أبن زيدون
16-10-2022 - 12:51 am
فاس مدينة العلم،، والعمران الإسلامي الرشيد
فريق الجزيرة توك فاس
كاتبوا التقارير عن المدن يبدؤون من وصفها عند المدخل أما هنا فسأبدأ بمدرسة " البو عنانية "
أجمل معمار وقعت عليه عيني في المغرب
المدرسة لطلبة علم يعودون علماء بعد سنين إلى مدنهم ،هذا هدفها
و قد تألق الحرفي في صناعة هولاء الطلبة أو علماء الغد بطريقة تتعدى الكراريس العلمية،
إلى التكوين الجمالي فهنا ثمة ما يضاف إلى المنهج
المدرسة التي أشاهد تبني الذائقة والنفس التي ستأبى في المستقبل ما هو اقل منها
إذ هي تغذي العين وتحضها للأخذ بقياس النسب و المتاهات في الزخارف ومكان الأقواس ومتى
هي تملأ المكان ومتى تغيب
ولها كذلك إضافة التبحر في السماء من طرف المركز
كل طالب له غرفة تطل على باحة المدرسة في معمار يراعي المركزية و الوسطية والنسب
العامة إضافة إلى الطابع الإسلامي الرشيد
الوضوء يكون من ماء جار يشق طريقه عبر المدرسة ، هكذا أراد الحرفيون ، ومن على جسر
صغير يدخل المتوضئ إلى مسجد المدرسة للصلاة ولم يزل الماء ينساب قريبا منه في صوته الندي
جمع البنائون في المسجد خليطا من الفنون ولم يعتمد كثيرا على الثنائية الجمالية في التناظر فقد
انتقل منها إلى إيجاد شواخص لاعمدة رومانية واسبانية بين متقابلين كل منها تنتمي الى جيل ليتكلم
بالمعمار عن التواصل في منظومة حضارية إسلامية
وهو الأمر ذاته مع زجاجيات ثلاث في الأعلى تشابه زاوية الكنيسة التي توضع بها صور المسيح
عليه السلام لكنها صنفت بطريقة إبداعية أخرى ابتعدت من نهجها المسيحي إلى جانبها الجمالي
المتمثل في الخط العربي بديلا عن الصورة لتكون كلمة القران حاملة للرسالة الأبدية
وهي زاوية ناطقة تتحدث بتعددية العلم عند المسلمين ومدى اقتباسهم لما هو جميل عند غير
المسلمين فالحكمة هنا ضالتنا ونحن الأحق بها
إلى باحة المسجد فحيث ما تدور في زاوية فان الخط العربي يملا العين وقد وضع بمكان النظر
المستقيم من نوعَيْه المنتشرين في فاس ولها الخط المغربي الأندلسي والثاني أخوه الكوفي المورق
و المربع
فمع امتداد النظر يتوسط بين حزمة الزخرفة ويستولي عليها ليعرض نفسه على الطلبة ويزيدهم
علماً وهي رسالة ناطقة تقذف الحكمة إلى عقول القادمين بحلة زاهية وتعلمهم أن الحكمة قد تحتاج
إلى صورة جميلة ليتم معها الوعي
وبينما الزخارف تملأ المكان تتنحى بالكلية عند غرفة الدرس الصماء منها و تجعل الوقت
للكراس وليس للتمعين وتتيح للعقل استفراغ الوسع مع العلم وليس غيره
حينما يصبح الفراغ وعاءً للمضمون
لا تدخل غرفة الدرس حتى ترتقي صاعدا درجة بل وتجبرك الصعدة على انحناءة احترام بان
مكانك هنا ليس كما في الخارج
ومن ثم تدور يمينا قليلا لتقرأ بيت شعر بالقلم العريض يستوعب دفتي الباب ويرسم لك مستقبلك
الذي ينطلق من هذه الغرفة
ويقول
أنا مجلس العلم فأحلل به فضا عليما إن شئت أن تتعلمِ
الشمس مصدر الضوء في غرفة الدرس لكنه ينعكس من الزجاج لتخفيفه و لتغيير لونه فيحضر
السكينة مع دخوله العيون
ومن ثم هو ينعكس على فضاء القبة الدائرية ، ويجعل لون دخوله من القبة بهيا
ومنه أبدع الفنان في رسم شباك آخر مقابل، بنفس لون دخول ضوء الشمس ،وكأن الضوء يدخل
من أكثر من مكان وهو ليس كذلك.
الدائرة لا تحتوي على زاوية،ولذلك وهذه معلومة جانبية وضع الرقم " الصفر 0" بهذا الشكل لأن
عدد زواياه صفرا.
وعليه فان حلقة الدرس تستوعب هذا المعنى وتجعل الطلبة واحدا في جلستهم إلى معلمهم كما أن
لها سندا من سنة النبي عليه الصلاة والسلام في التحلّق والتفاعل
عندما يجلس المعلم فانه يرى ثلاثة أقواس كأنها حالة واحدة لكنها تبتعد عن بعضها البعض
فزاوية الباب الأول تنزل منها نقطةَ عمودٍ صغيرة، تتحد مع قوس البناء العلوي للمدرسة وبينهما
الزاوية العلوية للباب المقابل، لتكون ثلاثية النظر القائم لا يشاهدها الا من يجلس مكان الأستاذ
في صدر الدرس تماما ولو حاد شعرة لأنتفى الشكل الثلاثي الرائع
هذه كلها لا يمكن للقادم إلى المدرسة أن يعرفها بعيدا عن خبير فَهِم المدرسة ومدينة فاس
بشكلها التاريخي واستوعب تلك المعاني ليقدمها إليه على طبق من ذهب، هذا ما فعله معنا
تماما الدكتور حسن رضوان خبير فاس العتيد والساعي لإقحامها الى العالمية من كل باب
معظم القادمين يدورون بين أجواء هذه المدرسة وغيرها من التحف ولا يفهمون السبب في
وضع النافورة مثلا التي تمثل المركز للمدرسة في مكانها على اعتبار أن القادم لا يعرف مكان
غرف الطلاب وكيف ينساب الماء فيها إلى عيونهم وآذانهم
يتدبر الطلبة شان الليل وشكل السماء عند الاستلقاء على الأرض فيكون صوت الماء وشكل
السماء مع زوايا مدرسة البو عناينة الأربعة رسالة ناطقة بالتوحيد والتدبر
يتبع ..
فاس العلم