- في صباح أول ايام عيد الفطر
باريس..حلم تخطى المقاييس
في صباح أول ايام عيد الفطر
وتحديداً عند اعلنت عقارب الساعة وصولها الى الخامسة والنصف من فجر ذلك اليوم
كان ذلك ايذاناً بوصول قطار العمر لمحطته الخامسة والثلاثين وكنت أنذاك بجانب صديقي متخذاً مقعدي في اكبر طائرة في العالم التي كانت في طريقها للاقلاع الى محطة الترانزيت في دبي ثم الى اوروبا القارة العجوز بعد ذلك في رحلتى الاولى لاراضيها.
كنت افكر بهذا الموعد الغريب للسفر والذي يعني ابتعاداً قسرياً عن اسرتي الغالية وعدم مشاركتي لهم فرحة العيد..
كنت افكر بمدى انانيتي لاختياري هذا اليوم للسفر ثم اقول لنفسي لم يكن هناك من خيار آخر فكل الظروف اجتمعت لتجبرنا على السفر في يوم العيد
كنت افكر هل انا مستاء حقاً من هذا الترتيب ام ان ذلك توافق مع رغبة خفية في اعماقي للهرب من فرحة العيد..فرحة العيد التي لا استطيع تذوقها منذ العام الماضي وكيف السبيل لذلك بعد فراق الحبيب الغالي لنا
يا رب اغفر لوالدي وارحمه واعف عنه واكرم نزله,اللهم نور له قبره ووسع مدخله وآنس وحشته اللهم افتح له ابواب جنتك برحمتك يا ارحم الراحمين.
بعد انتظار ساعات عدة في تيرمنال 3 بمطار دبي الرائع اقلعت بنا الطائرة اخيراً صوب وجهتنا..
توجهت ببوصلة افكاري نحو رحلتي هذه ووجهتي الاولى في اوروبا
باريس
المدينة التي دائماً ما يختلف حولها العرب المسافرون..
هل سأستمتع بزيارتي لها..
هل كانت غلطة ان نختار البقاء فيها لثلاث ليالي بدلاً من الانطلاق مباشرة نحو الارياف ونحو الطبيعة فدائماً ما كنت اقول لنفسي ان ابتعد عن سياحة المدن..
هل باريس حقاً تستحق كل القابها تلك
مدينة العشاق..
مدينة الحب..
مدينة الجمال..
مدينة الفن..
هل باريس فعلاً هي مدينة الأنوار..
في ظل هذه الافكار كنا قد بدأنا نجوب أجواء الاراضي الفرنسية وكانت باريس تقترب اكثر واكثر من واقعي..
انتظرت ان تنقشع كل تلك الافكار
واقتربت من النافذة ملقياً نظرة على الارض
كان المنظر رائعا بلا شك ولكن يطغى عليه اللون الاصفر..وهل نهرب من اللون الاصفر بديارنا لنجده بإستقبالنا هناك..
ما الذي اتى بنا الى باريس والى فرنسا كلها..هكذا قلت لنفسي..
هبطت بنا الطائرة..لممنا اغراضنا وتوجهنا مع السائرين..
اتممنا اجراءات الدخول..استلمنا امتعتنا..غادرنا المطار..
ووطئت اقدامي ارض الواقع
استنشقنا اول نسمات باريس مائلة للبرودة كانت..
استقللنا التاكسي وكان الليل قد ارخى سدوله على المدينة..
شوارع باريس كئيبة ومظلمة ومعتمة
باريس مدينة النور..
من قال هذا والمدينة تبدو مقارنة بمدننا وكأن الكهرباء مقطوعة عنها..
متى سنغادر هذه المدينة..
في صباح يومنا الاول نزلنا من الفندق مباشرة لمحطة المترو المجاورة..
ما زالت العتمة مستمرة..
وصلنا لمحطتنا وهرعنا بإتجاه مخرجها
والى الاعلى صعدنا ونور النهار يعمي الابصار..
وصلنا للاعلى وتركت عيناي شبه مغلقتين لتتكيف مع ذلك النور وعندما فتحتها رأيت امامي هذا المنظر
عندها كل ذلك النور الذي مر عبر عيني تسلل لقلبي فأضاء قلبي نور باريس وانعكس على وجهي بإبتسامة جذلة..
عندها ايقنت اني
سر مع السائرين
او استقل هذه الوسيلة
او تلك
ربما تفضل مركباً نهرياً..
او تاكسياً عصرياً..
وسواء انفقت القليل في جولة عشرين دقيقة هنا..
او اضعاف اضعاف ما دفعته هناك هنا ولنفس المدة..
فستجد نفسك وجهاً لوجه مع التاريخ
ان كنت بالاسفل فستشهد مدى عظمته
وان كنت بالاعلى فستشهد انهم لايتوقفون عند الماضي بل يسعون للمستقبل
في باريس الفن ليس حبيس الجدران فقط
فالفن في كل مكان
بل وحتى الجدران تشكل فناً في بعض الاحيان
في باريس لن تحتاج الى منظار لرؤية الجمال
فرمز جمالها تراه من كل مكان
وان لم يكفيك ذلك فإنظر بإي اتجاه
انظر للمباني
او انظر للشوارع
فشوارع وارصفة باريس مدهشة
وفي شوارعها تلك ستسير كثيراً
وستجبر على التوقف اكثر
امام غير المألوف حيناً
وحيناً امام امر اسعدك في ماضيك ويسعد اطفالك في حاضرهم
فشوارع وارصفة باريس ليست مساحات للمارين والعابرين فقط
فهناك مساحة للمقاهي
ومساحة لعرض مرتجل في مكانه وزمانه
ومساحة للعب
ومساحة للاسترخاء
ومساحة للتسوق
ومساحة للذكرى
والاهم مساحة
للحب
في شوارع وارصفة باريس مليئة بالتناقضات ففيها القديم
والحديث
فيها من يستدر عطف واحسان الناس
وفيها من يستدر اعجابهم ونظراتهم
ولا تدري من منهما يستحق شفقتك اكثر
باريس متألقة نهاراً
ويزيد القها مساءً..
اذن هل باريس فعلاً مدينة النور؟
اعتقد اينما كانت الزاوية التي تنظر فيها لباريس
هي فعلاً مدينة الانوار
كونوا بالقرب احبتي لتعيشوا معي تفاصيل الحكاية.
الحمد لله على سلامة الاسفار ابا فارس
مقدمة رائعه مليئة بالعبارات الرنانة التي تستحقها باريس
وصور رائعة تظهر جمال المدينة
وبتأكيد سوف نكون بالقرب ..
تحياتي لك