- فإن أبحرنا شمالاً، فحدِّث عن التلوث، ولا حرج.
قصة استقرار النيل بشكله الحالي هي قصة
استقرار المصريين على ضفتيه وترسخ حضارتهم.
نهر النهر
يخطئ من يعتقد أن النيل اسمٌ لنهر؛ فالكلمة "نيل"، مشتقةٌ من اللفظ اليوناني "نيلوس"، ومعناه: النهر؛ فإنك إذا قلت: نهر النيل، فكأنك تقول: نهر النهر.
وفي ظننا، أن القدماء تحيروا في اختيار اسمٍ يليق بالنهر الذي عاشوا في كنفه؛ فاكتفوا بأن يشيروا إليه على أنه "النهر"، تأكيداً لتفرُّدٍ رأوه فيه.
ولقد خلع الجغرافيون والمستكشفون والشعراء على أنهار العالم صفاتٍ مميِّزة؛ فكان "الجانجا" هو "النهر الذي يُنزِل السكينة على قلوب من يعانون سكرة الموت"؛ والمسيسيبي هو "النهر الذي يتحدى قدرات البشر وذكاءهم"؛ والفولجا هو "الحصن المنيع في وجه الغزاة"؛ والأمازون "نهر يشق مساره شامخاً عنيفاً"؛ أما النيل، فقد وصفوه بأنه " النهر الذي يهب الحياة"؛ وهو وصفٌ مُستحَقٌ إلى أبعد الحدود؛ غير أننا نضيف صفة المتحضِّرة إلى كلمة الحياة، فالنيل لم يكن يرتضي لسكانه أيَّ حياة، ولكن حضارةً عظيمة، دامت لآلاف السنين.
والغريب، أن منطقة النهر، قبل أن يولد بها النيل، في العصر المطير (قبل 10 آلاف سنة) لم يكن بها ما يشير لاحتمال أن تنشأ بها حضارة؛ فمع نهاية العصر الجليدي الأخير، كان النهر عبارة عن مستنقع واسع؛ وكان سكان المنطقة يتحولون، ببطء شديد، من مجرد جامعي ثمار وبذور برِّية، إلى فلاحين بدائيين، يزرعون ما يتيسر لهم من حبوب على حواف ذلك المستنقع. وعلى مدى آلاف السنين التالية، اكتسب السكان بعض المهارات الزراعية، كما أخذ النهر، الضائع في المستنقع، يلملم نفسه، ويتماسك، ويتعلم أن يجري كما تجري الأنهار.
وكلما تأكدت هيئة النهر، ترسَّخت مظاهر الحضارة الوليدة؛ فقد تزايدت خبرات السكان، فاخترعوا المحراث، واستأنسوا الحيوانات، وعرفوا الأواني الفخارية، ودبغوا الجلود، ونسجوا القماش من خيوط الكتان، وصنعوا طوب البناء؛ وهي – كلها – خبرات لم تكن لتتوفر لهم بغير عونٍ من النهر.
غير أن النهر لم يكن طيباً طول الوقت؛ كان يقسو، فيفيض ليغرق الحرث والزرع؛ ويقسو، كرَّةً أخرى، فيغيض، وتغيض معه الحياة... فتعلَّموا أن ليس كل البقرات سمان.
وكان الرجال يواجهون غضب النهر متفرقين، فلم يلبثوا أن أدركوا حاجتهم للتعاون؛ كما تبينوا احتياجهم للعمل وفق خطة مدروسة، وأن تكون لهم قيادة تنظم العمل، فعرفت البشرية الحكومة، والدولة المركزية، والنظام الطبقي المتماسك، الذي يعتلي الفرعون قمته، يليه الكهنة، ثم الفنانون والمهنيون، ثم الفلاحون، وينتهي بالعبيد.
لقد جادت الأرض بخيراتها، وعمَّت الوفرة. لم تعد ثمة حاجة – إذن – لكل الأفراد، كما كان الحال في زمن التقاط الثمار؛ فكان الاستغناء عن العمالة الزائدة، تماماً كما حدث مع الانقلاب الصناعي، في القرن الثامن عشر الميلادي.. فتوجه الزائدون عن حاجة أعمال الزراعة إلى أعمال أخرى؛ فظهرت مهن حرفية وتجارية جديدة، ساعدت على زيادة انتعاش أحوال الحضارة الوليدة.
وينبغي أن نشير هنا، وبموضوعية وتجرُّدٍ خالصين، إلى أن شمس الحضارة لم تشمل بنورها كل الأراضي في حوض النهر، الذي يمتد لمسافة تشغل 35 خطاً من خطوط العرض، إذ تباينت مستويات التحضُّر بين أهل الحوض؛ فبينما تجلَّت الحضارة، في أبهى صورها، في الطرف الشمالي من الحوض، ظلَّت مناطقه الوسطى والجنوبية أسيرةً للقبلية والحضارات البدائية، دهراً طويلاً.
لم يتوقف النيل عن إلهام سكانه الشماليين. كان الفيضان يداهمهم، فتعلموا أن يتوقعوا مداهماته.. حدَّقوا في السماء، وربطوا بين أوقات الخطر وصور النجوم؛ فوضعوا التقويم السنوي، الذي يعتمد على تكرار الفيضان كل 365 يوما وربع اليوم. وقد وصف يوليوس قيصر التقويم المصري بأنه أعظم وأذكى تقويم في العالم، وفرضه على الدولة الرومانية.
وهكذا، أدرك المصريون القدماء معنى الوقت، وشعروا بالحاجة إلى قياسه؛ وفطنوا إلى أن الزمن يعني "حوادث"، فكان أن سجلوا هذه الحوادث، فجاء الرسم؛ ثم اشتقوا من رسوماتهم وحداتٍ ذات دلالات ثابتة، كانت هي مبادئ الكتابة. ولكن، على أي شيء يكتبون؟
ذهب المصريون إلى النيل، ينشدون معونته، فأعطاهم نبات البردي. قطَّعوا عيدان البردي إلى أشرطة، وجدلوها معاً، متقاطعةً، ثم ضربوها وضغطوها، فصارت صفحات رقيقة.. صارت ورقاً صالحاً للكتابة. ومن الغاب صُنعت الأقلام؛ ومن أصباغ النباتات النيلية استخلصوا الحبر.
لم يتوقف النهر عن تعليم ناسه ودفعهم إلى استحداث الأفكار والوسائل الموطِّدة للحضارة. كان يفيض، فيكتسح الحواجز ويمسح ملامح الأرض.. كيف، إذن، يعرف الفلاح أين تنتهي أرضه لتبدأ أرض جاره؟ من هنا، عرف المصريون فن القياس، وقسَّموا المسافات، بدقة أدهشت العالم.
وأتاح النيل للمصريين ظهره، فركبوه. كان وسيلة نقل فريدة؛ فتياراته وأمواجه تأتي من الجنوب، تحمل المسافرين شمالاً؛ والرياح السائدة شمالية، تملأ أشرعة المبحرين جنوباً. وكان لحركة الملاحة النهرية النشطة مردودان هامان : نشَّطت التجارة؛ ووحَّدت الأمة.
الجدير بالذكر، أن النيل هو الوحيد بين أنهار العالم، الذي تجري مياهه من الجنوب للشمال. والطريف، أن تحتمس الأول أخذ يطارد الهكسوس، حتى وصل إلى نهر الفرات، فوجده يجري من الشمال إلى الجنوب؛ فأوقف عملياته العسكرية، ولم يفكر في ركوب هذا النهر (ذي المياه المعكوسة).
استقرت العلاقة بين المصريين القدماء والنهر، وباتوا ينتظرون فيضانه، بعد أن تعلموا كيف يروِّضونه. وكانوا يبدأون موسم الفيضان باحتفال رسمي، يتوجَّه فيه الفرعون، محاطاً بكبار رجال الدولة، إلى شاطئ النهر، حيث يلقي في مياهه بلفافة من ورق البردي، تتضمَّن أمراً للنهر بأن يفيض.
كان النيل يستجيب، في معظم الأحيان. ولكن... حدث أن عصي النهر أوامر الفرعون، وانقطع فيضانه زمناً طويلاً؛ فسقطت الدولة المصرية القديمة، سنة 2200 ق.م.، سقوطاً مفاجئاً، بعد أن حكم مصر 6 أسراتٍ منها. أسقطها النيل.. لقد منع عنها النهر خيرات فيضانه عدة سنوات متتالية، فضعف اقتصاد الدولة، واهتز سلطانها، فتفككت وانهارت. وقد اهتم أحد حكام المقاطعات، ممن عاصروا ذلك السقوط، بتصوير الانهيار الاقتصادي للبلاد، فكتب على جدران مقبرته، يقول: "..إن مصر العليا كلها تموت من الجوع؛ وقد اضطُرَّ الناس لأن يأكلوا أطفالهم".
غير أن أحوال النهر عادت فاستقامت؛ وبفضله، استمرت مصر أكبر وأغنى دولة شرقي البحر المتوسط، حتى الغزو الروماني، سنة 30 ق.م.
ويبدو أن السقوط المأساوي للدولة القديمة ظلَّ، حتى أيامنا هذه، يمثِّل هاجساً يقلق سكان الحوض، تحسُّباً لسنوات عجافٍ، تنقطع فيها موارد النهر، وتخوُّفاً من تبدلات جيولوجية ومناخية تطرأ على منابع النيل، فتؤثر في إيراده. واهتمت أفكار غربية بتغذية الهواجس والمخاوف، لدى شعوب حوض النهر الفقيرة، والمتطلعة للتنمية؛ منها نبوءة سوداء أطلقها عالم جغرافي سويسري، في كتاب له، عنوانه "مواد لدراسة الكوارث"، ملخصها، أنه "سوف يكون لعامل النحر الاعتيادي، في أنهار الهضبة الاستوائية، مع تعاقب الزمن، أثره الفعَّال في تمهيد الطريق لكي تغير مياه بحيرة فيكتوريا اتجاه سريانها، فتنحدر إلى بحيرة تنجانيقا وسهول الكونجو، بدلاً من أن تغذي النيل الأزرق. ويزداد السيناريو سوءاً إذا وقع زلزال قوي، يسبب شرخاً، يعجَّل بعمليات النحر البطيئة.. وهكذا، تغيض بحيرة فيكتوريا، ويتوقف النيل عن الجريان".
إن مثل هذا السيناريو المتشائم، بالإضافة إلى رغبة ملحَّة لدى كل الدول المشاركة بالنهر – وبعضها من أشد دول العالم فقراً – لتنفيذ خطط ومشروعات تنمية طموح... كل ذلك دفع هذه الدول إلى إقامة، أو التفكير في إقامة، منشآت على النهر، لتخزين وتنظيم موارده المائية، وتوليد القوى الكهربية. وظلت دول النهر – لسنوات طويلة – تخطط وتعمل منفردة، فتصادمت المصالح، وبدأت الخلافات المنذرة.
ففي نهاية العام 1979، بلغت هذه الخلافات درجة عالية من الحدة، حين أعلن الرئيس المصري الراحل انور السادات اعتزامه توصيل مياه النيل، التي ستروي سيناء، إلى صحراء النقب، في إطار التعاون مع إسرائيل، ودليلاً على رغبة مصر في حسن الجوار. فردَّ الرئيس الأثيوبي منجستو هايلا ميريام، وقال إنه سيحرم مصر من مياه المنابع الأثيوبية (وتمثل 83 % من موارد مصر المائية)، بتنفيذ عدد من المشروعات والخزانات، على بحيرة "تانا " والنيل الأزرق. وعاد السادات يردُّ، مهدداً بأن مصر سوف تحارب من أجل حقوقها المكتسبة في مياه النيل. وكان رد منجستو عنيفاً، وكان يتحدث وقد وضع أمامه زجاجة دم (..)، وقال: فليأت السادات، ولسوف يجدنا بانتظاره. وأمسك بالزجاجة، وقذف بها، فتحطمت، وتطايرت قطرات الدم في كل اتجاه.
على أية حال، ظهرت – أخيراً – بادرة أمل في أن تدير دول نهر النيل شؤونها المائية، في جوٍ من التعاون والثقة المتبادلة؛ فقد اجتمع بجنيف، في يونيو/حزيران من العام 2001، وزراء الدول العشر المشاركة بحوض النيل: أوغندا وبورندي والكونجو وإريتريا وأثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانيا والسودان ومصر؛ وأعلنوا العزم على العمل معاً، لتنفيذ برنامج أطلقوا عليه اسم "مبادرة حوض النيل"، للتنمية المتكاملة لدول النهر، وتنظيم أعمال الري، وتوليد القوى، والنقل والسياحة.
والحقيقة، أن دول الحوض بأشد الحاجة لمثل هذه البرامج والمبادرات، فثمة مشاكل بيئية خطيرة تعوق برامج التنمية بها؛ منها : القحط والتصحُّر وتعرية الغابات وتحات التربة وإطماء المجاري المائية والفيضانات المدمرة والمجاعات والأمراض الوبائية؛ هذا بالإضافة إلى تلوث مياه النهر.. إن أول أولويات دول الحوض – والحق يقال – هو أن تلتفت لتحسين أحوال مياه النهر، بدلاً من إضاعة الوقت والجهد في منازعات حول مياه يضربها غول التلوث؛ فأخطر ما يهدد استقرار سبل الحياة في دول حوض النيل، هو تلوث مياه النهر، من منابعه الاستوائية، إلى مصبه في البحر المتوسط.
لقد كان يستوطن بحيرة فيكتوريا، منذ 40 سنة، أكثر من ثلاثمائة نوع من الأسماك، اختفى معظمها، وأصبح بعضها نادر الوجود؛ ولا يعيش في البحيرة الآن إلاَّ ثمانية أنواع فقط (!)؛ مما جعل العلماء يصفون هذه الكارثة بأنها أكبر عملية انقراض في العصر الحديث.
لقد وقعت تلك الكارثة بسبب التلوث الشديد لأكبر بحيرة استوائية في العالم. ويدل على هذا التلوث مؤشرٌ بيولوجي متعارف عليه، هو الطلب من الأكسجين الحيوي، وتصل قيمته في مياه البحيرة إلى 95 ألف ملليجرام/لتر، بينما تحدد منظمة الصحة العالمية المستوى القياسي في المياه النظيفة بمائة ملليجرام فقط، لكل لتر.
وظل سبب تلوث البحيرة غائما، زمناً طويلاً، حتى تبين أن أعمال اقتلاع أشجار الغابات المحيطة بحوض بحيرة فيكتوريا جعل التربة هشَّة، فجرفتها الأمطار إلى البحيرة، فطرأت على مياهها حالة فيزيقية، معروفة باسم "فرط الغنى بالأملاح المغذية"، أو EUTROPHICATION ؛ كما تصادف أن دخل إلى البحيرة، في نهاية عقد الثمانينيات، نبات مائي، هو "ياسنت الماء"، أو HYACINTH ، الذي وجد في المياه مفرطة الغنى بالأملاح المغذية بيئة مثالية، فتعاظم نموه، حتى غطت حصائره الكثيفة معظم مسطح البحيرة، فنضب الأكسجين الذائب بالمياه، واختنقت الكائنات الحية في البحيرة؛ وحجب النبات ضوء الشمس عن الهائمات النباتية العالقة بالمياه، وهي بمثابة القاعدة العريضة للإنتاج الحيوي بأي كتلة مائية، فانخفضت إنتاجية البحيرة من المواد الحية، أو بمعني آخر، "تصحَّرت" مياه البحيرة.
وبالإضافة إلى ذلك، أعاق ياسنت الماء حركة الملاحة النهرية، فتأثر النشاط التجاري بالمنطقة، وازدادت عزلة الأقاليم المحيطة بالبحيرة. والأكثر من ذلك، أدت كثافة هذا النبات إلى ركود وفساد مساحات كبيرة من مياه البحيرة، تحولت بمرور الوقت إلى مزرعة ضخمة لتوالد البعوض الناقل للملاريا، وانتشرت بها القواقع العائلة لدودة البلهارسيا.
فإن أبحرنا شمالاً، فحدِّث عن التلوث، ولا حرج.
كان النهر، قبل أن تعوق السدود والخزانات انسيابه الطبيعي، قادراً على تنظيف نفسه، ذاتياً؛ فكان الفيضان يكسح – سنوياً – ما يتجمع في مجراه من مخلفات، ليعود نظيفاً. ومع اندفاع دول المنطقة في تنفيذ خطط متعجِّلة للتنمية، تعرَّضت الأنظمة البيئية في حوض النيل، عامةً، للضغوط، في اتجاهين : ضغط الطلب المتزايد على المياه، وضغوط النفايات المتخلفة عن الأنشطة الزراعية والصناعية المتزايدة، بالإضافة إلى مخلفات الحياة اليومية لسكان الوادي، الذين يتزايدون، كل عام.
إن عدد المصانع المنشأة على ضفتي النهر، في مصر فقط، يزيد عن 300 مصنع، تصرف 312 مليون متر مكعب من المياه الملوثة، سنوياً. ولك أن تستنتج أنواع الملوثات الكيماوية، في هذه الكمية الضخمة من مياه الصرف الصناعي، إذا علمت أن القائمة تشمل مصانع : الأسمدة ( أسوان و طلخا) والمنظفات والمبيدات الحشرية والأسمنت والزيوت والسكر والفوسفات ولب الورق والألومنيوم والحديد والصلب.
لقد أُجريت دراسة أكاديمية، في بداية التسعينيات، على مياه الشرب في القاهرة الكبرى، التي يصل تعدادها إلى 13 مليوناً، تبين منها أن مستوى كل من الرصاص والكادميوم، في المياه التي يشربها سكان العاصمة المصرية، يزيد 14 و 24 ضِعفاً، على الترتيب، عن المستويات القياسية المسموح بها من العنصرين السامين.
أما الصرف الزراعي في مصر، فيبلغ متوسط حجمه 15 مليار متر مكعب، في السنة. وتقول الأرقام إن كمية المبيدات المستخدمة في الزراعة تصل إلى 40 ألف طن، سنوياً؛ لا يؤثر منها في مقاومة الحشرات والحشائش إلا 1 % فقط، ويتسرب الباقي (99 %) إلى الأنظمة البيئية. وفي تقدير بعض العلماء، فإن كمية المبيدات التي تستوردها مصر من سويسرا وألمانيا، تكفي لتوزيع جرام كامل منها، على كل فرد، في السنة.
إن مواجهة تلوث مياه النيل تحتاج، بالمقام الأول، إلى وضوح الرؤية لدى الجميع، وعدم التهوين من حجم المشكلة، و إتاحة البيانات المتصلة بها لمن يطلبها؛ وذلك أمر لم يتحقق، بعد... لقد راجعنا، أثناء إعدادنا لهذا التقرير، بياناً أصدرته وزارة البيئة في مصر، عن حالة مياه النيل، في الفترة : 2000 - 2001، أعلنت فيه الوزارة عن "خلو" النهر من التلوث الصناعي. وبعد أن استخدم البيان كلمة "خلو"، عاد فقال إن "التحسن" نتج عن التزام 34 منشأة صناعية كبرى، كانت تصرف مائة مليون متر مكعب من المخلفات الصناعية، دون معالجة، في مياه النهر، سنوياً. ثم يتضح من البيان – المنشور في موقع الوزارة على الإنترنت – أن برنامج منع الصرف الصناعي في النهر، لم ينته بعد، فهو ممتد من 1996 حتى 2008، وأن ذلك "التحسن" كان مقصوراً على مرحلة واحدة فقط من المشروع..
إن جانباً كبيراً من مشكلة التلوث، بعامة، في معظم الدول الفقيرة، يكمن في توجه عام لإخفائها، وتضليل من يتقصون عنها. لقد قُيِّض لكاتب هذه السطور أن يكتشف بنفسه غياب الاعتبارات البيئية والصحية عند اختيار المبيدات والتعامل معها؛ فقد نشرت الصحف إعلانات عن نجاح مبيد "البايلوسيد" في القضاء على قواقع البلهارسيا، في الترع والقنوات المتصلة بالنيل، في مصر؛ وأكدت الإعلانات على القدرة الانتقائية للمبيد، فهو "ذكي"، لا يصيب إلا القواقع .. وقد تزامن نشر هذه الإعلانات مع حضورنا حفل مناقشة رسالة جامعية، تناولت "التأثيرات السيتو وراثية، والتغيرات السُمِّية الجينية لمبيد البايلو سيد، في نباتي الفول والذرة". وتوصلت الرسالة إلى أن لهذا المبيد تأثيرات فادحة على هذين النباتين الاقتصاديين، فهو يثبِّط تخليق الحمض النووي (دنا) في البادرات؛ ويشوِّه كروموسومات خلايا النباتين؛ ويرفع نسبة العقم في حبوب اللقاح؛ بالإضافة إلى تأثيره الواضح على لون ونوعية الطبقات المختلفة لهذين النوعين من الحبوب الغذائية.
منقول