1. أحد جوامع المدينة


2. ازقة المدينة

تينيسي وليامس وبول بولز وجون جوني وشكري وماتيس
مقاهي طنجة وفضاءاتها ألهمت مبدعين عالميين

أحد جوامع المدينة

تجاوزت شهرة مقاهي مدينة طنجة المغربية وفنادقها، ، أوروبا والعالم العربي لتبلغ أميركا، وأوحت كتابات روائيين عالميين أمثال بول بولز وتينيسي وليامس وجون جوني ومحمد شكري...بالإضافة إلى تشكيليين كبار أمثال ماتيس ودولاكروا.
مقاهي هؤلاء المشاهير كانت مادة خاما لبعضهم كي ينسجوا قصصا وإبداعات ستظل خالدة في الأدب العالمي. ومع بداية القرن العشرين ونتيجة للوضع الدولي الذي كانت تتمتع به المدينة، بدأ كتاب أميركيون وأجانب يتوافدون عليها، بحثا عن سحر الشرق كما هو الحال لكبار التشكيليين الفرنسيين من أمثال ماتيس ودولاكروا، أو هربا من الحضارة الغربية، كما هو الحال لجماعة "بيت جينرايشن" الأميركية، وفيما بعد "جيل الغضب". والأب الروحي للجماعة الأولى، على ما يعتقد أعضاؤها ليس سوى الكاتب الأميركي الشهير بول بولز، وإن كان "ينفي علاقتهم بهم" كما يوضح الباحث في هذا الأدب عبد العزيز جدير. فماتيس زار المدينة وأقام في فندقها "كرانت أوتيل فيلا دو فرانس" لأسابيع "وصل خلال فصل الشتاء، وتهاطلت الأمطار بغزارة، لذا لم يبرح غرفته في الفندق المطلة على المدينة"، وفق ما يروي الباحث جدير عبد العزيز، ويضيف: "لوحاته ال12 التي رسمها خلال مرحلة مروره بطنجة تحضر فيها النافذة، والسبب هو أن الفنان التشكيلي ظل في الفندق يراقب المدينة عبر نافذة غرفته". وقد أغلق هذا الفندق منذ قرابة سبع سنوات. كما أن كبار الكتاب ترددوا على "الأنتركونتنانتال" في وسط المدينة .
كان التشكيلي الفرنسي يتردد على الفندق الذي زاره كتاب كبار، فبول بولز أقام فيه خلال زياراته الأولى إلى المدينة قبل أن يقرر الإقامة فيها.
وعلى بعد أمتار من مسرح "سرفانتيس" الذي تحول أطلالاً، فضاء كان احتضن أعمالا إسبانية واستقبل نجوما من الجارة الشمالية للمغرب. وفي السوق الداخل القريب من مسرح "سرفانتيس" زقاق ضيق يحمل اسم "ممر الصباغين" يفضي بالزائر إلى ميناء المدينة ومحطة القطار السابقة. هذا السوق كان مادة خاما لأحد أعمال الكاتب المغربي الراحل محمد شكري، استمد من عوالمه حكايته. وفي تقاطع هذا الممر مع "طريق الموحدين" يقع مقهى "طنجيس"، نسبة إلى أحد الأسماء القديمة للمدينة. ويرجع مؤرخون الاسم إلى العهد اليوناني، وفي تفسير آخر، تحكي الأسطورة أنه أطلق على المدينة منذ زارها سيدنا نوح بسفينته، وأنه خلال إبحاره أطلق طيوره لاكتشاف المنطقة، فعادت والطين عالق في أرجلها، فأطلق عليها اسم "طين جا".
تينيسي وليامس، الكاتب المسرحي الأميركي الكبير، كان ضمن "جماعة بيت"، واتخذ من طنجة وعوالمها وشخصياتها وفضاءاتها مادة خاما لبعض أعماله السينمائية والمسرحية، كما يؤكد جدير، ويضيف: "في أحد الأيام، حكى لي وليامس أن هذه المنطقة الشعبية، في إشارة إلى ممر الصباغين ومقهى "طنجيس" تجسيد للعالمية، ذلك أن الجالس في المقهى يلتقي في يوم واحد جنسيات مختلفة ويسمع في الدقيقة الواحدة لغات متباينة ومختلفة، لغات هذا العالم".
كان تينيسي وليامس، المهووس بهذه الفكرة يجد تجسيدها في المقهى وفي طنجة، ويعتبر من يوجد في المدينة "مواطن عالمي"، وظهر تجسيد المقهى واضحا، كما يوضح جدير، في مسرحيته التي اختار لها اسما إسبانيا وكتبها بالإنجليزية واستمد شخوصها من المغرب "كامينو ريال" أو "الطريق الملكي". ويؤكد الباحث أن "طنجيس" مجسد صغير للعالم المستقبلي كما تصوره الكاتب، وتبرز إحدى خصوصيات المدرسة الأميركية التي تتشبث بالفضاء. وبعد سنوات من وفاته ، منذ أشهرتحديداً، جاء طلاب المدرسة الأميركية إلى الفضاء نفسه، ليقدموا المسرحية نفسها "كامينو رويال" تكريما للكاتب والفضاء معا.
جلس وليامس فترات طويلة، خلال إقاماته في طنجة، في المقهى على كراسيه الخارجية، لم يفقد الفضاء سحره، كراس في الخارج رتبت بعناية يشرف عليها نادل كبير السن، كثير الاهتمام بأناقته، يرتدي لباسا أبيضا مع ربطة عنق وسروال أسود، يحدث الزبائن بأدب وباختصار، يحرص على أن يرسم ابتسامة غير متصنعة على شفتيه، ما أن رأى النادل سيدتين أميركيتين مسنتن، حتى قبلهما باحترام على طريقة نجوم هوليود في الستينات، سألهما بلغة وليامس عن أحوالهما قبل أن يخرج زميله المكلف بزبائن الفضاء الداخلي للمقهى، لتحيتهما، يبدو النادل الثاني أكثر تأثرا بالثقافة الأميركية، تسريحة شعره تشبه تسريحة الممثل والرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، عاد النادل الأول حاملا فنجانين من القهوة إلى السيدتين الأميركيتين، في حين كان الزبائن الآخرون من أبناء طنجة يرتشفون القهوة بالحليب في كؤوس زجاجية.

ازقة المدينة

الزبائن في الداخل غير معنيين بما يحدث خارج القنوات الرياضية الإسبانية وشرب كؤوس الشاي بالنعناع. في الخارج آخرون، بعضهم قاده الفضول إلى هذا الفضاء والبعض الآخر يشرب السجائر متأملا العالم الذي يحيط به.
قبالة "طنجيس" مقهى أخرى "المركز" يرتاده المغاربة والأجانب أكثر. وعلى غرار وليامس، كان محمد شكري، كما أوضح النادل، يفضل الجلوس في الخارج ب"طنجيس"، وفسر البعض ذلك برغبته في مضاهاة هؤلاء الكتاب الأميركيين.
ظل ذاك المقهى محط إقبال كثير من المثقفين فرنسيين وأميركيين، فهو قريب من الميناء، ومن الفندق الذي أقام فيه كبار المبدعين الذين مروا بطنجة "كونتينانتال". تبدو برزخا بين عالمين أو حضارتين الشرق والغرب.
في أركان الزقاق، وغير بعيد من "طنجيس" جلست مجموعة من المتسكعين والهامشيين الذين شكلوا شخوصا روائية لمجموعة من الكتاب المغاربة والأجانب.
قرب أشهر شوارع طنجة المعروف ب"البوليفار" يقوم مقهى "مدام بورت"، كان هذا المقهى الجميل ذات بهندسته المعمارية الرائعة والذي دشن في الأربعينات، قبلة يومية لكتاب كبار أمثال بول بولز وتينيسي وليامس وبرومان كابوتي. وكان يتردد عليه هندي كان يقرأ الكف لهؤلاء الكتاب.
أما الكاتب الراحل محمد شكري وصديقه المسرحي الفرنسي الراحل أيضاً جان جوني فكانا يترددان على مجموعة من المقاهي منها "النكريسكو"، وخلال أيام شكري الأخيرة قبل أن يهده المرض، كان "إلدورادو" فضاءه المفضل، وأمضى بعض الأوقات في مقهى "الروكسي" قرب شقته وبعض سينمات تحمل الاسم نفسه.