ما لبثنا أن لوحنا بأيدينا مودعين البحيرة التي احتضنتنا لساعات ..تبادلنا عبارات الوداع مع عبد العزيز وصديقيه..وها نحن في طريقنا إلى منابع نهر أم الربيع تحينا أشجار الأرز الساحرة .. تلك الشجرة تقف منذ عقود بكل شموخ واعتدال في تحد سافر لأجواء الأطلس القا سية ...تظلل القادمين إليها من كل بقاع العالم......
بقيت امامنا مسافة 30 كلم تقريبا ، وقد قطعناها في ظرف خمسين دقيقة لانها محفرة وبها الكثير من المنعرجات الخطرة. الطريق قد تفاجئك في اية لحظة لذا يرجى التزام اقصى اليمين والسير ببطء...عندما ستطل على منابع نهر ام الربيع ستنسى مشقة السفر بالكامل...
المكان جبلي وموحش، لا شيئ يصد عنه الوحشة غير هذا الكم الهائل من السائحين الذين أتوا للإستمتاع بآخر أيام الآحاد قبل حلول شهر رمضان المبارك...أفواج هائلة من السائحين وسرب طويل من السيارات يستضيفهم هذا المكان الرائع على صغره بكل الحفاوة المعهودة في الأطلس وأهاليه...
بالكاد وجدنا فسحة ركنا بها سيارتنا ، وانطلقنا بكل خفة ونشاط نتسلق الدرجات التي بنيت خصيصا كممرات للراجلين...في طريقنا الى احد الشلالات العظيمة استوقفني منظر جميل جدا. كان أحدهم قد بنى حوضا لتربية السمك على محاذاة الممرات مستغلا تدفق المياه التي تنفجر من كل مكان...هذا الحوض يبيعك السمك الطري الذي تستطيع اخراجه بيدك من بواسطة شبكة وضعت خصيصا لهذا الغرض...ورغم ولعي الشديد بالسمك الا ان الوقت لم يسعفني ليكون وجبتي الشهية لهذا اليوم الجميل...
طوال الطريق بين البحيرة الخضراء ومنابع النهر ،استوقفني مشهد مؤلم للغاية.أطفال صغار لا تتعدى اعمارهم اربع او خمس سنوات زرعوا على الطريق لممارسة مهنة التسول؟؟.وقد اقنعتني خبرتي كمواطن مغربي ان هؤولاء لم يخرجوا الى هنا بسبب الفقر فقط...لا شك ان هناك اياد خفية هي التي تدفعهم للتصنم امام شمس الصيف الحارقة على جنبات الطريق ولساعات طويلة من دون اية حركة غير ما تنطق به عيونهم المليئة بالخوف والضياع... استطيع ان اجزم انهم يتعرضون للعنف إذا رفضوا الوقوف على ناصية الطريق.ولتوي فكرت لو استطيع تاسيس جميعة لحمايتهم ومعاقبة المسؤولين عن استغلال هؤولاء الابرياء..مشهد مؤسف حقا مزقني ويمزقني وسيبقى الى ان تسعفني الذاكرة على نسيانه....
المياه تنفجر من كل مكان وتبعث فيك خفة غريبة وإحساسا بأنك أتيت متأخراجدا...يقال ان عدد عيون النهر هو : 44 عينا لكن الوقت لن يسمح ابدا لاي زائر بالتاكد من الرقم. الضفة الجنوبية للنهر تنفجر منها مياه حلوة بينما يحدث العكس في الضفة الشمالية اذ تنفجر منها مياه مالحة كمياه البحر. سبحان الله بضعة امتار فقط لكن الطعم يختلف.
بحثنا عن فسحة بين الصخور لاستئجارها من مالكها . فالاهالي هنالك يمتلكون فسحات { مفروشة } بافرشة بسيطة يستأجرونها في وقت الذروة ب 100 درهم .لكننا بذلنا جهدا قبل ان نحصل على نصف فسحة فقط إذا جلسنا الى زاوية وجلست بجانبنا اسرة من اربعة افراد.عندما مد مصطفى رجله قليلا نبهه احد الجالسين الى جانبنا قائلا انك تجاوزت الحدود. كانت مزحة كسرت الصمت بيننا فاعطيناهم بطيخا واعطونا بطيخا بدورهم . اكترينا هذه النصف فسحة ب 100 درهم على ان نستغلها لساعتين فقط ، فقد توسل الينا صاحبها على عدم اطالة البقاء بها ليتمكن من بيع اكبر عدد من الطاجين الذي اعده ليبيعه في هذا اليوم. وقد شرح لنا بكل امانة انه سيخسر ان نحن بقينا هنا طويلا . كان شخصا لطيفا ومحترما لذالك تركناه بعد ساعتين تماما وقد مرتا بسرعة خاطفة كما تمر كل اللحظات الجميلة...
نجلس الى هذه الضفة وقبالتنا مباشرة تجلس عائلات رفقة صغارها.الفرحة وروعة المكان ترفرف علينا جميعا.لكنني اؤكد ان مصاحبة الصغار الى هنا سيتوجب اتخاذ كامل الحية والحذر وعدم الاغفال عنهم ولو للحظة واحدة. فخطر الانزلاق في الوادي وارد جدا لاننا نجلس على الضفة فقط من دون اية شبابيك حديدية او حواجز للحماية.وقد حدث هذا اليوم ايضا لكن احدهم تدخل في الوقت المناسب. الوادي ليس عميقا جدا لاننا اصلا في المنبع لكن بالنسبة للأطفال يبقى حتى حوض السباحة المنزلي خطرا عليهم. تحت صخرتنا مباشرة كانت المياه تندفع هديرة وبقوة لن تستطيع الصمود معها ان لم تتشبت بصخرة او جذع شجرة. ..مياه قارسة جدا في شهر غشت الملتهب ؟؟؟ تخرج من باطن الارض مندفعة كأنها في ذروة شهوتها الى الجريان.. تضع رجلك فيها فتتجمد في اقل من دقيقة .؟؟؟ كنت اعرف ان المياه تخرج من باطن الارض دافئة ولكن يبدو ان هذه النظرية غير واردة هنا بالمرة... المياه تندفع باردة جدا ولا فرق بينها وبين الثلج ...
تستطيع اجراء اتصالاتك الهاتفية .فعلى بعد 500 تقريبا ينتصب عمودان جنبا الى جنب اكيد انهما لشركتي ميديتيل و اتصالات المغرب . اتصلت باسرتي ...كانت الكلمات تتثاقل على لساني...كم تمنيت لو كنت رفقة زوجتي وصغيراي...هي امنية ستسبب لكم اسى عميقا بدوركم لذلك لا انصحكم بالمجيئ دون اطفالكم. فالمكان آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمن جدا والناس لطفاء الى حد لا يوصف.هذه ليست مبالغة .انها حقيقة انشرها الان امام العالم باسره.فالمكان غني بكل ما يروق للاطفال وهو يستحق الزيارة فعلا.
مكالمة هاتفية من بيت الوالدة بالخميسات ستقلب برنامج رحلتنا .فقد جاءنا ضيوف ويتعين علينا الإلتحاق والغاء السفر....كانت الطريق طويلة جدا الى مدينتنا عل عكس ما كانت عليه ونحن نغادرها... تركنا منابع النهر عند العصر ، وعند العاشرة ليلا كنا قد نزلنا بحمد الله وسلامته بالخميسات.
طوال رحلتي كان منتدى العرب المسافرون نصب اعيني .قلت لا يمكن ان اترك هذه الفرصة تفوت اصدقائي. سأرويها لهم على الأقل وهذا أبسط حقوقهم علي. لكنني تأخرت كثيرا في هذا.فقد وعدتكم في شهر رمضان المبارك الا انني لم اف بوعدي الا اليوم؟؟؟ فتقبلو اعتذاري الكبير وتجاوزوا عن اخطائي وتحملوا بصدر واسع اطالتي في الموضوع.صدقوني انست بكم كثيرا الان وانا في مكان بعيدا عن اسرتي اكتب على ورق على ان اطبعها فور عودتي ان شاء الله.
تركت لكم الامل والسعادة... والى اللقاء