المغرب المسافرون العرب

أكتشف العالم بين يديك المسافرون العرب أكبر موقع سياحي في الخليج و الوطن العربي ، يحتوى على أكبر محتوى سياحي 350 ألف استفسار و نصائح عن السفر و السياحة, 50 ألف تقرير سياحي للمسافرون العرب حول العالم و أكثر من 50 ألف من الاماكن السياحية و انشطة وفعاليات سياحية ومراكز تسوق وفنادق، المسافرون العرب هو دليل المسافر العربي قبل السفر و اثناء الرحلة. artravelers.com ..
labfsd
30-08-2022 - 06:57 pm
  1. ياخذك وكانك تجول معه في اجراء المغرب

  2. المغرب .. عناق البر والبحر

  3. من الصحراء إلى الماء

  4. فماذا عن تمحيص ذلك؟

  5. مئذنة تطل على المحيط

  6. فهل نستمر في لمح هذا العناق، بينما تتواصل رحلتنا على الساحل؟

  7. بستان في قلعة البحر


اعزائي
الموضوع طويلا جدا ولاكن عندما تقراء تذهب معه بعيدا

ياخذك وكانك تجول معه في اجراء المغرب

المغرب .. عناق البر والبحر

من إطلالة مسجد الحسن الثاني على المحيط الأطلسي في الدار البيضاء، إلى منارة "مالاباطا" المشرفة على البحر المتوسط في طنجة. مضينا على ساحل عربي تتناغم فيه الألوان والأصوات والروائح. بهجة حقيقية للحواس. وموضع للتوازن العربي المدهش بين الصحراء والبحر. إنه النموذج المغربي العذب، وهو اكتشاف عربي مهم نكاد نحن عرب المشرق لا نعرف عنة شيئا. بينما هناك كثيرون من كبار مبدعي الغرب جعلهم اكتشاف المغرب يعيدون اكتشاف أنفسهم.
"الوطن العربي لا يعرف ذاته. وفي أحوال كثيرة لا نعرف أنفسنا إلا عن طريق الآخر. وفي رأيي أن أكبر حاجز بين العرب هو خيال بعضهم عن بعض. نحن جميعا ضحايا المتخيل العربي عن ذواتنا. وكلما التقينا لا بد من أن نبدأ من الصفر".
ارتفع صوت "محمد بنيس" الشاعر والناقد المغربي المعروف عندما بلغ هذا الموضع من حديثنا. ومحمد بنيس نموذج يشبه المغرب نفسه كما رآه الآن إذ يعرف كيف يصطدم وهو يبتسم، وكيف يطرح الفكرة النقيض دون أن يقطع حبل المودة. وبحيوتيه الدافقة كف برهة عن الكلام بينما راح يعبث في لحيته الخفيفة كأنه يواصل الحديث في داخله. وامتدت البرهة إلى دقائق من الصمت أفسحت لنا فضاء نرتشف فيه شاي النعناع المغربي الشهير، ونتأمل براعة الزخارف التي تصنعها فسيفساء "الزليج" على جدران القاعة من حولنا، وعلى الأعمدة، وحتى حنية السقف المشغول كله بزخارف الجص المنحوت الملون. وكانت هناك نغمات من الغناء الأندلسي تتماوج خافتة في البعيد. بينما شارع " الجيش الملكي" يمتد تحت أبصارنا. . شريطا محفوفا بالأشجار ومطروسا بالسيارات، تترامى على جانبيه عمائر الدار البيضاء الحديثة التي لم تغش عتمة الغروب نصوع بياضها. أمّا ثبج الموج في البحر القريب، فلم يكن إلا بعضا من عرامة المحيط الأطلسي.
وفي فضاء رشفات الشاي المغربي المنعنع، بل المثقل بالسكر والنعناع ، رفت في خاطري انطباعة: ليست يسيرة أبداً وقفة هذا البلد العربي على شاطئ المحيط الهائل والعارم. .الأطلسي الزاخر بالظلمات وبوارق النور الخاطف والأسرار. المغرب العذب ليس سهلا، هو الذي وجد تخومه في سلسلة جبال أطلس الخضراء الوعرة من ناحية، وساحلي المتوسط والمحيط من الناحية الأخرى. أبدا ليست الوقفة سهلة. فللجغرافيا ثمنها ومعانيها ومراميها أيضا.
عبرت الانطباعة رأسي العامر بدفء الشاي والنعناع، فأكبرت في محمد بنيس رفضه للكلام العام عن "المغرب" : "لا أومن أن شاعرا يمكن أن يتكلم في كل شيء.. الخطاب العام خلق لنا مآزق في الثقافة العربية". وأكبرت فيه الحس بالمسئولية الثقافية والمعرفية عندما أحال مشروعي إلى أسماء مغربية يثق في أصالة معينها المعرفي من جوانب بعينها. ولأن الوقت كان أضيق من إفساح المواعيد للتلاقي، اضطررت إلى أن أقنع من لوامع الأسماء الثقافية المغربية ببعض من كتابات عبدالله العروي عن تاريخ المغرب ومن محمد عابد الجابري عن الخصوصية المغربية. وأظن أن هذا مما أضاء لي رؤية ما لم أكن أراه قبل أن تلامس قدماي أرض الدار البيضاء. ثم كانت العين ترى والأذن تسمع ، وجاء الحصاد انقلابا كاملا لمشروع استطلاعي الذي سافرت به إلى المغرب.. فقد (هندست) له مسبقا فكرة عنوانها: "المغرب.. صراع البر والبحر" مفترضا خلالها أن البحر أمواج وافدة، غازية، وناحرة، ومقتلعة. بينما اليابسة أصيلة، مقيمة، ومقاومة.
وإنني الآن بعد تلك الرحلة على الساحل المغربي لأشعر بفجاجة الفكرة المسبقة وفرط هندستها. لهذا أهدمها وأتحول إلى وجهة أخرى، أتلمس هذا النسيج المغربي الرهيف ، المركب، الذي وإن كانت أدارت أنواله مواجهات بين البر والبحر والبر والبر. إلا أن نسقه الفريد، في رأيي، مدين بصحته وفرادته لطابع مغربي أصيل أحال الصراع إلى عناق وهو ما تبدى لي عبر تلك الرحلة على الساحل المغربي. لهذا. . يتوجب أن أعود إلى البداية.

من الصحراء إلى الماء

كان ظلاما بينما طائرتنا تعبر حدود الصحراء متجهة عبر خاصرة المغرب إلى عاصمته التجارية "الدار البيضاء" . وفي الظلمة لم يكن ممكنا أن أرى الرمل المغربي تحتنا، لكنني هجست بوجوده. ولأننا كنا نطير فقد تذكرت طيارا أوربيا شهيرا جعلته المغرب، والدار البيضاء خصوصا، يكتشف فراديس روحه، فيغدو علما من أعلام الروح الإنساني. إنه الكاتب "أنطوان سانت اكسوبري" الذي كانت دنيا الأدب العالمي في توقيت رحلتنا تحتفل بالذكرى الخمسين لاختفائه الغامض، بينما تحل في ذات الوقت تقريبا الذكرى الخامسة والسبعون لرحلة طيرانه الأولى في 13 يوليو 1919 من تولوز في الدار البيضاء. إلى المغرب التي استخرجت من الطيار كاتبا إنسانيا بسيطا وعميقا، فقد جعلته على حد تعبيره يستعيد سحر أحلام طفولته الباكرة ويعيها في نور جديد، نور طبع حياته فيما بعد بخليط من الإنسانية والتواضع والشجاعة. لقد سبقه في ذلك مبدعون غربيون كثيرون، مشاهير أيضا.. الكاتب بيير لوتي والفنان ديلاكروا، ولحقه آخرون. كان من بينهم أندريه موروا الذي قال عن المغرب:" إنها القديم والجديد، المحافظة والمغامرة، الشاعرية والعملية. وهي باختصار: إنجاز فني ".
فنانون وكتاب عالميون اكتشفوا أنفسهم من جديد في المغرب، وستذكرنا بهم كل خطوة نخطوها في رحلتنا هذه. لكن أنطوان سانت اكسوبري يظل لصيقا بادار البيضاء التي دخلنا مجالها الجوي قرب الفجر. فقد كان صاحب رواية "الأمير الصغير" الفاتنة البسيطة العميقة..كان طيارا مسئولا عن البريد بين تولوز الفرنسية والدار البيضاء وداكار. كانت فترة وقوع المغرب في قبضة الاستعمار الإسباني، وكان اكسوبري يحمل معه شأن طياري ذلك الزمان قفصا به بعض من الحمام الزاجل يطلقه مع رسائله لينقل معلومات طيرانه إلى المطارات التي كانت بها "بيوت للحمام " تستقبل تلك الإشارات المرفرفة، قبل أن تتطور تقنيات "اللاسلكي". ولقد أطلقت المغرب حمائم روح اكسوبري الذي كان نموذجا مختلفا من الأوربيين الذين انخرط في مقاومتهم المغاربة ولم يكونوا يستثنون منهم أحدا، إلا هذا الفرنسي القائل: "أفضل ما يقرب بين البشر والبشر هو العلاقات الإنسانية القائمة على التكافؤ"، وكان تطبيقه لهذه المقولة يثمر عند أطراف للدار البيضاء علاقة فريدة مع زعيم قبائل "المربوط" المغربية. كان الزعيم يعلم أكسوبري اللغة العربية ويشرح له تقاليد القبائل. وكان أكسوبري يتحدث بسعادة عن لقاءاته مع هذا الشيخ المغربي في ظل الخيمة ومع رشفات الشاي بالنعناع. ويرى في صحة علاقاته الإنسانية نوعا من المسئولية وهو الذي طالما ردّد: "أن تكون رجلا، أو إنسانا، يعني أن تكون مسئولا". ولقد كسرت قلبه روح اللا مسئولية الأوربية التي أشعلت نيران الحرب العالمية الثانية، فقال قبل اختفائه: "إنني لشد حزين وآسف لجيلنا الذي فقد إنسانيته " ثم ركب طائرته في الحادي والثلاثين من يوليو عام 1944 كواحد من المنخرطين في المقاومة ضد الفاشيست وكانت طلعته باتجاه جرينوبل، لكنه لم يصل إليها أبدا، واختفى.
ظل اكسوبري يحلق في خاطري حتى حطت الطائرة على مدرج مطار محمد الخامس في الدار البيضاء . فقد كنت مشغولا بهذه العلاقة بين الشرق والغرب التي يجسد سؤالها المغرب. وكانت هناك دعوة للاحتفال بذكرى الكاتب الإنساني تقيمها جمعية "الشرق والغرب" التي نشأت بمبادرة من "ياسمينا الفيلالي" لتعنى بالحوار الإبداعي بين العالمين اللذين تفصل بينهما مياه المتوسط ويكون الفاصل بينهما أضيق ما يكون عند الساحل المغربي المواجه لأوربا.
من الجو إلى الأرض انتقلنا، فكأنني انتقل بسؤالي إلى الواقع المغربي. وبينما تلقانا بترحاب جميل السيد مصطفى دنيني مسئول الصحف بأكبر مؤسسة توزيع مغربية تسمى اختصارا "سوشيبرس " ومضى بنا على الطريق المشجر الطويل من الوادي إلى الساحل، تعرفت أول وجه مغربي. رجل دقيق يقظ ومنفتح بأريحية على ثقافتين يجيد لغتيهما العربية الفرنسية. وأخبرني أن معرفة لغة ثانية أمر شائع بين أبناء جيله. وأحسست بالتوازن في هذا النموذج المغربي مزدوج اللغة. وراح إحساسي يتنامى عبر الانطباعات الأولى عما أراه حولي بينما كنا نوغل في شوارع الدار البيضاء العصرية الناصعة، التي يعود كثير من أبنيتها بطرازه إلى أبنية الثلاثينيات الفرنسية. وفي بشائر الصباح الباكر كان لي أن ألمح بداية ما سوف يلفت انتباهي بشدة فيما بعد، وهو الإحساس بالتصالح بين الناس وبيئتهم، بين الزمن المغربي الكائن والأزمنة التي كانت.

فماذا عن تمحيص ذلك؟

مئذنة تطل على المحيط

الدار البيضاء قد تبدو نقطة ليست دالة بوضوح على النموذج المغربي. لكن هذا للوهلة الأولى. إنها مدينة كبيرة وغضة في أن تنامت مائة مرة أكثر من حجمها الذي بدأت به عام 1900، وتكاثر سكانها من عشرين ألفا إلى أكثر من ثلاثة ملايين. توحي للوهلة الأولى بنمط حاضرة عصرية من حواضر البحر المتوسط. مدينة "بيزنس " بطرق واسعة وأبراج سكنية وفنادق فاخرة وأحياء شعبية عند الأطراف. لكن لا.. فقليل من الإيغال في قلب الدار البيضاء هذه، سواء باتجاه المحيط أو العكس، يكشف عن بعض من خصوصية ألوان المغرب وعطورها ورفيف الروح فيها. ولعل مسجد الحسن الثاني الكبير، الأعجوبة الإسلامية العصرية المطلة على مياه الأطلسي.. لعله يكون بداية لمشهد مغربي ذي خصوصية وفرادة. وأرى أنه أبعد من زمن افتتاحه بكثير. صحيح أنه افتتح في أغسطس 1993 بعد ست سنوات من التشييد، استهلكت 50 مليون ساعة عمل، وجهود 25000 فنان (ولا أقول عاملا)، لكن هذا "القلب الرمزي" كما وصفه أحد الكتاب الغربيين فأحسن الوصف يكتنز في رحابه وبين حناياه لمحات معتقة من روح المغرب الفنان المؤمن، والمنفتح. كما أن الصروح العملاقة البديعة من هذا النوع هي حالة من تجلي اللحظة التاريخية حتى لو كان مولد فكرتها في عقل ملك. ولعلي أبرهن على ذلك بما شاهدته في كثير من البيوت والمحال والحوانيت من احتفاء فخور بامتلاك إيصال للتبرع مشاركة في بناء هذا المسجد الشامخ. فالإيصال رأيته كثيرا داخل إطار معلق على الحائط بشكل يوحي بالزهو والتشريف. إنه قلب رمزي حقا. ومن ينظر مثلما فعلت من مكان مرتفع في نهاية الدار البيضاء فسوف يرى كيف أن هذا الصرح منفردا قد طبع. المدينة كلها بطابعه. وقد بدا لي المشهد الرحيب وكأن الدار البيضاء وهي بيضاء حقا سفينة عريضة تشق زرقة المحيط الأطلسي اللا متناهية الأفق بمقدمها الرصين المطمئن الذي تشكله بناية مسجد الحسن الثاني الشهباء المتميزة، المكللة يالقرميد الأخضر، فيما المئذنة الشاهقة الموشاة بفيروزية الزخارف تعلو في السماء فكأنها صار من صواري الروح المسلم ينشر شراعا شفيفا يمتلئ بهواء المحيط العفي الذي لا يبين، لتثبت السفينة في مرساها المغربي وتتكسر عند أقدامها أمواج المحيط إن عنفت أو طغت. فكأن هذا الصرح رمز لمسعى التوازن المغربي على مستوى الشكل ينم عن حرص على هذا المسعى في الجوهر.
مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء، إذن، ليس بعمر افتتاحه أو بدء تشييده، أو حتى بزوغ فكرته، بل هو أقدم من ذلك كما أرى، كما استنتجت من تأملي المبهور لعمارة المسجد وزخارفه ونقوشه. فالأطنان الخمسة والستون ألفا من الرخام ، والأعمدة الألفان والخمسمائة، وقاعة الصلاة التي تسع عشرين ألف مصل إضافة إلى ثمانين ألفا في الباحة. والمئذنة مربعة المقطع التي ترتفع مائتي متر. والأبنية الملحقة بالمسجد لتشكل مجمعا ثقافيا إسلاميا متكاملا.. كل هذا ينبض بفن الروح المغربي المتصالح مع ذاته والمسبوك من عناصر تصاهرت معا برغم كونها من مصادر شتى..زخارف "الزليج" أو فسيفساء الخزف الملون على الأعمدة والجدران وأضلاع المئذنة وهامتها. والحفر على خشب الأرز الذي يجلد صحن المسجد. وأعمال الجص المنقوش الملون في الحنايا والأفاريز. كل هذا الفن ليس ابن ثماني سنوات أو عشر أو عشرين. وليس وقفا على مسجد الدار البيضاء الكبير هذا. أنه تراث فني يستمد جذوره من عبق أول مسجد في عمر الإسلام بالمدينة المنورة منذ ألف وثلاثمائة واثنتين وسبعين سنة مضت. ويبلور حصاده من إسهامات السنين والأمصار ، من الكوفة والأندلس حتى فاس ومكناس ومراكش. ليستقر كنزا فنيا لدى الصانع المغربي ورمزا تنداح ظلاله أبعد من الرامز ذاته. ففسيفساء الزليج المغربي بوحداتها المتكررة بنمنمة وإتقان وبهاء تجذب الرائي لتنتزعه من عالم الواقع المحسوس إلى عالم الروح اللا متناهي. فالتكرار البديع يبدو وكأنه لا ينتهي ومن ثم يكف البصر عن التركيز فتتحرر البصيرة.
هذا الصرح المنطوي على ذلك الإرث الفني المغربي الإسلامي هو نفسه نموذج على الروح المغربي المنفتح على ما ينفع، دون ذلك التشنج المعهود لدى الباحثين بالعنف عن هوية ع فالمسجد يمر تحته نفق طويل حديث حتى يستمر في السريان طريق "سيدي محمد بن عبدالله " وثمة (جراج) متعدد الطوابق تحت أرض الساحة ، أما صحن المسجد فإنه ينفتح بتجهيزات إلكترونية متطورة فيما لا يتجاوز ثلاث دقائق عندما يكون الجو صحوا، وينغلق في الدقائق الثلاث ذاتها إن أنذرت بالمطر.
هذا عن المسجد، أما عن الناس، فقد شكل المسجد لهم متنفسا روحيا رحيبا وساحة طيبة لتنسم هواء المحيط في ساعات العصر والغروب العذبة، حيث يقتعدون الأسوار الخفيضة لباحته المطلة على الماء من كل ناحية.. تستجم أجسادهم في طراوة النسائم وترف الأرواح في حضرة هذا النقاء الباذخ.
لقد جلسنا مع الناس نستروح نسائم المحيط، ونستجلي آفاق الشاطئ المغربي، وأشار مرافقنا " بانوس عبدالكبير" إلى بروز صغير من الأرض داخل المياه باتجاه الجنوب وهو يقول: "مربوط سيدي عبدالرحمن". وكانت إشارات عبدالكبير المغربي الكريم والمرح تتحول فورا إلى حركة يحملنا عبرها لنرى مغزى الإشارة. وعلى امتداد (الكورنيش) ذي الشواطئ الفسيحة ومطاعم المأكولات البحرية الطازجة توقف بنا "بانوس عبدالكبير" على الشاطئ حيث يمتد لسان رفيع من الرمال والصخور إلى جزيرة صغيرة تعلو مدارجها بيوت صغيرة بيضاء. وكان هناك بعض من أبناء البلد يتجهون أو يعودون من الجزيرة. ولما رآني عبدالكبير لا أفهم كلمة "مربوط " ترجمها في "مقام" فثمة ضريح لأحد الأولياء في الجزيرة يذهب إليه الناس لقراءة الفاتحة استجلابا للبركة وأملا في أن يزيل الله كروبهم.
قلت لنفسي وأنا أطوف بناظري حول المكان.. عمائر المدينة، والشاطئ، والمقام القريب، والمسجد الشاهق في المدى: "كل شيء هنا". وأضيف الآن في لحظة الكتابة: "كل شيء هنا..وكل الأشياء في تصالح ".
ويتنامى إحساسي بحالة التصالح هذه إذ نكمل جولتنا بالدار البيضاء، فمن أقصى غرب الشاطئ نمر بفندق "أنفا" فنتذكر أن الفينيقيين كانوا يقيمون لهم ميناء في هذا المكان، وفي هذا المكان تم لقاء روزفلت وتشرشل عام 1943 فاتخذوا قرار غزو سيشل وقرار الإنزال البري ضد هتلر عام 1944.
نمر قرب الميناء بالمدينة القديمة التي تتهيأ للتبدل حتى يمر الطريق الكبير الجديد إلى مسجد الحسن الثاني، فتتذكر أن البرتغاليين أقاموا في هذا المكان لأول مرة منذ خمسة قرون، وكعادتهم التي جعلت البعض يسميهم "براغيث البحر" لم يمكثوا في المكان، لكنهم عادوا إليه بعد قرن وأسموه " كازابلانكا" أي " البيت الأبيض " أو الدار البيضاء، وكان مقامهم ينهض على مرتفع يشرف على خليج صغير دمره زلزال لشبونه عام 1755. ثم عاد بعد ذلك التجار المغاربة وعمروا المكان وأسمو المدينة (وينطقها المغاربة لمدينة) .. المكان مزدحم ويعج بسكانه البسطاء، وإذ نخرج منه نمر بمركز كبير للتسوق يسمي "مركز 2000" فكأن خمسة قرون كاملة قد ذايت في (المدينة) وتماهت في زمن واحد هو الزمن المغربي.
الزمن المغربي.. أراه بعدا يختلط فيه الزمان بالمكان، وأراه يتجلى أكثر ما يتجلى في الدار البيضاء بمنطقة "الحبوس". وهي نموذج مصغر لمدينة مراكشية شكلا وموضوعا. وقد بدأ تبلورها في الثلاثينيات كمقام لأبناء البلد في زمن عزت فيه البيوت وقت الهيمنة الاستعمارية الفرنسية. الآن تبدو الحبوس قطعة فنية معتقة من ذلك الزمن الحي والحيوي. حوانيت بائعي، الجلايات " ، والطرابيش ، والزرابي المغربية على أنواعها، والخشبيات، والنحاسيات، والزيتون الذي يستقل بسوق خاص تحتشد فيه عشرات الأنواع التي يصعب على غير المغربي المخضرم أن يميز بينها.
الحبوس.. حبور الحديقة المورقة وسط الميدان الصغير الجميل ، والأبنية الخفيضة المتكاتفة في تلاحم، والأزقة، والحمامات، وأبواب المدينة، وبناية المحكمة الشرعية بسقوفها القرميدية وأبراجها العديدة ثم امتداد الدروب حتى جادة النخيل الباسق وبوابة القصر الملكي.
وفي الحبوس نادتني المكتبات والكتب. وتشهد العناوين والصفحات بخصوصية الاجتهاد المغربي وانفتاح ذهنية هذا الاجتهاد. القديم يجاور الجديد ، والمحافظة تفتح على حرية حيية. واللحظة تمتح من مشارب شتى بلا افتعال ولا وجل، لهذا أظن أن الخطاب المغربي في حقل الثقافة العربية يلعب اليوم دورا قائدا في مجالات تسود فيها مفرداته، كالنقد الأدبي الحديث، واللسانيات، ونظرية المعرفة، وعلم الاجتماع السياسي، والمثاقفة. والأسماء عديدة ولامعة يصل مدى بريقها إلى المشرق بجدارة.. العروي، أركون، الجابري، براده، بنيس، إضافة إلى أسماء لا نعرفها وما أقسى ألا نعرفها.
الكتب صورة من صور الحياة في زمن نشرها وانتشارها.. وأرففها شهادة على حالة التصالح المغربي مع الذات، فتلمس الهوية في هذا البلد المواجه للبحر والمحيط، المطل من أقرب نافذة أو شرفة على الآخر قضية حقيقية. لكن السوية المغربية تسعى إليها بلا تشنج ولا عنف، برغم أن العنف المتشنج على تخومها يذبح البنات ويمثل بالجثث. لهذا يطرح النموذج المغربي بهدوئه أسئلة حرجة ومحرجة على التطرف الذي يعربد هنا وهناك في وطننا العربي خارج الحدود المغربية. ففي المغرب فقراء، وتباين اجتماعي، ومواجهة جغرافية سياسية للآخر، وإرث تاريخي غير مبرأ من عسف الأخر بل مواجهة يومية مع الآخر، فلماذا لم أحس بوجود التطرف في المغرب؟ كما لم أحس بالتفريط. بل أحسست بالتوازن والتسامح. لماذا؟
ويجيئني مقترح للإجابة على لسان محمد عابد الجابري إذ يقول: "إنه المشروع الثقافي المغربي الذي تم التبشير به منذ أواخر الثلاثينيات، المشروع الداعي إلى تأصيل الحداثة وتحديث الأصالة ، والذي بقي إلى اليوم مطمح الأجيال الجديدة".بلغة أخرى.. إنه الاطمئنان إلى صحة تعايش الثقافات. وبلغة الجغرافيا المغربية..إنه حوار البر والبحر...وسيرورته السوية إلى العناق.

فهل نستمر في لمح هذا العناق، بينما تتواصل رحلتنا على الساحل؟

بستان في قلعة البحر

أردنا أن ننتقل إلى الرباط، فقالوا لنا "خذوا عويطه.. إنه الأسرع"! وعويطه الذي قصدوه ليس هو بطل العدو المغربي العالمي الشهير "سعيد عويطه"، بل هو قطار سريع يربط بين الدار البيضاء والرباط. وقد أطلق عليه المغاربة هذا الاسم مرحا ودلالة. " فالمغاربة انبساطيون وإن من دون صخب. وأظن أن هذا الانبساط الإنساني نقيض الانطواء هو شرط من شروط التوازن والتصالح الذي لمحته وألمحت إليه. لم نأخذ عويطه ، إذ أصررت على أن أظل بجوار الماء، على شريط الساحل. ومرة أخرى هبت لمعونتنا الدار الشريفية لتوزيع الكتب والصحف "سوشيبرس" إذ منحتنا مودّة أحد أبنائها بانوس عبدالكبير الذي خف إلينا بسيارته وخبرته لينقلنا على الطريق الساحلي السريع إلى العاصمة "الرباط". وفي الطريق جعنا، فانعطف بنا "بانوس" إلى واحدة من الاستراحات الشعبية على الطريق. وهي مطاعم تعرض في واجهتها قطع اللحم الطازج ويختار الزبون ما يريد ومن اختياره يصنعون له "الكباب" الذي كان طيبا جدا ربما لطزاجة اللحم ، وربما لأن هذا اللحم نتاج المراعي الطبيعية التي رأيناها فيما بعد تنتشر بين تلال ووديان الأطلسي عندما ذهبنا إلى "الريف".
كان الجفاف الذي يضرب الأرض المغربية. منذ سنوات باديا في المساحات الخصبة العطشى التي لم تنزرع، لكن حزام التخضير حول الرباط كان مستمرا برغم الجفاف. ومن أحد الأبواب الأثرية الضخمة بمدينة الرباط دخلنا. وعلى الفور انفسحت أمامنا الشوارع النظيفة الواسعة بأشجارها الوارفة والنخيل الباسق الذي يعطي تنسيقه في الشوارع انطباعا لا ينسى. ومن الشوارع الحديثة انتقلنا إلى المدينة القديمة التي يفضي إليها شارع الحسن الثاني. ومررنا بسور الأندلس فالسوق المغطى ثم "السويقة" أو السوق العتيق الذي يمنح الرائي مذاقا مغربيا خاصا حيث مئات المتاجر التي تصل حتى "سوق السباط" وصلنا إلى "زنقة القناصلة" وصعدنا إلى "قصبة الوداية" المطلة على المحيط الأطلسي ...
طالت جولتنا في قصبة الوداية ، ووددت لو تطول لحد الإقامة، فثمة شيء جميل وأليف في هذه الأحياء الشعبية العالية المطلة على الماء المحاطة بأسوار المدن القديمة. الطابع نفسه في كل "قصبة" صعدنا إليها من الدار البيضاء وحتى طنجة. شبكة الدروب الدقيقة الملتفة والمتواصلة بين البيوت البيض البسيطة النظيفة، والورد والنباتات التي تتبدى مشرقة ورهيفة على خلفية البياض الناصع.
"القصبة" المسورة تبدو اختزالا جماليا لعناصر مغربية شتى، محصلة سلمية لعراك طويل بين البر والبحر. ولقد وقفنا هناك فوق "برج القراصنة" لنرى أمواج المحيط تتكسر على الصخور عند أقدام الحي الذي تحرسه الأسوار العتيقة. وكانت المدينة الشقيقة للرباط "سلا" تلوح شفيفة البياض على الضفة الأخرى من مصب نهر أبي رقراق الذائب في اتساع المحيط. وقبل أن نغادر مررنا بمصنع "الزرابي الرباطية" البهيجة حيث تتناغم الألوان الحمراء والزرقاء وفي زركشة تتوسطها دائما نجمة ويسورها محراب دائري. وعرجنا على أقدم مساجد الرباط والراجع تاريخه إلى عام 1150 ميلادية. ولم نغادر القصبة إلا بعد أن طفنا بمتحف الفنون المغربية و


التعليقات (9)
ولـد الـدرب
ولـد الـدرب
أخي الغالي labfsd
استمتعت بشده وانا اقرأ هذا التقرير المنقول فهو
بحق جميل ويجعلك تتجه لأقرب مكتب سياحي لتحجز
فشكراً لك على هذا الجهد الطيب بأتحافنا بتقرير كهذا من كتاب قديرين
وفقك الله

al.saher
al.saher
مشكور اخوي labfsd
على التقرير الجميل والذي انتقيته بعنايه

labfsd
labfsd
اعزائي
ولد الدرب.....شكراوبالزاف اخويا على المرور وتحياتي لك وبالزاف
al.saher..مشكور اخويا على الكلام ديالك الزوين وتبارك الله عليك ...

اغاديري
اغاديري
مشكور حبيبناlabfsd....على الموضوع المنقول...
أأأأأأأأأأأأأة على المغرب الكلام يعجز في وصفها
الله يسدد خطاك.......

fatimazahra
fatimazahra
مشكور أخي labfsd لانك و ضعت بين ايدينا مقال من اروع ما يكون و منحتنا فرصة الاطلاع عليه
تحياتي

THE IMMIGRANT
THE IMMIGRANT
اخي labfsd ...
مشكور على الجهد الاكثر من رائع ... والحقيقة تقرير رائع ....
لك مني كل الشكر والتقدير ...
تحياتي ...

labfsd
labfsd
اعزائي
fhd_yahiwy...صدقت اخي العزير وتسلم على كلامك ومرورك الجميل ..تحياتي
fatimazahra...هلا بعصفور المنتدى ويعود تغريك العذب من جديد ...اشكرك اختي
THE IMMIGRANT..وانا اشكرك وبالزاف اخويا العزيز..وانت الرائع

TMEEM
TMEEM
تسلم لنا اخي labfsd ..
على النقل وإطلاع الجميع على جمال ورونق المغرب الحبيب ..
فعودتنا ديمآ على عرض المفيد ..
وخليت غلاك عندنا بيزيد ..
فلك مني اجمل التحايا ..
وتوصلك مع اجود المطايا ..
في جوف واحد الزنبيل ..
لأنك اصبحت لنا دليل ..
والشكر كامل لحضرتكم ..
راه معلق حدا الزنبيل ....

مهاجر للمغرب
مهاجر للمغرب
أخوي شا ا ا ا ا ا ا اكر ر ر ر ر ر رر
لك بعنف الحقيقه على كتابة هذه الأسطور ولو أني دكتور في جامعه وتقدم لي بحث لأنجحك على الترتيب وأسلوب الطرح والنقاط المهمه تذكرها مع الجذب فلك مني كل التحايا لاأستطيع أن أكتب أكثر من كذا لأني لاأستطيع أن أعبر
تحياتي ليك


خصم يصل إلى 25%