تدمر عروس الصحراءأما رأيت سفينة عطيمة عائمة على سطح البحر؟ هكذا تتراءى لك تدمر و لكن بحرها من الرمال التي لا تنتهي في
الجنوب و الشرق بل تمتد الى الأفق ثم تغيب وراءه أما في الغرب و الشمال تنتشر بضع تلال و ربى هي في
الحقيقة حصون لتلك المدينه العجيبة
أليس من الغريب أن تقوم في قلب الصحراء مدينه كتدمر فيها البنيان الشاهق العظيم و الأعمدة المزخرفة و
الهياكل و المعابد و الأسواق أليس من العجيب أن ترى الحجر الذي يزن القناطير مرفوعا على بناء علوه أكثر
من عشرين ذراعا !!! ألا تدهش اذا رأيت الهياكل و الأعمدة من الرخام الأسمر و الأبيض ؟ مع أن كل ما حول
تدمر رمال حمر اء أو صخور رملية جرداء
لم تكن تدمر عجيبة ببنائها فحسب بل كانت عجيبة في كل مظاهرها .. أليس غريبا أن ترى بقعة خضراء
كثيرة النخيل غزيرة المياه في قلب الصحراء القاحله .. لذلك سميت تدمر زمردة الصحراء
ان الجن لم يبنوا تدمر.. لقد بناها البشر و حكمتها أعظم امرأة في ذلك الوقت ألا و هي زنوبيا فارسة الصحراء
هي ملكة حافظت على أحلام زوجها بعد و فاتة و تابعت مسيرته و أجبرت أعظم الرجال على احترامها فعندما
تلقت خبر وفاة زوجها أذينه برزت الى الجموع قوية بلباس الحكم و على رأسها خوذة فولاذية و فوق جسدها
معطف مرصع بالجواهر و قد كشفت عن ذراعها على طريقة ملوك الرومان و خطبت الى الجموع و أعلنت أن أحلام
الرجال لا تنتهي بموتهم .. توغلت زنوبيا في مصرو احتلتها و جعلت ابنها ملكا عليها ..
أما نهايتها فكانت نهاية امرأة عظيمه فبعد أن ألقى القبض عليها الرومان أعلنت الاضراب عن الطعام و انتهى بها صيامها الى الموت ....
و لكن سلالتها امتدت من بعدها في روما قرنا و نيفا من الزمن ..
هكذا كانت نهاية أعظم امرأة عربية استطاعت بارادتها القوية و ايمانها بقدرة شعبها و حريته أن تقف في وجه
أعظم و أكبر دوله في العالم القديم و تهز أركانها......
ليست تدمر سوى جزء بسيط من أرض سوريا المليئة بالاثار فلن ننسى أبدا ظهور أول أبجدية في العالم فيها
و لن ننسى أبدا قول شارل فيرولو : لكل انسان في العالم وطنان : وطنه الذي ينتمي اليه..