الجزر السياحية المسافرون العرب

أكتشف العالم بين يديك المسافرون العرب أكبر موقع سياحي في الخليج و الوطن العربي ، يحتوى على أكبر محتوى سياحي 350 ألف استفسار و نصائح عن السفر و السياحة, 50 ألف تقرير سياحي للمسافرون العرب حول العالم و أكثر من 50 ألف من الاماكن السياحية و انشطة وفعاليات سياحية ومراكز تسوق وفنادق، المسافرون العرب هو دليل المسافر العربي قبل السفر و اثناء الرحلة. artravelers.com ..
ابو زكريا
16-07-2022 - 12:24 am
  1. إبراهيم رجاء – مسؤل التغذية والطبخ ومالك السيارة المرسديس

  2. بداية المسير


تقرير عن الرحلة إلى جزيرة كمران
عندما يكون الغموض سيد الأدلة في لحظة ما يطيب للبعض اختراق المجهول كتب / عبد السلام السياغي
المسؤل الثقافي في الرحلة

المقدمة
مثل وميض البرق ، مثل تسارع الرؤى ، كانت رحلتنا المثيرة إلى وراء المألوف لدينا .
بعيدا عن نمطية وتكرار الرحلات السابقة قررنا السفر في رحلة ذات طابع فريد فكان لنا ذلك .
وقبل نهاية العام 2006 م وبالتحديد في 7-11- 2006م .. انطلقنا إلى المكان الذي يستطيع إنسان ما أن يمط شفتيه دهشة عند سماعة لمفردات رحلتنا المثيرة إلى جزيرة كمران التي تحتضن الأمل والألم والجمال المدهش لأروع غابة بحرية في المنطقة .

فكثير منا لم تتعد خطواته الشواطئ المألوفة للجمهورية اليمنية ..وكان النظر وراء أفق البحر المتلاطم متعة نادرة تحمل في طيها رغبة عارمة في اقتحام ذلك المجهول وهتك ستر البحر المليء بالغموض ..
وما إن جاءت فكرة السفر إلى جزيرة كمران في لحظة حضور شديد للمكان في أذهاننا حتى أيدها الجميع ، ليس لمعرفتنا المسبقة لهذه الجزيرة .. بل لرغبتنا الشديدة في الوصول إلى مكان ما وراء اليابسة ، حتى ننتزع لأنفسنا نصراً ما .. في مواجهة التكرار في رحلاتنا السابقة ، فكان أن أبحرت عقولنا واختزلت الأيام التي تفصلنا عن رحلتنا إلى الجزيرة سريعاً ، لنجد أنفسنا سبعة أشخاص على متن سيارة مرسديس قوية اتسعت لأمتعتنا وأجسادنا واتسعت كذلك لشدة شوقنا إلى تخطي عتبات البحر الأحمر .. فكان لنا ما أردنا وكان لرحلتنا وقع عجيب إليكم طرفاً منه .

كنا سبعة شبان من هواة الترحال توزعت اختصاصاتنا على النحو التالي :
حمدي البهلولي – أمير الرحلة
عبد السلام السياغي – المسؤل الثقافي والتوثيق
عصام متاش – سائق محترف
د . أحمد النعامي – الأمور الصحية
غسان شرف الدين – المسؤل المالي
فؤاد البدوي – مشارك

إبراهيم رجاء – مسؤل التغذية والطبخ ومالك السيارة المرسديس

بداية المسير

وضعنا لرحلتنا أهدافاً بسيطة أبرزها النظر في ملكوت الله عز وجل والتعرف على أماكن سياحة ومعالم أثرية لم نشاهدها من قبل ، وكان طابع الرحلة ترفيهيا إلا أننا لم نهمل الجانب الثقافي ، فأفردنا له مساحة مناسبة ..
عقب أدائنا لصلاة الفجر بمسجد الغوث بمدينة صنعاء ، انطلقنا بسيارة مرسديس زرقاء اللون لها مؤخرة حملنا عليها أمتعتنا المتعددة والأطعمة التي قررنا أن نعتمد عليها في أكلنا في الأماكن التي تقع خارج العمران ، وخاصة في الجزيرة التي تقل فيها الخدمات المألوفة لدينا ، وكانت أولى محطات الأكل معنا خارج صنعاء في منطقة المساجد التي تبعد حوالي الخمسة عشر كيلو متر عن العاصمة صنعاء .. شرعنا جميعا في تجهيز وإعداد الأكل بضع حبات طماط ولبن زبادي وخبز ابيض كان ذلك إيذاناً بابتداء رحلة مليئة بالشظف الذي قررنا خوضه بعيداً عن الرفاهية في الرحلات السابقة ..
تابعوا معي تفاصيل الرحلة المثيرة ......


التعليقات (8)
جامعي1
جامعي1
ماشاء الله تبارك الله تقرير حي وجميل من بدايته
سجلني أول المتابعين
ربي يسعدك
.

ابو زكريا
ابو زكريا
  1. السباحة في حراز

  2. مزارع الموز

  3. وكنا الأقدر على قهر قوى الطبيعة وإيحاءاتها القاهرة ..


السباحة في حراز

على الرغم من المنحنيات الكثيرة التي يشتهر بها طريق صنعاء الحديدة إلا أن ذلك لم يمنعنا من محاولة نسيان الخوف من كثرة المنعطفات الجبلية والمنحدرات الشاهقة والتي لا يكاد يجرؤ أحد منا على النظر إلى أسفلها ..

كانت الضحكات والتعليقات الساخرة هي الأشد حضورا في تلك الساعة والسيارة المرسديس تشق صمت الأسفلت باتجاه أولى محطات رحلتنا .
توقفنا قليلا في مدينة مناخة الساحرة ( وهي المدينة التابعة لمديرية حراز و تقع بين حصنين «بيح» و«شبام حراز» على بعد 115كم، من صنعاء يصل ارتفاعها إلى 2200 متراً عن منسوب البحر )

.. عقب ذلك انطلقنا إلى أحد الوديان القريبة من المنطقة وحللنا أمتعتنا باتجاه منحدر صخري بذلك الوادي الواسع الذي يعتبر أحد امتدادات وادي سردود الشهير .. هناك برك واسعة تمتليء بالمياه الجارية ، وعلى الرغم من قتامة المكان وغياب الخضرة عنه إلا أن وجود الماء يخترق الصخور الضخمة أضفى على وجودنا هناك طابعاً فريدا كان من آثار ذلك استغراقنا الكامل في المكان ..

تقافزنا سريعا الى الماء الدافئ .. لحظات سعيدة شهدت لنا بها تلك الصخور التي قذفت بها السيول المتعاقبة على المكان منذ آلاف السنين ..
عقب ذلك كنا على موعد مع الغداء الفريد والذي تكفل بطبخة " ابراهيم رجاء " و " غسان شرف الدين " وهما الطباخان الماهران وعلى الرغم من بساطة الأكل إلا أن مذاقه لا ينسى وكأن ذلك كان تحديا منا لمقدرة المرأة على الطبخ .. وربما هي فرادة المكان والجوع الشديد الذي باغتنا على حين غفلة ..

كان الوقت يضيق بشدة الأمر الذي جعلنا نستعجل في لملة أدواتنا المتناثرة على الصخور وأداء صلاتي الظهر والعصر جمعا وقصرا فوق صخرة مسطحة قليلة التعاريج وكأنما نحن وهي على موعد كوني ..

مزارع الموز

يمتد الأسفلت أمامنا في وقاحة شديدة أجبرت البعض على محاولة التقيؤ جراء الشعور بالغثيان والذي لم يتبخر إلا عند توقفنا للراحة في مزارع الموز والمانجو في منطقة تسمى خميس بني سعد التي تفصلها عن مدينة باجل قرابة السبعين كيلو متر .
كان من الصعب المرور العابر على تلك المزارع شديدة الجمال ، سيما ولدينا برنامج ثقافي نريد مواصلة السير فيه ونحن في فضاء مفتوح وطبيعة بكر بعيدا عن ضجيج السيارة المقرف ..

هناك في مزارع الموز يبوح الجمال بسره في تلك المنطقة المجاورة لوديان عميقة بها ماء يتدفق .. لعله يصل إلى البحر الأحمر قبل أن تحتويه مزارع الفلاحين الممتدة بامتداد تلك الوديان والتي من أبرزها وادي ( سردُد ) ( الذي يأتي من الأهجر غرب صنعاء ومن ضلاع كوكبان وغرب وشمال جبل النبي شعيب ومنطقة ملحان ويجتمع بخميس بني سعد ، ويمر هناك في مضيق وادي كبير دائم الجريان ولكنه يضيع تحت الرمال ..
ولأحد ما أن يقول أن الخضرة الشديدة لأشجار الموز والمانجو والسكون الشديد لمظاهر الطبيعة واستراق السمع إلى التداخلات الصوتية لمفردات الطبيعة ما بين حفيف الأشجار وخرير المياه والأصوات المتناثرة للحيوانات والفلاحين أيضا .. كل ذلك يجعل أحد ما يجزم أن طاقة ما تسرى وإحساس عجيب بشدة حضور المكان المتجرد عن صخب المدينة وغبارها وواقعها البعيد عن آفاق الجمال ، إنها طاقة هائلة يبعثها سحر ذلك المكان ، وهذا ما جعلنا نستمتع بتلك الساعات القليلة هناك .. والتي تخللها مقيل هادف طرحنا فيه العديد من القضايا الاجتماعية والثقافية بحضور بعض ابناء المنطقة .. الشاب الأسمر " ابراهيم رجاء " تميز في طرح موضوع مهم تناوله البرنامج الثقافي للرحلة بعنوان (أزماتنا ... كيف نديرها؟ ) وكان التفاعل إيجابي وجيد ..

وبعد وداعنا لأهل هذه المنطقة عدنا لمتابعة الطريق الأسفلتى في صمت إلا من مسجل السيارة التي تصرخ بأناشيد حماسية ومحاضرات مسموعة استكملنا بها برنامجنا الثقافي الترفيهي ..
سيارة المرسديس الزرقاء تنشد كالسهم باتجاه الهدف المنشود .. وفي محاولة لنسيان التوتر الناجم عن السرعة الزائدة للسيارة – على الرغم من احتراف الدكتور أحمد لقيادة السيارات – سرحت برهة من الزمن أتذكر البدايات الأولى لهذه الرحلة قبل عزمنا على المسير حيث أمضيت العديد من الأيام وأنا أنبش شبكة الإنترنت عن كل ما له علاقة برحلتنا وبالأخص عن جزيرة كمران وكانت النتيجة صفحات عديدة من المعلومات الهامة عن هذه الجزيرة الفريدة التي يستوطن الجمال الصرف جزءً منها وبالتحديد شمالاً في ما يعرف لدى أهلها باسم ( الشورى ) وعلميا يطلق عليه ( الغابة البحرية ) وهي غابة متشابكة من أشجار المانجروف ..

أفقت من شبه غفوة سرقت بها شطرا من النوم اللذيذ و كان هناك ثمة تساؤل عن ماهية الرغبة لدى مجموعنا للسفر إلى أي جزيرة حتى ولو كانت قاحلة جرداء .. كان هذا التساؤل يخترق ذهن " عصام متاش " أحد أظرف الحاضرين معنا ، والذي ظل يدندن بسؤاله متهكما عما ما سيكون عليه حالنا لو لم نجد كل ما توقعناه عن هذه الجزيرة وهو بسؤاله ذاك يبعث مزيجا من البهجة والقلق لدى الجميع .. إلا أن إجابة ساخرة اسطرد بها أحدنا ألجم بها ما كان يدندن به ذلك الظريف ..
إن المجهول هو أنسب جواب لهكذا تساؤل وهذا بالضبط ما يهواه الكثير من الشباب ، فطابع حب المغامرة واختراق عباءة المجهول يتقد لدى الكثير منا .
كانت الرحلة الى كمران نوعاً من التحدي بين خصمين الأول رغبتنا الوصول إلى هذا المكان والثاني الطبيعة بما تحمله من مقدار واسع من المخاوف التي يستصحبها البعض منا أثناء تجواله ورحلاته .

وكنا الأقدر على قهر قوى الطبيعة وإيحاءاتها القاهرة ..

كان الظلام قد أرخى ستاره وقد خيم علينا صمت مطبق إلا من همسات رائعة للشيخ / مشاري العفاسي يتلو أذكار المساء ، بصوته الرخيم وقد شدنا معه الى بوتقة إيمانية قلما نشهد مثلها من قبل وقد يكون ذلك عائد إلى حاجتنا الماسة أثناء سفرنا إلى معونة الله عز وجل لنا أثناء رحلتنا ودهشتنا بتنوع الأمكنة وتغير المناخ .
توقفنا للصلاة وقد أسدل الليل ستاره .. كانت لحظات راقية على الرغم من وحشة المكان فذلك المسجد الأبيض بعيد عن العمران يقصده المسافرون للراحة وأداء الصلاة " أجزل الله ثواب من بناه "
تابعوا معي تفاصيل أكثر إثارة بعد اقترابنا أكثر من الهدف المنشود
الأكثر غموضا ,,,, وجذبا

Om doode
Om doode
والله موضوع خطير....
انا شخصيا... فرحانه بالموضوع....
لان هذا الموضوع حيخلي الكثير....يتعرفوا على نقطه في بحر السحر اليمني والجمال والاصاله....
انا صراحه اول مره اسمع عن هذه الجزيره...دخلت موضوعك على بالي تقصدجزيرة سوقطرا...
وسجلني متابعه...مهتمه تعرف عن هذه الجزيره...
وسعيده اني من اول المتابعين...
(ولي رجاء ...اذا عندك اي نقد...مايكون جارح)
لان للاسف...بعض المشاركين كان يتكلم عن اليمن بشكل غير لائق...
والبعض ماشاءالله عليهم اتكلموا عنها بشكل جميل ...ونقدهم كان مؤدب جدا..
(استغفر الله استغفر الله استغفر الله )

ابوسعد11
ابوسعد11
سجلني من المتابعين لتقريرك الجميل
في أنتضارك

ابو زكريا
ابو زكريا
  1. الوصول الى مدينة الحديدة

  2. ميناء الصليف

  3. وبعد أقل من ثلث ساعة في عرض البحر وصلنا إلى ميناء الجزيرة ..

  4. الوصول إلى الجزيرةنبذة عن الجزيرة :


الوصول الى مدينة الحديدة

( محافظة الحديدة بها كل المقومات السياحية، لأن معظم أراضيها تقع على سهول تهامة وشواطئ البحر الأحمر، وجزء منها على مرتفعات جبلية تخترقها الغابات والمراعي، فهي من أهم المحافظات بوفرة منتوجها السياحي ، تبعد عن صنعاء 226م وهي إحدى الموانئ الغربية التي اشتهرت هي والمخا بتصدير محصول البن) ..

وصلنا المدينة قرابة الساعة الثامنة مساء .. كان ثمة قلق يراود " ابراهيم رجاء " تجاه سيارته .. اتجهنا صوب أحد الميكنيكيين وهناك صدق حدس ابراهيم تجاه سيارته كان بها عطل في الذراعات ..
توجهنا عقب ذلك الى شاطئ البحر هناك شرعنا بتناول طعام العشاء جوار البحر وتقبلنا الأكل الممزوج ببعض الحصى والرمل الذي تتكرم به الريح علينا ..
وفي مكان معزول جوار كورنيش الحديدة ارتضينا النوم على الرمال الدافئة ، بعد أن وضعنا ما نحمله من خيام مطاطية وفرش على الأرض وشرعنا في التجهز للمبيت ، وكان أن قضينا ليلتنا الأولى في الحديدة وأحلامنا تسبقنا إلى عبور البحر الأحمر باتجاه الإثارة والغموض الذي نبحث عنه .
وفي الصباح الباكر استيقظنا على صرخات " فؤاد البدوي " الشاب الأكثر نشاطاً والذي أبى إلا أن ينام إلا وهو لابساً جزمته ، خوفا عليها من السرقة كوننا في مكان مكشوف .. بعد أدائنا لصلاة الفجر جماعة جوار الشاطئ أدركنا كم هو جميل أن نعبد الله عز وجل في مكان غير مألوف إلينا.. جوار ضربات الموج وامتداد البحر إلى الأفق البعيد وانبعاث نسيم عليل قلما يجده أحدنا في غير هذا
المكان .. أيه السادة إن أي مظهر من مظاهر الطبيعة يسهل تفسيره واحتواءه باستثناء البحر الممتد سيظل سراً يحتوى نفسه الى الأبد فلا غرابة أن يراودنا ذلك الشعور الجميل في مثل ذلك الموقف ..
إن من الصعوبة بمكان محاولة ترجمة تلك المشاعر إذ أنه باعتقادي لا توجد لغة ٌ ما بإمكانها الاستطراد في وصف شعورٌ ما بالجمال .. فلكي يدرك الجمال أحدٌ ما عليه أن يذوب فيه ولن تكفي هذه الكلمات لبث نفس الشعور الذي أدركناه ، ونحن لما نقترب بعد من جزيرة كمران ، الأمر الذي دفعنا لسرعة ترتيب أمتعتنا ومواصلة السفر إلى ميناء الصليف الذي يبعد عن الحديدة قرابة المائة كيلو متر باتجاه الشمال ..

ميناء الصليف


كان لميناء الصليف حضور مكثف في الماضي لشهرته في المنطقة في انتاج وتصدير الملح للداخل والخارج وهذا ما لم نلمسه اليوم بسبب تآكل ما بقي من المعدات على رصيف الميناء ربما بسبب تعمد الجهات المختصة نسيان أمر هذا الميناء وإهماله ..
ومن على رصيف الميناء تلوح الجزيرة للناظر تمتد فوق كبرياء البحر بشكل طولي .. تبعد عن ميناء الصليف قرابة السبعة كيلو متر ، وبعد جلسة خاطفة مع أبناء الصليف ، لمسنا في نفوسهم أصالة معدنهم وندرة أخلاقهم ورشفنا معهم القليل من الشاى الأحمر في بوفية الحاج / أحمد الصليفي ، الذي لم تختفي ابتسامته من على وجهه على الرغم من انحناء ظهره ..
وما إن استوت أقدامنا على القارب – الفيبر – كما يسميه أهل المنطقة حتى بدأت أنفاسنا تتلاحق فلم يعتد أحدنا قطع مثل هذه المسافة البحرية على قارب صغير من قبل سيما والقارب المجهز بمحرك بحري قوي ( ياماها ) يشق البحر في سرعة شديدة ، وضربات الموج على جدرانه تشتد وقد تهكم (عصام متاش ) رفيقنا الظريف ساخراً : إن مطبات البحر أكثر وأقوى من مطبات البر ..

إلا أنه وعلى الرغم من حالة القلق التي اعترتنا لم يستطع أحدٌ منا إنكار شعور خفي بالمتعة الشديدة ، فمثل هذه المواقف قلما يخوضها أبناء المدن غير الساحلية ، الأمر الذي يجعل الخوف يمتزج بالمتعة الزائدة في مذاق وجداني لا يمكن البوح به أو ترجمته لأحد لعدم قدرة أحد ما على ترجمة ذلك وكل ما في الأمر أننا نشير إلى مشاعرنا تلك إشارات مجردة عن الأحاسيس ..

وبعد أقل من ثلث ساعة في عرض البحر وصلنا إلى ميناء الجزيرة ..

الوصول إلى الجزيرةنبذة عن الجزيرة :

( تقع جزيرة كمران في البحر الأحمر على بعد حوالي 6 كم من مدينة الصليف على الطريق الدولي الذي يربط اليمن بالسعودية ، وتبلغ مساحتها حوالي 101 كيلو متر مربع وعدد سكانها حوالي عشرة آلاف نسمة وأرضها رملية منخفضة إذ لا يزيد ارتفاع أعلى قمة فيها عن 23 متراً، ويبلغ طول الجزيرة حوالي 5,22 كيلو متر ومتوسط عرضها 10 كيلو مترات، ويشتغل سكان الجزيرة بصيد الأسماك واستخراج الملح، كما توجد بالجزيرة مصائد صغيرة للؤلؤ.
ويوجد بالجزيرة عدد من القرى مثل: مكرام ، واسيلا ، ويمن ، وفراع ، وطيفف ، وفيها العديد من مرافق الدولة المدنية والعسكرية.

ونظراً لقربها من مدينة الصليف فإن المدينة تستقبل الكثير من الزائرين اليمنيين (كسياحة محلية) وتنمو المنطقة بشكل ملحوظ في عدد السكان وبناء المدارس ومرافق الخدمات العامة ومنها محطة تحلية المياه والكهرباء المحلية.
وقد عرفت جزيرة كمران بتاريخها المجيد، وذلك بحكم موقعها الاستراتيجي، وقد كان العثمانيون يستعملونها كمركز حجر للحجاج، ثم استولى البريطانيون عليها عام 1915م أثناء الحرب العالمية الأولى وفي عام 1949م اعتبرتها بريطانيا تابعة لمستعمرات عدن آنذاك وأخضعتها إدارياً لسلطة (حاكم عدن) ، وقد تم تحرير الجزيرة ونالت استقلالها مع بقية الأجزاء اليمنية التي كانت خاضعة للنفوذ البريطاني في عام 1967م.
وتعتبر الجزيرة من أهم الجزر اليمنية لما يتوفر فيها من إمكانيات لإقامة المصانع لتعليب الأسماك وفيها مهبط للطائرات الصغيرة ومرافئ للسفن الصغيرة ، ويمتاز مناخها بالملائمة للسكن والسياحة ، توجد بها غابة مائية بحرية تمتد 25 كم مربع بالطرف الشمالي للجزيرة ) ..

.. الضجيج يملأ المكان وصخب الحياة يبعث على التفاؤل فمراكب الصيد وصرخات ا لأطفال وتقافزهم إلى الميناء العميق غير عابئين بالمخاطر ، وأصوات الماعز وثمة عمليات تجارية فردية لوافدين إلى الجزيرة مع تجار الجزيرة ..
على مقربة من رصيف الميناء يمتشق فضاء الجزيرة مسجدٌ أبيض بمئذنة يتيمة ، وتلوح على جدران المسجد عوامل التعرية منذ أن بناه الملك فاروق في أربعينيات القرن الماضي في رحلة استجمام قضاها الملك في الجزيرة بضعة أيام ..

كل ما رأيناه أثار لدينا حنين عجيب لهذا ا لمكان ولبساطته وبساطة أهله الذين استقبلتنا ابتساماتهم الساحرة ولن ينسى أحدنا ابتسامة دليلنا ومرشدنا في الجزيرة الشاب الأسمر ( يحي المعذلي ) الذي تكرم بمرافقتنا وتعريفنا بمختلف جوانب الجزيرة السياحية وغيرها ، فكان خير دليل سياحي رأيناه في أسفارنا لما لشخصيته من حضور وجاذبية وبساطة .. وفوق كل ذلك كان لديه ثقافة واسعة ليس عن الجزيرة فحسب بل عن جوانب أخرى كثيرة .
وعند أحد الشواطيء الصخرية الرائعة وضعنا أمتعتنا وبجوار ذلك الشاطيء تمتد صخور جبلية كبيرة نحتتها الأيام فصارت آية في الجمال ..

كان صفاء البحر تحت أقدامنا وروعة ما يلقيه إلينا من أصداف وشعاب مرجانية متكسرة وبعض الأسماك تتقافز هنا وهناك في سرعة خاطفة غير عابئة بنا ..
كل ذلك دفعنا إن نقفز إلى البحر في شوق عظيم .. مكثنا بعدها عدة ساعات نبوح بأشواقنا الى البحر الأحمر في مودة وانسجام وكأنما نحن والبحر على موعد ..
لم يكتف البعض منا بالسباحة بل سارع لملاحقة بعض سراطانات البحر التي تجرأت على الاقتراب منا أو مداعبة الحيوانات البحرية التي تسكن في المحار ..
الطبيعة الساحرة بكل مفرداتها في جزيرة كمران ، جعلتنا نصطدم مع الجمال الصرف لهذه الجزيرة البكر وعلى الرغم من ندرة المياه العذبة فيها ومعانات أهلها جراء ذلك إلا أنها ضلت تحتفظ بطابعها الفريد بين الجزر المجاورة من حيث التضاريس المميزة لها وموقعها المتميز وهواءها العليل وشواطئها الساحرة وكل ذلك جعلها محط الأنظار على مر التاريخ ولا تزال معالم كثيرة في الجزيرة تشهد على هذا الكلام حيث ترامت أمام نواظرنا مبان قاحلة تناثرت على امتداد صخري جوار ميناء الجزيرة ، كانت تلك المباني المهجورة من آثار الاحتلال البريطاني ..

وفي مقابل تلك المباني القاحلة وعلى تبة عالية تشرف على الجزيرة يقع ما تبقى من قلعة عثمانية لا تزال شاهدة على ما آثار دولة عظيمة حملت اسم الدولة العثمانية أو الخلافة العثمانية .
كل شيء في الجزيرة يوحي بالهدوء والسكينة حتى البحر الذي يحتضن الجزيرة .. أمواجه هادئة كأنما هي لفحات النسيم العليل ..
يحكي سكان الجزيرة أنها خالية من الحيوانات المفترسة حتى الكلاب أيضا وهذا ما زاد في دهشتنا .
وعندما خفنا أن تفوتنا صلاة الظهر تسارعنا إلى الاستحمام بالمياه العذبه التي تكاد تخلو منها الجزيرة لولا وجود مشروع حكومي بالقرب منا لما يكتمل بعد وبه مياه لا تزال على عذوبتها تنتظر اكتمال ذلك المشروع المسمى بيت الشباب الذي طال أمده ، لم نكن بحاجة لأخذ الأذن من أحد لنستحم هناك لعلمنا بسخط أهل الجزيرة على المجلس المحلي فيها وهم الذين قبل فترة قاموا بعمل جنازة وهمية للمجلس وصلوا عليه بعد أن بحت أصوات أبناء الجزيرة من كثرة معاناتهم ، فكان أن شاركنا أهل الجزيرة سخطهم فأخذنا ما يعتقد " يحي المعذلي " دليلنا أنه نصيبهم من المياه العذبة وهو المرخص له بذلك كونه أحد حراس المشروع ، عقب ذلك أدركنا صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا ..

بعد استراحة عابرة تناولنا طعام الغداء بحضرة مرشدنا السياحي " المعذلي " وكعادتها لاحقتنا بعض حصى الشاطئ لترغمنا على الابتسام مخافة أن يتطرق إلينا الشك أننا في رحلة ترفيهية .
تناثرنا بعدها على الأحجار المترامية قبالة ذلك الشاطئ الصخري في جلسة مقيل شديدة الحضور في أذهاننا فعلى الرغم من محاولتي استراق بضع لحظات للنوم في الفضاء الواسع لذلك المكان إلا أن التعليقات الساخرة من قبل البعض أعادت إلى إدراكي ولن أنس تعليقات أمير الرحلة " حمدي " وهو صاحب أبرز الانتقادات الساخرة فعلى الرغم من كونه أمير الرحلة إلا أن لم يتخلى عن طابعه الساخر أحياناً كما هي عادته .

وعلى الرغم من قناعة الكثير منا بعدم الجدوى في مضغ القات وهو ما اعتقدنا خلو الجزيرة منه إلا أننا تفاجأنا بوجود أصناف جيدة من هذه الشجرة المشهورة لدى اليمنيين .. كانت القوارب تأتي الجزيرة يوميا من الصليف محملة بأنواع عديدة من شجرة القات وهو ما جعل الكثير منا يشتري بعض العيدان الخضراء ممنياً نفسه براحة تطرد عنه عناء الرحلة وهو ما كان في أظرف مقيل حضرته مع أصدقاء جمعتهم رحلة فريدة .

لم تختف الضحكات الشديدة والتعاليق اللاذعة بين الأطراف التي تبحث عن زعامات فكرية داخل شلتنا المؤقتة .. إلا بدخولنا النسبي في تأملات هادئة مع البحر والجبل والسماء الزرقاء ، وكان لتلك الجلسة وقعها الفريد من حيث الخروج عن المألوف المتكرر في حياتنا المدنية .. فلم يعهد الكثير منا افتراش رمال الشاطئ والدخول مع الطبيعة الساحرة في تبادل مذهل للخواطر والأحاسيس الجياشة وكأنها هبة الرحمن لمن يصل إلى هذا المكان ، ولا يزال الكثير منا يحتفظ في أذنيه بأصوات الطيور النادرة وهي تمر سريعاً باتجاه الغابة البحرية شمال الجزيرة .. وأصوات الموج الهادئ يداعب شواطئ الجزيرة مداعبة الحبيب للحبيب .

ومن خلفنا كانت الشمس تنحدر نحو الغروب والظلام يتسلسل خلسة ليقطع علينا رؤية الأفق البعيد للبحر الأحمر ووراء رغبتنا في مواصلة التمتع بالجمال الخلاب لما نحن فيه كان هناك شعور خفي يطرق النفس مع حلول الليل ..

الكثير منا رأوه مزيجا متفاوت من أحاسيس غريبة لها مذاق فريد يكاد ينحصر في هذا المكان فقط ، وما إن أسدل الليل ستاره حتى استبدلنا لحظات المرح والسخط الزائد وتبادل النكات اللاذعة بلحظات الهدوء النسبي والدخول مع الطبيعة في ما يمكن أن يطلق عليه توارد الخوطر بين عقل الإنسان وروعة المكان وزاد الأمر جلالاً ورهبة مشهد الظلام الدامس والنجوم المتناثرة سيما والجزيرة تنقطع عنها الكهرباء أياماً عديدة ، كان ذلك يجعلنا نتجرد عن ذواتنا ونلقي بأخيلتنا في عمق غموض الكون وفتنته وقد اعترت الكثير منا حالة من قوة الإدراك إزاء الصمت المطبق إلا من موجات هادئة لا نكاد نراها ..
لم يكن ذلك الشعور لينقضي لولا انتباهنا للصلاة الأمر الذي جعل أمير الرحلة وهو المسكون بثقافة الأشباح يسارع إلى إسراج المصباح الغازي لعله يلتمس قليلاً من الدفء الروحي عند حضور النور ..
أداء الصلاة في فضاء مفتوح جوار البحر يحمل نشوة روحية واشتياق عجيب لمناجاة الخالق عز وجل كأنما هو انبثاق عجيب للمعاني الأزلية ..
عقب أداء الصلاة توزعنا الأدوار لإعداد الطعام وتجهيز المكان لإكمال ما بقي من البرنامج الثقافي تناولنا الطعام بصحبة نسيم عليل ولم يخلو طعامنا اللذيد المكون من أسماك البحر من تتطاير الحصى وامتزاجه بطعامنا الأمر الذي اعتدناه في الوجبات السابقة ، إلا أن ذلك لم يمنع " غسان شرف الدين " من محاولة البحث عن تلك الحصوات أمامه الأمر الذي أثار سخرية " فؤاد البدوي " تجاهه وهو المعروف بتعليقاته اللاذعة ..
بعد ذلك توسد كل منا مكانه بانتظار المشاركة في السماع والتعليق على أبرز ما في البرنامج الثقافي من موضوعات ..
كان مذاق الشاي لا يوصف إلا أن أهمية الموضوع المطروح للنقاش قد شد انتباه الجميع نحو المشاركة فيه والذي كان عن إعجاز القرآن الكريم والتفكر في ما خلق الله من ملكوت .
وهو ما جعلنا ننسجم مع مفردات ذلك الدرس الجميل الذي تناولنا فيه علاقة الفرد بربه ..
وعقب الانتهاء من الدرس اختار كل فرد مكانه للنوم وبدت ملامح الخوف لدى الكثير منا ، سيما وقد سرت موجة قلق بعد كلام أثاره الأخ " عصام متاش " عن وجود أسد يجوب المنطقة الأمر الذي جعل ذلك محطة للسخرية المتبادلة بين " إبراهيم رجاء " بتعليقاته الساخرة وبين أسد " عصام متاش " المزعوم وكلنا يعلم أن الجزيرة تخلو من الكلاب عوضاً عن أن توجد أسود إلا أن ذلك لم يمنع الكثير أن يتوجس خوفاً وليس لنا في ذلك القفر الموحش إلا ظلام دامس وبحر غامض ودهشة عارمة باحتواء المكان لنا ونحن المليؤن بتفاؤل شديد لانبثاق الفجر القريب لتبدأ أهم محطة في هذه الرحلة ..
تابعوا معي آخر فصل في رحلة الغموض الى جزيرة كمران
الإثارة والتشويق والصور الرائعة لأجمل غابة بحرية في العالم

ابو زكريا
ابو زكريا
  1. الغابة البحرية

  2. " الشورى " وهو الاسم المحلي للغابة البحرية ..


أواصل معكم أحبائي في الفصل الأخير من رحلتنا لجزيرة كمران اليمنية وهو أهم فصل .. أتمنى لكم المعة أثناء قرءة التقرير ورؤية الصور ..

الغابة البحرية

ما إن أطل الفجر بقرنه حتى تعالت صرخات أجهزة الموبايل للكثير منا لعلها توقظ النائمين وقليل منا من نام في مكان لما يألفه من قبل ..
تحول صمت المكان إلى همسات ثم صرخات ثقيلة لمن استغرق في نومه متثاقلاً عن الصلاة ..وبعد انتباه الجميع وأداء الصلاة بحضرة الطبيعة الساحرة ونسيم الفجر العليل تحلقنا على مائدة الذكر وقراءة القرآن إلى أن أسفر الصباح عن وجهه ثم أسرعنا إلى التجهز لمغادرة المكان الذي لن نعود إليه ثانية ، وانتظرنا مجيء " يحي المعذلي " دليلنا السياحي ليأخذنا إلى أهم مكان في الجزيرة

" الشورى " وهو الاسم المحلي للغابة البحرية ..

لم يمض سوى برهة من الزمن حتى لاح خيال " يحي " يشق فضاء الجزيرة وعلى وجهه ابتسامة يسرقها من الندى المنتشر في الجزيرة صباحا ..
أخبرنا بمجيء القارب بعد أقل من نصف ساعة .. بعدها تجهزنا لتناول الإفطار و بمجرد حضور القارب انطلقنا نحو إدارة المنطقة ، هناك في رصيف الميناء وضعنا أمتعتنا في إدارة الناحية وكلنا شوق لرؤية الغابة البحرية ..

كان القارب يكاد يطير من شدة سرعته تجاه الغابة الأمر الذي أقلقنا ونحن لم نعتد ركوب البحر ولم يخلو الموقف من ظرافة أسفرت عن إرغامنا " لعصام متاش " وهو السمين جدا على الركوب في وسط القارب بعد أن كاد بثقله يميل بالقارب جانبا ولم يمر ذلك الموقف ببساطة على " حمدي البهلولي " أمير الرحلة سيما وهوالذي أرغم عصام على الجلوس وسط ا لقارب حفاظاً على توازنه ..
انطلق القارب يشق عنان البحر ونحن نخترق سديم الأفق تجاه الشمال لعلنا نستبق الوصول إلى الغابة بأنظارنا إلا أن منظر التضاريس القاحلة لمعظم أراضي الجزيرة كانت تصر على الصدام مع أمآلنا في رؤية أجمل غابة بحرية ..

ثمة خوف يدب في النفوس عند ارتطام القارب العنيف بمياه البحر جراء السرعة الزائدة الأمر الذي أثار الرعب لدينا ونحن لمًَّا نعتد على ذلك من قبل وهو من جعل من خوفنا ذاك مادة لتهكم سائق القارب ومرافقه ودليلنا السياحي الذي أكد على قدرته على الغوص في أعماق البحر والسباحة في مياه البحر العميقة ، لمسافة قد تصل إلى الخمسة كيلو مترات وهو ما آثار دهشتنا ولم يكد ينتهي دليلنا من كلامه ذاك حتى انفجر صديقنا " عصام متاش " ضاحكا من هذه المقدرة الخارقة والتي هي عنده نوع من المبالغة في إثبات القدرات إلا أن صاحب القارب أكد ذلك الكلام أيضاً سيما وأبناء الجزيرة يعرفون البحر أكثر من البر وهو الأكثر اتساعاً في عالمهم المدهش ..

.. سخرية زميلنا " عصام " أعقبها بضحكات شديدة جعلت القارب يكاد يميل كون " عصام " أحد أضخم الموجودين على القارب الأمر الذي جعل صاحب القارب يرغمه على الجلوس وسط القارب حفاظاً على توازن القارب وهو الأمر الذي أدركه " عصام " جيداً سيما وهو لا يحبذ أن يكون طعاماً لأسماك القرش التي اعتقد أنها تجوب المكان ..
.. على الرغم من السرعة الزائدة لقاربنا إلا أن أرتالاً من الأسماك الطيارة تعترض خط سيرنا في تحد ساخر ومشهد جمالي خلاب وقد رافق ذلك أحد الدلافين الوثابة في مشهد استعراضي مثير ينبئ بقدومنا على مكان رائع وهو ما بدأنا ندركه عندما بدأ الأفق يسفر عن أشجار المانجروف شديدة الخضرة ، عند ذلك هدَّأ سائق القارب من سرعته ونحن نعبر ما يشبه بوابة الجنة بأشجار مترامية عن اليمين والشمال ..

.. عقب ذلك دخلنا في طرقات بحرية ملتوية وقامات المانجروف تزداد علواً وقد تناثرت طيورٌ نادرة ذات ألوان زاهية ، وكأنما خلقت لمثل هذا المكان ونحن في ما يشبه الذهول المصحوب بمتعة شديدة تمثلت في انبساط النفس جراء تخلل مفردات الجمال الحسي للطبيعة في الجمال النفسي لذواتنا وهو ما عبَّرنا عنه بصرخات الدهشة وعبارات الانفعال والمرح الشديد ..

.. كان سائق القارب ماهراً في إدارة دفة القارب في ما يشبه الحواري الضيقة وهو يمشي بأقل سرعة ممكنة تفادياً لحدوث أي ارتطام صخري كون المنطقة على عمق لا يزيد عن مترين في الصباح الباكر يتناقص إلى أن يصل إلى أقل من متر بفعل حركة الجزر نهاراً وهذا هو السر في كوننا أتينا إلى المنطقة في الصباح الباكر ..

.. في كثير من المنحنيات المائية كانت أشجار المانجروف على ارتفاع يزيد عن المترين والنصف وهي تضرب بجذورها في البحر عميقاً لتأخذ حصتها من المياه النقية من التربة الطينية المغايرة لباقي سواحل الجزيرة التي تكسوها تربة رملية محببة غير صالحة للزراعة ، وهنا مكمن السر في كون هذه الأشجار تقبل النمو في بيئة بحرية إذ أن طبيعة التربة فقط هي التي أوجدت المناخ الملائم لظهور هكذا غابة مائية بفعل عملية الامتصاص المطلوبة التي تتمكن معها الأشجار من استخلاص النيتروجين والمياه العذبة من أعماق تلك التربة التي تعمل كمرشح طبيعي يفصل المياه المالحة عن غذاء تلك الأشجار ..

.. في مكان جميل متسع تحوط به الأشجار طلب منا صاحب القارب القفز للسباحة فيه ومعرفة طبيعة الغابة وهو ما ترددنا معه لخوفنا من السباحة في هذا المكان بسبب اعتقادنا لوجود ثعابين في هذه المنطقة جراء الأغصان المتشابكة والأحراش الكثيفة ..
.. إلا أن سخرية تفكيرنا تلك أزيلت عندما قفز مساعد سائق القارب إلى البحر في سعادة غامرة وهو ما دفعنا إلى القفز سريعا وراءه وما إن لامست أقدامنا قعر المنطقة حتى عرفنا جيدا السر في نمو الأشجار في هذا المكان إذ أن ملمس التراب هنا مغاير تماما لملمسه الخشن الهش على بقية السواحل فهو هنا طيني لزج كأنه صلصال يمتط ..

.. ظللنا برهة من الزمن نسبح ونستمتع بما نحن فيه وكلما أدخل أحدنا رأسه في الماء رأى العديد من الأسماك الملونة تشاركنا فرحتنا بجمال المكان وما زاد من استرسال مشاعر الجمال والمتعة في قلوبنا هو اقترابنا من أشجار المانجروف التي تضرب بجذورها عمق البحر في تحد مثير لمقدرة البحر على احتواء كل شيء في غموضه ورهبته ..

.. إن مشهد الجذور المتشابكة والمياه تتخللها في صفاء عجيب وأسماك كأسماك الزينة كأنما هي في حوض واسع تجوب المكان ، وحفيف الأشجار بفعل ريح هادئة والطيور المغردة تهرب من ضجيج قدومنا إليها ، إذ نقتحم غموض تلك الغابة ، كل ذلك حوى مشهداً درامياً أكبر من أن نحاول تجسيده للآخرين وكلما في الأمر أننا نحاول أن ننقل الجمال الحسي بتجرده من مكانه المستقر فيه إلى الورق ليقرأه الناس لعلهم يدركون طرفاً مما أدركناه وعشناه في تلك الساعات المعدودة ..

إنه لأمر محزن أن يعجز الإنسان عن نقل مشاعره إلى الآخرين كما هي بكل مداخلاتها وتفاصيلها بعيدا عن نمطية السرد والإنشاء المتكلف فيه ، وهنا تكمن المشكلة إلا أن كل ذلك لم يمنعني من محاولة تجسيد ذلك الجمال وترجمته للآخرين وهو ما بذلت معه وسعي ..
.. تلك الخواطر شغلتني عن سرد بقية تفاصيل رحلتنا الممتعة في جزيرة تحمل الكثير من المتناقضات إذ يستقر الجمال في أعلاها ويرزح الفقر والبؤس والطيبة والكرم بأسفلها وإن لم يكن ثمة تناقض بين الحالين إلا أنه بالإمكان الاستفادة من جمال الغابة وروعتها في إثراء أهل الجزيرة وإزالة النكد المنتشر على وجوههم بفعل عوامل سياسية يجدر بنا الإعراض عنها ونحن في مقام الكتابة عن لوحة فنية خلقها الله في هذا المكان ، ولعلني أعود بعد ذلك إلى نفس المكان الذي تركتكم عنده قبل عدة سطور لأرى الساخر دائما " عصام" يهزأ بنا بعد أن استظرفنا التسلق على أشجار المانجروف وكأنما نحن قرود برية على حد وصفه " عصام " لنا الأمر الذي جعلنا نرد عليه سخريته تلك بما جعله يدق صدره بعد أن وصفناه بالغوريلا الساذجة في حضرة قرود برية وهو الذي لم يستطع تسلق الأشجار مثلنا لضخامته ..

.. كنت أبالغ في التقاط الصور بكاميرتي الديجتال لهذا المكان الرائع بعد أن أحزنني تعطل كاميرا الفيديو السوني مع بداية وصولنا إلى الغابة ، إن الصورة الساكنة أقوى بكثير من الصورة المتحركة فهي تحبس المكان بكامل الدهشة التي تفصح عنه ، بعكس الصورة المتحركة التي تأخذ المشاهد في تفاصيل متعاقبة تنسيه متعة البحلقة في مكونات الجمال الصرف .. وهنا يكمن السر في ديمومة الحضور لأعمال كثير من الفنانين العالميين بلوحاتهم الزيتية الفريدة على الرغم من كوننا في عصر الصورة الأشد حركة ووهجاً إلا أن الصور الساكنة لها مذاق فريد كأنما هي سلافة الخمر في حضرة مدمن عريق ، أعاذنا الله من ذلك ..

.. قمت بالتركيز على محاولة انتزاع قدر كبير من ذلك الجمال بطريقة رقمية في عدة مئات من الصور لتفرد المكان .. فتظل تلك اللحظات خالدة في وجداننا كلما طالعنا تلك الصور بعد ذلك بوسائل رقمية متنوعة .
.. كيف لا وقد غاصت أقدامنا في ما لم تألفه من قبل عند محاولتنا القفز بين أشجار المانجروف المتشابكة وهو ما جعل البعض يسقط لا إلى البر بل إلى المياه الدافئة لينال قسطاً من سخرية الأسماك الملونة ..

.. كل مشاهد الجمال التي تخللتنا تبخرت فجأة بإصرار الأمير " حمدي " ذو النزعة السادية على رحيلنا بعد نصيحة سائق القارب له مخافة أن تدق قعر القارب إحدى الصخور الناتئة عند انخفاض مستوى المياه في المنطقة ..
.. دخلنا مع أميرنا في رجاء يائس لعلنا نواصل البقاء هنا قليلا ونحن لمَّا نكتشف منه إلا نحو 5% فقط ، ونحن نعلم أن الغابة البحرية تمتد على مساحة تقدر ب 25 كم مربع وأن هناك مزيدا مما يستحق معه أن نظل هنا إلا أن اقتراب الوقت من منتصف النهار ونحن في يوم جمعة جعلنا نصعد ببطء شديد إلى القارب وسحابة حزن تسرق عناصر الدهشة والجمال من وجوهنا وكأنما نعيد تمثيل دراما أبونا الأول عند خروجه من نعيم الجنة إلى كدر الدنيا ..

وعقب وصولنا إلى رصيف الميناء تسارعنا في لملمة أشياءنا ونحن نودع ابتسامات الأهالي الطيبين وبعض الأطفال لا يزالون كما أول مرة رأيناهم فيها عند وصولنا الجزيرة يتقافزون إلى البحر العميق جوار رصيف الميناء ..

.. وكان من شهامة دليلنا السياحي " يحي المعذلي " أن أصر على مرافقتنا حتى ميناء الصليف المقابل للجزيرة الذي وصلنا إليه وخلفنا تلوح كمران الجزيرة الأكثر إثارة بين الإرخبيل البحري لجزر البحر الأحمر ..
لم نكن ندرك أثناء عودتنا أن ما شاهدناه ولمسناه على تلك الجزيرة سيظل فيضاً يسري ودهشة ً تلوح لدراما متنوعة عشنا أحداثها لحظات قلقة وأمسية هانئة ومشاعر مزدوجة للجمال والألم وقسوة الطبيعة وفوق كل ذلك قلوب بيضاء كأنما هي بياض الثلج لأناس يمنيين بسطاء جداً ، يحاولون العيش في جنة ٍ ناقصة المعالم اسمها " كمران "
أتمنى أن أكون قد وفقت في سرد التقرير وتنظيم الصور وأتمنى لكل من قرأ التقرير أن يشيد به في مشاركاته لأن التقرير مقدم للفوز بجائزة الموقع , وأتمنى لكم أن تزوروا هذه الجزيرة الرائعة ..
وأية خدمة أنا بانتظاركم
أخوكم / أبو زكريا / عبد السلام عبد العزيز السياغي
اليمن - صنعاء
ممنوع وضع ارقام خاصة وايميلات - ملبورن
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابوسعد11
ابوسعد11
في ختام تقريرك الجميل لا يسعني ألا أقدم الشكر الجزيل لشخصك الكريم
فأنت أتحفتني بهذا التقرير وأشعرتني وكأني مرافقكم
فالله يعطيك العافية
لا تحرمنا من جديدك

M E D A N
M E D A N
تقرير مميز الله يعطيكم الف عافية


خصم يصل إلى 25%