائية لكن القناع في فينيسيا فقد مع مرور الزمن جزءا من طابعه الاصلي وصار أداة تنكر في الاحتفالات الشعبية فتحول دوره الى نوع من المحاكاة التهكمية واستعمله البعض لإخفاء شخصيته، خاصة اذا رافق عشيقته أو حاول مداعبة المشاركين في الاحتفالات لذا صدرت الاوامر الحكومية بمنع ارتداء القناع في الكرنفال في الماضي واخرها أيام حكم موسوليني لكنه عاد الى الظهور في فينيسيا منذ اوائل السبعينات من القرن الماضي بأشكال فنية متقنة وباهظة الثمن احيانا فهو مصنوع من الجلد أو مما يسمى الورق الملوك (بابيه ماشيه أو كارتا بيستا بالايطالية) وهي مادة مصنوعة من عجين الورق ممزوجة بالغراء وغيره من المواد الدبقة يجري طلاؤه بالابيض قبل الرسم النهائي عليه وهناك نقابة للحرفيين المختصين بصنع الاقنعة في فينيسيا تم انشاؤها منذ خمسة قرون. أصبح للكرنفال فكرة رئيسية خاصة يجري الاحتفال بها كل عام منذ عهد المؤلف المسرحي كارلو غولوني الشهيرفي فينيسيا قبل 300 سنة ومن أهم كتاب الكوميديا في القرن الثامن عشر حين كتب مسرحيته «اخر ليلة في الكرنفال»، قال فيها: «في زمن الكرنفال تتبدل الاحوال، فمن كان سعيدا أو شقيا عليه الانشراح وتبديل السروال». الفكرة الرئيسية في فينيسيا هذا العام تدور حول غولدوني
- افريا مدينة فريدة من نوعها قرب تورينو وهي مقر صناعة سيارات فيات، وما زالت احتفالات الكرنفال فيها تتميزمنذ القدم باستعراض العربات حيث تتدافع الجماهير لضرب السائقين الاشداء بالبرتقال حتى تدمى وجوههم لا من الدماء بل من عصير البرتقال الماوردي الاحمر. والفكرة الاساسية من معارك البرتقال هي اشاعة الفوضى في هذا العالم المتهاوي والآيل للسقوط تمهيدا لانطلاق فكرة الحرية شعار كرنفال افريا. في الماضي كان الناس يتراشقون بالفول الاخضر قبل استعمال البرتقال أما الان فهم يأكلونه طازجا أو مطبوخا في صحن لذيذ يسمونه «فاجولنديا» وسيحتفلون بتناوله هذا العام في 19 شباط (فبراير) يوم ثلاثاء المرفع (ماردي غرا) ثم يحرقون الدمية في الساحة العامة.
- فياريجيهي قلعة لاحتفالات الكرنفال منذ عام 1873 يجري فيها أفضل استعراض للعربات في ايطاليا. أقيم فيها عام 1921 أضخم استعراض للعربات المزينة بالاقنعة الكبيرة الملونة على طول كورنيش شاطئ البحر الابيض المتوسط وبدأوا يعد ذلك بسنوات باستعمال الورق الملوك مما سمح لهم بصنع الاشكال والوجوه الضخمة. مهرجان العام الحالي يستمر طوال الشهر ويتضمن عروضا مسرحية ورياضية بالاضافة الى استعراض العربات.
- أوريستانو يعد القائمون على تنظيم كرنفال أوريستانو بجزيرة سردينيا هذا العام، بأنه سيكون أروع مهرجان للرقص في ايطاليا وسيقوم الفرسان بألبستهم التقليدية القديمة وأقنعتهم الخشبية بسباق للاحصنة وضرب الرماح، ويظنون أن كرنفال اوريستانو سيتفوق على نظيره في جزيرة صقلية حيث توزع الدمى والمآكل والمشارب والحلويات على المتفرجين الذين يحرقون الدمى في اخر المطاف في اليوم الاخير من الشهر.
- رونشاليوني قرية صغيرة تقع على بعد 35 كيلومترا من روما باتجاه مدينة فيتربو تحاول بتنظيمها الجديد هذه السنة اغراء السائحين الخروج اليها من العاصمة الايطالية للاستمتاع باثارها القديمة منذ عام 1045 ومطاعمها الصغيرة المتخفية بين أشجار الغابة والكستناء المطلة على البحيرة المجاورة . ستقام عروض مسرحية على مسرح القرية الذي شيد منذ عام 1609 وسباق للخيل في الهواء الطلق سيقابله سباق للحمير في الطرف الاخر. وسيرتدي المتفرجون قناع القرية المعروف بالانف الاحمر الذي يعبر عن توق أهل القرية الى الحرية اثر الغزوات المتعددة التي عرفتها على مدى التاريخ. حفلات الفرقة الموسيقية للقرية ستتكرر مرارا وهي معروفة بحسن ادائها منذ انشائها قبل 120 سنة.
- روما لا تحتفل العاصمة الايطالية بالكرنفال على طريقة فينيسيا، بل يقتصر ارتداء الاقنعة والملابس الخاصة على الاطفال أما الكبار فيقيمون حفلات راقصة من نوع «بال ماسكيه» حيث يلبس الحضور الملابس التي تمثل حقبة تاريخية معينة أو فكرة رئيسية خاصة وفي نفس الوقت يجري عدد من النشاطات الفنية الراقية اذ لا تنسى روما أن الموسيقار الكبير روسيني كتب اوبرا «حلاق اشبيلية» المشهورة لمهرجان روما في اوائل القرن التاسع عشر، كما ألف الموسيقار رسبيغي قطعته المعروفة «احتفالات روما» حول موضوع الكرنفال. حفلة هذا العام سيقيمها راقص الباليه الايطالي الشهير روبرتو بوليه الذي اكتشفه الراقص الاسطوري رودلف نورييف، وهو شاب موهوب وسيم يمتاز بالرشاقة والجسم المثالي ويعمل ايضا كسفير للنوايا الحسنة لمنظمة اليونيسيف الدولية لرعاية الاطفال. تقام حفلته في حيقة الموسيقى في 11 من الشهر الجاري يقدم خلالها رقصات فردية من بحيرة البجع لتشايكوفسكي وكرنفال الحيوانات لسان سانس وتتويج الربيع لسترافنسكي والكرنفال لشومان، وكلها قطع تتناسب مع مهرجان الكرنفال كما تتناسب معه مسرحية بيرانديلو «القبعة» التي تعرض حاليا في التعديل الذي أدخله عليها الممثل والمخرج الراحل ادواردو دو فيليبو حين حاول احياء أشكال الاضحاك الشعبي للتوصل الى طرح الموضوع الجدي الساخر على طريقة بيرانديلو في معالجة موضوع الخيانة الزوجية.
سينتهي شهر الكرنفال في روما دون حرق للدمى بل بالمزاح والصخب وتناول الطعام والتهام الحلويات الخاصة بالمناسبة وهي شكل من أشكال العوامة المحشية بالكريما يسمى فطائر القديس جيوسيبي الذي كان تقيا ورعا لكنه يحب الحلوى المغموسة بالسكر والقطر.
شكرا لك